«فورين بوليسي»: افتراضات أمريكية خاطئة واستراتيجية شارفت على الشلل في العراق

الثلاثاء 9 يونيو 2015 04:06 ص

في باريس هذا الأسبوع، قدم نائب وزيرة الخارجية الامريكية «توني بلينكن» لنا رؤيته بشأن المجهود الحربي قائلا: ستكون حربا طويلة، ولكن الاستراتيجية الصحيحة في مكانها، وتتجه واشنطن إلى «مضاعفة جهودها».

هذه النقطة الأخيرة هي بالضبط المشكلة. الولايات المتحدة تضاعف جهودها باستمرار، لأنها تقوم بما يشبه دعم القوات العراقية بالتنقيط، في وقت العدو فيه هي «الدولة الإسلامية» ومنافسيها من وكلاء إيران.

ولم تكن الحملة الأمريكية على العراق منذ 2014 موضع دراسة موضوعية، كما لم تحسب بدقة، ما هدد استنزاف الموارد الأمريكية على المدى الطويل. وبدلا من ذلك، انتهت واشنطن من الحاجة إلى تعميق استثماراتها على أي حال، وفقط في كل مرة يثق فيها حلفاؤها بشكل أقل، يلقى الآلاف من العراقيين حتفهم، وتتبخر مجتمعات وثقافات إلى الأبد.

الوقت بالتأكيد ليس في جانب وصالح الولايات المتحدة. وكما قال لي آنذاك رئيس الوزراء «نوري المالكي»، مارس/أذار 2014، إن الحكومة العراقية طلبت من الولايات المتحدة غارات جوية ومساعدة القوات الخاصة ضد «الدولة الإسلامية» منذ نهاية عام 2013. عدم رغبة الولايات المتحدة في التحرك لم تنقذ أي شيء؛ فقد انهار الحليف العراقي، والآن بات الأمر بحاجة لحملة عسكرية جديدة.

وعندما رأى وزير الدفاع الأمريكي «أشتون كارتر» أن العراقيين «لم يبدوا أي إرادة للقتال» في الرمادي، أظهر عدم وجود أي تعاطف مع أوضاع القوات العراقية في الخطوط الأمامية ضد «الدولة الإسلامية».

وبات حلفاء الويات المتحدة في العراق في حالة شديدة من الإنهاك، وهناك العديد من فرق الجيش العراقي بالكاد تستطيع المواصلة، كما لم يعد لدى الجيش العراقي أي إرادة للقتال، ففي خلال 16 شهرا سقطت الموصل والفلوجة والرمادي، كما أنه لا يسمح لأي فرد أمريكي مقاتل أن يمكث في مناطق القتال ما دامت القوات العراقية موجودة ، تلك القوات التي لا تجد ملجأ آمنا تذهب إليه. ولا توجد وحدة أمريكية في التاريخ الحديث عانت في أي وقت مضى من نقص مزمن في الإمدادات أو فقدت تماما موظفين جيدين وطاقم عمل على قدر من الكفاءة كتلك التي يعيشها الجنود العراقيون كل يوم.

ويجهل الأمريكيون ما يعانيه حلفاؤهم من ظروف مزرية، لذا فمن الطبيعي أن نطرح أسئلة أخرى حول الأخطاء التي ترتكبها الإدارة الأمريكية  بحق هؤلاء العراقيين.

الافتراضات الأمريكية الخاطئة عن العراق

الافتراض رقم 1: كلما يكون من جانبنا عمل أكثر، يكون من جانبهم عمل أقل. لقد بدا أن الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» يدعم هذه الفكرة عندما قال لـ«توماس فريدمان» من صحيفة «نيويورك تايمز» في العام الماضي أنه في الوقت الذي يمكن فيه للجيش الأمريكي أن يبقي «غطاءا فوق المشكلة» لفترة طويلة، فإنه يمكن للعراقيين أنفسهم «اتخاذ قرارات حول كيفية سعيهم للعمل والتعاون معا». قد يكون هذا صحيحا على المدى الطويل، لكنها لا تحمل أي علاقة مع الواقع في ساحة معركة اليوم في العراق.

ويشير واقع اليوم إلى أن قتالا على مستوى كتيبة أو لواء أوصت به قوات عمليات خاصة دولية وأمريكية مطلوب بشدة لاستعادة القدرات الهجومية للوحدات العراقية في الأانبار. توفير القوة الجوية الغربية دون تحكم في الغارات الجوية للقوات الخاصة مثل إقراض شخص سيارتك البورش الخاصة بك دون منحهم مفاتيح. هناك حاجة إلى قرار رئاسي بالتزام مكثف من القوات الخاصة الأمريكية في العراق على وجه السرعة.

