معهد دراسات الحرب: إيران تسعى لتحجيم التواجد الأمريكي في العراق وإعادة «المالكي» إلى السلطة

الخميس 9 فبراير 2017 10:02 ص

قد تقود استعادة الموصل لإعادة توازن القوى بين إيران والولايات المتّحدة في العراق والمنطقة. وقد تحمّلت إيران تواجد الولايات المتّحدة في العراق لأنّها وفّرت الدعم الجوّي والتدريب المناسب في مكافحة تنظيم الدولة. كما أنّها دعمت رئيس الوزراء «حيدر العبادي» لأنّ رئاسته للوزراء كانت شرطًا للحصول على دعم الولايات المتّحدة، ولأنّ «العبادي» ضعيف للغاية لمقاومة سيطرة إيران.

وعلى الأرجح ستعتبر الجماعات الموالية لإيران في العراق أنّ استعادة الموصل تمثّل نهاية العمليات الكبرى لمكافحة تنظيم الدولة في العراق، وسيكون استمرار تواجد الولايات المتّحدة غير ضروري وغير مرحب به. وتشير البيانات الأمريكية الأخيرة أنّ تواجدها في العراق قد يزيد ولا ينقص بعد الموصل، الأمر الذي قد يسرّع من جهود إيران لإخراج الولايات المتّحدة من المنطقة.

وبدأت إيران تعزيز وكلائها في العراق، بما في ذلك المصالحة بين زعيم التيار الصدري «مقتدى الصدر» وكبار المسؤولين الموالين لإيران، من أجل أن يضغط الطرفان معًا على «العبادي» ضد مزيد من الدعم الغربي، ولجعل العراق قاعدة لإيران تستطيع أن تنطلق منها لتوسيع نفوذها الإقليمي. وقد يهتز دعم إيران للعبادي أيضًا إذا ما ترشّح أمامه أحد الموالين أكثر لإيران.

ويهدف رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي» إقناع إيران أنّه، كرئيس للوزراء، سيدعم انتقال القوّة من الولايات المتّحدة إلى إيران لتأمين دعم إيران له في الانتخابات البرلمانية عام 2018. وبدأ «المالكي» بمغازلة وكلاء إيران والمسؤولين الإيرانيين لإضعاف سلطة «العبادي». والأكثر خطورة، أنّه قد يتحرك لاستعادة رئاسة الوزراء الشهر القادم. ويعقد مجلس النواب جلسة استجواب لرئيس الوزراء «العبادي» يوم 11 فبراير/شباط، بجانب 10 من مسؤولي الحكومة خلال الشهر القادم. وقد يكون الاستجواب تمهيدًا للتصويت على سحب الثقة. وعلى أقل تقدير، سيمثّل الاستجواب استعراضًا للقوّة من «المالكي»، وقد يقوّض شرعية «العبادي».

وقد استعادت قوّات الأمن العراقية شرق الموصل في 24 يناير/كانون الثاني. وستبدأ عمليات استعادة غرب الموصل في قادم الأيام، مع دعم مكثّف من الولايات المتّحدة والتحالف ضدّ تنظيم الدولة لتأكيد استعادة كامل المدينة.

التوافق المؤقت

 كانت إيران متسامحة مع وجود الولايات المتّحدة في العراق لأجل هزيمة تنظيم الدولة، لكن الآن ومع استعادة الموصل، فإنّها بالتأكيد ستسعى لإخراج الولايات المتّحدة من المنطقة.

تلاقت الأهداف الإيرانية الاستراتيجية الكبرى مع الولايات المتّحدة على المدى القريب للهدف المشترك لهزيمة التهديد السلفي الجهادي. ومع ذلك، فإنّ إيران تهدف، على المدى الطويل، إلى طرد الولايات المتّحدة من الشرق الأوسط. حيث دعمت كلًا من إيران والولايات المتّحدة رئاسة «العبادي» لمجلس الوزراء عام 2014 ضدّ «المالكي» لصالح إعادة الاستقرار إلى العراق وهزيمة تنظيم الدولة. وكلاهما منع «المالكي» من الإطاحة بـ«العبادي» في خضمّ اضطراباتٍ سياسية في أبريل/نيسان عام 2016.

وقد فّرت الولايات المتّحدة دعمًا في مكافحة تنظيم الدولة، بما في ذلك القوّة الجوّية الحاسمة، بشرط عدم تقديم «المالكي» نفسه لولاية ثالثة عام 2014. ودعمت الولايات المتّحدة رئيس الوزراء «العبادي» كمرشّح يتفهّم مصالح الولايات المتّحدة. ودعمته إيران كمرشّحٍ ضعيف يمكنها السيطرة عليه.

وبالتالي فإن استمرار رئاسة «العبادي» لمجلس الوزراء يرتبط بضرورة الدعم العسكري الأمريكي لهزيمة تنظيم الدولة، وهي الثغرة التي أصبحت إيران بقدراتها العسكرية الحالية قادرة على ملئها، وإيران مقتنعة بسيطرتها على رئاسة الوزراء.

