استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مصر.. الجماعة الوطنية المصرية في خطر مجددا

الاثنين 26 سبتمبر 2016 05:09 ص

أثارت دعوات الكنائس المصرية، خصوصاً الكنيستين القبطية الأرثوذكسية والإنجيلية، إلى حشد المسيحيين المصريين في الولايات المتحدة الأميركية لدعم المنقلب عبد الفتاح السيسي، في أثناء حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، نقاشاً واسعاً، كنت طرفاً فيه ضمن حديثٍ لإحدى الفضائيات المشهورة، وتحدثت، بعد تردّد طويل، عن خطأ، بل خطيئة، الكنيسة المصرية، وبابا الكنيسة الذي مارس خطأ فادحاً، بل خطيئة كبرى في حق الوطن والجماعة الوطنية. 

كان رأيي في ذلك أن هذا التدخل من البابا، وإرساله اثنين من أساقفة الكنيسة، مستبقين زيارة السيسي نيويورك والمطالبة بتأييده، بل ومطالبة الأسقفين، الأنبا يؤنس والأنبا بيمن، الجالية المسيحية المصرية في أميركا بضرورة المساندة الكاملة للسيسي، في إطار مبدأ اختتم به جملته في خطاب موجه بلفظ خطير "كله سلف ودين"، كان ذلك المشهد أمراً خطيرا، صار السكوت عليه جريمةً مع تواتره وتكراره، ومع فداحته وانفضاحه، من أنه لا بد لهؤلاء أن يعرفوا، حتى ولو كانوا على رأس الكنيسة، الخطوط الحمر التي تشكل عبثاً بحالة المجتمع ونسيجه المجتمعي، وشبكة علاقته وتماسك جماعته الوطنية ولحمة أطيافه، فيكون ذلك محلّ مساوماتٍ ومقايضاتٍ وأفعالٍ ومواقف، تصب كلها، في النهاية، في النيل من الوطن وجماعته الوطنية، وامتهان حقيقة الشعب الواحد والوطن الواحد، إلا أن هذه القيادات، للأسف الشديد، لم تدرك، وربما تغافلت عن عمد، أنها وقعت في منطقة الخطر، وبشكل استخف بكل الأمور وبكل القواعد والثوابت. 

وبدا لبعضهم أننا نثير بذلك نعراتٍ طائفية، وأننا نقود عملية تحريض في مواجهة دعواتٍ هنا أو هناك، لكن الأمر على غير ذلك، إن الحديث عن تلك الدعوات إنما يشكل في الحقيقة أمراً يجب أن يضع الأمور في نصابها، ويضع الكنيسة في مقامها، فلا تتحرّك في ساحاتٍ ومساحاتٍ ليست لها، وتتدخل في شأن السياسة، على قاعدة أن "نعم" للسلطة وتأييدها، ودعم النظام مهما كان بائساً أو مستبداً فاشياً، مهما كان قاتلاً أو مجرماً يرتكب الجرائم في حق مواطنيه، فإنه محل تأييد، ومحل دعم ومساندة، معتقداً في ذلك أن ذلك أمان للكنيسة والأقباط.

ومن هنا، وجب على الجميع أن يطلق جرس إنذار لمثل هؤلاء المستخفين، أياً كان الأمر في ما يتعلق بمكانتهم أو مقامهم، بل يستحق الأمر منا أن نذكّر ونؤكّد أن هذا لعب بالنار، وتخطٍّ لكل الخطوط الحمر، وتعدٍّ على كل الأسقف المسموح بها، والمعتبرة في هذا الشأن. 

ومن هنا، لا يمكن أن ينطلق هذا الموقف، بأية حال، إلى حالة طائفية أو تحريض من أهل مصر على الأقباط، من هم في الداخل، أو من هم في الخارج. ذلك ليس في تفكيرنا أو خاطرنا، ولكن غاية الأمر في ذلك أن نؤكد، مع من يؤكد من مسيحيي مصر في الداخل والخارج، ومن ينبه إلى رفض تدخل المؤسسات الدينية في السياسة، ذلك أن هذا التدخل، وفق مشاهدات ومؤشرات كثيرةٍ، يصب، في النهاية، في مصلحة النظام الباطش الفاشي، وهي أمور علينا أن نخرج من قمقم ضيقها إلى رحابة الوطن، وإلى التأكيد على متانة نسيجه وتماسك قواه، وأن على القيادات الكنسية، وكذا قيادات المؤسسات الإسلامية، أن تنحّي نفسها جانباً في الدخول إلى هذا الميدان الخطر، حينما تحاول أن تتدخّل لمصلحة نظام مستبد فاشٍ، وتشكل له ظهيراً دينياً مبرّراً ومسوّغاً، داعماً ومسانداً، مغرّراً ومزوراً، ذلك أن خطورة هذا الشأن إنما تبدّد طاقة المجتمع وحرفها وانحرافها إلى حالةٍ من الاقتتال الأهلي والاحتراب المجتمعي والتوترات الطائفية، وهو أمر لا يليق لكل مخلصٍ أن يكون في هذا المشهد. ولكن، أن يكون في مشهد التنبيه والتحذير والإشارة إلى كل أفعال ومشاهد، تعبر عن امتهان للجماعة الوطنية وسوء تقدير وتقرير. 

