بعد 6 سنوات من الثورة .. مصر تواجه أزمة حقوق إنسان غير مسبوقة

الثلاثاء 31 يناير 2017 09:01 ص

يصادف هذا الأسبوع مرور ستة أعوام منذ بداية الثورة المصرية، عندما أطاحت تظاهرات شعبية استمرت لمدّة 18 يوماً بالديكتاتور «حسني مبارك» من السلطة، وأنهت 30 عاماً من حكمه المستبد.

لكن لا يوجد الكثير للاحتفال به في مصر في هذه الذكرى السنوية، فقد استكمل الرئيس «عبد الفتاح السيسي» نفس الطريق، وكثّف من إرث «مبارك» من القمع.

وقد انصبّت آمال المصريين بعد الثورة على مزيد من الحرّية، الآمال التي انهارت سريعاً بعد انتقال السلطة من الجيش في عام 2012 إلى الرئيس «محمد مرسي»، أول رئيس مصري منتخب ديمقراطياً. وكان مرسي منتمياً لجماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة إسلامية اجتماعية وحركة سياسية ودينية معارضة نشأت في مصر. وبعد عامٍ واحد من انتخاب مرسي، ملأ الملايين من المصريين الشوارع مرّةً أخرى لمطالبته بالتنحّي.

وفي يوليو/تموز عام 2013، تمّت الإطاحة به عن طريق انقلابٍ عسكري قاده «عبد الفتّاح السيسي»، الذي كان على رأس الجيش الوطني في ذلك التوقيت. وبعد أشهر من ذلك، تمّ حظر جماعة الإخوان المسلمين وأعلنت تنظيماً إرهابياً في مصر.

تمّت إدانة «مرسي» بجرائم شملت الأمر بتعذيب واحتجاز غير قانوني لمتظاهرين عارضوا نظامه. ورفضت منظمة العفو الدولية هذه المحاكمة واصفةً إيّاها بـ «المحاكمة الصورية»، ووجّهت انتقادات لنظام العدالة الجنائية في مصر. وحكم على مرسي بعد ذلك بالإعدام، لكن تمّ نقض الحكم في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، ويواجه الآن إعادة المحاكمة.

ومنذ صعوده للسلطة عام 2014، وسّع «السيسي» حملة وطنية مثيرة للقلق على المعارضة وضد ما أسماه بالتهديدات الإرهابية المحتملة في مصر، والتي أسفرت مؤخّراً عن وضع لاعب الكرة المعتزل ورمز كرة القدم المصرية «محمد أبو تريكة» في قائمة الإرهاب التي تزداد سريعاً، بزعم علاقته بجماعة الإخوان المسلمين.

ووسّع «السيسي» من قدرات مراقبة الحكومة والقوّة الممنوحة للسلطات في إطار تحرّكه الكاسح لمواجهة الإرهاب. ولا يزال الانتقاد العلني لنظامه محظوراً على نحوٍ فعّال.

وقامت جماعات حقوق الإنسان بتوثيق العديد من أحكام الإعدام والمحاكمات غير العادلة، وعمليات القتل خارج نطاق القانون للمتظاهرين، والاختفاءات القسرية واختطاف الصحفيين والنشطاء، وتعذيب السجناء السياسيين، وعمليات إخلاء وتدمير المباني على يد مسؤولي الدولة تحت قيادة «السيسي».

وأوضح مسؤولٌ أمني واحد من أساليب قمع المعارضة التي تتبعها وكالته، لرويترز في يناير/كانون الثاني، عام 2016.

وقال: «لقد اتّخذنا العديد من الإجراءات لضمان عدم ترك المساحة للناشطين لالتقاط الأنفاس فضلاً عن التجمّع، وتمّ إغلاق العديد من المقاهي وأماكن التجمّع الأخرى، في حين تمّ القبض على البعض لتخويف الباقين».

ووصفت منظمة العفو الدولية الوضع الظاهر بـ «أزمة حقوق الإنسان غير المسبوقة» في مصر.

قمع غير مسبوق.. سياسة ممنهجة

وقال «فيليب لوثر»، مدير منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «لقد أصبحت الاختفاءات القسرية الأداة الرئيسية لسياسة الدولة في مصر. كل من يجرؤ على الكلام يكون في خطر، مع استخدام مكافحة الإرهاب كذريعة لاختطاف الناس الذين يتحدّون السلطات واستجوابهم وتعذيبهم»، أوضح ذلك في تقرير حالة عام 2016.

