تدريب فرق «الكشافة الكنسية» في مصر.. بروتوكول أمني أم صناعة لميليشيات مسلحة؟

الأربعاء 18 يناير 2017 03:01 ص

للمرة الأولى في مصر، يعلن بشكل رسمي عن أن وزارة «الداخلية» المصرية بدأت بتدريب فرق الكشافة التابعة للكنيسة الأرثوذكسية على إجراءات تأمين الكنائس والأديرة.

يأتي الإعلان عن الخطوة الجديدة، وسط علامات استفهام، حول تخلي المؤسسة الأمنية في مصر عن دورها في حماية الكنائس والمزارات الدينية، بعد فشل أمني ذريع في إجهاض عملية تفجير «الكنيسة البطرسية»، وسط القاهرة، الشهر الماضي، والتي أسفرت عن مقتل 28 قبطيا وإصابة نحو 50 آخرين.

ويعد الهجوم، الذي أعلن «تنظيم الدولة» مسؤوليته عنه، أول تفجير على الإطلاق يشهده المجمع، وهو المقر الرئيسي الكنسي للمسيحيين الأرثوذكس، الذين يمثلون العدد الأكبر من المسيحيين في مصر.

المخاوف تلاحق مستقبل «كشافة الكنيسة»، وسط تحذيرات منطقية من خطورة عسكرة الجانب القبطي، وإسناد مهام أمنية له، وربما تسليحه في مرحلة مقبلة، بدعوى مواجهة الإرهاب.

وتأسست فرق الكشافة الكنسية عام 1933، ويقوم أفرادها بتنظيم الصلوات والجنائز القبطية، ويفتشون الحقائب، ويطلعون على هويات المترددين على الكنائس.

وفي يونيو/حزيران 2015، كشفت فرق الكشافة الكنسية، عن تعاظم دورها الأمني، عندما تصدت لمظاهرات المسيحيين المطالبين بالزواج الثاني، واشتبكوا معهم لمنع المظاهرة داخل الكاتدرائية، وفق «محمد الميموني» عضو لجنة الإعلام بالاتحاد العام للكشافة المصرية.

اعتراف قبطي

الملفت في الأمر أن الخطوة الجديدة لم يتم الإعلان عنها من خلال بيانات وزارة «الداخلية» وفقا للمعتاد في مثل هذه الأمور، وجاء أول إعلان عنها من قبل الأنبا «مرقس» أسقف شبرا الخيمة، شمال القاهرة، ومقرر اللجنة الإعلامية بالمجمع المقدس التابع للكنيسة الأرثوذكسية، السبت الماضي، قائلا في تصريحات صحفية إن «أجهزة الأمن بدأت بتدريب أفراد من فرق الكشافة على مهام أمنية لمساعدتها في حماية الكنائس»، بحسب صحيفة «اليوم السابع».

ولم يوضح الأنبا «مرقس» طبيعة المهام الأمنية الموكولة إلى الشباب القبطي، لكنه أقر بأن «تدريب شباب من الكنيسة على المهام الأمنية لا يلقى قبولا كبيرا بين الأقباط؛ لأن هذا ليس عملهم، فتأمين الكنائس وتزويدها ببوابات إلكترونية هو مسؤولية الداخلية، وليس مسؤولية الأقباط»، بحسب موقع «عربي 21».

ويشكو كهنة وقساوسة من وجود كنائس كثيرة لم تتم مراجعة إجراءاتها الأمنية بعد حادث الكنيسة البطرسية، وكثير منها لا توجد فيها بوابات إلكترونية أو أجهزة كشف المعادن والمتفجرات.

ويقول بعض أفراد الكشافة، في تصريحات صحفية، إنهم اضطروا إلى معاونة الشرطة في تأمين الكنائس بسبب القصور الواضح من قبل الداخلية.

بروتوكول أمني

ووفق البروتوكول الأمني الموقع بين أجهزة الأمن والكنائس في مصر، فإن التأمين الداخلى للكنائس يخص الكشافة التابعين لها، فلديهم علم تام بهوية كل الأشخاص المترددين على الكنائس للصلاة، ويساعدون فى تفتيش الحقائب والشنط خاصة شنط السيدات، مؤكدا أنه غير مسموح للشرطة بالتأمين من الداخل، بحسب صحيفة «المصري اليوم».

