وثائق «تاتشر»: «مبارك» رفض رشوة «صدام» لدعمه في غزو الكويت

الأربعاء 18 يناير 2017 06:01 ص

رفض الرئيس المصري المخلوع «محمد حسني مبارك»، الدخول في تحالف «صدام حسين» الرئيس العراقي الاسبق، و«علي عبدالله صالح» الرئيس اليمني المخلوع، والملك «حسين» ملك الأردن السابق، و«ياسر عرفات» الرئيس الفلسطيني السابق، تزامنا مع غزو الكويت.

كشف ذلك، وثيقة من مكتب رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة «مارغريت تاتشر»، التي نزعت السرية عنها في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2016، بموجب قانون سرية الوثائق المعمول به في المملكة المتحدة.

وقالت الوثيقة إن «مبارك» كان له موقفا صارما تمسك به، أمام وفد من البرلمان الأوروبي، زاره في قصره بالإسكندرية (شمالي مصر) في 3 سبتمبر/ أيلول 1990، حيث وجه «مبارك»، خلال اللقاء، انتقادات حادة لمحور «صدام».

وأوضح «مبارك» أنه «لا يتوقع نتيجة تذكر من الاجتماع المرتقب بين الأمين العام للأمم المتحدة ووزير خارجية العراق أنذاك، وأن العراق ليست لديه نية الانسحاب من الكويت، وأن صدام يعتبر نفسه قوة إقليمية».

وتابع «مبارك» بالقول إنه «يوافق السيدة تاتشر على أن امتلاك شخص واحد تلك القوة أمر مفعم بالمخاطر».

وبحسب صحيفة «عكاظ»، انتقد «مبارك» مزاعم «صدام» أنه يساعد فقراء العرب، وأشار إلى أنه (صدام) لم يتخذ أي إجراء إبان أزمة تصدير النفط في عام 1973، سوى تهديده بقطع رقاب المصريين، وتهديده لاحقا للزعماء العرب في قمة بغداد، وإرغامه لهم على قطع العلاقات مع مصر في عام 1979.

وبحسب الوثيقة، كان «مبارك» أشد انتقادا للعاهل الأردني السابق الملك «حسين»، وذكر أن الملك يتصرف وكأنه وزير خارجية «صدام».

فبعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، أُرسل الملك «حسين» إلى مصر لمحاولة انتزاع تأييد لاقتراح تكوين قوة أردنية - مصرية للدفاع عن دول الخليج، وقال «مبارك» إنه استفسر الدول الخليجية عن تلك القوة؛ فوجدها مُعْرِضةً بغير استثناء عن قوة من ذلك القبيل.

وأشار الرئيس المصري، إلى تضارب رسائل الملك «حسين» و«صدام» إليه، في سياق مسعاهما المحموم لضمّه إلى ما سمياه «مجلس التعاون العربي»، فقد أصرَّ الملك «حسين» على أن «مجلس التعاون العربي» منظمة اقتصادية صرفة، أما «صدام» فتمسك بأن المجلس ينطوي على عامل أمني، إذ شمل معاهدة دفاع مشترك، واتفاقا لتبادل المعلومات الاستخبارية.

وبحسب الوثيقة، أبلغ «مبارك»، وفد البرلمان الأوروبي، بأنه رفض اقتراح الملك «حسين»، بدعوى أنه ينتقص من دور جامعة الدول العربية، كما رفض اقتراح «صدام» لأنه غير وارد أصلا، ما يدل على عدم الثقة بـ«صدام».

رشوة

وكشف «مبارك» أن «صدام» اتصل به هاتفيا قبل يومين من قيامه بغزو الكويت، وذكر أن «ما حدث يشبه تماما شريطا سينمائيا... فيلما»، حيث أرسل له «صدام» مبلغ 25 مليون دولار، مع وعد بإرسال مزيد من الأموال لمصر، كما أرسل «صدام» 50 مليون دولار لكل من الأردن واليمن، بيد أن «مبارك» أعاد هذه الأموال فورا.

وأشارت الوثيقة، إلى أنها ليست المرة الأولى التي تحاول فيها الزعامات العربية الموالية لـ«صدام»، تقديم رشوة إلى الرئيس المصري، الذي أغضبه ذلك غضبا شديدا، وكان أشد غضبا، لأن «صدام» كذب عليه في تلك المحادثة الهاتفية، قبل يومين فقط من غزوه الكويت، زاعما أن قواته ترابط على بعد 70 كيلومترا من الكويت، وأنه «لا يريد شيئا سوى تخويف الكويتيين».

وذكر «مبارك» للبرلمانيين الأوروبيين أن العاهل الأردني الملك «حسين» اتصل به في يوم الغزو العراقي للكويت يلتمس منه عدم إصدار أي بيان يدين الغزو، إلإ أن مصر أصدرت في 3 أغسطس/ آب بيانا يندد بالإجراء العراقي، وفشلت مساعي الملك «حسين» نيابة عن «صدام» لتحييد مصر.

وقدم «مبارك» تفاصيل عن اجتماع عقده مع «صالح»، وقال إن الرئيس اليمني المخلوع لاحقا، أبلغه بأن «صدام» سيعلن قرارا بشطب فوائد وديعة كويتية في بنك مصري تبلغ 1.6 مليار دولار.

