روسيا وتركيا وإيران.. لعبة شطرنج جيوسياسية على الرقعة السورية

الأحد 15 يناير 2017 04:01 ص

تطفو الاختلافات بين الروس والأتراك والإيرانيين على السطح شيئًا فشيئًا وتكتسب وزنًا أكبر. وقد حذّر موقع تابناك الإخباري، القريب من الخط الرسمي في طهران، قرّاءه في 4 يناير/كانون الثاني من أنّ روسيا تتجه بشكل متزايد إلى صفّ تركيا في سوريا.

القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، «محسن رضائي»، الذي يقوم بإدارة الموقع، معروف بنهجه المتشدّد تجاه سوريا. وقال الموقع أنّ الإيرانيين ينبغي عليهم ألّا يتفاءلوا بشأن سوريا، حيث يسير «بوتين» بالتدريج في اتّجاه أهداف أنقرة في سوريا.

وفي معرض إبرازه هذه القضية بهذه الطريقة، وضع تابانك الخيارات التي تواجه طهران في سوريا في شكل لافت للنظر. فـ«رضائي» الذي يشغل حاليًا منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، قال من خلال موقعه الإلكتروني أنّ روسيا قد أخرجت إيران من المحادثات التي قادت لوقف إطلاق النار. وأشار إلى أنّ القوّات الجوّية الروسية قد بدأت بالفعل مساعدة القوّات المدعومة من تركيا في درع الفرات في القتال ضد تنظيم الدولة. وقال الموقع: «لقد كان من الصعب قبل بضعة أشهر تخيّل طائرة سو-24 تمهّد الطريق للقوّات المدعومة من تركيا المتقدّمة باتجاه شمال سوريا. وقريبًا، ستحقّق تركيا هدفها في هذه المنطقة».

وإيران ليست الدولة القلقة الوحيدة، فهناك مخاوف متزايدة في عواصم دول حلف الناتو بشأن التقارب الروسي التركي.

ومع ذلك، فإنّ التعاون الناشئ بين أنقرة وموسكو لديه ثلاث معالم هامة. أولًا، يظهر للأتراك أنّ موسكو تستفيد من انفتاح العلاقة بأكثر مما قد تحققه تركيا من تعاونها مع موسكو. علاوة على ذلك، فإن هذا التعاون سيضع أنقرة تحت الضغط بطريقة تقلّص من مساحتها في التفاوض مع باقي اللاعبين ذوي الصلة. وثانيًا، قد يشجّع الأمر المسؤولين الإيرانيين أكثر لاستكشاف طريقهم إلى الغرب، لفظيًا على الأقل، من أجل الضغط على موسكو. وثالثًا، قد يكون للأمر تأثير سلبي على الوضع داخل سوريا.

تعتقد روسيا أنّها بتعزيزها علاقتها مع تركيا، فإنّها تضعف عمليًا الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (الناتو). وقد ألمح وزير الدفاع التركي «فكري أسيك» في 4 يناير/كانون الثاني إلى أنّ أنقرة قد تنظر في إغلاق قاعدة إنجرليك. والسبب من وجهة النظر التركية أنّ وجود القوّات الجوّية الأمريكية بالقاعدة لم يعد مفيدا لها في الوقت الذي تقدم فيه الطائرات الروسية الدعم المطلوب لقوّات درع الفرات على الأرض.

وفي حين أنّ موسكو، مثل واشنطن، لا توافق على خطط الرئيس «أردوغان» للهجوم على القوّات الكردية، فإنّ الروس، من أجل إرضاء أنقرة، ألزموا أنفسهم بمنع إقامة كيان كردي شبه مستقل على الحدود بين تركيا وروسيا. علاوة على ذلك، فإنّ الروس الآن، وليس الأمريكيون، هم من يشكّلون الأحدث في شمال سوريا.

