إعلام «السيسي» يدخل معركة الخلاف مع الأزهر.. مطالبات بإقالة «الطيب» واتهامات بـ«الأخونة»

الأحد 12 فبراير 2017 03:02 ص

لا تزال أصداء الخلاف بين الأزهر ومؤسسة الرئاسة متصاعدة، في ظل استغلال الأذرع الإعلامية المحسوبة على الدولة، للهجوم على المؤسسة الدينية الأولى في مصر، على خلفية أزمة «الطلاق الشفهي».

وظل الهجوم على الأزهر وقيادته أمراً نادراً في مصر، إلا من أصوات مفكرين قليلين يجاهرون بانتقادات لنهجه، لكن لوحظ في الآونة الأخيرة زيادة حدة الانتقادات الموجهة للمؤسسة، والنبش في مناهجه وانتقاء نصوص منها، وتحميلها جزءاً من مسؤولية انتشار الفكر المتطرف.

«الأهرام» الحكومية، وصحيفتا «الوطن» و«الدستور» المصريتان المقربتان من الدولة، استغلا إمكانياتهما للهجوم على مؤسسة الأزهر، وهيئة كبار العلماء المنبثقة عنه، بعد تأييدهم وقوع الطلاق الشفوي مخالفة لطلب الرئيس «عبد الفتاح السيسي».

مخاض عسير

ففي صحيفة «الأهرام»، وصف «أسامة الأزهري» مستشار «السيسي» للشؤون الدينية، في مقال عملية تجديد الخطاب الديني التي يتولاها الأزهر بأنها «عملية متعثرة تشبه المخاض العسير».

واعتبر أن تعامل المؤسسة الدينية (الأزهر) مع ذلك الملف الكبير «لم يكن بالشكل اللائق والمطلوب».

كما نشر «الأزهري» رابط المقال على صفحته على «فيسبوك»، بعنوان: «أمر يدع اللبيب حائرًا»، منتقدًا ما وصفه بتراجع دور المشيخة، وعدم استجابتها لمطالب «السيسي» حول تغيير الخطاب الديني.

سيطرة إخوانية

صحيفة «الوطن»، قالت إن الأزهر يعيش أزمة حادة تهدد تاريخه ومستقبله، بعد التراجع الكبير فى مستوى قياداته ونجاح تنظيم «الإخوان» والسلفيين في التسلل إلى قلب المشيخة، فضلاً عمن هم ليسوا فوق الشبهات، والتحكم في قرارات هيئاتها ومؤسساتها، الواحدة تلو الأخرى.

واتهمت الصحيفة هيئة كبار العلماء، التابعة للأزهر، والتي تعد أعلى مرجعية دينية، على رأس تلك المؤسسات التي اخترقها الموالون لجماعات وتنظيمات غير وسطية تناهض الدولة والمجتمع، بحسب قولها.

وأضافت الصحيفة: «حتى إن بعض أعضائها وصفوا فى تصريحات سابقة ثورة 30 يونيو/ حزيران 2013 (أطاحت بـ«محمد مرسي» أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا) بالانقلاب، وسعوا إلى فرض آرائهم وأهوائهم على الجميع، متسترين بما عرف به الأزهر على مدار تاريخه من تبني الفكر الوسطي».

واعتبرت الصحيفة المقربة من الدولة، من أسموهم «إخوان المشيخة» حشدوا في أزمة «الطلاق الشفهي» الأخيرة، للوقيعة بين الدولة والمواطنين، لإبعاد النظر عن المطلب الأهم من شيخ الأزهر، وهو حتمية تنقية المؤسسات الدينية من الإخوان والسلفيين، والعمل على تجديد الخطاب الديني.