الافتراض رقم 2: «الدولة الإسلامية» هي جماعة إرهابية، وليست جيشا. ويحب البيت الأبيض حملات مكافحة الإرهاب التي تنطوي على طائرات بدون طيار والغارات المسلحة التي لا تترك عمليا أي أثر للولايات المتحدة في البلدان المتضررة. ولكن «الدولة الإسلامية» ليست مجموعة من الخلايا الإرهابية التي يمكن إزالتها بضربات جراحية. وفي الوقت الذي كان يقول فيه بعض المسؤولين الأمريكيين من اليوم الأول، إنه جيش قد يهزم في ساحة المعركة إذا كانت هناك قدرة على تمزيق وتشتيت محاولاته للتجنيد.

وينبغي أن تركز القوات الخاصة الأمريكية على المساعدة في فوز العراق على أرض المعركة، وليس فقط بشن غارات على القيادة العليا للدولة الإسلامية، وكأن العراق مناطق قبلية في باكستان. وهذا يعني دمج القوات الخاصة الأمريكية مع الوحدات العراقية والقبول ببعض المخاطر. وعلى البيت الأبيض أن يقرر: هل نحن فقط نتظاهر بدعم القوات العراقية في ساحة المعركة، أم أننا حقا على استعداد للقيام بما يجب القيام به لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»؟

الافتراض رقم 3: لا يمكن أن نريد استقرار العراق أكثر من العراقيين أنفسهم. تماما كما قال «أوباما» في نفس المقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، «لا يمكننا أن نقدم للعراقيين ما ليسوا هم راغبين في القيام به لأنفسهم». ومع ذلك؛ إذا استمرت الولايات المتحدة في دعمها الأشبه بالتقطير أو التنقيط  فسوف يكون على كل فصيل عراقي اتخاذ الطريق الأسهل نحو تحقيق مصلحته على المدى القصير.

في كثير من الحالات، سيكون هذا الطريق المختار أكثر تدميرا، فالحكومة في بغداد تكثف الاعتماد على الجهات الخارجية مثل إيران وروسيا، وسوف يستمر الأكراد في سعيهم للاستفادة من ثروات العراق، بما في ذلك عائدات النفط التي تسيطر عليها بغداد. وفي الوقت نفسه، فإن المجتمعات السنية سوف تُجبر على اتخاذ خيار مؤلم كل يوم بين التواري أو التجرؤ على محاربة «الدولة الإسلامية»، حتى في الوقت الذي يظهر فيه الأمريكيون مذبذبون، ولا تظهر الحكومة العراقية أي علامة على قدرتها كسب الحرب. وخارج إطار النوايا الحسنة للصراع، فإننا في كثير من الأحيان نريد الاستقرار في العراق أكثر من الفصائل العراقية.

كيف سيبدو «العراق السابق»

دعونا نكون واضحين: إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فلا يوجد أي سبب للاعتقاد بأنه يمكن هزيمة «الدولة الإسلامية» في أي وقت قريب. وفي الواقع؛ يمكن أن يكون العراق كابوسا أكبر لمواطنيه، والمنطقة، والعالم أجمع في السنوات المقبلة.

وإذا بقيت الاستراتيجية نفسها، فإنه ليس من الصعب توقع ما سيكون عليه العراق في الوقت الذي سيحين فيه ترك إدارة «أوباما» لموقعها في أوائل عام 2017. وسوف يحافظ «الدولة الإسلامية»، على الأرجح، على قبضته على الموصل، ومساحات واسعة من محافظة الانبار، وكذلك صحراء الجزيرة التي تقع بينهما، ناهيك عن أراضيه الواسعة في سوريا، وسيجعل من هذه المنطقة ملاذا آمنا للإرهاب في قلب الشرق الأوسط.

وسوف يكون تركيز الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد على موارد عسكرية محدودة لتأمين معقل الشيعة حاليا، في بغداد والمدن المقدسة في كربلاء والنجف، والمناطق الغنية بالنفط في جنوب العراق. وفي الوقت الذي يعيش فيه السنة داخل مناطق الشيعة وفي القلب منها  فإنه سيتم عزلهم، وتصويرهم بنفس الطريقة التي يصور بها البحرينون والسعوديون البلدات الشيعية في البحرين أو المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية. وسوف تمتد منطقة الاستعمار حول كل ضواحي بغداد وديالى وصلاح الدين؛ حيث ستقوم القوات شبه العسكرية ذات الغالبية الشيعية بعملية أشبه بإعادة توطين السنة وتقييدهم.

