الحرس الثوري درب «جيوشا» من الشيعة الأفغان والباكستانيين للقتال في سوريا

الجمعة 20 يناير 2017 09:01 ص

في حين أريق الكثير من الحبر حول مدى تسبّب تورّط إيران في الحرب الأهلية السورية في تغذية الطائفية وعدم الاستقرار في العالم العربي، فإنّه قد تمّ بشكلٍ كبير إغفال تبعات التجنيد المتزايد من إيران للشيعة في أفغانستان وباكستان على الأمن والاستقرار في جنوب آسيا. وخلال الخمسة أعوام الماضية، جنّدت قوّات الحرس الثوري الإيراني ولقّنت ودرّبت الآلاف من الشيعة الأفغان والباكستانيين على القتال تحت إمرتهم ضدّ جماعات المتمرّدين السنّة في أنحاء سوريا. وأثار هذا بالطبع ردود فعل عنيفة ضدّ الشيعة في أفغانستان وباكستان وهدّد بالمزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة المضطربة.

18000 مقاتل أفغاني في سوريا

في مقطع فيديو نشر الأسبوع الماضي في مواقع الأخبار الفارسية وانتشر على تويتر وفيسبوك، كشف مسؤول إيراني أنّ 18 ألف أفغاني كانوا يقاتلون مؤخرًا في سوريا للدفاع عن نظام «بشار الأسد». وأوضح «حسين يكتا»، أحد قدامى المحاربين في الحرس الثوري، أنّ الفرقة الأفغانية تأسّست قبل 6 سنوات بمدينة مشهد من عشرات الأفغان، وتحوّلت الآن إلى قوّة هائلة مؤثّرة في مسرح الحرب السورية.

وعلى الرغم من صعوبة تدقيق عدد المقاتلين الأفغان في سوريا، فإن صحّ رقم 18 ألفًا، ستكون الميليشيا الشيعة الأفغانية هي الوحدة الأكبر التي تقاتل في سوريا تحت دعم إيران. وقد قيل أنّ حزب الله اللبناني، والمعروف بمهارة قوّاته وحسن تدريبهم، لا يتجاوز 5 آلاف مقاتل داخل سوريا. وفي مايو/أيار عام 2015، أفادت ديفا برس الإيرانية، أنّ «فاطميون» قد تحوّلوا من لواء إلى فرقة، نظرًا لتطور حجمها وقدراتها التشغيلية. وباعتبار الفرق العسكرية الإيرانية يتراوح عدد الواحدة منها بين 10 آلاف إلى 20 ألفًا، فإنّ رقم 18 ألف ليس ببعيد.

وتأسّست فرقة الفاطميون على يد زعيمي اثنتين من الميليشيات الشيعية الأفغانية، الأولى جيش محمد، وهي ميليشيا مدعومة من إيران كانت تقاتل ضد طالبان في أفغانستان في التسعينات، ولواء أبي ذر، الذي قاتل إلى جانب القوّات الإيرانية في حربها ضد العراق في الثمانينات.

لكنّ لواء «الزينبيون» الباكستاني، أصغر في الحجم من فرقة «فاطميون»، وتقارن أعداده بالمئات من الشيعة من إقليم بلوشستان باكستان وباراشينار في منطقة كورام القبلية إضافة إلى باكستانيين يعيشون في إيران.

ومن غير المعروف عدد الضحايا من الأفغان والباكستانيين في سوريا، لكن بتعقّب ما ورد في وسائل الإعلام الإيرانية حول الضحايا في سوريا نجد أنّ الأرقام قد تضاعفت خلال العامين الأخيرين. وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني، أقرّ مسؤول إيراني بارز أنّ أكثر من 1000 مقاتل من الذين أرسلوا من إيران إلى سوريا قد قتلوا.

الدعاية

في حين تنفي إيران عن نفسها مزاعم إكراه الأفغان على القتال في الشرق الأوسط، فإنّها لا تخفي سرًّا أنّ الشيعة الأفغان يقاتلون جنبًا إلى جنب مع حزب الله والميليشيات العراقية المدعومة من إيران في سوريا. وخلال العامين الأخيرين، رفعت وسائل الإعلام الإيرانية من احتفائها بالمقاتلين الأفغان والباكستانيين. ونشرت مواقع قريبة من الحرس الثوري صورًا فوتوغرافية لـ«قاسم سليماني» في زياراته لوحدات «فاطميون» في سوريا، وأذاعت إذاعة الجمهورية الإسلامية في إيران التابعة للدولة أفلامًا وثائقية على الهواء عن لواء الفاطميون تحتفي بالمقاتلين وتشجّع المزيد من الأفغان على الانضمام للقتال في سوريا.

وعلاوة على ذلك، تنظم قوّات الحرس الثوري الإيراني وقوّات الباسيج بانتظام مواكب لجنازات القتلى الأفغان والباكستانيين الذين قتلوا في سوريا. ومؤخرًا، بدأ كبار القادة المدنيين والعسكريين الإيرانيين في المشاركة في مراسم دفن القتلى الأفغان.

التجنيد والمكافآت

منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا، وجد اللاجئون الأفغان دعمًا غير مسبوق من الحرس الثوري والباسيج. واعترف سليماني العام الماضي أنّ مشاركة الأفغان في الحرب السورية كانت «مؤثّرة» للغاية، وأنّ اللاجئين الأفغان ينظر إليهم اليوم في إيران بكل احترام وتقدير، «وتعامل مقابرهم مثلما تعامل مقابر أبناء وأحفاد أئمة الشيعة الاثنا عشرية».

