الاقتصاد وإيران يحركان «بوصلة» الجزائر نحو الخليج العربي

الخميس 24 نوفمبر 2016 08:11 ص

منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتكثف الزيارات رفيعة المستوى بين مسؤولين في الجزائر ودول الخليج العربي بوتيرة يبدو معها أن هذه التحركات الجزائرية غير المسبوقة ترمي إلى ترميم علاقات الجزائر مع الخليج، على خلفية مواقف الطرفين المتباينة في ملفات إقليمية عدة، حسب تحليل لوكالة «الأناضول».

واعتبرت الوكالة في تحليلها أن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الجزائر من جهة ورغبة الخليج في ابتعاد الجزائر عن تأثير السياسة الإيرانية من جهة أخرى يحركان «بوصلة» الجزائر، حالياً، نحو الخليج العربي.

فمساء أمس الأول الثلاثاء، اختتم وزير الخارجية الجزائري، «رمضان لعمامرة»، جولة خليجية شملت الإمارات وسلطنة عمان وقطر، ودامت خمسة أيام.

وخلال مؤتمر صحفي في الدوحة، قال «لعمامرة» إن «هناك توافقا بين الجزائر وقطر وباقي دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، البحرين، سلطنة عمان) من أجل تضافر الجهود لحل الأزمة في سوريا وليبيا، وباقي الأزمات التي تمزق المجتمعات العربية».

وفي العواصم الخليجية الثلاثة، بحث «لعمامرة»، بحسب بيانات منفصلة للخارجية الجزائرية، العلاقات الثنائية، لاسيما في الشق الاقتصادي، بجانب تبادل وجهات النظر حول أزمات المنطقة.

جولة «لعمامرة» تزامنت مع زيارة رئيس الوزراء الجزائري، «عبد المالك سلال»، إلى السعودية، يومي 16 و17 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، برفقة وفد ضم وزراء ورجال أعمال.

والتقى «سلال» عددا من كبار المسؤولين السعوديين، في مقدمتهم الملك «سلمان بن عبدالعزيز»، وتناولت المحادثات سبل دعم التعاون الثنائي في مجالات مختلفة، إضافة إلى قضايا راهنة، وفقا لبيانات صادرة عن الرياض والجزائر.

زيارات للجزائر

في الاتجاه الآخر، زار نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة الإماراتي، الشيخ «منصور بن زايد آل نهيان»، الجزائر، أمس الأول الثلاثاء، برفقة وزراء ورجال أعمال؛ حيث بحث التعاون الثنائي وقضايا المنطقة مع مسؤولين جزائريين، في مقدمتهم الرئيس «عبد العزيز بوتفليقة».

وتوجت هذه الزيارة بتوقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم في قطاعات عدة، أهمها الطاقة والصناعة.

وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، زار وزير الخارجية القطري، الشيخ «محمد بن عبد الرحمن»، الجزائر، وصرح في ختام الزيارة، التي استغرقت ساعات، بأنه بحث مع المسؤولين الجزائريين الملف الليبي، وسبل الاستفادة من خبرة الجزائر في القارة الأفريقية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، زار الجزائر مسؤولان عسكريان خليجيان رفيعي المستوى، وهما رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية، الفريق أول الركن «عبد الرحمن بن صالح البنيان»، ونظيره القطري، الفريق ركن «غانم بن شاهين الغانم»، واكتفت بيانات لوزارة الدفاع الجزائرية بالتأكيد على أن مباحثات الضيفين مع القيادة العسكرية الجزائرية «ركزت على التعاون العسكري الثنائي وسبل تنويعه، فضلا عن تبادل وجهات النظر بشأن أهم القضايا الراهنة».

تباينات بين الطرفين

وكالة «الأناضول» رأت أنه رغم أن تبادل الزيارات لم ينقطع بين الجزائر ودول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الماضية، «إلا أن تكثيفها في الآونة الأخيرة يعكس تحركات دبلوماسية جزائرية غير مسبوقة تجاه دول المنطقة».