زيادة التواجد الأمريكي

ولكن «العبادي» أكد خلال مؤتمرٍ صحفي أنّ الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» أكّد له على دعم العراق على كل المستويات، وأنّ إدارة «ترامب» قد وعدت بمضاعفة الدعم الأمريكي للعراق، وليس فقط الاستمرار فيه.

وصرّح السفير الأمريكي لدى العراق «دوغلاس سيليمان» في 22 يناير/كانون الثاني أنّ الولايات المتّحدة مستمرّة في اتفّاقية الإطار الاستراتيجي التي وقّعت عام 2008، والتي تحكم العلاقات الثنائية، بما في ذلك في المجالات العسكرية والاقتصادية. وتناقشت وزارة الشؤون الخارجية حول الاتفاقية في 26 يناير/كانون الثاني، تنشيطها وتنفيذها، وطرق «زيادة حجم التعاون" بين الولايات المتّحدة والعراق "في كل المجالات».

إيران والمضي وقدما

ولكن إيران من ناحية أخرى تعزز من وضع وكلائها لمواجهة الوجود المستمر للولايات المتّحدة في العراق. وقد توافق «مقتدى الصدر»، زعيم التيار الصدري، مع زعماء الميليشيات الموالية لإيران، بما في ذلك «هادي العامري» زعيم منظمة بدر، و«قيس الخزعلي» زعيم عصائب أهل الحق، و«أبو مهدي المهندس» نائب رئيس الحشد الشعبي، في النجف في 18 أكتوبر/تشرين الأول عام 2016. وكانت مصالح «الصدر» في العراق لفترة طويلة متمايزة ومتعارضة مع مصالح الإيرانيين، ونادرًا ما نسّق هو وميليشياته وحزبه السياسي مع الجماعات الموالية لإيران. وجلب «مقتدى الصدر» في معسكرٍ واحد مع إيران، يخلق وكيلًا موّحدًا يمكن لإيران استخدامه.

ويضفي إقرار قانون الحشد الشعبي الذي وافق عليه البرلمان العراقي يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني، مزيدًا من المؤسسية على الميليشيات التي تعمل لصالح إيران في العراق، لكنّها لا تزال تعمل تحت إمرة وسيطرة إيران. وسترسّخ مشاركة الحشد الشعبي في عمليات القتال ضدّ تنظيم الدولة من التواجد العراقي شمال العراق وسيعزّز من موقف الحشد الشعبي كقوّة أمنية شرعية.

تسعى إيران أيضًا لأن تحل محل الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط باستخدام العراق كوكيل إقليمي. حيث زار «مقتدى الصدر» بيروت في 20 يناير/كانون الثاني، حيث تقابل مع «حسن نصر الله» زعيم حزب الله، لمناقشة نفوذ حزب الله وميليشيات الشيعة العراقية في المنطقة.

وفي 24 يناير/كانون الثاني، أكّد «الصدر» أنّ نقل سفارة الولايات المتّحدة في (إسرائيل) من تل أبيب إلى القدس سيكون «تأكيدًا على الحرب على الإسلام»، ودعا إلى تشكيل «كتيبةٍ خاصة لتحرير القدس». وتماشى بيان «الصدر» مع الأهداف الاستراتيجية العظمى لإيران للقضاء على دولة (إسرائيل) وطرد الولايات المتّحدة من المنطقة.

وقد عيّنت إيران «إيرج مسجدي، الجنرال السابق بالحرس الثوري الإيراني سفيرًا لها لدى العراق في 11 يناير/كانون الثاني. وخدم السفراء السابقون أيضًا في فيلق القدس، لكنّ علاقة «مسجدي» بـ«قاسم سليماني»، الذي تعتبره الولايات المتّحدة شخصيةً إرهابية، سيعزّز على الأرجح من جهود إيران لتحويل الحكومة العراقية ومؤسساتها لقوىً لها بالوكالة.

عودة «المالكي»

ربما لم يعد رئيس الوزراء «العبادي» ذا قيمة لإيران كما كان عليه في عام 2014، عندما كان «العبادي» ضروريًا لضمان دعم الولايات المتّحدة، وهو ما يفتح الفرصة أمام رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي» لترشيح نفسه من جديد للمنصب.

قد تعتبر إيران أنّه من الأفضل أن يتواجد رئيس وزراء للعراق يسعى بنشاط من أجل المصالح الإيرانية، بدلًا من رئيس وزراء يتماشى مع مصالح الولايات المتّحدة ومجرّد رجل ضعيف لمقاومة النفوذ الإيراني.

ومنذ فقد «المالكي» منصب رئاسة الوزراء عام 2014، سعى لاستعادة المنصب عن طريق تقويض حكومة «العبادي». وقد أوقفت إيران سابقًا مثل هذه الطموحات عن طريق التدخّل المباشر.