وأضاف «مبارك»، بحسب الوثيقة، أنه رد على الرئيس اليمني المخلوع بأن العالم كله يعرف أن الكويتيين لم يطالبوا قط بإعادة أموالهم.

أشار «صالح» إلى أنه في ضوء وصول ديون مصر الخارجية إلى 47 مليار دولار، فإن «صدام»، استولى على 100 مليار دولار من الكويت، وهو راغب في أن يمنح مصر خُمس تلك «الغنيمة» استشاط «مبارك» غضبا من المحاولات المتكررة لرشوته.

وقلل «مبارك» من شأن «صالح» الذي وصفه بأنه يفتقر إلى الخبرة، إذ إنه عسكري تحول للسياسة.

ووجه «مبارك» انتقادات حادة إلى موقف منظمة التحرير الفلسطينية، قائلا إنها «ظلت تلهث وراء الغنائم التي نهبها صدام من الكويت»، وتكهن «مبارك» أن تلك التصرفات الطائشة ستكون سببا لانقسام الفلسطينيين.

أوهام العظمة

وبحسب الوثيقة البريطانية، حاول أحد أعضاء وفد البرلمان الأوروبي تنبيه «مبارك» إلى أن تقديره للأوضاع متشائم جدا، وأن «صدام» واقعي، وقاطعه «مبارك» بالحديث عن أوهام العظمة التي يعانيها «صدام».

وتوقع أن يظهر تأثير العقوبات على العراق في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر، وعلى رغم ذلك فإن «صدام» سيتمسك بعدم الانسحاب من الكويت.

وأشار عضو برلمان أوروبي آخر إلى القضية الفلسطينية؛ فرد عليه «مبارك» بأنه أمر يخص العرب والإسرائيليين، وأي إشارة إلى القضية الفلسطينية سيكون هدفها صرف النظر عن قضية الكويت.

وأضاف «مبارك» لأعضاء الوفد الأوروبي، إنه ليس مقبولا على وجه الإطلاق أن تبتلع دولة عربية، دولة عربية أخرى، وإن الكويت ساعدت العراق بـ6 مليارات دولار نقدا، وبنفط تعادل قيمته 13 مليارا.

وأوضح «مبارك» أن مصر لها تأثير كبير في الرأي العام العربي، وأن الشعب المصري يساند موقفه تجاه غزو الكويت، وقال إن الملك «حسين» و«صالح» فقدا شرعيتهما في بلديهما بسبب موقفهما المؤيد لـ«صدام».

وتختتم الوثيقة المرسلة من وزارة الخارجية البريطانية إلى رئيسة الوزراء «مارغريت تاتشر» بإشارة إلى حيوية «مبارك» وعزيمته، إلى الارتياح وإلى تحلّيه بالصبر حتى يظهر تأثير العقوبات على نظام «صدام»، وتمسكه وإصراره على أن استخدام القوة سيكون ضروريا لإرغام «صدام» على الجلاء من الكويت.

لكن أعضاء الوفد البرلماني الأوروبي انزعجوا من هجوم «مبارك» الحاد على الملك «حسين»، إذ كانوا يشعرون بأنه يمكن أن يكون وسيطا حاسما في النزاع الخليجي، لكنهم على رغم ذلك أجمعوا على أن مصر لاعب رئيسي في العالم العربي، خصوصا تأثيرها على «المعتدلين».

وقبل 27 عاما، اتهم الرئيس العراقي الراحل «صدام حسين» الكويتيين بخفض أسعار النفط بإنتاج أكثر مما يعلنون عنه، وهو ما يضر بالاقتصاد العراقي المعتمد على النفط، ، وأمر جيشه بالتوجه للحدود يوم 2 أغسطس/ آب.

واستغرق الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس/ آب 1990 يومين، وانتهى باستيلاء القوات العراقية على كامل الأراضي الكويتية، بعد معارك واشتباكات في جزيرة بوبيان التي بدأ الغزو بها، وجزيرة فيلكا، والعاصمة حيث أنزلت قوات جوية وبحرية عراقية.

وشكلت القوات العراقية آنذاك حكومة صورية برئاسة العقيد «علاء حسين» تحت اسم جمهورية الكويت، ثم أعلنت الحكومة العراقية يوم 9 أغسطس/ آب ضم الكويت للعراق، وإلغاء جميع السفارات الدولية بها ، إلى جانب إعلان الكويت المحافظة الـ 199 للعراق، وتغيير أسماء الشوارع والمنشآت، ومنها تغيير اسم العاصمة الكويتية.

في حين تشكلت الحكومة الكويتية في المنفى، وذلك في مدينة الطائف السعودية، حيث يمكث أمير الكويت جابر الأحمد الصباح، وولي العهد الشيخ سعد العبد الله الصباح، والعديد من الوزراء وأفراد القوات المسلحة الكويتية.

واستمر الاحتلال العراقي للكويت فترة 7 شهور، وانتهى بتحرير الكويت في 26 فبراير/ شباط 1991 بعد حرب الخليج الثانية، التي قادتها الولايات المتحدة وضمت ائتلافاً دولياً شمل العديد من الدول العربية والغربية.

المصدر | الخليج الجديد + عكاظ

  كلمات مفتاحية

تاتشر مبارك غزو الكويت صدام حسين

وثائق سرية: حوارات عاصفة بين مبارك والبريطانيين بشأن خفض الدعم