وعامة، ظلت علاقات الجزائر ودول الخليج توصف بالعادية، فرغم الاختلاف الكبير في المواقف تجاه قضايا عربية راهنة، لاسيما الملفين السوري واليمني وحتى النزاع على إقليم الصحراء الغربية، إلا أن الجانبين حافظا على حبل ود يربطهما.

وقبل زيارته الأخيرة للسعودية علق «سلال» على وضع العلاقات مع الرياض بقوله في تصريحات صحفية إن «هذه العلاقات رغم ما يظهر عليها من تناقض في المواقف، إلا أنها جيدة».

والجزائر من الدول العربية التي لم تنخرط في التحالف العربي في اليمن، بقيادة السعودية، والذي أطلق في 26 مارس/آذار 2015 عملية عسكرية ضد مسلحي جماعة «الحوثي» وحلفائهم من المسلحين الموالين للرئيس السابق، «علي عبدالله صالح»؛ ردا على سيطرتهم على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، إضافة إلى محافظات يمنية أخرى.

كما تحافظ الجزائر على علاقات رسمية مع نظام «بشار الأسد» في سوريا، ويتبادل الجانبان الزيارات الرسمية، بينما تدعم أغلب دول الخليج المعارضة السورية المسلحة، وتدعو إلى رحيل «الأسد».

وفي أكثر من مناسبة، برر مسؤولون جزائريون هذه المواقف برفض الجزائر التدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى، وتفضيل طريق الحوار والتفاوض لحل أزمات المنطقة.

تباين جزائري خليجي آخر يظهر في النزاع بين المغرب و«البوليساريو» (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) على إقليم الصحراء الغربية؛ فبينما تدعم دول الخليج موقف المغرب بمنح الإقليم حكما ذاتيا، تدعو الجزائر إلى إجراء استفتاء، برعاية منظمة الأمم المتحدة، لتقرير مصير الصحراويين.

لا تغيير في مواقف الجزائر

وحسب «جلال بوعاتي»، وهو صحفي جزائري متخصص في العلاقات الجزائرية الخليجية، فإن «الجزائر تأمل عبر إعادة توجيه بوصلة دبلوماسيته تجاه منطقة الخليج العربي أن يبقى ذلك خارج إطار مواقفها من قضايا عربية، منها سوريا واليمن وحزب الله اللبناني، وغيرها من ملفات تعتبر الجزائر أنها لا تتوافق ومبادئها».

«بوعاتي» تابع، في حديث مع «الأناضول»، أنه «منذ سنوات تتخذ الجزائر قرارات تتباين مع مواقف دول الخليج، ومنها الخلاف بشأن عملية صنع القرار في جامعة الدول العربية، حيث تهيمن الكتلة الخليجية على هذه المنظمة الإقليمية».

الصحفي الجزائري، الذي يعمل في يومية «الخبر» (خاصة)، مضى قائلا إن «هناك نوع من البراغماتية أصبحت تطبع تحركات الدبلوماسية الجزائرية.. وعندما يتعلق الأمر بملفات عربية، فإن الصوت الأول الذي يسمع هو صوت رئيس الجمهورية (بوتفليقة)، بحكم علاقاته الشخصية مع قادة دول الخليج».

واعتبر أن «الرئيس بوتفليقة يرمم حاليا العلاقات مع الخليج بعد ما أصابها من فتور بسبب الموقف الجزائري من (ثورات) الربيع العربي، والحكومات الإسلامية التي خلفت أنظمة منهارة في تونس ومصر، إضافة إلى مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى، الذي انتهجه، وهي مواقف أصبحت منذ قرابة العام مفهومة لدى جميع الدول العربية.. وهو ما سهل إعادة رأب الصدع في العلاقات المشتركة».

وذهب «بوعاتي» إلى أن «هناك جانبا خفيا في العلاقات؛ فالجزائر لم تقطع اتصالاتها أبدا مع الأسر الحاكمة في الخليج.. منذ بداية حكم بوتفليقة عام 1999 واستعادة الأمن في البلد، يتخذ أمراء وشيوخ الخليج من الجزائر، وخاصة مناطقها الصحراوية، وجهة سياحية ومأمونة، وهو ما يعتبر مؤشرا على أن المواقف السياسية تمليها الظروف وليست ذات بعد استراتيجي».

