الهند .. موازنة تُقلق الفقراء

الأحد 15 مارس 2015 04:03 ص

جاءت الحكومة الهندية الجديدة إلى السلطة في شهر مايو من العام الماضي بأغلبية واسعة بهدف واضح تمثل في إطلاق مجموعة من الإصلاحات الرامية إلى تحفيز النمو الاقتصادي وخلق الوظائف، ولكن على مدى الأشهر التسعة الأخيرة وعلى رغم الخطوات التي أقدمت عليها الحكومة في اتجاه الإصلاح مثل تحرير بعض قطاعات الاقتصاد من قبيل الإنشاءات والدفاع، إلا أنها فشلت مع ذلك في تحقيق تطلعات الجمهور الواسع في عدد كبير من القطاعات الأخرى بما فيها الاستثمارات الأجنبية.

وكانت الموازنة الأولى للحكومة فرصة لتجسيد تلك التطلعات وأيضاً والوفاء بتعهداتها الانتخابية. غير أن ما رأينا في الموازنة التي تم إقرارها لا يسير في اتجاه الإصلاح المطلوب، حيث سعت الحكومة إلى الموازنة بين مطالب عدة، فهي بالنسبة للفقراء تعهدت بالتصدي للفساد الذي يطال عملية توزيع الدعم، هذا ناهيك عن وضع تصور لتعميم التأمين الاجتماعي على الهنود، فيما خصصت للطبقة الوسطى وعودها الخاصة مثل تحسين البنية التحتية وعدم المساس بالإعفاءات الضريبية. وتعهدت لطبقة رجال الأعمال بتسهيل الإجراءات البيروقراطية، وكذا خفض الضريبة على الشركات من 30 في المئة إلى 20 في المئة على مدى السنوات الأربع المقبلة.

لكن على رغم هذه الإجراءات المرْضية للجميع، ظلت الموازنة العامة قاصرة عن الارتقاء إلى مستوى الطموح، بل ظلت بعيدة جداً عن الإصلاحات الكبيرة والجوهرية التي روّج لها في السابق.

وكان البعض يتوقع أن تقلص الحكومة من الدعم، أو أن تضع خطة طموحة لفتح عدد من القطاعات الاقتصادية أمام الاستثمار الأجنبي، بل حتى الدراسة الاقتصادية التي تجريها وزارة المالية وتسبق الإعلان عن الموازنة دعت إلى «التحرك بجرأة» لترشيد الدعم الحكومي لبعض القطاعات، وخلق أجواء من المنافسة المفيدة، وأيضاً إصلاح القانون الضريبي. وأضافت الدراسة الاقتصادية أن الوضع العام للاقتصاد الهندي مهيأ في هذه الظرفية لتحقيق نمو ملموس يصل في 2015 و2016 إلى 8,5 في المئة مقارنة بنسبة النمو الحالية المتمثلة في 7,4 في المئة.

لكن الرسالة التي حملتها الموازنة تقول إن الحكومة ليست منشغلة تماماً بحوالي 90 في المئة من السكان، وإن مهمتها الحقيقية هي الدفاع عن مصالح القلة الغنية، فبدعوى الحد من العجز في الموازنة وتقليصه إلى 3,9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي ألغي عدد من البرامج الاجتماعية. وعلى رغم كل الحديث الرائج عن تمكين المرأة تم تخفيض المخصصات المرصودة لهذا الأمر، ومعها أيضاً الاعتمادات المالية المخصصة للصحة والرعاية الاجتماعية للأسر، وكذلك لقطاع الإسكان والحد من الفقر.

وكان مما جاءت به الموازنة الزيادة في درجة اعتماد الحكومة على الضرائب غير المباشرة، الأمر الذي سيكون له تأثير مباشر على المواطنين العاديين الذين لاشك أنهم سيتأثرون بارتفاع أسعار الخدمات والسلع، حيث من المتوقع أن ترتفع الضريبة على الخدمات بنسبة 14 في المئة. أما فيما يتعلق بالأغنياء فيبدو أن الحكومة غفلت عن هدف تقليص العجز، ولاسيما أن الموازنة أغدقت عليهم التخفيضات الضريبية، كما أن الضرائب المباشرة التي تستهدف الأغنياء تم الحد منها.

والأمر لا يتعلق بأصحاب المداخيل العالية الذين استفادوا من تقليص الضريبة، بل أيضاً بأصحاب الثروات، وبما أن 1 في المئة من الهنود يملكون أكثر من 49 في المئة من ثروة البلاد فإن التقليص من الضريبة على الثروة يعزز فقط مواصفات «باهاراتيا جاناتا» باعتباره حزباً يقف إلى صف الأغنياء. هذا ولم يستثنَ قطاع الشركات من الريع الضريبي، حيث ستخفض الضريبة على الشركات من 30 في المئة كما أسلفنا إلى 20 في المئة.

وبحسب الخبراء الاقتصاديين ستؤدي الموازنة التي أعلنت من قبل الحكومة إلى مزيد من تدهور الوضع بالنسبة للمواطن الهندي الفقير، كما أن تقليص النفقات الاجتماعية والرفع من الضرائب غير المباشرة من شأنهما المساس بالاستهلاك ما سيفضي إلى تراجع النشاط الاقتصادي. وبالحد من الاستهلاك وتقويضه لن تنفع أي إجراءات حكومية أخرى في دفع عجلة النمو الاقتصادي مهما قدم من تنازلات لقطاع الشركات.

وبدلًا من تطبيق الخطط الاقتصادية التي وعدت بها الحكومة في الانتخابات يبدو أنها مهتمة أساساً بالحساسات السياسية الضيقة، حيث خصصت لولايتي بيهار وبنجال دعماً اقتصادياً سخياً يصل إلى 200 مليار روبية في الموازنة الحالية كنوع من الرشوة السياسية قبيل الانتخابات المحلية التي ستشهدانها في أواخر السنة الجارية.

* د. ذكر الرحمن رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي

  كلمات مفتاحية

الهند الميزانية الجديدة الاقتصاد الوظائف الرشوة السياسية حكومة مودي النمو

الهند اقتصاد ضخم واستثمارات لا تواكب متطلبات التنمية

الغرام الهندي الإسرائيلي إلى العلن: مفاوضات لإبرام صفقات عسكرية ضخمة

أمريكا ترى فرصة تعاون مع الهند فيما يتعلق بالدولة الإسلامية

«أوباما» يكشف التوصل لانفراجة مع الهند بشأن ملف التعاون النووي

«ربيع» بين إسرائيل والهند.. على حساب العرب!

الهند تجني أكثر من 12 مليار دولار من هبوط النفط

الإمارات تبحث تعزيز التعاون الأمني المشترك مع الهند

الصين والهند توقعان 26 اتفاقا تجاريا بقيمة 22 مليار دولار

«محمد بن زايد» يستقبل رئيس وزراء الهند في أول زيارة للإمارات منذ 34 عاما