ونقلت الصحيفة، تصريحات لعدد من الأزهريين والمتابعين للملف الديني، ممن يرفضون «الطلاق الشفهي» ويطالبون بتوثيقه بناء على رغبة «السيسي»، بعد هجوم هيئة كبار العلماء عليهم ووصفهم بالمنتسبين، وأصحاب الفتاوى الشاذة، وهو الوصف الذى لم يطلقه الأزهر حتى على فتاوى التكفير للجماعات والتنظيمات الإرهابية ومنها الإخوان، التى تستبيح بها الدماء والقتل وتدعو إلى العنف، بحسب الصحيفة.

لافتين إلى أن بيان «كبار العلماء» في فتوى «الطلاق الشفهي»، لم يخل من الهمز واللمز والتعريض بالدولة، ومؤسساتها وقيادتها، وإلقاء تبعات تفاقم أزمة الطلاق على الظروف الاجتماعية والاقتصادية.

وطالبت الصحيفة بتعديل قانون الأزهر، بعدما انقلب على تاريخه القديم، بحسب قولها.

فساد مالي

كما اتهمت الصحيفة، المشيخة بالفساد الماضي، وعدم الإجابة على عن جميع وقائع الفساد الخاصة بتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات الأخيرة، التى شملت وقائع فساد كبرى داخل المؤسسة وتم تحويلها إلى لجنة الشئون الدينية بالبرلمان، وتحقق فيها حالياً.

وأوضحت مصادر للصحيفة، أنه رغم ما وصفه قيادات الأزهر بتطوير مراكز الرصد والفتوى الإلكترونية وانطلاقة جديدة لبوابة الأزهر الإلكترونية، وتطوير صحيفة «صوت الأزهر»، فإن المشيخة لم تستطع وقف التحريض على العنف والإرهاب، وتنقيح التراث الذى يحمل الرؤى الفقهية للتيارات التكفيرية، بما يؤكد أن الأزهر بلا استراتيجية وعاجز عن أداء مهمته، وكذلك المرجعية الإسلامية الأولى، وهى هيئة كبار العلماء، لم تتحرك في ملف تطوير الخطاب الديني.

يشار إلى أن الصحيفة، نشر سلسلة مقالات بلغ عددها 11 مقالاً تحت عنوان «فساد الأزهر»، تناولت فيها كافة القضايا التي يعتبرها فساداً داخل المشيخة والجامعة، وكشفت ما أسمته تجاوزات أخلاقية وإدارية ومالية.

وكان الأزهر، قد قال في بيان سابق له، إن ما نشرته صحيفة «الوطن»، هو محض افتراء واختلاق لادعاءات كاذبة ومضللة، تستهدف الإساءة للأزهر ورجاله، مضيفاً أنه «بفحص الادعاءات الواردة بالمقال الأول من الحملة الصحافية، ثم ما تلاه من مقالات تبين أنها جميعاً ومن دون استثناء ليست إلا ادعاءات كاذبة ومختلقة ومحض افتراءات لا وجود لها».

استقالة «الطيب»

وتحت عنوان «لماذا لا يستقيل شيخ الأزهر»، طالب «محمد الباز» رئيس تحرير صحيفة «الدستور»، الدكتور «أحمد الطيب» بالاستقالة، متوعدًا إياه صراحة بقوله: «أفعلها قبل أن تضيق عليك الأرض بما رحبت».

كما دعاه في مقالتين بالصحيفة، ألا يدخل نفسه في «صراع سياسي أكبر منه، وساعتها ستزل قدمه، ولن يجد وقتها مَن يغيثه أو ينصره».

وسبق للصحيفة أن شنت حملة مشابهة ضد شيخ الأزهر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بدعوى أنه رفض في بيان تكفير تنظيم «الدولة الإسلامية»، واتهمه إعلاميون، منهم «إبراهيم عيسى» و«عمرو أديب»، بالمسؤولية عن انتشار التطرف.

هجوم واسع

لم يقتصر الأمر على الصحافة المكتوبة، بل توسعت لتطال هجوم على الفضائيات، حيث هاجمت الإعلامية المقربة من السلطة «لميس الحديدي»، «الطيب» متهمة إياه بـ«التقصير في مسألة تجديد الخطاب الديني».