سيكون هناك مجموعة من الحمايات السنية التابعة للدولة في أماكن مثل تكريت والرمادي، وستكون علاقة حكومة بغداد بهم أقرب، إلى حد ما، إلى علاقة (إسرائيل) مع الفلسطينيين. وأحيانا ستكون العلاقات تعاونية على الأقل، مع عراق فيدرالي يقدم الدعم والمال لحلفاء محليين، ولكن في بعض الأحيان لن يكون ذك، ما يؤدي إلى تدخل سياسي وتوغلات عسكرية وضربات جوية. وعلاوة على ذلك؛ لن يكون هناك أرض وعرة تسيطر عليها «الدولة الإسلامية» الحقيقية، والأهم من ذلك كله أن الموصل لن يهتم أحد لتحريرها؛ لأنه لا الشيعة ولا السنة ولا الأكراد ولا الأمريكيين فعلوا بما فيه الكفاية ليخاطروا بالدم والمال بما فيه الكفاية. وستظل الولايات المتحدة تستهدف أهدافا بطيارات بدون طيار بكل شجاعة، مع عدم وجود نهاية في الأفق، وستعود «الدولة الإسلامية» لتضرب مرة أخرى من خلال الهجمات الذئب الأوحد والمؤامرات التي تستهدف الطائرات على شاكلة ما وقع في أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2011.

هل يبدو هذا غير معقول؟ لقد حدث ما لا يمكن توقعه أو تصديقه في منطقة الشرق الأوسط، ويحدث كل يوم، وهذه التطورات سوف تكون واقعا مريرا جديدا في خلال عامين فقط، إذا لم تعزز الولايات المتحدة من لعبتها.

تداول أو ركود؟

هل هذا حقا ما تريد إدارة الرئيس «باراك أوباما» تسليمه إلى الرئيس القادم؟

إذا كانت الولايات المتحدة في العراق فقط لقتال عناصر «الدولة الإسلامية»، فإنها في نهاية المطاف سوف تواجه واقع دولة منهارة غير قابلة للإصلاح من شأنها أن تطلب حملة مفتوحة لمكافحة الإرهاب. البديل هو أن الولايات المتحدة عليها أن تساعد العراقيين في الحفاظ على نسيج الأمة لأي مدى لا يزال ممكنا. وللقيام بذلك سوف تحتاج إلى نظرة مختلفة والإصرار على أن يكون هناك حسم قاطع. الدخول في تشاور وتداول هو أمر لا يتكشف عنه نتيجة مفهومة، ولكن سياسة الولايات المتحدة في العراق قد شارفت على الركود أو إن شئت فقل على الشلل.

هذ ليس علم صواريخ؛ وخيارات الولايات المتحدة واضحة. وإذا كانت إدارة «أوباما» تريد الالتزام الكامل بالعمل الجاد لإعادة بناء العراق، ينبغي أن يكون هناك من ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف من القوات الخاصة الأمريكية وعناصر الدعم بصفتهم مستشاري حرب، وهذا قد يساعد القوات البرية العراقية والقوة الجوية للتحالف في أن تصبح أكثر فعالية. ثانيا: ينبغي أن تستخدم الولايات المتحدة التزاماتها العسكرية لدفع بغداد تشكيل حكومة تضم السنة والأكراد. وأخيرا؛ ينبغي الإسراع بتدريب القوات العراقية لترك الرئيس المقبل مع فرصة أفضل ومسؤولية أقل من الالتزام الأمريكي في العراق.

من دون هذه الخطوات، لا ينبغي لنا أن نتوقع إزاحة «الدولة الإسلامية» من العراق. وفي غياب التزام الولايات المتحدة، ربما لن يتحقق لحلفائنا في العراق النصر المرجو. وهذا هو الخطر الذي لا العراق ولا الولايات المتحدة سيكون بإمكانهما تحمله.

  كلمات مفتاحية

العراق الرمادي الدولة الإسلامية التحالف الدولي الحكومة العراقية

«ميدل إيست بريفينج»: البنتاغون يقيم انهيارا محتملا في العراق وسوريا

«ذي إيكونوميست»: الجيش العراقي ... وداعا للسلاح

«سي إن إن»: كيف أسهم الاحتلال الأمريكي في تفكيك جيش العراق؟

«ستراتفور»: ذكريات الجيش الأمريكي في الرمادي

بعد سقوط الرمادي: كيف يمكن تجنب حدوث تفكك آخر في العراق؟

«الإندبندنت»: سقوط الرمادي يغير المشهد السياسي في العراق وسوريا

«أسوشيتد برس»: الرمادي ”نكسة جديدة“ تعيد إلى الأذهان ”سقوط الموصل“

وزير الدفاع العراقي: فتوى «الجهاد الكفائي» حفظت وحدة الوطن وأجهضت مخططات التقسيم

أمريكا وسراب الاســتراتيجــية!

الاستراتيجية العسكرية الأمريكية .. المزيد من الحروب

«ناشيونال إنترست»: الاستراتيجية التي تحتاجها الولايات المتحدة في العراق