«عون» يبدأ من الرياض.. المصالح اللبنانية مع السعودية أقوى من «التقاليد» وإيران

الأحد 8 يناير 2017 04:01 ص

تقليدياً، تكون أول زيارة خارجية لرئيس لبناني، إلى فرنسا ثم الفاتيكان، إلا أن الرئيس «ميشال عون»، يكسر غدا هذا التقليد ويحط في المملكة العربية السعودية.

يطلق الجنرال «عون» الرئيس اللبناني الذي تولى مهمته في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إشارة البدء في علاقات خارجية جديدة بخارطة طريق تبدأ من السعودية كمحطة أولى، تعيد العلاقات المتوترة منذ عامين مع المملكة.

فخلال العامين الماضيين، سادت حالة من التوتر بين البلدين، تسبب فيه الفراغ السياسي للبنان، والانفراد بالمواقف حيال القضايا الإقليمية، ما اعتبرته السعودية خروجاً من الحضن العربي.

إعادة الثقة وتفعيل الهبة السعودية لتسليح القوى الأمنية والجيش اللبناني، ورفع الحظر عن السعوديين استثماراً وسياحة إلى لبنان وعن تحويلات اللبنانيين التي تشكل عموداً فقرياً للاقتصاد اللبناني، هي أهم الملفات المرتقب مناقشتها مع خادم الحرمين الشريفين «سلمان بن عبد العزيز».

زيارة «عون» تأتي مصحوبة بعدد من الوزراء، يمثلون فسيفساء الحكومة الحالية والتنوّع الطائفي والسياسي للبلاد، فيما كان لافتاً غياب وزير الدفاع «يعقوب الصراف» عن الوفد، في وقت سيطرح فيه ملف الهبة السعودية.

خلاف بعد توافق

عادة ما توصف العلاقات التي تربط السعودية ولبنان بـ«المتينة والتاريخية»، خاصة مع حضور بيروت الدائم في اهتمامات الدولة العربية الأبرز، واحتضان المملكة عددًا كبيرًا من اللبنانيين، الذين ساهموا في نهضتها وشكّلوا مصدر أموال كبير لبلادهم.

وفي السياسة، لطالما دار لبنان، في الفلك السعودي، حيث كان للرياض حضور وتأثير في الساحة السياسية اللبنانية، لاسيما في مراحل الحرب الأهلية والحروب الإسرائيلية.

كما لعبت السعودية دورًا بارزًا في إنهاء الحرب الأهلية (13 أبريل/ نيسان 1975 – 13 أكتوبر/ تشرين الأول 1990) حيث استضافت الفرقاء اللبنانيين في مؤتمر الطائف الذي أنهى الاقتتال الداخلي وأطلق ورشة إعادة الإعمار والبناء في هذا البلد.

ومع وفاة الملك السعودي السابق «عبد الله بن عبد العزيز» في يناير/ كانون الثاني 2015، زار وفد رفيع المستوى مكون من شخصيات لبنانية بارزة لتقديم واجب العزاء.

ومع تولي الملك «سلمان» للحكم، نقل عنه قوله لـ«نبيه بري» رئيس مجلس النواب اللبناني: «لبنان في قلبي».

إلّا أن هذه العلاقات شهدت في السنوات الأخيرة نوعًا من «البرودة»، بفعل الانقسام في المنطقة، وتردداته على الساحة اللبنانية، خصوصًا مع تواصل هجوم «حزب الله» وأحزاب من قوى 8 آذار، على السعودية لما يعتبرونه دعمًا للمعارضة السورية، وبسبب الحرب في اليمن.

بدأ الخلاف بين السعودية ولبنان، مع فبراير/ شباط 2016، عندما هاجم «حسن نصر الله» الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني، السعودية، واتهمها بتسليم اليمن إلي تنظيم «الدولة الإسلامية»، مضيفا أن «المملكة تتآمر مع تركيا و(إسرائيل) لمساعدة الجماعات الإرهابية التابعة لهم في سوريا».

عدم رد الدولة اللبنانية على تصريحات «نصر الله»، دفعت السعودية إلى الإعلان في 19 فبراير/ شباط 2016، وقف مساعداتها للجيش اللبناني، والتي تقدر بـ4 مليارات دولار تقدمها سنويًا لتسليح الجيش وقوة الأمن الداخلي اللبنانيين، بيد أن «حزب الله»، اعتبر القرار السعودي «ليس نهاية العالم بالنسبة للبنان».