وتنتهح وزارة الداخلية المصرية عدة إجراءات لتأمين الكنائس اعتياديا، والتى تختلف عن الأحوال التى تشهد احتفالات أو أفراحا أو واجبات عزاء.

وهناك قنوات اتصال مفتوحة على مدار الساعة، بين القائمين على الكنائس، وضباط الأمن الوطنى، ورؤساء ومفتشى المباحث التى تتبعها كل كنيسة على حدة، بحيث يتم مبدئياً، إخطار الكنائس لأجهزة الأمن بوجود احتفال أو إقامة فرح بالكنيسة، إلا أن ثلاثة أرباع كنائس الجمهورية لا تخطر أجهزة الأمن بأى فعاليات، بالرغم من أنه من المفترض أن يخطر مسؤولو الكنائس عن الفعاليات والأعداد المقرر حضورها، لتجهيز الخدمات الأمنية اللازمة للتأمين وفق الأعداد، وبحسب حضور بعض الشخصيات العامة أو الشخصيات المسؤولة فى الدولة، وفق مسؤولين أمنيين.

ولا توجد كنيسة فى مصر لا تخضع لحراسة أمنية، وتتفاوت من خدمة أمنية على أعلى مستوى، كالخدمات التى تتمركز حول الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، والخدمات على المطرانيات الكبيرة، والتى تضاهى الخدمات على دواوين الوزارات السيادية، وخدمة أمنية أخرى على الكنائس الصغيرة فى القرى والنجوع والعزب على مستوى الجمهورية والتى تتمثل فى وجود خفير حراسة يتمركز أمام الكنيسة.

وفى حالة تلقى إخطار بوجود احتفال أو فرح أو واجب عزاء، يتم الدفع بخدمة أمنية معززة فى محيط الكنيسة مرسلة الإخطار، تتمثل قواها حسب الكنيسة وحسب الأعداد المترقب وصولها وحضور الشخصيات العامة أو البارزة بالحكومة من عدمه، وتتفاوت من خدمة أمنية تشمل ضباطا بالأمن الوطنى وضباطا بالمباحث العامة ووحدات قتالية من الأمن المركزى وضباطا بالمفرقعات والحماية المدنية والمرور، إلى أن تصل إلى خدمة أمنية تتمثل فى التعزيز بفردى شرطة، أو ضابطى نظام ومباحث متمركزين فى محيط الكنيسة.

وفى حالة الأعياد والاحتفالات، يتم الدفع بدوريات أمنية للمرور على الخدمات بالكنائس، لإجراء التمام على الأفراد ومراجعة خطط التأمين معهم، وكذا تمشيط وتعقيم الموقع ما قد يشكل خطرا على المترددين على الكنيسة، وهناك كنائس محدودة تحظى بالحصول على بوابات إلكترونية وأجهزة للكشف عن المعادن وكلاب بوليسية مخصصة للكشف عن المفرقعات، وكاميرات.

دلالات ومخاطر

أقباط مصر، كانوا من أكثر الداعمين لـ«السيسي» في الانقلاب العسكري الذي قام به في 3 يوليو/تموز 2013 وقام فيه بالإطاحة بـ«محمد مرسي» أول رئيس مدني منتخب لمصر.

ويخشى مراقبون أن تتحول العملية الانتحارية التي ضربت «الكنيسة البطرسية» إلى عملية ابتزاز سياسي، تحصل بموجبها الكنيسة على مكاسب، من بينها تسليح فرق الكشافة التابعة لها، إضافة إلى مكاسب أخرى منها كوتة في المناصب السيادية في الدولة، ورفع نسبة تمثيل الأقباط في البرلمان، والتوسع في بناء الكنائس.

وكان القس «مرقص عزيز»، كاهن الكنيسة المعلقة في مصر سابقا، وراعي إحدى الكنائس الأرثوذكسية في الولايات المتحدة الأمريكية حاليا، شن في يوليو/ تموز الماضي هجوما شرسا على الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، متهما إياه بالتخاذل عن نصرة الأقباط في مصر و«خيانة» اليد التي ساعدته في الوصول لحكم مصر وهي الكنيسة.

