الحكومة المصرية تسند منظومة الخبز والتموين إلى وزارة الإنتاج الحربي

الأربعاء 17 أغسطس 2016 09:08 ص

في خطوة جديدة يقوم بها النظام في مصر نحو عسكرة الدولة ومؤسساتها، أعلن وزير التموين والتجارة الداخلية، «خالد حنفي»، أمس الثلاثاء، انتقال مسؤولية منظومة بطاقات التموين الذكية وبطاقات الخبز من وزارة التخطيط إلى وزارة الإنتاج الحربي، مبررا القرار، برغبة الحكومة في سرعة استخراج البطاقات التموينية الجديدة.

وقال «حنفي»، في بيان صحفي عقب لقاء أمس مع وزير التخطيط، «أشرف العربي»، ووزير الإنتاج الحربي، اللواء «محمد العصار»: «إن عملية الانتقال هدفها تجويد العمل بالمنظومة ورفع كفاءتها وتوفير الماكينات الخاصة بالمخابز والبقالين الجدد، في إطار التيسير على المواطنين وتحسين جودة البطاقات التموينية».

ويتضمن الاتفاق قيام وزارة الإنتاج الحربي بالإشراف الكامل على إدارة وتطوير منظومة البطاقات التموينية وبطاقات الخبز، وحماية البيانات الخاصة بالمنظومة ومتابعة أدائها ورصد أية اختراقات تحدث والتغلب عليها.

وسبق أن اعترف وزير التموين بأن منظومة الخبز كاملة تفتقر إلى الحوكمة، وتحتاج إلى هيكلة واضحة، نظرا لاستشراء الفساد، مشيرا إلى أنه من غير المنطقي أن يحتوي برنامج الحكومة على 83 مليون مستفيد من نقاط الخبز، مما يظهر أن الأرقام غير مدققة، وتتسبب في إهدار مليارات من الجنيهات.

ويشهد الملف الغذائي أزمات عدة، منها أزمة تهريب الأرز المصري للخارج ثم استيراد نوعيات أقل جودة، وأزمة في إنتاج السكر وزيوت الطعام، بجانب الفساد في توريد القمح الوهمي إلى الصوامع، والذي تسبب في خسارة مصر مليارات الجنيهات، لصالح متنفذين حكوميين وأعضاء باتحاد الغرف التجارية.

ومنذ الانقلاب الذي قاده الجيش على الرئيس «محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، زاد الجيش من مساحات توغله في اقتصاد البلاد، فتوسع في السيطرة على معظم المشروعات القائمة في مجالات الإسكان والطرق والكباري والأراضي والكهرباء والاتصالات والصوامع والملاعب والموانئ، إضافة إلى مشروع قناة السويس وانتهاء بمجال الطب، بحسب دراسة لـ«المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية» مؤخرا.

وصاحب تزايد نفوذ الجيش تعديلات في البنية التشريعية المنظمة للقرارات الاقتصادية الحكومية، بحيث تسمح للجيش بالتوغل في المشروعات الاقتصادية، بشكل قانوني وبدون منافسات.

ومهد لذلك الرئيس المؤقت، «عدلي منصور»، الذي أصدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، قرارا يسمح للحكومة بالتخلي عن المناقصات وإسناد المشروعات لأية شركة في الحالات العاجلة، وهي خطوة عادت بالفائدة على شركات تابعة للجيش، إذ استطاعت الحكومة إسناد عدد من المشروعات الكبرى في مجال البنية التحتية لشركات تابعة للجيش، بناء على هذا القانون.

وقد سمحت التعديلات التشريعية بتمكين شركات الجيش من التعامل المباشر والتعاقد مع جهات أجنبية، لتنفيذ مشروعات.

ففي النصف الأول من عام 2014، وقّع الجيش المصري عقدا لإقامة مشروعين إسكانيين مع شركات إماراتية، حيث وقعت شركة «إعمار مصر»، وهي شركة تابعة لشركة «إعمار العقارية» في الإمارات، اتفاقا مع وزارات الدفاع والإسكان والتنمية المحلية لبناء مشروع «إعمار سكوير»، كجزء من المشروع الإسكاني «أب تاون كايرو»، وتتضمن صفقة «إعمار سكوير» نقل معسكرات تابعة للجيش إلى أماكن جديدة وتطوير مستوى البنية التحتية في المنطقة.

وأعقب هذا الاتفاق، توقيع عقد مشروع إسكاني آخر لذوي الدخل المنخفض بقيمة 40 مليار دولار، في مارس/آذار 2014، مع شركة بناء إماراتية أخرى هي «أرابتك».

ورغم أن وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية هي المنوطة بهذا المجال، إلا أن العقد تم توقيعه مع الهيئة الهندسية بالجيش.

كما بدأت هيئات الجيش تنافس المؤسسات والهيئات الحكومية الأخرى في تنفيذ مشروعاتها الخاصة، فقد أعلنت وزارة الكهرباء تولي هيئة التسليح بالقوات المسلحة تنفيذ وتشغيل الخطة الإسعافية الثالثة لوزارة الكهرباء لعام 2015، والتي تقدر تكلفتها بنحو 16 مليار جنيه.

وطالت سياسات العسكرة في الفترة الأخيرة، مشاريع حراسة المستشفيات والمؤسسات المدنية، عبر شركة «كير سيرفس».