وقد أثار تشريع برلماني إيراني سمح بإعطاء الجنسية الإيرانية للأفغان الذين يقاتلون إلى جانب القوّات الإيرانية، غضبًا داخل أفغانستان، وأشار البرلماني الأفغاني «عبيد الله باركزي» أنّ تلك الخطوة من إيران «تعدّ انتهاكًا للأعراف الدولية وحقوق الإنسان، واستغلالًا للأوضاع في أفغانستان بإغراء الأفغان بالحوافز والمكافآت من أجل إرسالهم إلى حتفهم».

وقد أفادت مقابلات مع مقاتلين في فرقة «فاطميون» مع وسائل الإعلام الأفغانية، أنّ قوّات الحرس الثوري الإيراني قد أغرت المعوزين واللاجئين غير الشرعيين بالإقامة الدائمة والأموال مقابل الانضمام للحرب في سوريا، بل إنّ بعضهم قد ذهب للحرب حتّى لا يقضي عقوبة السجن. ويعيش 2.5 مليون أفغاني في إيران، ثلثهم مسجّلين كلاجئين بطريقة شرعية، والباقين مهاجرين غير شرعيين.

ومع ذلك، لا يقاتل جميع الأفغان في سوريا من أجل المال أو الوضع الشرعي. فالكثيرون منهم يذهبون إلى سوريا بدوافع أيدولوجية ودينية وسياسية. فالسيرة الذاتية لقادة فرقة «فاطميون» مثلًا، لا تشير لكونهم فقراء أو مهاجرين غير شرعيين. والعديد منهم ولد في إيران، وتعلّم مناهجها وفي مدارسها الدينية. ولنأخذ رزق باكشي كمثال، وهو نائب قائد لواء «فاطميون» والذي قتل في سوريا، وولد في إيران.

ومؤخرًا، نشط الحرس الثوري في تجنيد شيعة هزارة داخل أفغانستان. وقد ألقت السلطات الأفغانية القبض على مسؤول إيراني بتهمة «تجنيد مقاتلين من الشيعة الأفغان وإرسالهم إلى سوريا». وقد قيل مؤخرًا أنّ الباسيج قد فتحو مقرًّا جديدًا في هراة لتجنيد الأفغان.

ويشكّل شيعة هزارة 15 بالمائة من التعداد السكاني لأفغانستان. وعلى الرغم من أنّ قادة هزّارة لم ينضمّوا لإيران في حرب سوريا، إلّا إنّ رجال الدين من هزّارة والقريبون من المدرسة الدينية الإيرانية، قد برّروا الذهاب لمساندة إيران في حرب سوريا كـ «جهاد» ودعوا عموم الشيعة للذهاب ومساندة إخوانهم في قتال تنظيم الدولة التي وصفوها بـ «الكافر».

وكذلك تعمل برامج التجنيد في باكستان في مواقع إلكترونية باللغة الأردية، وتعرض على الباكستانيين الراغبين في القتال في سوريا راتبًا يصل إلى 3 آلاف دولار.

مراكز تدريب الحرس الثوري الإيراني

توفّر إيران التدريب للشيعة الأفغان والباكستانيين سواء على أرضها أو داخل سوريا. وذكر أنّ الحرس الثوري الإيراني يوفّر برنامج تدريبي من 4 أسابيع ما قبل الانتشار لمقاتلي فرقة «فاطميون» في «قاعدة تدريب خاصّة» داخل إيران. وحدّدت الاستخبارات الأمريكية 9 معسكرات تدريبية يتم تدريب الأفغان والباكستانيين بها داخل إيران. وقال أحد الشباب الأفغان الذي عاد من سوريا أنّه تلقّى تدريبًا بجانب آخرين في مواقع عسكرية في محافظة يزد الإيرانية، ثمّ نقل بعد ذلك إلى قاعدة عسكرية للحرس الثوري تسمّى قاعدة الإمام الحسين في منطقة «خانتمان» في حلب.

رد فعل عنيف في أفغانستان وباكستان

يأتي الدور المتزايد للشيعة الأفغان والباكستانيين في الدفاع عن نظام «الأسد» في الوقت الذي يقاتل فيه نظراؤهم الريفيون السنّة في الجانب المضاد في سوريا، الأمر الذي يثير المخاوف من حدوث توتّرات طائفية في بلادهم بالمقابل.

وظهرت عواقب ذلك بالفعل في أفغانستان وباكستان. فقد أعلنت ما «الدولة الإسلامية» وجماعة البنجابية الطائفية مسؤوليتها عن عمليات إرهابية ضد التجمّعات الشيعية في كلا البلدين، وألقت باللوم على الشيعة لمشاركتهم في الصراع السوري. وفي العام الماضي، قتلت ولاية الدولة الإسلامية بجنوب آسيا وجرحت المئات من شيعة هزّارة في كابول، وهدّدت بمزيد من الهجمات ضد الشيعة «ما لم يتوقفوا عن الذهاب إلى سوريا والتوقّف عن كونهم عبيد لإيران». ومنذ عام 2010 في باكستان، حدث أكثر من 550 هجوم طائفي أودى بحياة ما يقارب 2300 شخص، أغلبهم من الشيعة، ويهدّد الصراع السوري بمزيد من الهجمات الطائفية في البلاد.

علاوة على ذلك، فإنّ تجنيد وتلقين الآلاف من الأفغان والباكستانيين الشيعة يسمح لإيران، فور انتهاء الحرب في سوريا، بتعزيز نفوذها وأجندتها الطائفية في أفغانستان، وبشكلٍ أقل في باكستان، على حساب استقرار جنوب آسيا ومصالح الولايات المتّحدة وحلفائها في المنطقة.

المصدر | معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية

باكستان أفغانستان إيران معسكرات تدريب حلب بشار الأسد

حماية الشيعة مقابل التسليح والتدريب.. اتفاق مثير طالبان وسليماني عام 2015