«فورين أفيرز»: كيف يفكر الجيل الجديد من الحكام في الخليج؟

الاثنين 15 فبراير 2016 08:02 ص

بعد سنوات من هيمنة قيادات في سن الثمانين، فإن دول الخليج الآن تحظى بحكام أصغر سنا. في يوم 10 فبراير/شباط أعلن رئيس الوزراء وحاكم دبي عن تشكيل مجلس الوزراء الإماراتي الجديد الذي يضم ثمانية وزراء جدد مع متوسط أعمار يبلغ 38 عاما. أصغر المعينين، هي امرأة تشغل مقعد وزارة الشباب وتبلغ من العمر 22 عاما فقط. ومنذ أسابيع قليلة، قام أمير قطر الذي يبلغ من العمر 35 عاما بتعيين أحد أقرانه من جيل الشباب وهو «محمد بن عبد الرحمن آل ثاني» على رأس وزارة الخارجية في البلاد، وهو بالكاد يبلغ من العمر 35 عاما أيضا. وجه القيادة في الخليج آخذ في التغير، ويبدو أنها تصير أكثر شبابا بلا ريب.

على الرغم من أن معظم رؤساء دول المنطقة هم من المتقدمين في العمر، فقد ولت الأيام التي كانت فيها القيادة في الخليج حكرا بشكل تام على المسنين. الآن، ليس غريبا بالنسبة إلى دول الخليج أن تتم تسمية ولي للعهد أو بعض الوزراء الرئيسيين في سن الأربعينات أو الخمسينات. وبما أن الفجوة العمرية بين الحكام وأولياء العهد تزداد نموا في البحرين والمملكة العربية السعودية (فارق السن بين الحاكم وولي العهد في كلا البلدين يزيد عن 20 عاما) فإن مأزق الأجيال قد بدا واضحا. وهذا يعني أنه عندما يمر شاغلو الوظائف العليا من الجيل الحالي في منطقة الخليج من المشهد، فإن المنطقة يمكن أن تظهر على الجانب الآخر من الطيف العمري مع قيادات شابة بشكل تام.

شباب وليسوا ثوريين

ويشمل هؤلاء الوزراء الجدد العديد من التكنوقراط الذين يتبنون نهجا تحليليا للسياسة العامة. أولياء العهد في البلاد، الذين يبلغون من العمر 55 عاما أو أقل، يحملون وجهات نظر مختلفة في السياسة الإقليمية والدولية مقارنة بأسلافهم. وقد عايشوا جميعا ذكرى غزو الكويت مطلع التسعينيات والحرب الخليجية التي تلتها. بعض هؤلاء، بما في ذلك نائب ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، أنفقوا المزيد من الوقت من أعمارهم داخل المنطقة أكثر من نظرائهم الأكبر سنا، الذين أمضوا سنواتهم التكوينية يدرسون في الخارج. ومن بين هؤلاء القادة، فإن الذين تلقوا تعليما خارجيا قد أتموا دراساتهم في الولايات المتحدة بدلا من المسار التقليدي للدراسة في القاهرة أو لندن أو باريس. ولكن في الوقت الذي يحاول فيه المراقبون الغربيون قراءة أوراق الشاي حول ما يعنيه هذا الاتجاه بالنسبة إلى السياسة في الخليج، فإنهم يجب أن يكونوا حريصين على عدم الخلط بين قضية الشباب والخبرة وبين قضية الإصلاح السياسي.

هناك ضغوط يفرضها النظام الوراثي، في ديناميات النفوذ الأسرية، فإن القيادات الشابة تكون قلقة حول المنافسة في الخلافة تماما كما يفعل جمهورهم المضطرب. تخلق الأنظمة السلالية عادة بيئات معادية للإصلاح السياسي. لا يمكن للقادة إجراء تغييرات هيكلية في النظام السياسي من شأنها أن تجرد الأسر الحاكمة من بعض نفوذها دون أن يكونوا عرضة للإطاحة بهم من القيادة. «سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة»، ولي عهد البحرين، اكتشف هذا عندما حاول الدفع في اتجاه تطبيق إصلاحات سياسية بعد الاضطرابات السياسية التي شهدتها بلاده في عام 2011، وهو ما تمت مواجهته برد فعل عنيف من قبل الفصائل المتشددة داخل العائلة الحاكمة. في هذه المنطقة أكثر من غيرها، فإن الدم هو أكثر سمكا من الماء.