وفي أبريل/نيسان عام 2016، أعلن «السيسي»، الذي تسبّب فشله في تحقيق وعوده بإنعاش الاقتصاد في توتّرات داخلية، أنّ مصر ستعطي جزيرتين بالبحر الأحمر إلى السعودية. وتسبّبت الخطوة الصادمة في غضب الكثير من المصريين والاحتجاجات الضخمة في البلاد. وعندما وجّه السؤال للسيسي حول خطوة نقل الجزيرتين، في خطاب سياسي لاحق أمام مجموعة من البرلمانيين، ردّ قائلاً: «أنا لم أعطِ الإذن لأحدٍ أن يتكلم». وقد رفضت محكمة مصرية الخطّة المثيرة للجدل في نهاية المطاف في 16 يناير/كانون الثاني.

وقد تعزّزت معركة «السيسي» بصعود الرئيس «دونالد ترامب» مؤخراً. ففي حين ندّد الرئيس السابق «باراك أوباما» بالقمع والعنف ما بعد الثورة ضدّ المدنيين المصريين، والذي شمل عشرات الآلاف من الاحتجازات والاعتقالات، وكانت قضية مستمرة، يبدو أنّ «ترامب» لا يعير الأمر الكثير من الاهتمام. وفي مكالمة هاتفية مع «السيسي» في 23 يناير/كانون الثاني، أشاد «ترامب» بجهود مصر في محاربة الإرهاب وتعهّد بدعمها مع استمرار الدعم العسكري، لكن لم يشر إلى الانتهاكات الواسعة التي يقوم بها النظام ضد حقوق الإنسان.

وتستقبل القاهرة سنوياً 1.3 مليار دولار كمساعدة أمريكية لقوّاتها المسلّحة، لكنّ العلاقة بين البلدين كانت قد توتّرت بعد العنف العسكري ضد جماعة الإخوان المسلمين ومؤيديها في أغسطس/آب عام 2013، الأمر الذي دفع «أوباما» لإلغاء تدريبات عسكرية مشتركة.

واعتاد «السيسي» أيضاً استخدام مفهوم مصالح الأمن القومي للسيطرة على وسائل الإعلام المصرية. وفي عام 2015، وافقت إدارته على قانون مكافحة الإرهاب، الذي يهدّد بغراماتٍ ضخمة ضد الصحفيين الذين ينشرون أخباراً «كاذبة» خرجت عمّا صرّحّت به البيانات الحكومية.

وصنّفت منظّمة مراسلون بلا حدود مصر في الترتيب 159 بين 180 دولة في حرية الصحافة لعام 2016. ومنذ الثورة، حاولت الحكومات المتتالية تكميم الأفواه وتوجيه الإعلام، كما أشارت المنظمة، وأضافت أنّ «السلطات الآن تحاول جعل الإعلام كله في خدمة تلميع السيسي، وشيطنة جماعة الإخوان المسلمين المحظورة».

وبعد 6 سنوات من الثورة التي سعت لمزيد من الاستقلال والحرية للشعب المصري بعد عقودٍ من القمع، عادت البلاد في يد نظامٍ استبدادي، وتواجه أزمة حقوق إنسان كارثية.

ويقول «لوثر» أنّ المسؤولية الآن تقع على كاهل المجتمع الدولي للتدخّل.

وقال في تقريره لمنظمة العفو الدولية: «يجب على كل الدول، وخاصةً دول الاتّحاد الأوروبي والولايات المتّحدة، استخدام نفوذها لوضع حدٍّ لهذه الانتهاكات المروّعة، والتي ترتكب تحت ذريعة الأمن ومكافحة الإرهاب الكاذبة. ويجب وقف نقل جميع أنواع الأسلحة التي استخدمت في ارتكاب انتهاكات خطيرة ضد حقوق الإنسان في مصر حتّى وجود ضمانات فعّالة ضدّ سوء الاستخدام، وإجراء تحقيقات شاملة ومستقلة ويتم تقديم المسؤولين عن كل هذا للعدالة».

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي اختفاء قسري القمع في مصر

10 منظمات حقوقية دولية: السلطات المصرية تجدد الحملة القمعية على المنظمات المستقلة