عامان من حكم الملك «سلمان»..نقلة نوعية بالعلاقات بين تركيا والسعودية

الثلاثاء 17 يناير 2017 10:01 ص

يوافق يوم 23 من يناير/كانون ثان الجاري مرور عامين على حكم العاهل السعودي، الملك «سلمان بن عبد العزيز»، عقدت خلالهما ثماني قمم تركية سعودية ساهمت في تحقيق نقلة نوعية في علاقات البلدين المشتركة على مختلفة الأصعدة،.

العام الأول من حكم الملك «سلمان» شهد أربع قمم، اختتمت باتفاق الدولتين على إنشاء مجلس للتعاون الإستراتيجي، فيما شهد العام الثاني من حكمه أربع قمم أخرى، توجت بالتوقيع على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي، وسط توقعات بأن يشهد العام الثالث من حكمه (2017) تفعيل عمل المجلس، بحسب «الأناضول».

تلك القمم المتتالية والزيارات المتبادلة، خلال وقت قصير، ساهمت في تقارب رؤى أنقرة والرياض تجاه العديد من ملفات المنطقة، وتعزيز التعاون بمختلف المجالات، حيث أجريت أربع مناورات عسكرية مشتركة، وزاد حجم التبادل التجاري إلى 8 مليارات دولار، وتم تدشين رحلات مباشرة للخطوط السعودية إلى العاصمة التركية أنقرة، انطلاقا من جدة والمدينة المنورة غربي المملكة.

8 قمم خلال عامين

وخلال عامي حكم الملك «سلمان» عُقدت ثماني قمم تركية سعودية، جمعت الرئيس التركي، «رجب طيب أردوغان، بقادة السعودية (الملك وولي العهد وولي ولي العهد)، وتوجت بتوقيع الدولتين، في أبريل/ نيسان الماضي، على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي، بحضور الملك «سلمان» والرئيس «أردوغان».

والمُتتبع لتلك القمم ونتائجها يلاحظ أنها تسير بخطى ثابتة وسريعة نحو تعزيز العلاقات المشتركة، إذ جرى وضع أسس راسخة لتلك العلاقات خلال القمم الأربعة، التي شهدها العام الأول من حكم الملك «سلمان».

هذه القمم هي: ثلاث مع العاهل السعودي، إحداها في 29 من ديسمبر/كانون ثان 2015 بالسعودية، وأخرى على هامش زيارة الملك سلمان لمدينة أنطاليا التركية، في نوفمبر/ تشرين ثان 2015، وقمة في مارس/أذار 2015 بالعاصمة السعودية الرياض، وأخيرا قمة في أنقرة، في 7 أبريل/نيسان 2015، مع الأمير «محمد بن نايف»، وكان حينها وليًا لولي العهد.

قمم العام الأول من حكم الملك «سلمان» توجت باتفاق الدولتين على إنشاء مجلس للتعاون الإستراتيجي، خلال زيارة الرئيس «أردوغان» للمملكة، في 29 من ديسمبر/ كانون أول 2015. 

وسريعا بدأت تلك الجهود تؤتي ثمارها في العام الثاني من حكم الملك «سلمان»، حيث بلغ التعاون المتنامي في العلاقات ذروته، بتوقيع أنقرة والرياض، يوم 14 من أبريل/ نيسان 2016، في مدينة إسطنبول التركية، على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي، بحضور العاهل السعودي والرئيس التركي (في أعقاب القمة الخامسة بين الجانبين).

وهذا المجلس يُعنى بالتنسيق بين البلدين في المجالات السياسية والدبلوماسية والشؤون القنصلية والاقتصاد والتجارة والبنوك والمال والملاحة البحرية والصناعة والطاقة والزراعة والثقافة والتربية والتكنولوجيا والمجالات العسكرية والصناعات العسكرية والأمن، فضلا عن الإعلام والصحافة والتلفزيون.

تلك القمم الخمسة أعقبها ثلاث قمم، هي: قمتان مع ولي العهد، الأمير «محمد بن نايف» (نيويورك في21 من سبتمبر/أيلول 2016، وأنقرة 30 من الشهر نفسه)، وقمة مع ولي ولي العهد، الأمير «محمد بن سلمان»، في مدينة هانغتشو الصينية يوم 3 سبتمبر/ أيلول الماضي.

تعاون عسكري متزايد 

القمم الثمانية بين تركيا والسعودية خلال حكم الملك «سلمان» زادت التعاون المشتركة على مختلف الأصعدة، لاسيما العسكري، حيث شهد عام 2016 فقط أربع مناورات عسكرية مشتركة بين الدولتين.

