«فورين أفيرز»: مصر تختار جانبها.. لماذا تدعم القاهرة «بشار الأسد»؟

الاثنين 13 فبراير 2017 12:02 م

في 1 فبراير/شباط، أقلعت طائرة عسكرية من قاعدة روسية باللاذقية في سوريا، وهبطت في مطار قرب الحدود المصرية مع ليبيا، ثمّ عادت إلى سوريا. وخرجت منذ أشهر تقارير غير مؤّكدة عن إرسال مصر قوّات لمساعدة النظام السوري في الحرب الأهلية في البلاد، وللوهلة الأولى ظهرت تلك الرحلة تأكيدًا لتلك الشكوك. لكنّ هذا بعيد الاحتمال الآن، كانت روسيا هي الوجهة النهائية للطائرة، حيث ورد أنّها جلبت مقاتلين جرحى، موالين للكرملين المتحالف مع الليبي «خليفة حفتر»، للعلاج. لكنّ حقيقة أنّ مصر تتعاون مع التحالف الروسي السوري في مثل تلك العملية، يكشفف أحد أسوأ أسرار الشرق الأوسط المخفية: القاهرة تدعم نظام «بشّار الأسد».

وبالعودة إلى نوفمبر/تشرين الثاني، اعترف الرئيس المصري «عبد الفتّاح السيسي» بنفس الأمر. حيث أخبر التلفزيون البرتغالي أنّ أولوية القاهرة هي «دعم الجيوش الوطنية، في ليبيا على سبيل المثال». وأضاف: «ونفس الأمر في سوريا والعراق». ثم ضغط المستضيف على «السيسي» حول ما إذا كان يقصد النظام السوري. وأجاب «السيسي» بوضوح: «نعم».

لقد كانت المرّة الأولى التي تعترف بها مصر، التي كانت حليفًا للولايات المتّحدة لوقتٍ طويل، بأنّها تقف إلى جانب الحكومة السورية.

و«الأسد» ليس حليفًا فقط لخصوم الولايات المتّحدة، روسيا وإيران، لكنّه مكروه أيضًا في جميع أنحاء العالم العربي لاتّباعه سياسة الأرض المحروقة وتسببه في أزمة اللاجئين التي ولّدتها الحرب الأهلية. و«السيسي» الآن واحد من الفئة القليلة التي تدعم دمشق بين زعماء العرب، والتي تم تعليق عضويتها بجامعة الدول العربية منذ نهايات عام 2011، والتي تهاجمها قناة الجزيرة باستمرار، وهي الشبكة الإخبارية الأكثر مشاهدة في العالم العربي.

وبالطبع، كانت هناك تلميحات لتعاطف «السيسي» مع نظيره السوري خلال الأعوام الماضية. وبالعودة إلى يوليو/تموز عام 2013، بعد أسابيع فقط من قيادة «السيسي» لانقلاب عسكري أطاح بحكومة الإخوان المسلمين في القاهرة، اتّفقت مصر وسوريا على إعادة العلاقات الدبلوماسية. (وكان نظام الإخوان المسلمين قد قطع العلاقات مع سوريا على خلفية الحرب الأهلية). ومنذ ذلك الحين، اتّبعت مصر نهج الانتظار والترقّب، وأخذت وقتها في انتظار من سيحقق الانتصارات في سوريا قبل أن تنحاز بقوّة إلى أحد الأطراف. وعلى سبيل المثال، حين كان «الأسد» في موقف دفاعي أمام «الدولة الإسلامية» في صيف عام 2015، أبلغ «السيسي» الدبلوماسيين، كما ورد، للاستعداد لسقوطه.

وبعد ذلك بوقتٍ قصير، تحوّل الأمر. فقد تدخّلت روسيا في سبتمبر/أيلول لصالح النظام السوري، وبدأت الحكومة السورية تظهر في موقف قوّة أكثر من أي وقتٍ منذ عام 2011. ولاحظ «السيسي» ذلك، وبنهاية العام الماضي، أصبحت سوريا أفضل بوجود «الأسد» أكثر ممّا ستكون بدونه.

وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، قبل وقت قصير من المقابلة مع الصحافة البرتغالية، وقفت مصر إلى جانب روسيا في معارضتها لمشروع قرارٍ بمجلس الأمن يدعو إلى وقفٍ فوري للطلعات الجوّية فوق حلب. وفي نفس اليوم، انضمّت مصر إلى روسيا (والصين وفنزويلا) في دعم مشروعٍ معدّل أغفل أي ذكر للمدينة. وهذا هو نفس الشهر الذي ذكرت فيه وسائل الإعلام السورية التابعة للدولة أنّ دمشق قد استضافت اجتماعات ثنائية مع مسؤولين مصريين رفيعي المستوى، ومن بينهم رئيس المخابرات، وقال متحدّث باسم الجيش السوري أنّ المحادثات حول عمليات عسكرية مشتركة كانت «في مرحلة متقدّمة».

وقد جلب ميل القاهرة لدعم «الأسد»، غضب حليفها وداعمها المالي الرئيسي، السعودية، والتي ضخّت أكثر من 25 مليار دولار في اقتصاد مصر منذ الإطاحة بـ«مرسي». وفي أكتوبر/تشرين الأول، وصفت الرياض تحرّكات القاهرة الموالية للكرملين في الأمم المتّحدة بـ «المؤلمة»، ونشر «جمال خاشقجي»، الكاتب الصحفي السعودي البارز، على تويتر مذكّرًا بأنّ مصر، كونها العضو العربي الوحيد بمجلس الأمن، كان عليها أن تعمل وفق إجماع الرأي العربي. وفي الشهر التالي، أعلن عملاق النفط السعودي أرامكو تعليق إمدادات النفط لمصر حتّى إشعارٍ آخر.