زاد من الأزمة بين السعودية ولبنان، دخول إيران على الخط، وإعلان خارجيتها، استعداد طهران تقديم مساعدات للبنان لتعويضها عن انقطاع المساعدات السعودية، ورهنت تقديم المساعدة بطلب الحكومة في بيروت، قبل أن تطلق السعودية تحذيرا لمواطنيها من السفر إلي لبنان حرصًا على سلامتهم.

وفي 1 أبريل/ نيسان، دخلت وسائل الإعلام السعودية على خط الأزمة بين بيروت والرياض، فهاجم محتجون مكتب صحيفة «الشرق الأوسط»، ردًا على نشر الصحيفة لكاريكاتير ينتقد الدولة اللبنانية.

يأتي ذلك إلى جانب توقف السياحة السعودية والخليجية إلى لبنان، ومعها الاستثمارات الخليجية في بيروت، لاسميا مع توالي القرارات التصعيدية من قبل الرياض التي منعت مواطنيها من السفر إلى هناك، وهو ما تبعه دول خليجية أخرى.

وتتهم السعودية «حزب الله» بالموالاة لإيران، والهيمنة على القرار في لبنان، وتنتقد تدخّله العسكري في سوريا للقتال إلى جانب نظام «بشار الأسد»، كما تنتقد السعودية، عدم إدانة لبنان اقتحام سفارتها وقنصليتها في طهران مطلع 2016.

إلا أن التصريحات الرسمية الصادرة لاحقاً من لبنان، أكدت أهمية العلاقات مع السعودية، والتي كان أبرزها إعلان رئيس الوزراء اللبناني «تمام سلام»، رغبة بلاده في الحفاظ على العلاقات مع الدول العربية لاسيما المملكة.

الرئاسة.. بداية

واستمر الوضع كما هو عليه، حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2016، عندما أعلن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق «سعد الحريري»، المدعوم من السعودية، تأييده ترشيح خصمه «ميشال عون» المدعوم من «حزب الله» لرئاسة البلاد، مؤكدا أن قبوله بذلك هو «تسوية سياسية» خوفا على لبنان في ظل شلل الحكومة منذ بداية الحرب السورية، وهو ما عزز صعود حلفاء إيران وتراجع الدور السعودي في البلاد.

وكان «عون» لسنوات أحد أبرز حلفاء حزب الله في الشارع المسيحي بلبنان، وقد أشارت الكثير من التحليلات إلا أن مواقفه السياسية اعتدلت بعد وصوله إلى رئاسة البلاد، لتصبح في الوسط بين الحزب والقوى المناوئة له في لبنان.

فمع إدراكها صعوبة هزيمة «حزب الله» فيما يبدو، فإن لبنان تراجع إلى قاع قائمة الأولويات الإقليمية للسعودية، بسبب انشغالها بمواجهة إيران في اليمن والبحرين وسوريا.

ودفع هذا حلفاء الرياض في لبنان لعقد صفقات جديدة من أجل الحفاظ على مصالحهم.

وقبيل انتخاب «عون»، زار «ثامر السبهان» وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، لبنان، في زيارة هي الأولى لمسؤول رفيع المستوى منذ توتر العلاقات بين البلدين.

وتزامنا مع انتخاب «عون»، أرسل العاهل السعودي تهنئة سعودية، لم تكن بروتوكولية وعادية بقدر ما كانت تهنئة خاصة وذات مدلولات سياسية هامة.

فلو كانت التهنئة عادية وبروتوكولية، لاكتفى العاهل السعودي ببرقية تهنئة كتلك التي أرسلها هو وولي عهده وولي ولي عهده لـ«عون»، والتي تأتي في إطار الاعتراف بالشرعية الدستورية للرئيس المنتخب.

ولكن الاتصال الهاتفي الذي بادر به الملك «سلمان» لإجرائه مع «عون» يعني أول ما يعنيه «ارتياحاً سعودياً لملء الفراغ الرئاسي الذي عانى منه لبنان لنحو عامين ونصف عام»، ويعني أن الرياض «ستتعامل مع العهد الجديد»، وأن عهداً جديداً «ستشهده العلاقات السعودية في لبنان بعد أكثر من عامين من التخلي عن الدور السعودي فيه»، والذي جعل الرياض على وشك أن تخسر حلفاءها التقليديين في لبنان.