إضعاف الناتو؟

ولا ينبغي أن يفهم اتّهام «أردوغان» للولايات المتّحدة بمساعدة الدولة الإسلامية كخدمة كلامية للروس. بلا شك، يسعد موسكو هذا الخطاب، لكنّ عيون الروس على إضعاف حقيقي لوجود الناتو في تركيا كهدف نهائي من التقارب مع تركيا.

علاوة على ذلك، فتركيا دولة رئيسية في القتال ضد صعود «الإرهاب الإسلامي» في منطقة القوقاز ووسط آسيا. ويوفر التحالف مع تركيا لروسيا هامشًا أكبر للمناورة في أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان.

وعلى الجانب الآخر، بينما تؤمّن تركيا جبهتها الشمالية في حدودها مع سوريا، فإنها تخاطر بالتوتّرات المتزايدة مع أوروبا الغربية، لاسيما ألمانيا والمملكة المتّحدة. ويمثّل الاتّحاد الأوروبي الشريك رقم 1 في الواردات والصادرات، بينما تأتي تركيا في المرتبة السابعة في سوق الاستيراد والخامسة في سوق التصدير الأوروبي. وأسواق التصدير الرئيسية لتركيا هي الاتحاد الأوروبي والعراق وروسيا والولايات المتّحدة والإمارات وإيران.

ومع ذلك، فإنّ ثلث صادرات تركيا وربع وارداتها تأتي من خلال الروابط التجارية بكبار أعضاء حلف الناتو. ولا تأتي روسيا حتّى في قائمة الدول العشرة الأوائل في الاستيراد من أنقرة. ومع ذلك، تبيع روسيا للأتراك بضائع تقدر بأكثر من 20 مليار دولار، تقترب من 11 بالمائة من صادرات روسيا الإجمالية. وفي وسط ذعره من الكابوس الكردي، قد يكون «أردوغان» قد أخطأ تقدير حجم نفوذه على موسكو.

ويمكن تلخيص تلك الديناميكيات على النحو التالي: تحصل تركيا على منافع محدودة (سوريا والأكراد) وتزوّد روسيا بوصول جيوسياسي هام، في حين تترك حلف الناتو كخاسرٍ أكبر من مثل هذا التقارب التركي-الروسي.

قلق إيراني

وكما هو واضح من وسائل الإعلام الإيرانية، يوجد شعور بالقلق في إيران حيال التقارب الروسي التركي. وتمثل خطّة إيران للحفاظ على جسرها من الأراضي عبر العراق وسوريا إلى جنوب لبنان وسواحل شرق المتوسط لعبة صفرية في سوريا، والتي تهدف من خلالها لوضع كامل البلاد تحت سيطرة «الأسد» وتنظيف كل الطريق، من الأنبار إلى اللاذقية، من أي تواجد سنّي مسلّح.

وترى روسيا خطّة إيران هذه كمصدر تهديد محتمل غير مباشر. لأنّه إذا استمرّت إيران في ممارسة القتل ضد السنّة في العراق وسوريا، سيشعل ذلك الصراعات الطائفية على نطاق واسع في المنطقة. وتخلق الطائفية التطرّف الديني والذي سيطال روسيا ويجعلها عرضةً للتعرض للألم على يد المسلمين داخل حدودها أو خارجها.

وكانت تركيا، في وقت سابق، تسعى نحو لعبة صفرية أيضًا، وإن كانت على النقيض من لعبة طهران. ومع ذلك، أصبحت أنقرة على قناعة، لا سيما بعد التدخّل العسكري في سوريا في خريف عام 2015، أنّ الأمر سيكون مخاطرةً كبيرة على مصالحها الوطنية أن تتحمل عبء السعي نحو النهاية الصعبة.

وبطبيعة الحال، لا تنظر روسيا إلى الصراع في سوريا، ولا إلى الاستراتيجيات المختلفة لأصدقائها في طهران والآن في أنقرة، من خلال هذين المنظورين الصفريين. فالعدسة الوحيدة التي تنظر من خلالها هي كيفية الحصول على أكبر قدرٍ من المكاسب لأمنها وأجندتها السياسية من خلال التواجد في سوريا. وكانت أنقرة مضطرة للتخلّي عن خططها الصفرية في سوريا. والآن، هذا دور إيران.

