خطاب إلى أبي: مصر في عام

الأربعاء 15 فبراير 2017 10:02 ص

كان عام 2016 مظلما على المصريين، مع موجات من الفشل الواحدة تلو الأخرى، اغتيالات وهجمات واقتصاد مضطرب وسحق للمعارضة.

عندما أنظر إلى الخلف خلال عام 2016، أرى دمعتين تنحدران على خديك يا أبي. واحدة لأنك غادرتنا إلى عالم أفضل، والأخرى لأن مصر لم تعد كما عرفتها. فالبلد التي تصورتها، كصحفي ومواطن، ستذرف دمعة حزنا على ما حل بها.

في عام بدأ بقتل باحث إيطالي وانتهى بتفجير كنيسة خلف 27 قتيلا، استمر السيسي، الذي لا يعرف سوى طريق الجيش، في سحق المصريين بلا هوادة لإخضاعهم.

لم يكن ذلك من قبيل المصادفة، أبي. فأينما حل هذا الرجل تسيل الدماء. لقد كانت رحلة مظلمة مليئة بموجات تترى من الفشل، أكان ذلك في الحكم أو الأمن أو الاقتصاد أو الصحة أو التعليم.

وإذا كانت لهذه الرحلة السنوية بالقارب عبر النيل أغنية مصاحبة، لكانت الأغنية الحزينة لأم كلثوم "للصبر حدود".

قيادة آلية

ولكي يتضح لك ما كان من العام الماضي على الوجه الأكمل، تخيل طيارا يعتقد أن تشغيل الطائرة على وضع القيادة الآلية هو كل ما يلزم للطيران. ولكي أكون واضحا، فاللوم لا يقع بأكمله على الطيار وحده، لكن أيضا على كل من يخدم في الطائرة المصرية، بدءا من طاقم التنظيف وحتى الطيارين المساعدين.

والحبوب التي تخرج من هذه الرمال المتحركة هي مزيج من سوء الإدارة، وفقدان ثقة العسكر في كل ما هو مدني، وهيمنة النخبة السياسية، وعلى رأسها الميل منقطع النظير للفساد، وعدم القدرة على توفير الأمن.

 ماذا يحدث عندما تزوج الحكومة أسوأ ما في الأوتوقراطية الإسلامية، وأشير هنا إلى السلفية الداخلية للسيسي نفسه وهو التيار الذي يمر عبر الروافد العليا للمجتمع العسكري في البلاد، إلى ديكتاتور عسكري؟ انظر إلى عام 2016.

بدأ العام بطعن إرهابيين لثلاثة سائحين في فندق بالغردقة في يناير/كانون الثاني. ويأتي ذلك فقط بعد أسابيع من انفجار طائرة متروجيت روسية. وقد كان ذلك استمرارا لشكل من أشكال نجاح العمليات الإرهابية والفشل المنهجي للأمن.

وفي فترة 75 يوما من 30 أغسطس/آب إلى 22 أكتوبر/تشرين الأول، شهدت القاهرة اغتيال مسؤول عسكري رفيع المستوى، العميد عادل رجائي، بعد محاولات متكررة لاغتيال المفتي الأكبر السابق علي جمعة ونائب العام المساعد زكريا عبد العزيز، لكنها فشلت كلها.

وتعد هذه المحاولات، التي أعلنت (لواء الثورة) و (حسم) مسؤوليتها عنها، خطيرة للغاية، لأن المجموعتين لا يتبعان (الدولة الإسلامية)، لكنها امتدادات محلية ظهرت بفعل عوامل محلية.

وبدلا من تقديم حلول أمنية، يقوم النظام المصري بتصنيع الإرهاب الخاص به. مع بطالة هي الأعلى في العالم بين الشباب بـ42%، وإغلاق كافة السبل السياسية من قبل النظام الذي يشغل البرلمان بالنواب عبر فروعه الأمنية، وفي وجود أزمة اقتصادية لم يسبق لها مثيل، فهل من عجب أن تزدهر الجماعات الإرهابية داخل الحدود المصرية؟

ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق، انتهاء عام 2016 بتطورات كارثية محتملة، بعد تفجير كاتدرائية العباسية، والتي خلفت 27 قتيلا.

