استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

وصفات الإفقار الدولية

الاثنين 19 سبتمبر 2016 07:09 ص

تقوم وصفات صندوق النقد الدولي، والجهات الاستشارية الغربية، على أساس المنهج النيوليبرالي، المندفع نحو الخصخصة وتحرير الأسواق. وتتلخص الوصفات للدول المأزومة في انتهاج التقشف المالي، وخفض الإنفاق الحكومي، وترك القطاع الخاص يقود دفّة الاقتصاد.

تتبرّع شركات استشارية غربية، ومؤسسات تمويل دولية، مثل صندوق النقد الدولي، بتقديم النصائح والإرشادات اللازمة لدول العالم الثالث التي تعاني من أزماتٍ اقتصادية، لتحسين أوضاعها، وتحقيق تنميةٍ مستدامةٍ ورخاء اقتصادي. تدّعي هذه الشركات الاستشارية، ومؤسسات التمويل، أنها تقوم بمساعدة هذه الدول في تحقيق أهدافها التنموية، والخروج من أزماتها، لكن ما شهدناه، طوال العقود الماضية، أن وصفات هذه الشركات والمؤسسات الدولية فاقمت أزمات الدول النامية، وأدخلتها في دوامةٍ لا تنتهي من الديون، وكرَّست تبعيتها للمهيمنين على أسواق المال العالمية.

من الواضح، أن هذه الجهات، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي الذي يقدّم النصائح والهبات المالية للدول المأزومة اقتصادياً، تهدف لتعزيز هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي، وفتح أسواقٍ جديدة أمام الشركات العابرة للقارات، على حساب أهل تلك الدول.

تقوم وصفات صندوق النقد الدولي، والجهات الاستشارية الغربية، على أساس المنهج النيوليبرالي، المندفع نحو الخصخصة وتحرير الأسواق. تتلخص الوصفات للدول المأزومة في انتهاج التقشف المالي، وخفض الإنفاق الحكومي، وترك القطاع الخاص يقود دفّة الاقتصاد. على هذا الأساس، يوجه صندوق النقد الدولي، وأمثاله، هذه الدول إلى إلغاء القيود على الاستثمارات الأجنبية، وخصخصة المشاريع الحكومية والمرافق المملوكة للدولة، وزيادة الضرائب والرسوم (الزيادة التي لا تمس الأثرياء والنافذين)، لتحصل على تمويلٍ وقروضٍ من الصندوق.

في الواقع، يقوم صندوق النقد الدولي بتمويل الدول المَدينة، لتمكينها من تسديد ديونها للمصارف العالمية، ليضمن حصول هذه المصارف على أموالها، فيما يصبح هو الدائن الجديد، ولا يتغير حجم المديونية، بل قد يرتفع، بسبب الاشتراطات النيوليبرالية التي يفرضها الصندوق.

يزيد اتباع هذه الوصفات تعقيد الأمور في الدول المأزومة، وعلى الرغم من أن منظري الوصفات النيوليبرالية ومروجيها يتحدّثون عن “صدمةٍ” في البداية، تتسبب بأضرار، خصوصاً للفئات ذات المداخيل المتدنية، إلا أنهم يؤكدون أن الفائدة تتحقق لاحقاً، والرفاهية ستعوّض التضحيات، غير أن ما يحدث، في البداية، يستمر طوال الوقت، فسياسات التقشف تزيد البطالة، والديون تتراكم ولا يتوقف ارتفاعها، وتقويض الرعاية الاجتماعية المقدّمة من الدولة، وتطبيق الخصخصة الجائرة، يوسّع رقعة التفاوت الاجتماعي، ويزيد معدلات الفقر. 

أدّى تطبيق هذه الوصفات، في عددٍ من الدول، إلى تخفيض أجور العاملين، وتسريح كثيرين منهم، وضرب قطاعاتٍ تعاني من القصور أصلاً، مثل التعليم والرعاية الصحية، إذ تزيد هذه الوصفات سوء الخدمات فيها، مع تقليص الدولة إنفاقها عليها.

