كيف تخسر حربا أهلية: دروس من أفغانستان وسوريا

الأحد 13 سبتمبر 2015 09:09 ص

في عدد من الحروب الأهلية، وقع الخطأ النهائي والحاسم من قبل الحكومة القائمة عندما قررت، لأسباب تتعلق بالهيبة أو الاستراتيجية، توسيع نشر جيوشها إلى مناطق مكشوفة وبالتالي فهي تدعو، ضمنا، لتدمير معداتها العسكرية الرئيسية. حدث ذلك في حالة «تشيانغ كاي شيك» أثناء الحرب العالمة الثانية ومحاولته للتمسك بمنشوريا التي انتهت بتدمير جيوش النخبة الوطنية الصينية المدربة والمجهزة أمريكيا وتشكيلات أخرى ما أدى في النهاية إلى خسارة الحرب الأهلية الصينية.

في عام 1975 حاول الفيتناميون الجنوبيون بدورهم التمسك بمواقعهم إلى أبعد مدى فحكموا بذلك بالموت على فرقة المشاة الأولى في الجيش وشعبة البحرية، وبالتالي كانت بداية الانهيار الفيتنامي الجنوبي على طول الساحل. لم تكن ميكانيزمات الهزيمة مجرد خسائر تكتيكية للوحدات خلال ساحات القتال ولكن كان لها أيضا تأثير واسع على معنويات القادة والجنود الذين أدركوا للتو أنهم محاصرون في كارثة.

في الآونة الأخيرة، شهدت كل من سوريا وأفغانستان المعارك التي تثبت مجددا المخاطر المحتملة للسعي للدفاع عن المواقف المكشوفة. ويبدو أن القادة السوريين قد اعترفوا أن هناك حدودا لمساحة الأراضي التي يمكن للجيش السيطرة عليها. وقد أحسن قادة أفغانستان صنعا بالوصول إلى نفس النتيجة.

في الأسبوع الأخير من يوليو/تموز، اعترف الرئيس السوري «بشار الأسد» علنا ​​أنه لا يمكنه السيطرة على جميع المناطق السورية. وأشار إلى القوى العاملة، لا التسلح، بوصفها العامل المقيد الرئيسي. وأشار خطابه إلى تركيز الجيش السوري على الدفاع عن أراضي الجماعات الداعمة للنظام. ويفترض بناء على ذلك أنه ربما يتم التخلي عن بعض المواقع لصالح المتمردين الساعين إلى الإطاحة بـ«الأسد» بما في ذلك أماكن مثل تدمر.

في مقاطعة هلمند في أفغانستان، حيث ضحت القوات البرية البريطانية والأمريكية بالكثير كي تشق طريقها، هناك العديد من الأمثلة على المواقع المكشوفة التي فاقت قدرة الحكومة الأفغانية على السيطرة. الاستثمار العاطفي من الرعاة الخارجيين هيأ لكابل أنه سيمكنها الدفاع عن كل هذه المواقع بمجرد الإمساك بها. ولكن أماكن قليلة في هلمند كانت مهمة في الحقيقة، وباقي الأماكن كانت مجرد ساحات مفتوحة للقتل. لم يكن بمقدور الحكومة الدفاع عن هذه الأماكن بسبب بقدرة طالبان على القتال الشامل في هلمند والتي كان يمكن ملاحظتها بسهولة.

في نهاية يوليو/ تموز وقعت هلمند كاملة تحت سيطرة طالبان على الرغم من دعم القوة الجوية الأمريكية. وثقت طالبان انتصارها بالفيديو والصور مع قتلى الجنود الأفغان على الأرض.

خلال الأسابيع القليلة الماضية، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن المشاكل التي تواجهها قوات الأمن الوطنية الأفغانية في محاولة التمسك بعواصم المقاطعات المعزولة في الجنوب والشرق من حيث التموين، والإغاثة، والتعزيز تزداد صعوبة على نحو متزايد. أعرب الجيش والشرطة عن قلقهما أنه لا يمكن إعادة جثث القتلى الذين سقطوا إلى منازلهم لدفنها بصورة لائقة. القلق الإضافي غير المعلن يتعلق بتشويه القتلى وهي ممارسة أفغانية شهيرة وصفها «وينستون تشرشل» بأنها «مزاج غير سوي يضيف رعبا آخر إلى الموت».