فمع إمكانية (الدولة الإسلامية)، التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، من تنفيذ ضربة لهدف مدني في قلب القاهرة في وضح النهار، لابد أن يثير ذلك قلق كل المعسكرات السياسية، بل ويضرب جرس الإنذار والتحذير من عام أكثر دموية في عام 2017، في ظل نظام السيسي "الذي يعاني أضعف فتراته"، وفق محلل إسرائيلي ذكر ذلك قبل أسبوع فقط.

أي شخص يقول أن مصر آمنة بشكل كبير باستثناء سيناء، والتي اندلعت فيها أعمال العنف منذ انقلاب عام 2013، يعيش في سراب. وحتى هناك، يستمر حمام الدم بلا هوادة مع آخر هجوم أسفر عن مقتل 12 جنديا قبل أسابيع قليلة.

الاقتصاد كدعم للحياة

لكن الإخفاقات الأمنية، في حين تزعزع الاستقرار وتسبب مشاكل مكلفة للغاية من حيث السياحة المفقودة، إلا أنها مجرد عرض وليست هي جوهر المشكلة الوطنية.

ترى يا بابا، لقد أصبح من الواضح وضوح الشمس هذا العام أن الزعيم المصري أكثر ولعا بزخارفه السلفية الجديدة أكثر من اهتمامه بتعقيدات الاقتصاد التي قد تخنق التقدم المصري لعقود قادمة.

والسيسي الذي رفض سابقا التعيين كملحق عسكري بالولايات المتحدة بسبب إصرار الحكومة المصرية أن تنزع زوجته الحجاب، هو الرجل عديم الخبرة الذي كانت لديه العديد من المشاكل الأكثر تعقيدا ليتعامل معها عام 2016.

ومع ارتفاع معدل البطالة، والتضخم المرتفع، وأزمة العملة المحلية التي سحقت أمام الدولار بمعدل أقل من نصف قيمتها في السوق السوداء، وفي حين نما الاقتصاد بنسبة 4%، تحول السيسي إلى صندوق النقد الدولي من أجل شريان للحياة.

لكن بالشروط التي فرضها شريان الحياة، فأنت أقرب للموت من الحياة، وبدلا من أن يكون المنقذ، فقد أثبتت شروط صندوق النقد الدولي أنها قد تكون ناقوس الموت السياسي. فخفض قيمة الجنيه والحد من دعم الطاقة وفرض ضريبة القيمة المضافة وتجميد الرواتب الحكومية، كل ذلك يمثل تحديا هائلا أمام استقرار النظام، ناهيك عن تعثر خطة السيسي.

ببساطة، من أجل الحصول على 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، سينفق معظمها في سداد الديون الخارجية للبلاد، اتخذ المستبد المصري خطوات هذا العام قد تسببت بالفعل في زيادة الأسعار بأكثر من 30% في كثير من الحالات، وقد تتسبب في اضطرابات اجتماعية.

وإلى أي درجة سيتفاقم هذا الاضطراب الاجتماعي في عام 2017 كنتيجة مباشرة لهذا الزواج، هو ما سيحدد إذا ما كان نظام السيسي سيستطيع البقاء على قيد الحياة. ارتفع التضخم بالفعل إلى 19.4% مقارنة بشهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، في حين ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 21.5%، وهي أرقام تشير جدا إلى اقتراب انتفاضة.

تكميم الأفواه

ولاستكمال الظلام الذي غطى عام 2016، استمرت انتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير، والانتهاكات بحق المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بشكل عام. تريد هذه الحكومة أن يتردد فقط صوتها في آذان المصريين، وتحركت لتكميم كل الأفواه فيما عداها باستخدام القوانين أو حتى في نطاق غير قانوني.

ومع وجود برلمان صوري يعمل فقط كواجهة، أخمدت شمعة المجتمع المدني عن طريق الحكومة التي تكره بشكل كبير المراجعة والمحاسبة، وأصبحت مصر ثالث أكثر الدول حبسا للصحفيين في العالم، وأصبح التحدث في أي شأن عام ضرب من ضروب الخيال في مصر.