وبالتالي، سيتعين على إيران النظر في طرق الإبقاء على أهدافها. ومنطقيًا، ستحاول إيران التلويح ببعض الإشارات الودّية مع الغرب للضغط على موسكو. والبعض في الغرب سيقع ضحية، كالعادة، للعبة الإغراء الجديدة من إيران. لكن في نهاية المطاف، لا يمكن للغرب تقديم ما ترفض روسيا تقديمه لإيران، الجسر البري حتّى شرق المتوسط.

ومن ناحيةٍ أخرى، يمكن لإيران النظر في التخلّي عن طموحاتها الإمبريالية بالتوسّع حتّى شرق المتوسط، على الأقل في الوقت الراهن، والقبول على مضض بخطّة روسيا، التي تشمل دورًا هيكليًا للأتراك. لكن قبل حدوث ذلك، ستجرب طهران كل الحيل الممكنة لاختبار عزم الروس والأتراك.

والنتيجة النهائية أنّ طهران لا يمكنها تحمّل عبء ما يفعله الروس في سوريا. ويعلم الإيرانيون أنّه بدون الدور الروسي العسكري في سوريا، ستستمر سلسلة الهزائم، والتي كانت واقعًا قبل أن يهرع «بوتين» بالمساعدة. وقد بدأت روسيا انسحابًا رمزيًا آخر لبعض وحداتها العسكرية لتذكّر الجميع أنّها قادرة على سحب جميع قوّاتها في مهلة قصيرة. ومن الواضح أنّها لن تفعل ذلك. لكنّ إنعاش الذاكرة مطلوب أحيانًا.

ويقودنا هذا مباشرةً إلى سوريا. تعمل لعبة إيران على دفع «الأسد» وميليشياته لنسف الصفقة الروسية التركية. وكما يظهر حتّى لحظات كتابة هذا التقرير، تكسب طهران بالفعل أرضًا في هذا الصدد. كما أنّها تكسب «الأسد» في صفّها، مع خوفه من أن تضحّي به روسيا من أجل «أردوغان»، وتحت إغراء كسب سوريا وتركيا بحجر واحد.

وتحدث انتهاكات وقف إطلاق النار يوميًا من قبل «الأسد» والقوّات الشيعية. كما أنّ اغتيال قادة المعارضة أصبح قاعدة مستمرة. ومؤخرًا، رفضت مجموعة من حزب الله السّماح لجنود روس بالدخول إلى منطقة يسيطرون عليها. واعترف عضو من حزب الله، في مقطع فيديو انتشر كالفيروس في مواقع التواصل الاجتماعي، أنّ الروس والميليشيات الشيعية «يسيطرون الآن على كافّة سوريا»، وأنّ قوّات «الأسد» ليس لها كلمة على الأرض.

وبالتالي، من غير المرجّح الآن أنّ موسكو ستسارع إلى معركة إدلب. تريد روسيا أن تستمر الحاجة إليها لوقت أطول حتّى تنتهي من مناورتها الإقليمية. ومع ذلك، قد يحاول «الأسد» وإيران وحزب الله أن يقوموا بذلك وحدهم ويهاجمون آخر معاقل المعارضة في إدلب.

ويعدّ أفضل سيناريو للإيرانيين هو الحفاظ على وجود الروس في سوريا ولكن في حدود الاستراتيجية الإيرانية. والذين يعرفون «بوتين» يعلمون أنّ ذلك يكاد يكون من المستحيل. وفي النهاية، سيتعين على الإيرانيين التماشي مع صفقة موسكو أنقرة، لكن ليس قبل أن تفعل إيران كل ما يمكنها من أجل نسف الصفقة.

  كلمات مفتاحية

روسيا تركيا إيران سوريا حزب الله

روسيا وتركيا وإيران تتطلع إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