في يونيو/حزيران الماضي، شاركت القوات الجوية السعودية في تمرين «النور 2016» بقاعدة كونيا العسكرية وسط تركيا، وهي ثالث مناورة عسكرية تشارك فيها الرياض وأنقرة خلال شهرين. هذا التمرين جاء بعد نحو أسبوعين من اختتام تمريني «نسر الأناضول 4- 2016»، و(EFES 2016)، الذينِ أُجريا في تركيا في مايو/أيار الماضي، وشاركت فيهما السعودية.

و«نسر الأناضول 4 - 2016» هو أعرق وأكبر المناورات العسكرية المشتركة القتالية الجوية في العالم، وبدوره يعد (EFES 2016) أحد أكبر التمارين العسكرية في العالم من حيث عدد القوات المشاركة وإتساع مسرح الحرب للتمرين بين مدينتي أنقرة وأزمير.

كما شاركت تركيا في مناورات «رعد الشمال»، شمالي السعودية، بين 27 من فبراير/ شباط و11 من مارس/أذار الماضيين، بمشاركة قوات من 20 دولة، إضافة إلى قوات «درع الجزيرة»، وهي قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي أُنشئت عام 1982.

من جانبها، أعلنت شركة «أسيلسان» التركية للصناعات العسكرية والإلكترونية، في 27 من ديسمبر/كانون أول الماضي، أنها بدأت بالتعاون مع شركة «تقنية» السّعودية للتنمية والاستثمار التقني (حكومية)، تأسيس شركة للصناعات الدفاعية الإلكترونية المتطورة في المملكة، برأسمال 6 ملايين دولار.

مكافحة مشتركة للإرهاب 

ضمن تعاون البلدين في مكافحة الإرهاب، حطّت مقاتلات تابعة لسلاح الجو السعودي، في قاعدة إنجرليك الجوية بولاية أضنة التركية (جنوب)، في فبراير/شباط الماضي، في إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية».

كما استضافت الرياض، منتصف يناير/كانون ثان الجاري، مؤتمر رؤساء هيئة الأركان العامة في 14 دولة، هي تركيا والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية وماليزيا ونيجيريا وتسع دول عربية أخرى، أكدوا جميعا في ختامه مساندتهم لعملية «درع الفرات" لمحاربة التنظيم.

ودعما لقوات «الجيش السوري الحر» المعارض، وتحت اسم «درع الفرات»، أطلق الجيش التركي، بالتنسيق مع القوات الجوية للتحالف الدولي، فجر 24 أغسطس/أب الماضي، حملة عسكرية في مدينة جرابلس السورية (شمال)؛ بهدف تطهير المدينة والمنطقة الحدودية من المنظمات المُتهمة بالإرهاب، والتي تستهدف الدولة التركية ومواطنيها الأبرياء.

وتركيا أيضا عضو بارز في التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، الذي أعلنت المملكة عن تشكيله في 15 من ديسمبر/ كانون أول 2015، ويضم 41 دولة.

توحيد الرؤى والمواقف

أيضا ساهمت القمم والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في تركيا والسعودية في تقارب رؤى الجانبين تجاه العديد من ملفات المنطقة، إذ تحرص أنقرة والرياض على التشاور والتنسيق بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك.

تركيا، التي تترأس الدورة الحالية لمنظمة التعاون الإسلامي، تدعم هي ودول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، قضايا الأمة الإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

وفي الشأن السوري، تتطابق رؤية البلدين في حتمية رحيل نظام الرئيس السوري، «بشار الأسد، ودعم المعارضة، والتأكيد على الحل السياسي للقضية، مع المحافظة على سيادة ووحدة التراب السوري، وحق شعبه في الحرية والكرامة والعدالة.

كما تدعم أنقرة التحالف العسكري العربي، الذي تقوده الرياض، لدعم الشرعية في اليمن، وتتطابق وجهات نظرهما بشأن ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية.

والسعودية على رأس الدول التي دعمت الشعب التركي وحكومته المنتخبة ديمقراطيا، في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة، التي شهدتها تركيا منتصف يوليو/تموز الماضي، إذ أعلنت الرياض رفضها لمحاولة الانقلاب، وهنأ الملك «سلمان »الرئيس «أردوغان» بـ«عودة الأمور إلى نصابها في تركيا» .