وقالت إن «تفسير كلمة السيسي له (تعبتني يا فضيلة الإمام) والتي وجهها لشيخ الأزهر معناها أن الرئيس فاض به الكيل».

في الوقت الذي عنف الإعلامي «خالد صلاح»، شيخ الأزهر، لعدم استجابته لمطالب «السيسي»، قائلاً له: «ياريت ما تتعبش الرئيس معاك».

ووصف الإعلامي «حمدي رزق» في مقاله قبل أيام في صحيفة «المصري اليوم» بعض أعضاء هيئة كبار علماء بـ«لطامعون فيلعب دور سياسي».

كما ربط السياسي البارز «أسامة الغزالي حرب»، ربط في مقال له بين عودة تشكيل هيئة كبار العلماء عام 2012، وصعود الإخوان المسلمين إلى السلطة.

غير أن الإعلامي «مصطفى بكري»، قال إن الهجوم على مؤسسة الأزهر خرج عن كل الحدود وتحول إلى سلسلة من الشتائم والبذاءات، مشيرا إلى أن «عدد من الكتاب والصحفيين شنوا هجوما يمثل سبا وقذفا وتشويها بشكل غير مسبوق ضد المؤسسة الدينية الأولى في مصر».

وأضاف «بكري»، أن هذا الأمر أحدث ردود أفعال كبيرة في الشارع المصري، خاصة مع اتهام المؤسسة الدينية بدعم الإرهاب والتعرض لمقام شيخ الأزهر والعلماء، وهذا الأمر أثار استياء الشارع المصري؛ مشيرا إلى أن «الإعتداء على الأزهر يمثل خطورة كبيرة، ومن ثم فلا يتوجب بأي حال من الأحوال التطاول بهذا الشكل على الأزهر الشريف، ويجب أن يكون هناك لغة تتسم بالإحترام مع الأزهر وشيخ الأزهر».

تجاهل مقصود

من جانبها، تسعى قيادة الأزهر إلى تجاوز القضية، عبر تجاهل الانتقادات اللاذعة التي وُجّهت للمؤسسة الدينية الأبرز في مصر.

وقال عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الدكتور «محمود مهنى»: «موضوع الطلاق الشفوي انتهى من الناحية الشرعية.. أتينا برأينا من الكتاب والسنّة، وما قلناه متفق عليه، ويتوافق مع نصوص القرآن وسنّة النبي».

وأضاف أن الأزهر «لا يرد على الانتقادات التي توجه له، فنحن لا نعقب على تعليقات الآخرين»، موضحاً: «وظيفتنا تبيان صحيح الدين، ومن يعقّب على رأينا لا نعلّق عليه».

ورفض أعضاء في هيئة كبار العلماء الحديث عن تلك المسألة وأبدوا حساسية في نقاشها، وقال واحد منهم، إن قيادة الأزهر ترى أنه لا داعي للسجال الإعلامي في تلك المسألة، ومن هذا المنطلق على من يريد الاطلاع على رأي الأزهر بخصوص مسألة «الطلاق الشفوي» الرجوع إلى بيان هيئة كبار العلماء، وفيه شرح وافٍ للأمر لن يضيف أحد عليه شيئاً، أما بخصوص الهجوم على الأزهر والحديث عن خلافات مع مؤسسات الدولة، فلا نرد عليها، لأن وظيفتنا ليست الرد على آراء الناس.

وظهر أن الأزهر يستشعر غضباً من الهجوم الأخير، لكن لا يرغب في إكساب القضية مزيداً من الزخم، وقال عضو في مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر: «ليس هذا الهجوم الأول ولن يكون الأخير على الأزهر، لكن لن نرد، وسنترك الأمر للمؤسسة».