«كما أن وتيرة نمو التعاون الاقتصادي والاستثمار الخليجي في الجزائر»، بحسب الصحفي الجزائري، «تؤشر على متانة الأواصر بين القيادة الجزائرية ونظيراتها في الخليج.. الجزائر كانت تراهن دوما على عامل الوقت ليفعل فعلته في علاج التوترات.. وقد أثبتت التجارب صحة هذا الرهان، حيث حصلت الجزائر على دعم دول الخليج لتحركاتها بشأن تسوية الأوضاع المتردية في ليبيا وسوريا».

الأزمة الاقتصادية

وعن توقيت التحرك الجزائري المكثف نحو دول الخليج العربي، قال «بوعاتي» إن هذا التحرك «سبقته رسالة واضحة من قادة دول الخليج في اجتماع منظمة أوبك (الدول المصدرة للنفط) في الجزائر سبتمبر/أيلول الماضي بدعم المقترح الجزائري بخفض إنتاج النفط، وهو ما فهمت منه الجزائر أن منظمة التعاون الخليجي ستقف بجانبها في أزمتها الاقتصادية، ولن تدعم يوما أي تحركات تستهدف أمنها».

وبسبب تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية منذ يونيو/حزيران 2014، تعاني الجزائر أوضاعا مالية صعبة؛ حيث انخفضت الإيرادات النفطية بشكل حاد من نحو 67 مليار دولار إلى 27 مليار دولار، بحسب تصريح صحفي لمدير ديوان الرئاسة الجزائرية، «أحمد أويحيى».

ابتعاد عن إيران

وبينما تتحرك الجزائر نحو دول الخليج العربي، وفقا للصحفي الجزائري، فإن «المقابل هو ابتعاد الجزائر عن نطاق تأثير السياسة الخارجية الإيرانية (المناهضة لدول الخليج وفي مقدمتها السعودية)؛ لذا كانت الجزائر ترفض الانخراط في المواقف المتدخلة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، دون أن يمنعها ذلك من تقديم دعم دبلوماسي للمواقف المعتدلة».

وخلال زيارته الأخيرة للسعودية، صرح رئيس الوزراء الجزائري بأن الجزائر «تقف بجانب المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب»، مشددا على أن «الشعب الجزائري سيهب للدفاع عن البقاع المقدسة في المملكة في حال تعرضها لأي تهديد إرهابي».

واعتبر مراقبون هذا التصريح موقفا جزائريا صريحا ضد تهديد أمن المملكة، لا سيما من قبل صواريخ جماعة «الحوثي»، المحسوبة على إيران.

ومنذ أشهر، تتردد معلومات عن وساطة جزائرية بين دول الخليج وإيران في أزمتي اليمن وسوريا، لكن المعلومات بقيت في نطاق التداول الإعلامي دون أي تأكيد أو نفي واضح من الجزائر أو أطراف أخرى معنية.

وأثناء زيارته الأخيرة للدوحة، وردا على سؤال عن وساطة جزائرية محتملة، اكتفى وزير الخارجية الجزائري بالقول إن «الدبلوماسية تتطلب وقتا لتنضج الجهود المبذولة، ولا يمكن أن تبقى الجزائر مكتوفة الأيدي، وهي تتابع بقلق تطور الأمور في سوريا وليبيا».

وختم «لعمامرة» بأن «الجزائر يبذل ما يمكن القيام به لحمل الأطراف على تغليب الحوار والحل السلمي، وهذا هو موقفنا الذي نبلغ به كل الخصوم». 

  كلمات مفتاحية

الجزائر إيران الاقتصاد الجزائري أوبك الخليج العربي

أمير قطر يتباحث بتونس مع «السبسي» و«سلال» و«فالس».. ويغادر إلى الجزائر للقاء «بوتفليقة»