استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الاستشراق.. وتنميط العرب في أميركا

الاثنين 11 مايو 2015 03:05 ص

للسياقات التاريخية أثر كبير وحاسم في تنميط المجموعات العرقية والإثنية والدينية إعلامياً. يمكن أن تتغير الصورة النمطية مع الوقت، ولكن ببطء شديد. المؤكد أن هذه الصور النمطية لم تخلق فجأة، ولم يجتمع مجموعة من الأشرار ليلاً في أحد المحافل الماسونية ليقرروا ربط العرب بالتخلف والاستبداد، والسود بالجريمة، والهنود الحمر بالتوحش..الخ، بل هذه الصورة جلبت من سياقات تاريخية بعيدة، وتمت إعادة إنتاجها في الإعلام بصورة تضمن ديمومتها.

عند الحديث عن صورة العرب في الإعلام الأميركي فإننا نتحدث عن صورة نمطية موروثة من الأدبيات الأوروبية، والتي تشكلت خلال الحقبة الاستعمارية. وهنا، لا يمكن تجاهل تحليلات إدوارد سعيد في كتابه المركزي «الاستشراق».

يرى سعيد أن الغرب خلق واخترع الشرق ككتلة متجانسة، وُصِفت بالتخلف والرجعية والفساد والخضوع للاستبداد السياسية...الخ. في سياق صناعة هذا الشرق صُنع الغرب أيضاً، كوحدة متجانسة متقدمة وحرة وديموقراطية...الخ. أي الغرب كما يُراد تخيله، بعيداً عن الاستبداد والحروب والطغيان، أو يلخصه تزفيتان تودوروف بأنه أكبر سمات القرن الـ20 «نشأة الدولة الشمولية» والتي وُلدت في ألمانيا النازية.

خطورة الأدبيات الاستشراقية بحسب سعيد أنها ولدت تحت سياق الهيمنة الاستعمارية الأوروبية على الشرق، بما يعني أنها كتبت تحت ظل هذه الهيمنة والسيطرة من منطلق قوة. فالأدبيات الاستشراقية كُتبت على يد موظفين في دوائر استعمارية بريطانية وفرنسية، كجزء من النشاط الاستعماري. أو كُتبت كروايات وأدب تأثرت بأجواء الهيمنة، وإن لم تشارك في صناعتها بصورة مباشرة. لكن أجواء الهيمنة انعكست على تكوينها بالضرورة.

هذا ما يجعل الصورة التي كتبت عن الشرق في الأدبيات الأوروبية، وأحاديث «ألف ليلة وليلة» لا تشابه الشرق كما عرفه أهله، بل كما اخترعها المستعمر الأوروبي.

يمكن ملاحظة استمرار هذه الصورة المصنوعة المتوارثة من خلال ملاحظة الأخطاء السخيفة، التي تظهر في الإعلام الترفيهي الأميركي فور رسم صورة للآخر المختلف عن «الرجل الأبيض»، كاستخدام موسيقى هندية باعتبارها موسيقى عربية، أو استخدام لباس نسائي أفغاني باعتباره زياً تقليدياً سعودياً... الخ. فالخلط وسوء الفهم مستمر بسبب وراثة الصورة الاستشراقية وهيمنتها، بدلاً من محاولة تصوير الشرق بتنوعه واختلافه، بعيداً عن التحيزات التاريخية من خلال تأمل واقعه اليوم.

وربما أول خطوة للقضاء على هذه التحيزات التخلص من هذا التقسيم ابتداء، أعني ثنائية شرق-غرب. فلا يوجد شرق متجانس واحد يمكن إطلاق أحكام كبرى على جوهره، كما لا يوجد غرب بهذه الصورة التي يراد خلقها أبداً؛ فمفهوم شرق-غرب مضلل ومغالطة بحد ذاته.

ورث الإعلام الأميركي صورة العرب كمتخلفين، وفاسدين، وشهوانين من هذا السياق الاستشراقي يضع جاك شاهين ملخصاً لصورة العرب في الإعلام الأميركي باعتباره يرتكز على ثلاث صور: الرقص الشرقي، والتفجيرات الإرهابية، والشيخ المليونير.

لكل صورة من هذه الصور قصة وسياق. فالرقص الشرقي جاء من الحقبة الاستعمارية وفكرة «الليالي الشرقية» وشهريار وشهرزاد..الخ. بينما الصورتان الأخيرتان أقرب إلى الحقبة المعاصرة، ووُثقت بشكل كبير في فترة السبعينات الميلادية. إذ رُبط العربُ بالإرهاب من خلال تصوير أعمال المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الإسرائيلي الغاصب على أنها أعمال إرهابية. ورُسخت فكرة شيوخ النفط أصحاب الملايين بعد التلويح بإيقاف الصادرات النفطية العربية في 1973، وهو ما أدى إلى اختلال كبير في أسواق النفط آنذاك. فالصراع العربي-الصهيونية أثر بصورة كبيرة في صورة العرب الإعلامية في الولايات المتحدة.

هذه الصور النمطية يضاف إليها عوامل جديدة بشكل مستمر، من دون تأثر صلبها الاستشراقي؛ فدائماً ما يوصف العرب في أفلام هووليود بأنهم فاسدون، وشهوانيون، ومنافقون، وهنا يتم دمج النفاق بالتطرف الديني حد قتل النفس، في تصوير أحمق غير واقعي ومتناقض.

لو أردنا تركيز الحديث على محاولة تغيير هذه الصور النمطية في أفلام هووليود على سبيل المثال، فقد استطاعت بعض الأقليات العرقية التأثير في الصورة النمطية المتداولة عنهم في الأفلام السينمائية من خلال المشاركة في الإنتاج السينمائي. وهذه ليس بالأمر السهل، لكنه ممكن. وفعله السود والمكسيكيون. فدخول أفراد من هذه الأقليات إلى هووليود منتجين وممثلين ومخرجين أسهم في تغيير الصورة النمطية للسود والمكسيكيين بشكل ملاحظ، وإن كان من دون المتوقع حتى الآن.

غالباً ما كانت المشكلة في التنميط من خلال السينما في الاقتصار على الصور النمطية وتجاهل تنوعات البشر. ليست المشكلة في تصوير شخص أسود كمجرم أو رجل مكسيكي كزعيم عصابة، أو عربي كمتطرف ديني أو شهواني...الخ. المشكلة في كون الإعلام الأميركي لا يُظهر هذه الأقليات -غالباً- إلا بالصور النمطية المتداولة عنهم.

فهووليود تصور البيض كأفراد عصابات، وقتلة وشهوانيين وإرهابيين، لكن في المقابل تصورهم كأبطال، وكأشخاص عاديين. المشكلة ليست في الصورة النمطية بحد ذاتها، لكن في الاقتصار عليها.

هذا ما جعل دخول السود والمكسيكيين في عملية الإنتاج الهووليودية يسهم في تنوع حضور هذه الأعراق سينمائياً. وإن كانت إشكالات تمثيل الأعراق سينمائياً لم تحل بالكامل، فما زال الآسيويون يعانون من التهميش، والعرب من التنميط، ولاسيما ربطهم بالإرهاب.

 

  كلمات مفتاحية

الاستشراق تنميط العرب أميركا صورة نمطية الأدبيات الأوروبية الاستعمار

التراث وتحيزات الاستشراق

المنهج التاريخي عند المستشرقين

الاسـتشــراق والمنـهــج الإسـقــاطي

الاسـتشـراق ومنهـج الأثـر والتـأثــر

ما بعد الاستشراق الأمريكي والعالم الإسلامي: إنتاج المعرفة في عصر الامبراطورية