هل تصبح السعودية «وول ستريت» الشرق الأوسط؟

الأحد 19 يوليو 2015 08:07 ص

نظرا للانكماش الاقتصادي الحالي، قررت حكومة المملكة العربية السعودية إجراء سلسلة من الإصلاحات الرامية إلى تعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي في المملكة. ويعد تحرير سوق الأوراق المالية هو المشروع الأكثر طموحًا.

الاقتصادات الناشئة تعاني من آثار «الانكماش» الناتج عن هبوط أسعار المواد الخام، وخاصة النفط. وسجل الذهب الأسود انخفاضًا تراكميًا وصل لأكثر من 40% خلال الاثنى عشر شهرًا الماضية، وهو الوضع الذي وضع منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» في حالة حرجة. فما الذي يجب أن تقوم به هذه الدول لتتجنب وقوع كارثة اقتصادية؟.

المملكة العربية السعودية، وهي عضو كامل العضوية في مجلس التعاون الخليجي ومنظمة أوبك، عارضت دائمًا خفض سقف الإنتاج، وبالتالي زيادة أسعار النفط ومشتقاته. وبدلًا من ذلك، ركزت بعناد على الدخول في «حرب أسعار» ضد أمريكا الشمالية للاحتفاظ بالتفوق في سوق النفط العالمي. وتعتزم المملكة العربية السعودية هزيمة الشركات الأمريكية التي تعمل في مجال استخراج النفط والغاز الصخري.

ومع ذلك، فقد تسببت هذه الاستراتيجية أيضًا بأضرار بالغة للبلدان المنتجة للنفط التقليدي (سهل الاستخراج وذي الربح الاقتصادي الكبير)، ولا سيما في دول أمريكا الجنوبية وشمال إفريقيا والشرق الأوسط. وعلى عكس أهدافها، أصبحت المملكة العربية السعودية ضحية خططها، لأن الإيرادات الحكومية تعتمد على 90% من إيرادات النفط، وأصبح الوضع الاقتصادي مترديًا.

تقلبات الأسواق

التقلبات الكبيرة في أسعار السوق قد تزيد من القوة الاقتصادية للدولة، أو تضعها على حافة الهاوية. في البداية، بعد غزو العراق في مارس 2003، وحتى أزمة الرهن العقاري في أكتوبر 2008، كانت أسعار النفط الخام فوق 100 دولار للبرميل.

ونظرًا لطفرة النفط هذه، تراكمت لدى السعودية الكثير من الاحتياطيات النقدية وبلغت «100% من الناتج الإجمالي المحلي»، وانخفض مستوى الدين العام إلى «2% من الناتج الإجمالي المحلي»، وحصلت على معدلات تراكمية لم يسبق لها مثيل من قبل. وبين عامي 2003 و2008، بلغ الناتج الإجمالي المحلي معدل نمو سنوي يتراوح بين 5% و8% «بالأسعار الثابتة»، وفقًا لقاعدة بيانات صندوق النقد الدولي. 

ومع ذلك، وفي أوائل عام 2009، انخفضت أسعار النفط إلى نحو 50 دولارا للبرميل، بسبب «أزمة الائتمان» وانهيار الإنتاج العالمي للسلع. وحدث ركود كبير في اقتصادات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في حين سجلت أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ تباطؤا كبيرًا.

ومع ذلك، في الأشهر التالية، قفزت أسعار النفط الخام من 2010 حتى منتصف عام 2014، من 95 إلى أكثر من 120 دولارا، وسط مجموعة واسعة من الاضطرابات الجيوسياسية الإقليمية في كل من (سوريا، ليبيا، اليمن، وغيرها)، كما حدثت أيضًا مجموعة من المضاربات في البنوك الاستثمارية الكبرى (جولدمان ساكس ومورجان ستانلي، وجيه بي مورغان تشيس، وغيرها).

وكان معدل النمو في المملكة العربية السعودية يتراوح بين 1.8% و 5.5% في الفترة ما بين 2009 - 2013 (باستثناء عام 2011)، التي شهدت انخفاضًا كبيرًا عن الفترة السابقة (2003 - 2008)، رغم تجاوزها لمعظم الاقتصادات الناشئة.

ومع ذلك، عملت المضاربات على انخفاض الأسعار مجددًا في يونيو من العام الماضي، وفي الوقت الحاضر، وبالنظر إلى أن الأسعار لا تزال بعيدة جدًا عن تلك التي تحققت خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، فإن توقعات نمو الاقتصاد السعودي ليست إيجابية.