كذلك، كان لإلغاء دعم الوقود والمواد الغذائية الأساسية ضرر كبير على الفقراء، كما أن إلغاء القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي سمح بإغراق اقتصادات هذه الدول بسلع زهيدة الثمن، وانعكس هذا تدميراً للقطاع الزراعي في عدد من البلدان، بسبب عدم قدرة صغار المزارعين على منافسة الشركات العملاقة المنتجة للمواد الغذائية، وإفلاساً لمصانع محلية كثيرة، في ظل منافسةٍ غير متكافئة مع مشاريع صناعية عالمية ضخمة، بعد ترك الدولة هذه المصانع من دون حماية ودعم.

الملاحظ أن هذه الوصفات قادت، في عدد من الدول، إلى تخفيض مستويات المعيشة، والارتهان للقوى المهيمنة على أسواق المال العالمية، وتحقيق نمو كبير في البطالة والفقر والتفاوت الطبقي داخل مجتمعات تلك الدول. كان صندوق النقد الدولي، مثلاً، مساهماً أساسياً في دفع هذه الوصفات إلى التطبيق في بلدان العالم الثالث، ومباركة الإجراءات المؤدية إلى هذه النتائج الكارثية، والاستمرار في تقديم الوصفة نفسها كل مرة للدول التي تطلب مساعدته.

وكما يشرح إرنست فولف في كتابه عن الصندوق، فإن تأسيسه جاء لخدمة المصالح الأميركية، وقد عمل على تمكين الدولار الأميركي من أن يكون العملة القيادية للعالم، في خمسينيات القرن المنصرم وستينياته، ثم ساهم في تعبيد الطريق أمام الشركات الأميركية، لتدخل أسواقاً جديدة، مع تطبيق الوصفات النيوليبرالية في الدول المأزومة اقتصادياً.

تمثل تجربة الديكتاتور أوغستو بينوشيه في تشيلي نموذجاً من نماذج كثيرة لأثر الوصفات النيوليبرالية على مجتمعات الدول النامية. بعد الانقلاب العسكري المدعوم أميركياً لبينوشيه على حكومة الرئيس الاشتراكي، سالفادور أليندي، عام 1973، اعتمدت السلطة، بناءً على مشورة 30 أكاديمياً من تلاميذ ميلتون فريدمان (الأستاذ في كلية شيكاغو للاقتصاد، وأحد أهم دعاة النهج النيوليبرالي) خطة تقشف، تقوم على خفض الإنفاق الحكومي، وتنفيذ الخصخصة، وزيادة الضرائب على الأفراد العاملين، مع خفض الضرائب الجمركية والضرائب على الشركات، وقد وُصِفَ هذا البرنامج من صُنَّاعه بأنه “علاج بالصدمة”.

ارتفعت البطالة في تشيلي من 3% عام 1973، إلى 18.7% عام 1975، وتعاظم الفقر، وبلغ التفاوت الطبقي مستوياتٍ عالية، فيما كان صندوق النقد الدولي يرحب بالإجراءات النيوليبرالية، ويشجعها عبر مضاعفة قروضه لتشيلي بعد عام من انقلاب بينوشيه، ثم زيادة قيمة قروضه إلى أربعة وخمسة أضعاف في العامين التاليين.

مع كل التجارب السيئة لهذه الوصفات، ما زالت دول عربية عديدة تصرّ على التعامل مع الجهات المقدمة لهذه الوصفات، ومحاولة تطبيقها، على الرغم مما تسببت به من أزمات مضاعفةٍ في بعض هذه الدول، خلال العقود الماضية، فيما لا يلتفت المهرولون صوب الوصفات النيوليبرالية إلى أن تجارب التنمية الناجحة، في آسيا مثلاً، لم تكن لتنجح، لولا معاكستها مثل هذه الوصفات.

* بدر الإبراهيم كاتب سعودي صدر له كتابان: «حديث الممانعة والحرية»؛ «الحراك الشيعي في السعودية: تسييس المذهب ومذهبة السياسة». 

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

سياسات الإفقار الدولية صندوق النقد الدولي الاقتصاد النيوليبرالي الخصخصة تحرير الأسواق الدول المأزومة التقشف المالي خفض الإنفاق الحكومي القطاع الخاص مؤسسات تمويل دولية دول العالم الثالث أزمات اقتصادية التنمية المستدامة