من المنطقي أن نتوقع من القادة الشباب تعيين معاصريهم في مناصب رئيسية ولكن فقط بعد توطيد سلطتهم. استغرق الأمر عامين ونصف من الأمير «تميم بن حمد» على رأس السلطة في قطر من أجل إجراء إصلاحات جذرية في حكومته. ولكن عندما فعل، فإن ثلاثة من معاونيه الجدد كانوا تحت سن الـ45 عاما. المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى لديها مواهب سياسية مماثلة تنتظر على الأطراف، والعديد من ألمع النجوم في المنطقة قد اكتسبوا بالفعل خبرات من خلال مناصب دبلوماسية في واشنطن وأماكن أخرى. على سبيل المثال، شغل وزير الخارجية السعودي الجديد «عادل الجبير»، 53 عاما، منصب سفير بلاده لدى الولايات المتحدة لمدة عقد كامل قبل أن يتولى منصبه الجديد. سفير دولة الإمارات العربية المتحدة الحالي لدى الولايات المتحدة، البالغ من العمر 43 عاما، «يوسف العتيبة»، يعمل نيابة عن وزير خارجية بلاده البالغ من العمر 43 عاما في الولايات المتحدة، وكلاهما يبدو مرشحا للبقاء كشخصية بارزة في جهاز السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة لعدة سنوات قادمة.

هناك أسباب أخرى تجعلنا لا نعتقد أن القادة الشباب الجدد لن ينجذبوا نحو الديمقراطية. جيل الثلاثينيات في دول الخليج غالبا ما يربط بين الديمقراطية وبين أحداث حرب العراق الدامية في عام 2003 أو الفوضى التي اندلعت في أعقاب الربيع العربي. لقد رأوا أمثلة أقل على الديمقراطيات التي عملت بشكل جيد، على عكس الجيل السابق الذي شهد سقوط جدار برلين. أظهر استطلاع للرأي أجري في المملكة العربية السعودية خلال الربيع العربي أن أقدم المشاركين كانوا الأكثر احتمالا لدعم الديمقراطية؛ في حين أن المجموعة الأقل دعما لها كانت من ذوي الأعمار بين 26-35 عاما. ويأتي الأمراء الشباب في أسفل سلم الداعمين للديمقراطية في المنطقة. الخلاصة أنه نظرا للضغوط الأسرية والتجارب السيئة الأخيرة مع الديمقراطية، فإن بعض القادة الجدد يرون أن كل ما تفعله هو الإخلال بالتوازن.

مواكبة العصر

 وسوف يتبنى الجيل القادم من قادة الخليج على الأرجح نموذجا بديلا وهو الحكم الرشيد. على وجه التحديد، سوف يركز هؤلاء على تقديم الخدمات العامة على نحو فعال، وتحسين نماذج الإدارة العامة لبلادهم ومتابعة الإصلاحات الاقتصادية التي تضمن الازدهار على المدى الطويل داخل دول مجلس التعاون الخليجي. كل من «تميم بن حمد»، وولي عهد الإمارات البالغ من العمر 54 عاما، «محمد بن زايد»، سعوا إلى تبسيط البيروقراطية الحكومية من خلال تعزيز تكنولوجيا المعلومات، واعتماد مبادرات الحكومة الإلكترونية، وتأكيد الابتكار وتعزيز القوى العاملة الأصلية لبلدانهم. سنت الإمارات مؤخرا مجموعة من إصلاحات الدعم التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وهو مشروع جرى تبنيه من قبل ولي العهد وحقق نجاحا نسبيا. «محمد بن سلمان»، الأمير نائب ولي العهد ووزير الدفاع البالغ من العمر 30 عاما في المملكة العربية السعودية يقوم بتعزيز مفاهيم مماثلة إضافة إلى خططه الطموحة لزيادة الاعتماد على الذات في مجالات الأمن الوطني.