وفي الواقع، شهد عام 2016 اقتحام قوات الأمن لنقابة الصحفيين، وحكم على نقيب الصحفيين، يحيى قلاش، بالسجن لمدة عامين لاتهامه بـ"التستر على اثنين من الصحفيين المطلوبين". والصحفيين في مصر على الأغلب، كما قالت إحدى صحفيات جريدة المصري اليوم لـ(ذا نيويوركر)، مجرد "ديكور".

ومع اقتراب نهاية العام، صاغ البرلمان قانونا جديدا يضع منظمات المجتمع المدني تحت السيطرة التامة للأجهزة الأمنية، كما أكدت هيومان رايتس ووتش.

وبعبارة أخرى، حاول التأثير والتغيير في المجتمع أو حتى اصنع التقارير عن الأحداث في مصر عام 2017، وانتظر الانضمام للصحفيين ورموز المجتمع المدني خلف الأسوار.

بمعزل عن نفسه

من ينظر إلى عام 2016، لا يمكن أن يغفل نقل ملكية جزر البحر الأحمر، تيران وصنافير، وما تكشف عن ذلك. الأمر الذي يعد ذاته عملا من أعمال الخيانة العظمى، وأظهر أكثر من مجرد تنازل السيسي عن أراض مصرية دون اعتبار للرأي العام المصري.

وبدلا من فتح نقاش وطني حول قضية لابد أن تدرك الحكومة أنها ستسبب غضبا شعبيا عميقا، تم وضع المصريين أمام الأمر الواقع. وخرجت التظاهرة الأكبر في عهد السيسي يوم 15 أبريل/نيسان، وردت الحكومة بالطريقة الوحيدة التي تعرفها، قمع المعارضة من خلال الاعتقالات قبل الاحتجاجات المزمعة يوم 25 أبريل/نيسان.

ولم تنته القصة بعد، فبالرغم من قرار المحكمة بمصرية الجزر، من الممكن أن يشهد عام 2017 فصلا جديدا من هذه القصة.

فمع التأخر في تسليم الجزر، بجانب خلافات حول سوريا واليمن، كانت كلها عوامل في تدمير العلاقات القوية بين مصر والسعودية. وحتى الآن، باءت كل المحاولات للوساطة بين الطرفين بالفشل، بحسب ما كتبه آلانغريش في صحيفة (لوموند) مؤخرا.

رياح المنطق

أظهر السيسي تناقضا هذا العام ما بين الصراحة والكذب، ومن السخرية التامة، فقد خسر في كلتا الحالتين.

عندما يؤكد رئيس دولة كبيرة مرتين قائلا: "بقيت لمدة 10 سنوات لا أملك في ثلاجتي إلا المياه...10 سنوات وثلاجتي لا تحتوي إلا على الماء فقط!" فكيف يفوز؟ فعندما يلفظ بالمستحيل وكأنه حقيقة واقعة، ويقول الكذب وكأنه الصدق، فكيف يثق به الناس؟

وتسببت بعض الحقائق التي نطق بها السيسي بضرر أكبر مما تسببت به أكاذيبه. فقد ذكر عنه مؤخرا وصفه للشرطة المصرية بأنها "مافيا من مليون رجل" أمام مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية. عندما تستمع إلى رئيس يعترف بعدم قدرته على السيطرة على الشرطة التي نالت النصيب الأكبر من اللوم في سقوط مبارك، فهذا يبعث على الانزعاج الشديد، وهذا وصف تم استخدامه كثيرا العام الماضي.

على الرغم من حزني لمغادرتك أبي، فأنا ممتن للغاية من أجلك لعدم اضطرارك لمشاهدة الكثير من عام 2016. وتشير جميع الدلائل من قبل المحللين من كل مكان وفي كل المجالات أن عام 2017 سيكون مشغولا بأحداث كثيرة. ولأجل الناس الذين يستحقون الأفضل، دعنا نأمل أن تهب رياح المنطق على القصر الرئاسي، أو أن ينام السيسي في مكان آخر هذه الأيام.

 

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي الفساد الإرهاب روسيا حسم لواء الثورة الدولة الإسلامية