وعقب انتخاب «عون» بأيام، ترأس الأمير «خالد فيصل» أمير مكة، وفد رفيع المستوى، إلى لبنان، للتأكيد على عمق العلاقات، حيث حمل رسالة إلى الرئيس اللبناني ووجه له دعوة لزيارة المملكة ولقاء الملك «سلمان»، وهي الزيارة التي أعلن «عون» عن القيام بها الاثنين على أن تستمر يومين، تعقبها أخرى لقطر تمتد لنفس المدة.

صفحة جديدة

البداية الجديدة، تراها الأوساط السياسية، أنها تنطوي على دلالات هامة، وستكون لها مفعولها فيما يتصل بالاستقرار السياسي في لبنان، أو فيما يتصل بتفصيل الدورة الاقتصادية، التي طالما تعثرت بسبب العلاقات التي شابتها بعض السلبيات مع المملكة، كما مع دول عربية أخرى في مجلس التعاون الخليجي.

ومع هذه البداية، يثبت «عون» اعترافه باتفاق الطائف 1989 الذي أنهي الحرب الأهلية في لبنان،والذي كان يرفضه «عون» سابقا.

كما أن «الحريري»، بنجاح مبادرته في تأييد انتخاب «عون»، جعل الرياض تعيد اهتمامها بلبنان، الأمر الذي سيجعلها تستعيد دورها فيه، وهو الدور الذي يفتقده العديد من اللبنانيين وأولهم حلفاؤها التقليديون.

هذه البداية، التي تعني عودة السعودية ودورها إلى لبنان، وعودة تفاهمها مع معظم القوى السياسية اللبنانية، عدا بالطبع «حزب الله» التي تعتبره السعودية كيانا إرهابيا، والذي ستترك أمر التعامل معه سياسيا لـ«الحريري»، تتطلب من الرياض إعادة تنشيط العلاقة مع «الحريري» التي فترت خلال العامين الماضيين، وهذا يتطلب من الرياض حل الأزمات المالية التي عانى ويعاني منها زعيم «تيار المستقبل» بسبب تدهور أوضاع شركته «سعودي أوجيه» ويتطلب تنشيط دورها كواحدة من أدوات القوة الناعمة في لبنان، خاصة أن الملك «سلمان» وصف «الحريري» قبل سنوات بأنه «ابننا».

أهداف الزيارة

وعن أهم أهداف زيارة «عون»، هو الملف الاقتصادي، حيث ظهر ذلك في تصريح رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية - السعودية «ايلي رزق»، الذي قاد وفدا من رجال الأعمال اللبنانيين في جدة من أجل لقاء المسؤولين في بلدهم الأم.

ونقلت وكالة الأنباء اللبنانية، قوله إن «الجالية في الخليج وفي السعودية أبدت ارتياحا كبيرا للزيارة التي سيقوم بها عون إلى الخليج لا سيما إلى السعودية، لما لها من تأثير كبير في إعادة العلاقات بين لبنان وهذه الدول إلى طبيعتها».

وقال «رزق» إن الزيارة ستساهم في إضفاء «أجواء من الراحة والطمأنينة لدى اللبنانيين العاملين في الخليج، وكذلك عودة الاشقاء الخليجيين للسياحة والاستثمار في لبنان»، على حد تعبيره.

كما قال أمين سر المجلس «ربيع الأمين»: «نستبشر خيرًا بهذه الزيارة شكلًا ومضمونًا، خصوصًا أن مجلس العمل والاستثمار اللبناني في السعودية قد أكد ضرورة صيانة العلاقات بين البلدين بعد البرودة التي شهدتها في المرحلة الأخيرة».

وتابع: «ومع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة، نأمل أن تحمل هذه الزيارة الخير للعلاقات بين بيروت والرياض».

«الأمين»، لفت إلى أنه «للمرة الأولى، يتم تنظيم لقاء بين رجال أعمال لبنانيين وسعوديين في المملكة يوم الثلاثاء المقبل، بدعوة من وزير الاقتصاد اللبناني رائد خوري الذي سيكون من ضمن الوفد المرافق للرئيس».

أما سياسيا، فقد قال النائب «نعمة طعمة»، إن الزيارة إلى السعودية «تنطوي على دلالات كثيرة لما ترمز إليه علاقة لبنان بالسعودية، حيث للمملكة أياد بيضاء على لبنان»، مضيفا: «هذه الزيارة، وبعد الفتور الذي شاب علاقة البلدين، سيكون لها وقعها ومردودها الإيجابي على مختلف المستويات، كما ستولد ارتياحا لدى الجالية اللبنانية المقيمة في المملكة، والتي تحظى برعاية خاصة من المسؤولين السعوديين والشعب السعودي الشقيق وهي الجالية الأكبر في دول الانتشار».

