العالم يدفع الانكماش نحو أزمة منفلتة !

الثلاثاء 17 فبراير 2015 07:02 ص

لماذا فشل كبار المحللين في توقع انخفاض العائد على الاستثمارات في الدول المتقدمة خلال عام 2014؟

قد يكون الجواب المباشر أنهم كانوا متخوفين من تأثير تخفيض برنامج التيسير الكمي للاحتياطي الفدرالي بالمعايير غير التقليدية ومتجاهلين أهمية الخلل على الصعيد العالمي.

على صعيد الواقع لا يزال العالم فريسة لمعدلات غير مسبوقة من انخفاض الطلب أوصلته إلى الانكماش، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تحقق نمواً رزيناً جداً غير قادر على توفير الأسباب الموجبة لتشديد السياسة النقدية. وهناك مخاوف من أن يقع المحللون في نفس الخطأ عام 2015 أيضاً.

لنتأمل كبار المدخرين في العالم مثل اليابان. فسياسة "أبينومكس" تواجه صعوبات في معالجة الانكماش وتحفيز النمو الاقتصادي. والطلب الضعيف الناتج عن التراجع السكاني والزيادة في ضريبة الاستهلاك التي فرضت مؤخراً تعني أن البلاد تزيد من اعتمادها على شراء السندات وتخفيض قيمة الين بهدف زيادة ضغوط ارتفاع التكاليف التي تمكن البنك المركزي من تحقيق الهدف المرسوم لمعدل التضخم في حدود 2%.

أما الصين فتمر في مرحلة تحول غامضة بدأت معها استثماراتها بالانخفاض. وقد دفع ضعف الطلب المحلي أسعار السلع الاستراتيجية العالمية إلى مزيد من الهبوط. وتزداد الصعوبات التي تواجه المصدرين الصينيين في ظل موجة تخفيض العملات التي تجتاح العالم.

ويتم سوق منطقة اليورو باتجاه الانكماش بدفع متزمت نحو مزيد من التقشف لم يفلح في الحد من انتفاخ مديونية الدول كنسبة من ناتجها المحلي نظراً لركود الاقتصادات الأشد ضعفاً. وتوحي الخلافات بين أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي بأن الدول الأعضاء مقبلة على برنامج شراء سندات منفلت لا يمكن بدونه تحقيق الهدف المرسوم لمعدلات التضخم.

وهناك من يعتقد بأن ضغوط الانكماش عالمياً اشتدت بسبب تراجع زخم أداء الاقتصاد الأمريكي. ومنذ بداية فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لعبت الولايات المتحدة على حد قول ريتشارد بيتلي من مركز أبحاث "لومبادر ستريت"، دور بيت المقاصة للعرض والطلب العالمي من خلال توفير سوق امتص فائض الأسواق العالمية الأخرى. لكن طاقة العرض الفائضة لديها نفدت بعد عام 2008 بسبب استنفاد قدرتها على الاقتراض. وبدلاً من امتصاص فائض العرض عبر زيادة حجم ديون الأسر الأمريكية يتم امتصاصه حالياً عبر انخفاض الأسعار.

وتعاني كل الاقتصادات ذات معدلات الادخار المرتفعة حالياً من فائض في حسابها الجاري يتطلب تدفقاً للرساميل خارج البلاد. ونظراً لتخفيض قيم عملاتها تواجه تلك الرساميل تهديد تدني عائدات الاستثمار عليها خارج الحدود خاصة في منطقة اليورو واليابان، كما تواجه تراجعاً في عائدات الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية فضلاً عن احتمالات ارتفاع قيمة الدولار. وهذا ما يفسر تراجع العائد على تلك السندات العام الماضي رغم تكامل انتعاش الاقتصاد الذي يفترض أن يدفعها صعوداً.

ويبدو أن توليفة ارتفاع الدولار وانخفاض العائد على سندات الخزانة سوف تدوم طويلاً. أما في الدول الأخرى ذات معدلات الادخار المرتفعة فالعائد على السندات السيادية مرشح للارتفاع خاصة الدول التي يلوح في أفقها شبح الإعسار، كما هو الحال في اليونان بعد الانتخابات الأخيرة. وتبدو الأسواق أكثر حماساً لشراء أوراق دين الدول المحيطية في منطقة اليورو. وفي ظل الشروخ التي تشوه صورة العملة الموحدة وتلكؤ البنك المركزي في إطلاق برنامج التيسير الكمي والسياسة المالية المتحفظة التي تتولى ألمانيا قيادتها، فإن ذلك الحماس قد لا يطول أمده.

أما الأسواق الناشئة فسوف تشهد أوقاتاً صعبة خلال فترة الانكماش هذه. وقد تتحول إلى عقبة في وجه الاستقرار المالي العالمي وليس فقط في روسيا. فحجم الديون غير النقدية المقومة بالدولار خارج الولايات المتحدة تجاوز 9 تريليونات دولار حسب تقرير لبنك المقاصة الدولي مقارنة مع 6 تريليونات دولار مطلع عام 2010. ونتج القسم الأكبر من الزيادة عن سندات الشركات في الأسواق الناشئة مستغلة شغف المستثمرين بالعائدات المرتفعة.

ولا بد أن تسفر فوضى العملات عن تعزيز مكانة الدولار التي تؤدي بدورها إلى مزيد من التشدد في السياسات المالية لأن محاولات تسديد الديون المقومة بالدولار ستزيد من قوته لنسقط في الدائرة المفرغة. والنتيجة عالم مخيف محفوف بالمخاطر الجيوسياسية وحرب عملات بلا هوادة وضغوط حمائية وكلها تدفع الانكماش المنضبط إلى أزمة منفلتة في غياب الحكمة السياسية المطلوبة.

المصدر | جون بليندر | الخليج

  كلمات مفتاحية

الاقتصاد العالمي الانكماش الاقتصادي النمو الاقتصادي التحفيز أزمة منفلتة برنامج التيسير الكمي الاحتياطي الفدرالي معايير غير تقليدية سياسات مخاطر جيوسياسية حرب عملات ضغوط حمائية