ورغم المصاعب، رفض الملك سلمان بن عبد العزيز خفض الانفاق العام أو زيادة الضرائب. لأن مثل هذه الإجراءات قد تؤدي إلى احتجاجات اجتماعية على نطاق واسع. وبدلًا من ذلك، قررت حكومة آل سعود مواصلة فتح الاقتصاد أمام رأس المال الأجنبي، وفي موازاة ذلك، توجيه مدخراتهم الزائدة إلى استثمارات منتجة من شأنها تنويع المحتوى من الصادرات. وفي هذا السياق، تم فتح سوق الأوراق المالية (السوق المالية السعودية) أمام الاستثمار الأجنبي، الأمر الذي يستحق اهتمامًا خاصًا.

الانفتاح السعودي

عندما شجعت الصين الانفتاح الاقتصادي في نوفمبر 2014، كان الاقتصاد المغلق الوحيد في «مجموعة العشرين» هو سوق المال السعودي. وتدريجيًا، سارعت المملكة في جذب المضاربين، وتهدف الآن لتصبح «وول ستريت» الشرق الأوسط. ويقول «حسن الجابري» الرئيس التنفيذي لشركة «سدكو» كابيتال: «نحن نشهد حاليًا انفتاحًا تدريجيًا، ولا نريد أن يكون السوق محمومًا».

ومنذ منتصف يونيو/حزيران من هذا العام، تعمل هيئة الأوراق المالية على منح المستثمرين الأجانب فرص شراء وبيع أسهم نحو 170 شركة سعودية (متعلقة بالبنوك والطاقة والنقل البحري والتجارة). وبالتالي، تعمل الرياض على معالجة انكماش موارد النفط السعودي، بأن تجتذب رأس المال من أنحاء العالم وزيادة ربحيتها عبر الأسواق المالية.

وفي الوقت الحالي هناك الكثير من القيود. حيث تطلب هيئة السوق المالية ما لا يقل عن خمس سنوات خبرة في مجال الاستثمارات المالية. وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على الشركات الراغبة في الاستثمار أن يكون لديها حدًا أدنى من رأس المال بقيمة 5 مليارات دولار. ومن ناحية أخرى، وللحفاظ على بقاء سلطة اتخاذ القرار بيد رجال الأعمال السعوديين في اجتماعات المساهمين، فرضت هيئة السوق المالية شرط أن لا يقل رأس المال الوطني في الشركة عن 51%.

وتجدر الإشارة إلى أن سوق الأوراق المالية في المملكة العربية السعودية تبلغ قيمتها السوقية نحو 600 مليار دولار أمريكي، وتتفوق على باقي الأعضاء الآخرين في دول الخليج (البحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات)، في حين تقدر مستوى عملياتها اليومية بنحو 2.5 مليار دولار. وفي سوق الأسهم، فإن مؤشر التداول السعودية يعد من أعلى الاقتصادات الناشئة، والسيولة هي أعلى من نظرائها في جنوب إفريقيا وروسيا وتركيا والمكسيك.

ومع ذلك، فإن عملية انفتاح السوق السعودية للأوراق المالية لا تخلو من المخاطر. ففي حين تحاول الرياض أن تطلق مجموعة من الاستثمارات للتخفيف من آثار التباطؤ في الناتج المحلي الإجمالي، فإن التقلبات المالية يمكن أن تسقط آمال الانتعاش الاقتصادي.

  كلمات مفتاحية

السعودية وول ستريت الشرق الأوسط الانكماش الاقتصادي إصلاحات اقتصادية تدفقات الاستثمار الأجنبي تحرير سوق الأوراق المالية الاقتصادات الناشئة هبوط أسعار النفط الخام منظمة البلدان المصدرة للنفط كارثة اقتصادية مجلس التعاون الخليجي منظمة أوبك خفض سقف الإنتاج زيادة أسعار النفط حرب أسعار أمريكا الشمالية الحصة السوقية

السعودية.. القروض الاستهلاكية تسجل مستوى قياسي وصل 86 مليار دولار

السعودية والإمارات تتصدران العرب في جذب الاستثمارات للعام الثاني على التوالي

البنوك السعودية تخفض حد السحب النقدي على بطاقات الائتمان إلى 30%