كما قال النائب «آلان عون»، إن «السعودية دولة أساس ومهمة للبنان، والمرحلة التي مررنا بها شهدت بعض السلبيات، وبالتالي بات من الضروري فتح صفحة جديدة في هذه العلاقات مع انطلاقة العهد الجديد، ورد الأمور إلى ما كانت عليه وهذه هي الرسالة التي يحملها رئيس الجمهورية، لإعادة الانفتاح من موقع المسؤولية ومن موقع الجامع لكل اللبنانيين».

وأشار النائب إلى أن «هذه الزيارة لا تستفز أحدا، معروف أن هناك انقسامات إقليمية انعكست تشنجًا مع جزء من اللبنانيين، لكن ما سيقوله الرئيس عون إنه مهما حصل من تشابك إقليمي لن تتأثر العلاقات مع المملكة».

وحول موقف «حزب الله» من الزيارة، قال «عون» إن «الحزب يعرف أن لدى رئيس الجمهورية هامشًا من الحركة وموقع الرئاسة لكل اللبنانيين».

أمَا عن إمكانية زيارة الرئيس اللبناني لإيران، فأوضح أن «هذه الزيارة حتمًا ستحصل، ولا شيء يمنع ذلك بتوقيت معين، ستكون للرئيس عون زيارة لطهران وهي جزء من جولات الرئيس الخارجية»، وتابع: «لبنان صديق للجميع، وقد يكون مكان التقاء للجميع».

وساطة وتسليح

وعلى صعيد آخر، كشف وزير الإعلام اللبناني «ملحم رياشي» الذي سيرافق «عون»، إن الأخير سيكون وسيطاً للتقارب بين إيران والسعودية، إذ سيقف على نقطة وسطية بين طهران والرياض ويمكن أن يلعب دوراً تقاربياً وسطياً بينهما.

لكن صحيفة إيرانية أشارت إلى أن المملكة العربية السعودية تحظى في الوقت الحالي بمكانة سياسية ودبلوماسية مرموقة داخل المنطقة، وبالتالي لن تقبل أن ترضخ لما تمليه عليها الدولة اللبنانية، فضلا عن ذلك، قد تعتبر المملكة التدخل اللبناني بمثابة إهانة لها.

وفي الأثناء، لن توافق إيران على هذه الوساطة اللبنانية، ففي الفترة الأخيرة، دخلت طهران في تحالف ثلاثي مع كل من أنقرة وموسكو، لإيجاد حلول لوقف النزيف في سوريا، وبالتالي لن ترضى بتدخل لبنان لمد جسور التواصل بينها وبين السعودية، خاصة أنها تسعى لتحقيق انتصارات دبلوماسية وسياسية على حساب السعودية. بحسب الصحيفة نفسها.

فيما سعت إيران إلى غلق الباب أمام «عون»، عبر زيارة استباقية لمسؤول إيراني رفيع إلى بيروت، عرض خلالها نية بلاده «تسليح الجيش اللبناني»، في محاولة لمنع لبنان من تحقيق أي توازن محتمل في علاقته بدول خليجية فاعلة.

واستبق «علاء الدين بروجردي»، رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، طلب «عون» في الرياض بالإفراج عن الهبة السعودية المخصصة للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، خصوصا بعد الزيارة التي قام بها مؤخرا وزير الخارجية الفرنسي «جان مارك إيرلوت» المكلف بتنفيذ الهبة السعودية قبل تجميدها.

ويقول محللون إن طهران شديدة الامتعاض من اختيار عون للسعودية كأول دولة يقوم بزيارتها بعد توليه الرئاسة.

وأكد «بروجردي»، أن «النية راسخة لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال تسليح الجيش اللبناني».

وأضاف: «هذا الأمر طرح بشكل جدي أثناء زيارة وزير الدفاع اللبناني السابق سمير مقبل إلى إيران، لذلك نحن نعتقد أن هذا الأمر من مشمولات الحكومة اللبنانية إن شاءت أن تفعّل هذا الموضوع»، وهو الأمر الذي لم تطلبه إيران حتى الآن.

  كلمات مفتاحية

السعودية لبنان عون السبهان سلمان دبلوماسية سياسية

الرئيس اللبناني: زيارتي للسعودية تهدف إلى «تبديد الالتباس» في علاقات البلدين

السعودية ولبنان يؤكدان ضرورة الإسراع في إنجاز اتفاقية الازدواج الضريبي

«عون»: العلاقات مع السعودية تتحسن