ويرى مراقبون أن خطورة عسكرة الاقتصاد في مصر، تكمن في حرمان خزينة الدولة من الضرائب والرسوم التي تعفى منها جميع الشركات التابعة للجيش، وتدمير الحياة الاقتصادية في مصر بضياع التنافسية، فلا تستطيع أية شركة أو مستثمر منافسة شركات الجيش، لما تتمتع به من مزايا مالية بجانب الأيدي العاملة بالمجان، من الجنود الذين يؤدون الخدمة الوطنية، ما يؤدي إلى هروب الاستثمارات وإغلاق المصانع والشركات.

وقبل أيام، لوح الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» بإجراءات صعبة لوقف تدهور الاقتصاد، والتراجع الحاد في مخزون النقد الأجنبي وتراكم الديون، وذلك بعد أيام من الإعلان عن اتفاق مبدئي مع «صندوق النقد الدولي» يمنح بموجبه مصر حزمة قروض بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث سنوات.

وقال «السيسي» في خطاب له إنه لن يتردد في اتخاذ تلك الإجراءات التي قال إن سابقيه من الرؤساء لم يجرؤوا على اتخاذها لخشيتهم من اندلاع احتجاجات شعبية.

وذكر في سياق حديثه عن الإصلاحات الاقتصادية بقرار الرئيس الأسبق «أنور السادات» في 1977 برفع سعر الخبز الذي تسبب في انتفاضة شعبية، ورأى «السيسي» أن هذا القرار كان أول محاولة إصلاح حقيقي.

وكانت الحكومة المصرية أعلنت مؤخرا، رفع أسعار الكهرباء بنسب تصل إلى 40%، وتسود مخاوف في الشارع المصري من إقدام الحكومة على قرارات مماثلة تكرس رفع الدعم عن كثير من المواد الاستهلاكية الأساسية والخدمية.

جمهورية العسكر

وفي أواخر مارس/آذار الماضي، حذر تقرير لموقع «ميدل إيست آي» البريطاني من مخاطر توسع الإمبراطورية الاقتصادية العسكرية في مصر.

وقال التقرير: «إن الاقتصاد العسكري المصري تطور إلى ما هو أبعد من الاحتياجات العسكرية ليشمل جميع أنواع المنتجات والخدمات».

وأكد أن العسكر يهيمنون على نسبة تتراوح بين الـ50-60% من الاقتصاد المصري، ويستحوذون على 90% من أراضي مصر، ويسخرون الجنود للعمل مجانا في مشاريعهم فينافسون بذلك أصحاب المشاريع الأخرى الخاصة المدنية.

وتعزز بعض التشريعات قدرة الجيش على خنق الشركات الاقتصادية المدنية، ومن أمثلة ذلك قرار «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» بخفض دعم الوقود لأصحاب المصانع، مع بقاء ميزانية الجيش، ومن ثم تكاليف الطاقة، خارج السجلات.

وفي ظل السرية التامة حول ميزانية الجيش، وبالتبعية إقطاعياته الاقتصادية، يمكن للشركات التي تسيطر عليها القوات المسلحة أن تستفيد من الإعانات التي تبقى خارج السجلات، والتمتع بمزيد من حرية المناورة في ظل انعدام الرقابة عليها.

وتقلص الهيمنة الاقتصادية للجيش من فرص نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، في ظل أن المقربين فقط هم من يمكنهم الفوز بعقود مربحة والتعامل مع نظام التصاريح، ويؤدي هذا بدوره إلى اقتصاد غير رسمي كبير قائم على المقربين، ويترك العديد من المصريين يعيشون في فقر مدقع.

ومنذ وصول «السيسي» إلى السلطة، زاد الجيش من نطاق انتشاره بسرعة، كما أنه بات يقاتل بكل قوته للدفاع عن هذه الإمبراطورية، في حين أن الشائع في مصر، هو أن الجيش يقوم بهذه المشاريع لمصلحة البلاد.

وتحصل كل مصانع الجيش وشركاته على إعفاء كامل من الضرائب والجمارك، بما يتضمن إعفاء منشآت الجيش الاقتصادية من الضرائب العقارية المفروضة على سائر المنشآت؛ الأمر الذي يسمح لها بتقديم المنتجات والخدمات بأسعار أقل من نظيرتها.

وخلال عامين من حكم «السيسي»، حصل الجيش رسميا على حق استغلال الطرق في عموم البلاد مدة 99 عاما، كما بدأت سياراته تنتشر في الشوارع لبيع المواد الغذائية، ومؤخرا دخل الجيش على خط المنافسة في بيع مكيفات الهواء وتوريد الدواء للجامعات.

وفي أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، تعالت الأصوات المطالبة بالحد من الأنشطة الاقتصادية للجيش، إلا أن هذه الأصوات بدأت تنخفض، ولا سيما مع سيطرة الدولة على الإعلام الذي يبرز الجيش في صورة المنقذ من الإسلاميين.

المصدر | الخليج الجديد + العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر وزارة التموين الجيش خالد حنفي الخبز عبدالفتاح السيسي عسكرة الدولة

«بلومبيرغ»: فشل «السيسي» هو السبب الرئيسي لانهيار الاقتصاد المصري

صحفي مصري: الحكومة تبيع أملاك الوقف في الداخل والخارج بأسعار غير مسبوقة

مصر:طرح سندات دولارية بالأسواق العالمية لجمع 21 مليون دولار

«السيسي» يلوح بإجراءات صعبة لوقف تدهور الاقتصاد

مصريون يسخرون من المتحدث العسكري: مبروك لجمهورية الجيش الشقيقة

تكليف الجيش المصري بالمشاركة في حملة لجمع القمامة يثير خلافا في الإعلام