لماذا إذن تعرّض القاهرة نفسها، بتملّق «الأسد»، لخسارة مكانتها الإقليمية والدعم المالي في ظلّ أزمتها الاقتصادية؟

أولًا: يختلف تصوّر التهديد في القاهرة عن حلفائها العرب. في حين ترى السعودية التهديد الأكبر في إيران، الراعي الرئيسي للأسد، ترى مصر التهديد الأكبر في الإسلاميين السنّة، مثل جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم الدولة.

وكانت جماعة الإخوان المسلمين هي الخصم الرئيسي للجيش لعقود. وأتى «السيسي» نفسه إلى السلطة عن طريق الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين الذي أدار البلاد لعام، وبمجرّد وصوله إلى السلطة، اعتقل عشرات الآلاف من أعضاء الجماعة. ومنذ ذلك الحين، قتلت ولاية تابعة لتنظيم الدولة مئات الجنود المصريين في شبه جزيرة سيناء قليلة السكّان، في تمرّدٍ لا يظهر له نهاية في الأفق.

وعندما ينظر «السيسي» للصراع السوري، يتذكّر هشاشة حكمه. وفي سوريا، مثل الحكم الطويل في مصر، حكم نظام «الأسد» سوريا لأربعة عقود. وشكّل ضبّاط الجيش في مصر غالبية آخر 7 رؤساء للبلاد، وهم يصفون الثوّار بالمتطرّفين. وعلى الرغم من تعقيدات وتشابكات انتماءات أطراف المعارضة السورية، فإنّ جهة واحدة منها على الأقل، وهي المجلس الوطني السوري ومقرّه اسطنبول، قد ثبت سيطرة الإخوان المسلمين عليه. وبالنسبة لتنظيم الدولة، فقد أثبت أنّه واحد من أكثر القوّات المقاتلة وحشية وفعالية ضدّ «الأسد».

ثانيًا، تشترك القاهرة ودمشق في كراهية حكومة الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، والذي ترعرع داخل الإسلام السياسي. ومنذ انقلاب عام 2013، كان «أردوغان» خصمًا رئيسيًا لنظام «السيسي»، يستضيف قادة الإخوان، ويوفّر المحطّات التلفزيونية الناطقة بالعربية التي تعمل ضدّ شرعية الرئيس المصري. كما أنّ الرئيس التركي مولع برفع إشارة رابعة التي تعبّر عن الإخوان. وكذلك فإنّ أنقرة كانت هي الخصم الرئيسي (بجانب السعودية) لنظام «الأسد»، ووفّرت دعمًا لوجيستيًا لجماعات المعارضة، وسمحت لهم، باجتياز الحدود مع سوريا دون عوائق إلى حدٍّ كبير.

وأخيرًا، تعتبر العلاقات مع سوريا خطوة باتّجاه تحسين العلاقات مع روسيا. ودفعت العلاقة المتوتّرة مع إدارة «أوباما» بعد الانقلاب مصر إلى التحوّل إلى الكرملين من أجل كل شيء، من المروحيات إلى التدريبات العسكرية المشتركة وحتّى الطاقة النووية. والآن، فإنّ القاهرة حريصة أيضًا على إقامة علاقة مع الرئيس «دونالد ترامب»، الذي دعا باستمرار لتعاون أوثق مع موسكو ضدّ المتطرّفين في سوريا، في نفس الوقت الذي يعارض فيه إجراءات إسقاط «الأسد».

وتشير محادثاتي مع المصريين في زيارتي الأخيرة إلى أنّ العديد من الدعم الضمني أو الصريح قد قدّمه «السيسي» للأسد. وصحيح أنّه كان هناك وقتً في بدايات الثورة السورية بدا «الأسد» فيها وكأنّه ذاهبٌ إلى مصير «حسني مبارك»، الذي أجبر على التنحّي في بدايات عام 2011 بعد 18 يومًا من التظاهرات الشعبية. وفي ذلك الوقت، كانت كتلة حرجة من المصريين لترحب بالإطاحة بـ«الأسد» كجزء من موجة الثورات العارمة التي تعرف بالربيع العربي.

لكنّ الشرق الأوسط في عام 2017 يختلف بشكلٍ كبير عمّا كان عليه منذ 6 أعوام. وقد أدّت الإطاحة بـ«مبارك» إلى تجربة غير سارّة من الحكم تحت جماعة الإخوان، وإلى الصراع الدموي اللاحق على السلطة بين الجماعة الإسلامية والجيش. والسوريين، مثل الليبيين واليمنيين، انتفضوا ضدّ الطغاة ليحصدوا فقط المذابح والفوضى بدلًا من ذلك. وقد وصلت مصر إلى حالة التّعب والإرهاق من الثورة، وأصبح عددٌ كبير يفضّلون الاستقرار حتّى على حساب الحرّيات الديمقراطية.

يعد العام القادم بأن يكون مليئًا بالمفاجآت، ليس أقلّها في الشرق الأوسط، حيث تتعرّض شراكات طويلة للاختبار في حين تتهيّأ شراكات بديلة لتحلّ محلّها أو تتوازى معها. ومن المرجّح أن تكون العلاقات الأوثق بين القاهرة ودمشق واحدة من تلك المفاجآت، حيث كانت الأولى حليفًا منذ وقتٍ طويل للولايات المتّحدة، وكانت دمشق في المعسكر المعادي لأمريكا مع الكرملين وطهران.

المصدر | أورين كيسلر - فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

السيسي بشار الأسد سوريا روسيا الإخوان المسلمون الدولة الإسلامية