وفي حين أن قوات النخبة الأفغانية قد تكون بارعة جدا، فإن العديد من الوحدات العادية تعاني ضعفا في القيادة والمهارات التكتيكية والروح المعنوية. وعلى الرغم من ذلك فإنهم يستحقون أفضل من أن يتركوا في مواقع معزولة مع عدم وجود السند الحقيقي مع السكان المحليين، بل أحيانا حتى لا يتحدثون لغتهم. يتم تضخيم نقاط ضعفهم بوضعهم في مثل هذا الظروف مع مساعدة لن تأتي أبدا، ويبدو أن وفاتهم أو إذلالهم لا تعنيان شيئا ذا بال بالنسبة لأولئك الذين يعملون من أجلهم.

ربما وفرت المفاوضات الأخيرة بين الحكومة الأفغانية وحركت طالبان مبررات معلقة في الجنوب البشتوني قد توفر رافعة للتوصل نحو اتفاق. ولكن، إلى الآن، بعد عقب الإعلان عن وفاة «الملا عمر» والحالة غير المستقرة الناتجة عنه في  قيادة طالبان فإن التأمل السريع للأحداث يوحي بأن طريق المفاوضات قد بدأ يتلاشى.

بينما الوضع في أفغانستان ليس عصيبا على هذا النحو الموجود في سوريا الآن، تحتاج قرارات كابول إلى أن تتشكل بناء على معرفة أكثر وضوحا بما يمكن تحقيقه على أرض المعركة. الموقع الشاغر منذ فترة طويلة لوزير الدفاع يجب أن يتم ملؤه بتعيين دائم. أي مرشح لشغل هذا المنصب الحيوي ينبغي أن يكون قادرا على زرع الثقة في الجيش والاحترام لكل من الرئيس «أشرف غني» ورئيس الوزراء «عبد الله عبد الله». ثم يحتاج هذا الوزير الجديد لتطوير فهم واضح لما يمكن واقعيا أن تحميه القوات الأفغانية الخاصة مع التزامات معقولة من الأجانب، ومن ثم نقل هذه المعلومات إلى القيادة السياسية.

تحتاج المناطق التي ينفر فيها الناس منذ فترة طويلة من الحكومة والتي تكتسب من خلالها طالبان الأيدي العاملة المقاتلة ضد قوات النظام المعزولة إلى تحديد هويتها والتعرف عليها على المستوى السياسي. يحتاج الجيش الأفغاني قرارا سياسيا بالاتجاه إلى الانسحاب من هذه المناطق قبل أن تتم هزيمتهم. الانسحاب الطوعي سوف يسمح لطالبان بادعاء تحقق انتصارات مباشرة في تلك المناطق التي لم تكن في الحقيقة تحت سيطرة النظام، لكنها ستعزز أيضا قوات النظام في المناطق التي لا تزال قائمة تحت سيطرته. سيتم الكشف عن مجالات السيطرة العسكرية الحقيقية بشكل واضح قبل القيام بهذه الخطوة ولكن ينبغي على الجيش الأفغاني أن يجد نفسه في مواضع يمكن الدفاع عنها بشكل موثوق.

إذا استطاعت القوات الأفغانية ولو لمرة واحدة الدفاع عن المواقع التي تدعيها، فإن حركة طالبان سوف تفهم أن المفاوضات تقدم المزيد من الفرص الواعدة مقارنة باستمرار القتال.

  كلمات مفتاحية

سوريا أفغانستان بشار الأسد حرب أهلية المعارضة السورية طالبان

«بروكينجز»: لماذا تفشل الأنظمة العربية في مكافحة التمرد؟

«واشنطن بوست»: لماذا يصعب قمع ”التمرد الجهادي“؟

«السويدان» يطالب عقلاء الحكومات العربية بالتدخل لمنع انزلاق مصر إلي «حرب أهلية»

لماذا لا تجدي استراتيجية مكافحة التمرد نفعا

كل بئر نفط مشروع حرب أهلية

الإمارات تشارك في مؤتمر دعم الأمن والاستقرار في أفغانستان

مشروع السلام الإسلامي لأفغانستان