ومن ثم أتى هذا البيان الفصل من مجموعة من المصريين، مسلمين وأقباطاً، من داخل ومن خارج، من شباب وشيوخ، ليعلن، أنه "كان للموقعين أدناه أن نطرح رؤيتنا حول تلك الأزمة وتداعياتها المستقبلية، في إطار إيماننا بواجبنا (بتعبيرهم) تجاه المجتمع المصري بصفة عامة، والمواطنين المصريين المسيحيين بصفة خاصة". وأكدوا أننا نرى، منذ خطاب 3 يوليو 2013، أن النظام الجديد استحسن زجّ الكنائس المصرية في المعادلة السياسية، ممثلين وحيدين عن عموم المواطنين المسيحيين، وتجلى ذلك في تشكيل لجنة الخمسين لتعديل دستور 2012، حيث ظهرت الكنائس الثلاث ممثلة عن عموم مسيحيي مصر، ونتج دستورٌ يضم مواد تعزّز من سطوة المؤسسات الدينية على المواطنين، خصوصاً المسيحيين...."، وأكد هؤلاء أنه "لا يصح أن نقبل أن تقوم الكنيسة سواء على عمل طوعي منها، أو بطلبٍ من النظام، أن تتعامل مع المواطنين المصريين المسيحيين بمنطق الشحن والتعبئة". 

وقالوا بملء أفواههم "إننا نؤكد على إيماننا بحرية الرأي والتعبير للجميع، في إطار سياسي مدني، غير موجه من قبل مؤسسات دينية؛ ونشدّد على رفضنا أن تتصدّر الكنائس المصرية مشهد الحشد والتعبئة لمظاهرات، سواء داعمة أو مناهضة.. وهو أمر يمثل خروجاً عن القواعد الديمقراطية وإقحاماً للدين في السياسة ... ونحذر من خطورة استمرار الزج بالمؤسسات الدينية بشكل عام، والكنائس بشكل خاص في المعادلة السياسية وسط مجتمع يعاني من أزمة طائفية بالأساس.. ونحمّل النظام والكنائس تبعات ذلك على بسطاء المواطنين المسيحيين الأقباط؛ فلم يعد من الخفي ما يعانيه المواطنون المسيحيون من أزمات جراء دخول الكنائس طرفاً في المعادلة السياسية حتى لا يتحمل المواطنون المسيحيون، خصوصاً في الصعيد تبعات المواقف السياسية التي تتخذها قيادات الكنيسة". 

وغاية الأمر في ذلك أن ننادي على أصحاب مشروع الجماعة الوطنية الذين بدأوه، منذ عقود ومن عشرات السنين، لينهضوا منذرين ومحذرين للنيل من تلك الممارسات، من أزهر أو كنيسة من أوقاف أو إفتاء بممارسة مواقف لممالأة النظام، لا يجني تبعاتها إلا المواطنون البسطاء من الطرفين، بما يهدّد تماسك الجماعة الوطنية ولُحمتها. إن سكوت هؤلاء، الذين كانوا يحملون هم ذلك المشروع، والصمت عن تلك الممارسات الظالمة لذلك المشروع، إنما يشكّل حالة خطرة يمكن أن تمزق عُرى المجتمع وحقيقة دور وظيفة الدولة وجوهرها، وهو أمر بات واضحاً بعد هذا النظام الانقلابي، الذي صار يمارس، بكل فجاجة وبجاحة وتناحة، كل هذه السلوكيات مهدّداً أمن المجتمع الإنساني، لتوطيد حكمه وسلطانه، ولتثبيت أركانه وطغيانه، حتى لو هدم الدولة والمجتمع والعلاقة فيما بينهما. إلى هؤلاء جميعاً أؤكد أن الأمر لم يعد يحتمل، وأن هؤلاء المواطنين العاديين الذين اتخذوا هذا الموقف، ببيانهم العميق والدقيق، المحذر والمنبه، أكثر وعياً من نخبةٍ تحنطت في مواقفها، وانحطت في أفعالها. وآن الأوان أن نخرج عن صمت القبور، لأن الانقلاب ومنظومته صارت تدفعنا وتدفع المجتمع إلى قبرٍ كبير وسجن أكبر، حفظ الله مصر وأهلها وثورتها. 

* د. سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

  كلمات مفتاحية

مصر الجماعة الوطنية السيسي الطائفية الاحتراب المجتمعي الكنيسة الانقلاب