معهد الشرق الأوسط: لماذا تهتم السعودية بالحصول على تيران وصنافير؟

الاثنين 16 يناير 2017 01:01 ص

يتوقّع أن يصوّت البرلمان المصري قريبًا لصالح عودة جزر تيران وصنافير إلى السعودية. وسيأتي القرار، بعد أشهر من الجدل في مصر، تنفيذًا لاتفاق تمّ التوصل إليه بين الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» وملك السعودية «سلمان بن عبد العزيز» في أبريل/نيسان عام 2016، والذي نصّ على الاعتراف الرسمي بسيادة السعودية على الجزيرتين الصغيرتين، ومهّد لعودتهما تحت سيطرة الرياض.

وتركّز جل الاهتمام على الجوانب السياسية للقرار المصري والجدل الذي اشتعل في مصر بين معارضي التنازل عن جزيرتين لطالما اعتبرتا جزءًا من الأراضي المصرية السيادية. ولم يصرف الكثير من الانتباه إلى الآثار الاستراتيجية الأكثر أهمية الممثّلة في القرار المصري المفاجئ، فضلًا عن العواقب الاستراتيجية لسيطرة السعودية على الجزر في سياق تحوّلات البيئة الإقليمية الاستراتيجية.

وتقع الجزيرتان في مسافة ضيقة بطول 13 كم بين شبه جزيرة سيناء وشبه الجزيرة العربية. وكلا الجزيرتين غير مأهولتين إلّا من تواجد عسكري مصري صغير إضافةً إلى القوّات متعدّدة الجنسيات في تيران. ويربط هذا الطريق البحري، بين خليج العقبة والبجر الأحمر. ويتحكم المضيق في الوصول إلى ميناء إيلات (الإسرائيلي) وميناء العقبة الأردني، وكلاهما لهما أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة.

مقاربة أمنية جديدة للرياض

وتعتبر التغيّرات الجذرية في وجهات النظر الأمنية للرياض هي أساس هذا الاتفاق المفاجئ. وعكس حرص السعودية في السيطرة على الطريق البحري رغبةً في إنهاء أكثر من 6 عقود من الإذعان لسلطة مصر على الجزر. ويدل ذلك على إصرار المملكة على إعادة تأسيس السيطرة السيادية على الجزر والممر المائي المحيط بها، والأهم من ذلك إنهاء الإذعان للبحرية المصرية في ساحةً تعتبرها الرياض الآن أولوية لأمنها القومي.

وهناك أيضًا مشروع لبناء جسر بري يربط بين المملكة ومصر بطول 15كم (9.3ميل) عبر المضيق، وهو مثال آخر على إعادة تخيل الأنماط الاستراتيجية والتجارية والتنموية التي يجري التفكير بها في أنحاء المنطقة.

ويعود هذا النشاط الزائد في السياسة السعودية إلى الأجندة السياسية الأكثر ديناميكية، إلى جانب التحوّل في البيئة الأمنية السعودية. وقبل كل شيء ومن بين هذه الحسابات الأمنية، الحرب الدائرة في اليمن، والتي ملأت حيز اهتمام السعودية بشكلٍ غير مسبوق، حيث تحاول أن تلعب دورًا حيويًا وفعّالًا في جارتها الجنوبية للحدّ من وصول الأسلحة المهرّبة واعتراضها، ومواجهة النفوذ الإيراني والذي يعتقد أنّ له دور في إمداد المتمرّدين عبر الممرات البحرية بالسلاح لقتال النظام الملكي.

وتتضّح طموحات التوسّع البحري السعودي في إقامتها لقاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر في جيبوتي، تقع في منطقة القرن الأفريقي عبر خليج عدن من اليمن وتشرف على ممر باب المندب الذي يتحكّم في الوصول من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر وقناة السويس. ويعبر ما يقارب من 10 بالمائة من تجارة النفط العالمية يوميًا عبر هذا الطريق. وسبق السعودية في التواجد في أفريقيا قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية، ومؤخرًا صينية.

ويشهد هذا الاهتمام والاستثمار على الوتيرة الديناميكية للتنافس على السيطرة على الأصول في الممرات البحرية الهامة للتجارة البحرية الدولية والتي تربط الشرق الأقصى بالبحر المتوسط، والذي هو أيضًا محط تنافس المصالح الأمنية بين الدول.

مصر .. مصدر للقلق

وفيما يتعلق بمضايق تيران وجيبوتي، فمصر هي مصدر القلق السعودي الأول في حين أنها ضرورية كشريك أصغر. وتغيّر الكثير منذ عام 1950 عندما أذعنت السعودية لسيطرة البحرية المصرية على تيران وصنافير، حيث لم تكن تمتلك حتّى بحرية بدائية لحمايتها. وبسبب الرغبة المشتركة بين السعودية ومصر في خنق طريق التجارة للدولة الوليدة (إسرائيل)، سيطر الجيش المصري على المضيق المؤدي لميناء إيلات، والذي يتوجّه له غالبية النفط القادم من إيران.