يغازل «المالكي» الجماعات الموالية لإيران كقاعدة انتخابية، على الأرجح مع وعد بطرد الولايات المتّحدة من العراق بعد استعادة الموصل وتحويل الدفّة لإيران. وزعم تقرير في 25 يناير/كانون الثاني أنّ «المالكي» سينافس «العبادي» في انتخابات عام 2018 عن طريق بناء تحالف من الميليشيات الشيعية. وقد ترأس «المالكي» اجتماعًا لائتلاف دولة القانون (SLA)، كتلته السياسية، في 24 يناير/كانون الثاني، ولم يكن رئيس الوزراء «العبادي» حاضرًا. وزعمت الأخبار حضور ممثّلين عن إيران.

وأجرى «المالكي» زيارة لمدّة 4 أيّام إلى طهران بدأت 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2016 حتّى 3 يناير/كانون الثاني عام 2017، تقابل خلالها مع مسؤولين إيرانيين بارزين، بما في ذلك المرشد الأعلى «آية الله علي خامنئي»، ناقش خلالها الانتخابات وإسهامات الحشد الشعبي في المنطقة.

ويواجه «العبادي» جلسة استجواب أمام مجلس النوّاب (COR) في 11 فبراير/شباط. حيث أصدر مجلس النوّاب قائمة في 24 يناير/كانون الثاني بـ 11 وزيرًا، ورؤساء هيئات مستقلّة، ومسؤولين بارزين بالحكومة، سيتم استجوابهم خلال الشهر اللاحق.

و«العبادي» هو الخامس في قائمة المستجوبين. وتضم القائمة أيضًا ثلاثة من بين خمسة وزراء تكنوقراط نجح «العبادي» في تعيينهم خلال التعديل الوزاري في أغسطس/آب عام 2016، بما في ذلك وزير النفط ووزير المياه ووزير النقل. ويذكر أنّ استجواب «العبادي» سيكون حول الخروقات الأمنية الحالية في بغداد والمناصب الوزارية الشاغرة. وقد اندلعت احتجاجات، بما في ذلك الاحتجاجات التي قادها التيار الصدري، بسبب استمرار هجمات تنظيم الدولة في العاصمة.

وسيتولّى أعضاء البرلمان الموالين للمالكي على الجزء الأكبر من جلسات الاستجواب، وسبق وأن أقالوا وزير المالية «هوشيار زيباري» في 21 سبتمبر/أيلول عام 2016، ووزير الدفاع «خالد العبيدي» في 25 أغسطس/آب عام 2016. ومع ذلك، سيتولّى أحد أعضاء قائمة التغيير الكردية استجواب «العبادي».

ويقدم الدستور العراقي (المادة 7، بند أ-جـ) نوعين من جلسات الاستجواب. النوع الأول جلسة استجواب للتحقيق حول موضوعٍ واحد، والنوع الثاني يكون خطوة أولى لسحب الثقة. ويحتاج النوع الثاني توقيع 25 عضوًا على عريضة الاستجواب. ومن غير الواضح إذا ما كانت تلك الاستجوابات قد حصلت على هذا الشرط. وبغض النظر عن ذلك، لم تتبع عملية إقالة أي من وزيري المالية والدفاع الإجراءات الدستورية، الأمر الذي يؤكّد على خطورة هذه الاستجوابات حتّى وإن أتت في إطار استجواب أساسي، فقد تكون الخطوة الأولى لسحب الثقة.

ومع جهود «المالكي» من أجل الحصول على مكان «العبادي» وعدم وجود دعم كافي من إيران له، يصبح «العبادي» في خطرٍ مزدوج. فقد يقود استجواب «العبادي» يوم 11 فبراير/شباط إلى عملية سحب الثقة. لكن على «المالكي» التأكّد من أنّه يملك الأصوات الكافية والدعم اللازم ليصبح رئيس الوزراء. ولا يزال مستمرًا في تجميع الدعم داخل التحالف الوطني الشيعي، لكنّه لا يزال بعيدًا عن أغلبية مجلس النوّاب. ويقف أمر الاستجوابات إذا ما كانت ستصبح تمهيدًا لسحب الثقة أم لا، على أي جانبٍ ستلقي الأحزاب الكردية والسنّية بثقلها. وكان «المالكي» قد بدأ بالتودّد للأحزاب الكردية وخاصةً حركة التغيير في أبريل/نيسان ومايو/أيار، لكنّه كان قليل التواصل معها في الأشهر الأخيرة. وحتّى إن لم تتحوّل الجلسات إلى سحب الثقة من «العبّادي»، قد تكون فرصة للمالكي لإضعاف «العبّادي»، وتعزيز قاعدته الانتخابية من أجل الانتخابات العام القادم.

  كلمات مفتاحية

العراق المالكي العبادي التواجد الأمريكي معركة الموصل