«ميدل إيست بريفينغ»: نحو مبادرة خليجية من أجل أمن الشرق الأوسط

السبت 1 أكتوبر 2016 11:10 ص

إنّ أمن دول مجلس التعاون الخليجي عبارة عن معادلة متغيرة. تختلف كثيرًا مجموعة التحديات التي تواجه استقرار دول المجلس الآن عمّا كانت عليه منذ 5 سنوات. وكما يعلم أي خبير أمن وطني، فإنّ التحديات التي تواجه الأمن الوطني في أي حالة لا تكون ثابتة. لكن في حالة دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة، فإنّها كانت تتغير باستمرار أكثر من أي فترة أخرى.

ومع انهيار أسعار النفط، وحرب اليمن، واتفاق إيران النووي، وصعود الإرهاب، والتباطؤ في الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى التوتر مؤخرًا بين الغرب وروسيا، والحرب الأهلية السورية، واستمرار الأزمة السياسية في العراق، والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وثورات الربيع العربي، وعناصر أخرى كثيرة من الممكن أن تضاف للقائمة، تظهر التحديات التي تواجه الأمن الداخلي كانعكاس للصراع المتصاعد في المنطقة.

لقد كان هناك تغير في نهج دول المجلس تزامنا مع البيئة الأمنية التي فرضت عليه إيجاد توازن مع التغيرات الحادثة في هذه البيئة. وأظهرت دول المجلس درجة أعلى من الثقة بالنفس والاعتماد على الذات وهو ما تجسد في سياسات المجلس وخطابه، وظهر ذلك في اليمن وسوريا.

وفي حين ينبغي أن يتم الترحيب بهذا من المجتمع الدولي، حيث يخلق هذا شريكًا ديناميكيًا وفعال في الحفاظ على استقرار المنطقة، فإنه يتوجب صياغة الدور الجديد في منظور أوضح كما هو الحال في العلاقات الأمنية العالمية. وبعبارة أخرى، فإنّ ظهور دور إقليمي أكثر حزمًا لدول المجلس يستوجب الإجابة عن الأسئلة اللاحقة ذات الصلة مثل العلاقات مع الجهات العالمية، والمذاهب المختلفة في مجالات التدخل العسكري، وحدود ومتطلبات الأنشطة المشتركة، وطرق تعزيز الموقف الاقتصادي والسياسي لدول المجلس على المسرح العالمي.

حتى الآن، ما رأيناه هو دور ديناميكي أكثر حزمًا في تحسين البيئة الأمنية الإقليمية، لكن هذا الدور الجديد لا يستند بعد على نظرية إقليمية أمنية واضحة، ولم يتم تحديد كيفية دمج هذا الدور مع هيكل الأمن العالمي ومراكزه الرئيسية. ويبقى الدور الجديد لدول المجلس يتغير مع كل حالة على حدة ويخضع للموافقات الفردية للزعماء. ويجعل هذا الوضع مسألة الأهداف الإقليمية أو حدود وطبيعة التحالفات الإقليمية والدولية مسألة وجهات نظر شخصية أكثر منها إطار عمل منظم يشكل الدور الإقليمي الجديد لدول مجلس التعاون الخليجي.

ويرجع السبب وراء النهج الأمني الإقليمي الجديد لدول المجلس إلى حقيقة واحدة تأكدت بشكل متزايد في العقدين الأخيرين، ألا وهي أنّ التحالفات الخارجية تملك أجنداتها الخاصة وهذه الأجندات تتغير وتتبدل عما كانت عليه لعقود طويلة تجاه دول الشرق الأوسط. وما رأيناه بعد ذلك، هو «نقلة نوعية» إذا استخدمنا كليشيه «توماس كوهن» عام 1963.

وفي حين أثارت الفعالية العسكرية لدول المجلس إعجاب الكثير من المراقبين حول العالم، لم يصبح استخدام القوة العسكرية عند الحاجة بعد جزءًا من منظور استراتيجي ومجموعة مفصلة من السياسات والطرق. ولازال النهج المتبع فرديًا، وهذا يبطئ من نضج دول المجلس وتطورها.

ولنعط مثال حول ذلك، سنعود لمبادرة الملك الراحل «عبد الله» عام 2002 المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، التي قدمها في مؤتمر القمة العربية في ذلك العام في بيروت. وقدمت المبادرة إطار عمل واضح لأي نهج لاحق في قضية السلام الشائكة مع (إسرائيل) وكان مركزًا في تنظيم أي محاولات عربية وعالمية لاستئناف محادثات السلام.

ومن الخطأ تقييم مبادرة الملك في إطار تحقيقها للسلام فعليا أم لا. وحتى نحن لم نصل إلى هذا الهدف حتى الآن، ولكن المبادرة كانت ومازالت إطارًا إرشاديًا هاما لتوجيه جميع المحاولات اللاحقة للدفع بخطوات نحو الأمام.

وبالمثل، ينبغي أن يوجد إطار عمل استرشادي للعلاقة مع إيران يقدمه المجلس في هذه اللحظة الحرجة. والمبادرة التي نقترحها هنا باسم «مبادرة من أجل السلام الإقليمي» ينبغي أن تتجنب المجادلات، وتتأسس على طموح حقيقي لتعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة. وينبغي أن تحدد الشروط التي بموجبها تقوم الدول العربية بالتطبيع التجاري والاستثماري والسياسي والتعاون الأمني مع إيران.

ومن وجهة النظر العربية، ينبغي أن تحتوي هذه المبادرة شروط عدم التدخل، والاستعداد لبناء علاقات تعاون مع الدول التي تساهم في دور بناء لتحسين الأمن الإقليمي، ولديها النية الصادقة لجعل ذلك ممكنًا.

ولا ينبغي أن يقتصر الدور الحازم لدول المجلس في مسألة الأمن الإقليمي على الجانب العسكري فقط، بل ينبغي أن يمتد ذلك إلى النشاط الدبلوماسي كذلك.

إلى الآن، يبدو أن التفاعل بين الدور العسكري الحازم من جهة، والآراء الفردية المتناثرة غير المنظمة في الأهداف والاستراتيجيات، يعاني من فقدان واضح للتوازن.

بوضوح، فإنّ الحاجة لإطار عمل واضح وشامل للأهداف الأمنية الإقليمية لمجلس التعاون الخليجي لن تنتهي، بأي صورة نتخيلها، بمجرد الإعلان عن مبادرة عربية تتعلق بإيران. ولكن المناقشات التي ستسبق تلك الخطوة والتي ستأتي بعدها، ستساعد في إيضاح العديد من الموضوعات التي ستتطلب المزيد من النقاش حولها كمتطلبات للأمن الإقليمي.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران الأمن الإقليمي مجلس التعاون الخليجي