هل تفلس الدول المنتجة للنفط، بما فيها دول المنطقة مثل دول الخليج والعراق والجزائر وليبيا؟ وهل تجد هذه الدول نفسها في يوم ما عاجزة عن سداد التزاماتها الواردة في الموازنات العامة وخطط التنمية، سواء تعلقت بسداد رواتب العاملين في الجهاز الإداري، أو الإنفاق على الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والصحة والتعليم وشبكات الطرق والكباري ورغيف الخبز والسلع الأساسية، وتمويل المشروعات الكبرى، إضافة إلى التزامات الأمن والدفاع الضخمة خاصة مع تنامي مخاطر الإرهاب؟

وإذا كان النفط، المصدر الرئيسي لإيرادات هذه الدول، قد فقد أكثر من 60% من قيمته طوال العامين الماضيين، فمن أين تعوض هذه الدول التراجع الحاد في إيراداتها العامة، وإذا كان الأمل في استعادة أسعار النفط عافيتها في المستقبل القريب، وربما المتوسط، بات بعيداً وغير مؤكد؟ فهل ستطبق هذه الدول مزيداً من إجراءات التقشف وزيادة الأسعار وترشيد الإنفاق العام، وهو ما قد يؤدي لحدوث قلاقل اجتماعية وثورات شعبية؟

في ظل هذه المؤشرات والحقائق، فإن السؤال المتعلق بمدى احتمال إفلاس بعض الدول النفطية قد يكون صادماً وربما غير منطقي، من وجهة نظر كثيرين، خاصة إذا ما علمنا أن دول الخليج النفطية لديها وحدها ودائع في الخارج تقدر بتريليون دولار، منها نحو 600 مليار دولار مملوكة للسعودية وحدها، والباقي يتوزع ما بين الدول الخليجية الأخرى، إضافة لاستثمارات خليجية في الخارج تتجاوز تريليونَي دولار قد تكفي سد احتياجات هذه الدول 5 سنوات بفرض عدم تلقي إيرادات جديدة أخرى.

لكن، وحسب أرقام صادمة لصندوق النقد الدولي أعلنها أمس الاثنين، فإن الدول العربية المصدرة للنفط تواجه وضعا ماليا صعبا، فقد خسرت 390 مليار دولار من عائدات النفط في العام 2015 وحده، وهناك توقعات بارتفاع الخسارة لأكثر من 540 مليار دولار في العام الجاري 2016، وإنه بافتراض استمرار أسعار النفط منخفضة لسنوات مقبلة، فإن إجمالي العجز في موازنات دول الخليج والجزائر سيبلغ نحو 900 مليار دولار بين عامي 2016 و2021، وبالتالي، وحسب تعبير الصندوق، فإن المنطقة مقبلة على كارثة إذا لم تسترد أسعار النفط عافيتها، أو إذا لم تتم إعادة هيكلة الاقتصادات الوطنية بحيث تكون مدرة لإيرادات غير تقليدية، ليس من بينها النفط والغاز.

لم يكتف صندوق النقد بذلك، بل رصد في تقريره الخطير حال المنطقة العربية خلال 5 سنوات إذا ما استمرت أسعار النفط على ما هي عليه الآن، والنتيجة النهائية التي يصل إليها هي أن العديد من الدول العربية، وفي مقدمتها الخليج لن تكون لديها سيولة تغطي احتياجاتها التمويلية خلال فترة 5 سنوات.

ليس هذا فحسب، بل قال الصندوق في تقريره الخطير الصادر أمس إنه "ستتراكم ديون كبيرة على الجزائر والبحرين وسلطنة عمان والسعودية خلال هذه الفترة (2016 و2021) وبنى حساباته على أنه من المتوقع أن تتجاوز احتياجات هذه الدول التمويلية ما لديها من احتياطيات مالية سائلة حاليا".

هذه الحقائق سبق أن ذكرها صندوق النقد الدولي في تقرير أخر صدر قبل شهور وإن كان بصيغة أخرى حينما ذهب إلى أنه "فيما عدا الكويت وقطر والإمارات وفي ظل السياسات الحالية ستنفد احتياطيات الدول من النقد الأجنبي في غضون خمسة أعوام بسبب العجز الكبير في الموازنات".

في ظل هذا الوضع التشاؤمي، الذي يرسمه صندوق النقد الدولي للدول النفطية، نعود للسؤال الأول وهو: هل ستفلس هذه الدول في غضون 5 سنوات؟ أم أن السؤال قفز على حقائق تستند إلى أرقام تقول إن هذه الدول لديها من الأموال والاستثمارات ما يكفيها لسنوات طويلة، كما أن تقارير غربية صادرة عن مؤسسات مالية وبحثية كبرى تشير إلى أن النفط قد يسترد عافيته، ربما في العام 2017 أو العام بعد القادم 2018، وهنا ستتدفق الأموال مجددا على خزائن هذه الدول.

وإذا لم تعاود أسعار النفط ارتفاعها، فما هو الحال إذن؟ هل تستطيع الدول النفطية عمل شيء كبير لتفادي مثل هذه التوقعات الكارثية التي تطل برأسها من حين لأخر، أم أن الوقت قد فات؟

* مصطفى عبد السلام رئيس القسم الاقتصادي بـ«العربي الجديد».