وفي مقطع فيديو بثه على موقع «يوتيوب»، قال «عزيز»، إن «السيسي يشاهد الأقباط يذبحون فيما هو يطيع أوامر حزب النور السلفي وبرهامي (ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية) ويمتنع عن حماية حقوقهم».

وتابع القس في انتقاده الحاد لـ«السيسي»: «انتخبناك ظنا منا بأنك الأمل المرجو ولكن أحداث العنف تصاعدت ضد الأقباط بشكل غير متوقع، إنت فين وهتودينا لفين يا ريس، أنت فاكر إنك لما تزور الكنيسة تبقى مشاكل الأقباط اتحلت»، مضيفا: «السيسي أسوأ رئيس جه (جاء) مصر، خدعنا وإحنا صدقناه».

ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، «مصطفى علوي»، إنه «يستوجب تغيير اللوائح الكنسية التي تمنع تأمين الأقباط من الداخل، واقتصار تأمين الشرطة على المحيط الخارجي لأي كنيسة، بعيدا عن الحرم الكنسي، ويجب على الداخلية تأمين الكنائس من الداخل والخارج، وليس الخارج فقط»، وفق موقع «عربي 21».

ويضيف: «هذا هو الطريق الوحيد لوقف تدريب الكشافة على عمل غير مؤهلين للقيام به، فهؤلاء أشخاص دورهم التعبد، والقيام بأعمال خدمية داخل الكنيسة»، مستبعدا أن يؤدي تدريب الكشافة إلى تحولهم مستقبلا لمليشيات مسلحة.

ويرى الباحث بمركز الأهرام للدرسات السياسية، «جمال عبدالجواد»، أن كل ما ستفعله الداخلية، هو «تدريب الكشافة على أساسيات التأمين، وكيفية استخدام الأجهزة الإلكترونية التي تكشف الأسلحة والمعادن، ولن يتم إعطاؤهم أسلحة».

تجدر الإشارة إلى أنه في مناسبات أخرى، مارست الحكومة المصرية نفسها العنف ضد الأقباط. ويعدّ المثال الأكثر وحشية، مذبحة ماسبيرو في شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011، والتي قتل فيها 28 متظاهرًا مسيحيًا بيد قوات الأمن المصرية وسط القاهرة. وبعضهم تمّ دهسه بالدبابات. وما يجعل المشهد أكثر فجاجةً، هو أنّ هؤلاء كانوا يتظاهرون بسبب إحراق كنيسة في مدينة أسوان في الجنوب. وأدّى هذا الحدث لتكوين اتحاد شباب ماسبيرو، وهو اتحاد قوي من الناشطين الأقباط.

إزاء ذلك فإن تأثيرات الخطوة، لن تحقق للكنيسة الأرذوكسية مرادها الهادف إلى توفير الأمن للأقباط الذين تقدرهم الكنيسة المصرية رسميا بـ 15 مليونا نسمة، مع الأخذ في الاعتبار تكرار حوادث استهداف أقباط بطريقة «الذبح» في الشهور الأخيرة.

وربما تتسبب الخطوة الجديد في سكب المزيد من الزيت على النار، فيما يتعلق بملف الفتنة الطائفية، بالتزامن مع قانون جديد أمام الكونغرس الأمريكي تحت اسم «قانون المساءلة المتعلق بالكنائس القبطية»، يطالب وزير الخارجية الأمريكي بمتابعة مدى التزام الحكومة المصرية بترميم الكنائس التي وعدت بترميمها عقب أحداث عام 2013، ما يعني أن الورقة القبطية يعاد توظيفها من جديد في إدارة المشهد المصري، وربما بشكل أمني يخدم النظام الحاكم.

 

  كلمات مفتاحية

الكنيسة الأرثوذكسية البابا تواضروس الثاني تفجير البطرسية الداخلية المصرية فرق الكشافة الكنسية

فيديو.. شبح الفتنة الطائفية يخيم على مصر من جديد.. و«السيسي» المستفيد

فيديو.. قبطي يكتب عبارة «هتموتوا يا مسيحيين» لاستنفار «الداخلية المصرية»

«محمود شفيق».. من التفوق الدراسي إلى متهم بتفجير الكنيسة البطرسية بمصر

فيديو .. القس «مرقص عزيز»: «السيسي» خائن وأسوأ رئيس حكم مصر