بيد أن هيئة كبار العلماء بالأزهر، أعربت عن غضبها مما أسمته «دعوات أقلام شاردة»، في إشارة منها إلى ما يكتب عن الأزهر الشريف في الصحف، مؤكدة أن «الترويج لأفكار ضارة بمكانته وبالهوية الإسلامية، من خلال الدعوة إلى إلغاء المعاهد الدينية ومادة الدين وإنكار وجود المسجد الأقصى، وغيره من الأمور التي تهدم ثوابت الدين، والحط من قيمة خلق الحياء وهو شعبة من شعب الإيمان يضر بالإسلام الوسطي».

وشددت الهيئة عبر بيان أصدرته، أن وسائل الإعلام مطالبة بأن تتقي الله فيما ينشر على الناس، معلنة أن «الأزهر ومنهجه العلمي الوسطي هو صمام الأمان لفكر هذه الأمة ولثقافة شبابها، وأنها ستتعامل بكل حزم على وأد هذه الفتن في مهدها، والتصدي لمن يقف خلفها كائنًا من كان؛ ليظل الأزهر كما كان عبر تاريخه-هو المرجع الأساس في الشئون الإسلامية، وتظل عقائد الإسلام مصونة عن العبث بها، ولتظل مصر –كما كانت عبر تاريخها- حارسة الإيمان الديني، وكنانة الله في عالم الإسلام».

كما شهدت خطبة يوم الجمعة الماضي، بالجامعة الأزهر، انتقاد حاد من الدكتور «ربيع الغفير»، منسق فروع بيت العائلة المصرية، الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الأزهر الشريف وشيخه من قبل بعض الإعلاميين، داعياً مثيري الفتن ومتاجري القيم بأن يتقوا الله في الأزهر الشريف وإمامه وعلمائه.

وأضاف إن الأزهر الشريف وإمامه الأكبر وهيئة كبار العلماء هم صمام الأمان لهذا الوطن من خلال تعليم الناس صحيح الدين، مشيراً إلى هؤلاء تناسوا أن الأزهر الشريف على مدار أكثر من ألف عام كان حصن مصر بل حصن الأمة القوي من الوقوع في الفتن.

أصل القضية

وقبل رفض الأزهر الشريف، مقترح «السيسي»، توثيق الطلاق الشفوي، كشرط لصحة وقوعه بين الزوجين.

وفي اجتماعها، حسمت هيئة كبار العلماء، الجدل الذي انتشر في مصر خلال الآونة الأخيرة حول ظاهرة الطلاق الشفوي، حيث أكدت وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق.

وأكدت الهيئة، وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وحتى يومنا هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق.

وكان «السيسي» قد دعا خلال كلمته باحتفالية عيد الشرطة، الشهر الماضي، إلى إصدار قانون ينظم حالات الطلاق الشفوي، بعد ارتفاع معدلات الانفصال خلال الفترة الأخيرة، والتي بلغت وفقا لتقارير «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» 900 ألف حالة سنويا، 40% منهم ينفصلون بعد مرور 5 سنوات.

وبدا أن «السيسي»، غير راضٍ عن جهود الأزهر في هذا الصدد، إذ مازح شيخ الأزهر في خطاب اقترح فيه تقييد مسألة الطلاق الشفوي، قائلاً: «تعّبتني يا فضيلة الإمام».

ويرى «السيسي» أن إصدار قانون ينظم حالات الطلاق الشفوي من شأنه أن يعطى الفرصة للأزواج إلى مراجعة قرار الانفصال.

وسارع البرلمان، فور إطلاق «السيسي» دعوته، إلى الإعلان عن إعداد مشروع قانون يحظر الطلاق الشفوي، بل يرتب عقوبات على الأزواج الممتنعين عن دفع حقوق زوجاتهم، فيما لاقت الدعوة ترحيبا من منظمات نسوية، لكن الملف أثار جدلا بين الفقهاء.

  كلمات مفتاحية

الأزهر السيسي الطلاق الشفهي خلافات هجوم إعلامي مصر

صحافة «حزب الله» تنضم للحملة على شيخ الأزهر: أعاد تدريس مناهج تؤصل للإرهاب

صحفي مصري: «الطيب» ضاق صدره من الهجوم على الأزهر ويفكر باعتزال الإمامة