وخلال مقابلة تلفزيونية مع قناة «روتانا خليجية»، تم بثها مساء 2 من أكتوبر/تشرين أول الماضي، أكد الرئيس «أردوغان» على أهمية التضامن بين الدولتين، مشددا على أن «تركيا والسعودية مستهدفتان»، ومحذرا من «وجود تطورات وقحة جدا ضد العالم الإسلامي».

تبادل تجاري بـ8 مليارات 

اقتصاديا، شهدت العلاقات بين البلدين نموًا لافتًا، إذ نجح المستثمرون السعوديون في الحصول على مكانة متميزة في الاقتصاد التركي، فيما استفاد المستثمرون الأتراك من تنفيذ مشروعات البنى التحتية الكبرى في المملكة، وأبرزها مشروع تجديد وتشغيل مطار الأمير محمد بن عبد العزيز في المدينة المنورة، بالشراكة مع شركة سعودية.

وفي ظل جهود لزيادته باستمرار، ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 8 مليارات دولار.

وفي تركيا توجد 800 شركة سعودية عاملة، مقابل قرابة 200 شركة تركية في المملكة، بحجم أعمال إجمالي يبلغ 17 مليار دولار أمريكي، ورأسمال يتجاوز 600 مليون دولار.

ولدعم وتشجيع العلاقات التجارية بين البلدين، ينشط في فعالية مجلس أعمال سعودي تركي، يضم رجال أعمال من البلدين.

ووفق محللين وباحثين اقتصاديين، فإن الشركات التركية يمكن أن تلعب دورًا مُهمًا في دعم أهداف رؤية «المملكة 2030»، الرامية إلى الاستغناء عن النفط كمصدر رئيس للدخل في السعودية.

ولتلبية طلب السياح السعوديين المتزايد على السفر إلى تركيا، تم في 18 من نوفمبر/تشرين ثانٍ الماضي، تدشين رحلات مباشرة للخطوط الجوية السعودية إلى مطار أسن بوغا في أنقرة، قادمة من جدة والمدينة المنورة، لتصبح أنقرة المحطة ثانية للخطوط السعودية في تركيا بعد محطة إسطنبول (مطار أتاتورك الدولي).

تقارب تركي خليجي 

القمم التركية السعودية، والتقارب بين الدولتين، أسهمت أيضا في تحقيق نقلة نوعية في علاقات تركيا مع بقية دول الخليج العربي، وهي قطر والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان.

وفي 13 من أكتوبر/تشرين أول الماضي، عُقد في الرياض اجتماع خليجي تركي على مستوى وزراء الخارجية، صدر عنه بيان ختامي اُعتبرتْ فيه دول مجلس التعاون الخليجي منظمة «فتح الله كولن»، الضالعة في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف يوليو/تموز الماضي، «جماعة إرهابية» .

هذا الاجتماع وضع أُسسًا راسخة لتعاون مستقبلي بين دول الخليج وتركيا في شتى المجالات، واحتوى على خارطة طريق لتنسيق مواقف الجانبين، لا سيما تجاه الأزمات في سوريا واليمن وليبيا والقضية الفلسطينية.

كما جرى تكليف الأمانة العامة لمجلس التعاون بإعداد تصور عن تطوير التعاون الاستراتيجي بين الطرفين في جميع المجالات، بما فيها مفاوضات التجارة الحرة.

كذلك اتفق الوزراء على عقد الاجتماع الثالث لفريق عمل التجارة والاستثمار في تركيا خلال 2017، وأكدوا عزمهم على تعزيز التجارة والاستثمار وإزالة العوائق التجارية والاستثمارية في أقرب وقت ممكن.

هذا التعاون المتنامي بين تركيا والسعودية، وبين تركيا ودول الخليج العربي عامة، من المتوقع تعزيزه بشكل أكبر خلال العام الجاري، ولا سيما بعد دعوة «أردوغان»، خلال لقاء مع قناة «الجزيرة» القطرية، تم بثه يوم 10 من نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، دول الخليج إلى تعزيز التعاون مع تركيا.

ففي هذا اللقاء، أعرب «أردوغان» عن رغبته في تطوير العلاقات مع دول الخليج «لأننا إخوة مع هذه الدول، ولدينا الكثير من إمكانات التعاون معهم، بدءًا من الصناعات الدفاعية، ومرورًا بالاقتصاد والصناعات الغذائية، وحتى في مجال الإنشاءات والبنية التحتية والفوقية (...)»، مُشددًا على أنه «إذا استطعنا تعزيز التعاون بيننا؛ فستنمو المنطقة وتزدهر على أساس أن الكل سيكون رابحًا».

  كلمات مفتاحية

عمان الملك سلمان نقلة نوعية السعودية