"ما أسهل الحياة حين تُغمض عينيك عن الحقائق". عِبارةٌ تُنسب لأكثر من شخص، هي أصدقُ وصفٍ لحال العرب بشكلٍ عام مع تركيا، ولإسلامييهم على وجه الخصوص.
منذ أسبوعين، نشر أرشد هورمزلو، المستشار الرئاسي التركي السابق، مقالاً معبِّراً في الزميلة (الحياة) بعنوان "العثمانية الجديدة"، أكد فيه "أنه لا توجد هناك عثمانية جديدة كما لا توجد أموية جديدة أو عباسية جديدة". ذكرَ الرجل بوضوح أنه يكتب هذا إجابةً على الأسئلة والاستفسارات والطروحات، العربية، التي تُحاول أن تُلبِسَ الدولة التركية، قسراً، لباساً لاتنوي ارتداءه من قريبٍ أو بعيد.
لأكثر من عقد من الزمان، تحاول تركيا المواءمة بين المبادئ والمصالح، بشكلٍ مبتكر، في سياساتها الخارجية. وبِحُكم كونها تجربةً بشرية، فهي تنجحُ حيناً في ذلك بسلاسة، كما حدث في العشرية الأولى لحكم حزب العدالة والتنمية، وتفشل حيناً، كما كان الحال في السنتين الأخيرتين إلى لحظة الانقلاب الفاشل منذ شهور.
أما اليوم، فالواضح أن تركيا تعلمت من دروسها بشكلٍ كبير، وهو مايجب أن يفهمه العرب شعوباً وحكومات.
أولاً: لايمكن لبعض قوى المعارضة العربية أن تستعديَ تركيا ضد حكوماتها بدعاوى أيديولوجية.
ثانياً: لامجال لممارسة الأمنيات، والهروب من الواجبات الذاتية العربية شعبياً ورسمياً، عبر تلبيس تركيا "طربوش" الخلافة التي ستحل، بالنيابة، كل المشاكل، وتعالج، بالوكالة، كل الأزمات.
ثالثاً: لايمكن لأي دولة أن تتوقع من تركيا صداقةً ودعماً حقيقياً دون التعامل معها بنفس الطريقة. فعلى بساطتها، تُشكل هذه القواعد الثلاثة اليوم محور السياسات التركية تجاه العرب.
مامن شكٍ في أولوية المسؤولية الواقعة على الدول العربية لفهم القواعد المذكورة بشكلٍ متكامل، والتعامل معها بحسمٍ وجدية، بعيداً عن التردد والتسويف والوساوس، وقبل الوصول إلى واقعٍ جيوسياسي لن ينفع معه، وقتَها، أيُّ تنسيقٍ أو تعاون.
لكن ثمة مسؤوليةً كبرى تقع أيضاً على من يُفترض فيها أن تكون النخب العربية، سواءَ كانت تتلبس موقع المعارضة الشعبية بشكلٍ واضحٍ ومُعلَن، أو بشكلٍ هادئ مستور.
تحاول تركيا أن تُعبِّر سياساتُها الراهنة بوضوح عن منطلقاتها الاستراتيجيتها الأساسية اليوم، لكن حال بعض العرب، الذين يصرون على حالة الإنكار، يبدو وكأنه يدفعها لأن "تبقّ البحصة" بصراحة على لسان بعض ساستها، وفي المنابر العربية مباشرةً.
ففي نفس الفترة تقريباً، ظهر عمر كوركماز، كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، على شاشة قناةٍ خاصة مقربة من الإخوان المسلمين في مصر، لكنه فاجأ المذيع المعروف بقربه منهم حين قال أن هؤلاء ليس لهم تأثيرٌ في الداخل.
ثم تابع قائلاً: "ربما أن بعض الأطراف المصرية، وأنت منهم، تفكرون أن الشغل الشاغل في تركيا هو موضوع مصر. هذا ليس صحيحاً. وكان حريصاً على أن يذكّر المذيع قائلاً: "أليس الإخوان هم الذين انزعجوا عندما تكلم أردوغان في القاهرة عن العلمانية؟".
وعندما سأل المذيعُ المستشارَ في نهاية اللقاء عن نصيحته للمعارضة المصرية، أجاب إن عليها أن "تصنع مشروعاً حضارياً مصرياً موحداً لمُستقبل مصر، ويبلوروا ماذا يريدون في المستقبل القريب والبعيد لمستقبل مصر.. لابأس أن تكون لديها أمنيات عالية جداً جداً.. لكن يجب أن يتعاملوا مع الواقع. بمعنى، ألا نبقى في المثاليات دائماً ونتأخر في التدخل في الأحداث".
ربما آن أوان الإصغاء لحكمة جلال الدين الرومي: "إذا كنت تبحث عن الشفاء، فاشعر بمرضك حقاً".
* د. وائل مرزا كاتب وأكاديمي سوري