يضع القادة الشباب في الخليج بصمتهم بوضوح في مجال الدفاع. معلنين فيما يبدو عصرا للنشاط العسكري في المنطقة. على سبيل المثال، اعترف «محمد بن سلمان» على نطاق واسع بأنه مهندس الحملة التي تقودها السعودية في اليمن. ولكن إسبارطة الصغيرة، الكنية التي أعطاها الجيش الأمريكي لدولة الإمارات العربية المتحدة، تعد المثال الأبرز على هذا التوجه. أبناء ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد آل نهيان» القائم بعمل رئيس الدولة وأبناء ورئيس الوزراء «محمد بن راشد آل مكتوم» قد خدموا في الجيش الإماراتي وشاركوا في الحملة العسكرية التي تدشنها البلاد في اليمن. قادة الخليج من الشباب يتطلعون لبناء جيوشهم من خلال الاستثمار في تطوير قوات العمليات الخاصة وتنويع التعاون الأمني وذلك لتجنب الإفراط في الاعتماد على الولايات المتحدة بوصفها الضامن الأوحد. التزام دولة الإمارات في التنمية العسكرية هو أكثر من مجرد توجه عابر، وهو ما رأيناه أيضا في نظام التجنيد الذي تم اعتماده مؤخرا، وهي الخطوة التي اتخذها الشيخ «تميم» بدوره في قطر.

قادة من مدرسة جديدة

ينبغي أن يقوم صانعو السياسة الغربيون بشكل عاجل بتجاوز الصورة النمطية للقيادة الخليجية على أساس أنها مجموعة من الضعفاء متقدمي السن. هذا التصور هو أقل دقة اليوم. وهو يحمل مخاطر الوقوع في سوف الفهم حول التوقعات المتغيرة للشركاء في الخليج، والطموحات المتزايدة للقيادة الجديدة. وفي خضم اعترافها بتغير الأجيال، ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون حذرة في قبول تلك الصور الكاريكاتورية المرسومة حول الشباب المتهور. المحللون الخليجيون قد بدؤوا يتوسمون بالفعل أن «بن سلمان» سوف يشغل مركز الصورة، ولكن حكمهم سابق لأوانه، لاسيما بالنظر إلى عدد المرات القليلة لظهوره العلني.

ومع ذلك، فإن صعود جيل جديد من القادة يتيح الفرصة لتحديث تشتد الحاجة إليه بخصوص استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة الخليج. لفترة طويلة، ظلت واشنطن ملتزمة تجاه الصيغة التقليدية لتبادل الأسلحة والمعدات العسكرية لدعم مكافحة الإرهاب. تمثل مبيعات الأسلحة العمود الفقري للتفاعل بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، ولكنها في المقابل يمكن أن تعطي انطباعا ساخرا حول أن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية يمكن أن تقاس وفقا لعدد الذخائر الموجهة، أو أن العلاقات بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات يمكن أن تقدر بعدد صفقات الـ «إف - 16».

وبينما يستثمر قادة جدد الشباب في الخليج في الحكومة الإلكترونية، وتطوير القطاع الخاص، ومبادرات الابتكار، فسوف يكون لدى واشنطن خيارات أكبر في التعامل مع القوى الإقليمية. هذا، بدوره، من شأنه أن يساعد دول الخليج على بناء القدرات، وتطوير الثقة، وتوسيع علاقتها مع الولايات المتحدة.

يجب على الغرب التحدث مباشرة مع سماسرة السلطة الناشئة في المنطقة. وقد طلب «بن سلمان» بالفعل أن تكون الأمور واضحة: «ما أرجوه هو أن نقول الأمور التي نعتقدها فعلا»، ونحن ينبغي أن نلبي لهم هذا الطلب. الحل لمشاكل الخليج ليس دائما في المزيد من الأسلحة، كما إنه ليس بالتأكيد في الحروب التي يقودها التنافس السعودي الإيراني. لا يحدث تحول الأجيال في السلطة في كثير من الأحيان، ولكن عندما يحدث فإنه يوفر فرصة لبناء علاقات أكثر وضوحا وأعظم فائدة.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

قطر الإمارات السعودية تميم بن حمد محمد بن سلمان محمد بن زايد سلمان بن حمد حكام الخليج

«محمد بن زايد» .. مهندس الاقتصاد والأمن في أبوظبي ورجل واشنطن وعدو الإسلاميين

بندر الإماراتي: الجيل الجديد من حكام العرب

«نيويورك تايمز»: الأمير الصاعد «محمد بن سلمان» قد يستحوذ على «الحرس الوطني» قريبا

«بلومبرج»: نجم ”الفتى الذهبي السعودي“ يتصاعد .. والمملكة تغير استراتيجيتها في المنطقة

الأمير الشاب «محمد بن سلمان» في الخطوط الأمامية للحرب والقيادة السعودية

ما موقف الجيل الشاب من القادة الخليجيين تجاه الإصلاح؟