وكان واحدًا من إنجازات (إسرائيل) في حرب السويس عام 1956، هو فتح المضيق لمرور التجارة الإسرائيلية دون قيود. وكان قرار مصر بإغلاق المضيق أمام التجارة الإسرائيلية مجدّدًا سببًا في تمهيد الطريق أمام حرب يونيو/حزيران عام 1967. وفي مسار الحرب، احتلّت (إسرائيل) الجزر، وفتحت المضيق والبحر الأحمر أمام البحرية الإسرائيلية والتجارة البحرية. وأكّدت معاهدة السلام مع مصر على عودة الجزر عام 1982 إلى سيطرة مصر. وفي المقابل، اعترفت مصر بحرية الوصول الإسرائيلي دون شروط أو قيود. وتحت مظلة دولية، ووضعت قوّات حفظ السلام متعدّدة الجنسيات لتراقب تنفيذ معاهدة السلام، بما في ذلك حرية الملاحة عبر المضيق.

ونتيجةً لذلك، لم تعد الجزيرتان تمثّلان نفس الأهمية لدى مصر. وتحوّلت اهتمامات مصر من التحكّم في الممرات المائية الاستراتيجية لـ (إسرائيل)، إلى حماية أصولها البحرية الاستراتيجية، الغاز بشكل رئيسي، في البحر المتوسط. وفي الوقت الذي أصبحت فيه الشراكة الاستراتيجية بين مصر و (إسرائيل) أقوى من أي وقتٍ مضى، فإنّ السيطرة المصرية على المضيق من أجل منع الوصول البحري لـ (إسرائيل) صارت تمثل مفارقة استراتيجية.

وبهذا المغزى، قدّم اهتمام السعودية المتزايد باستعادة السيادة والسيطرة فرصةً طيبة للقاهرة «بأن تحصل على شيء» مع الوعود التي قدّمت في مجال الاستثمار. ومع ذلك، فإنّ المفهوم السائد بين المصريين حول التراجع المصري في مواجهة مصالح التوسّع السعودية وقوّتها المالية قد عقّد جهود الرئيس «عبد الفتاح السيسي» لكسب موافقة شعبية ومؤسسية على إعادة الجزيرتين.

وقد لا يجد المسؤولون الأمنيون في مصر غضاضة في إعادة الجزيرتين للرياض، لكنّهم ليسوا متفائلين نحو ما يتعلّق بنتائج تلك الخطوة من التوسّع البحري السعودي في باب المندب.

وصرّح مصدر دبلوماسي مصري مجهول الهوية إلى صحيفة العربي الجديد أنّ «القاهرة ضد الصفقة تمامًا (يقصد بناء قاعدة سعودية في جيبوتي) لأنّها تعتبر جيبوتي تحت النفوذ المصري ولأنّ موقعها مهم للأمن القومي. وتتعارض هذه الخطوة مع الأعراق المتفق عليها بين الدول العربية، حيث أنّ المنطقة لها تأثير مباشر على ممر السفن باتّجاه قناة السويس. وإذا أرادت السعودية ضمان ألّا تسيطر إيران على المنطقة، فهذا مفهوم، لكن مع وجوب أن يتمّ هذا بالتنسيق مع مصر وتحت رقابتها».

ومن الواضح أنّ (إسرائيل) ليس لديها أي تحفّظات تجاه السيطرة الفعّالة للسعودية على ما يزال بالنسبة لـ (إسرائيل) ممرًا بحريًا استراتيجيًا لخليج العقبة. ويتطلّب الاتفاق السعودي المصري موافقة (إسرائيل) على تعديل بنود معاهدة السلام مع مصر لتمكين السعودية من أن تصبح الضامن للمرور الإسرائيلي الحر عبر المضيق، وتعتبر موافقة (إسرائيل) ممنوحة حسب الأصول المتّبعة. وفي هذا الشأن، أصبحت الرياض شريكًا رسميًا في ترتيبات الأمن والسلامة البحرية في المضيق ومضيفًا للقوّات متعدّدة الجنسيات المستمرّة في مهمتها في تيران. وعلى نطاقٍ أوسع، فإنّ التغييرات في بنية الأمن البحري في الممر المائي الحيوي تعكس تقارب في المصالح الوليدة بين (إسرائيل) والسعودية.

المصدر | معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية

السعودية مصر اليمن باب المندب تيران وصنافير