عملية السلام في الشرق الأوسط كانت أسطورة تحتضر.. و«ترامب» دفنها بيديه

الاثنين 20 فبراير 2017 08:02 ص

«أنا أنظر في حل الدولتين وحل الدولة الواحدة، وسوف أقبل بالحل الذي يرضي الطرفين»، بهذه الكلمات التي قالها في مؤتمره الصحفي المشترك مع «بنيامين نتنياهو»، بدد «ترامب» السراب المنحسر بالفعل لأي حل عادل.

«ترامب» كان يسعى لإرضاء ضيفه بوضوح، والمدعوم بالمتعصبين في حكومته، مثل وزير السلامة العامة «جلعاد أردان»، ووزير التعليم «نفتالي بينيت»، ووزير الرياضة «ميري ريغيف»، ونائب وزير الخارجية «تسيبي هوتوفلي»، والذين جاهروا علناً بأنهم ضد تكوين دولة فلسطينية.

دفن نهائي لأسطورة محتضرة

الحكومات الإسرائيلية بقيت لعدة عقود، تدفع باتجاه استعمار «أرض إسرائيل» بكاملها، ولهذا قاموا بشكل منهجي بتدمير متطلبات قيام دولة فلسطينية مجاورة، ذات سيادة، وعاصمتها القدس.

بالرغم من هذا، بقيت أسطورة «قيام دولة فلسطينية» متداولة، وأن هناك «عملية سلام» جارية، لتمثل واحدة من أعظم أمثال الأساطير في العصر الحديث.

هذه الأسطورة كانت محورية لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي الدائم، وعدم إنهاء استعمار الضفة الغربية والقدس الشرقية، ما يحميها من أي ضغط دولي جدي.

الدفن النهائي لـ«حل الدولتين» المحتضر، سوف يجبر كل القلقين بخصوص الأمر على مواجهة ما هو واضح لأي مراقب نزيه.

لا تجمل في عهد «ترامب».. فقط حقائق عارية

على مدى عقود تم فرض واقع الدولة الواحدة، والتي تقع بين نهر الأردن إلى البحر المتوسط، والوحيدة التي تتمتع بالسيطرة الأمنية الكاملة، هذه الدولة الواحدة هي إسرائيل، وهذا هو الناتج الوحيد الذي ستقبله الحكومة الإسرائيلية، أياً كان المسمى الذي ستتفضل به على الفلسطينيين لبقائهم، كجزء من الدولة، أو كمجموعة ذات حكم ذاتي.

«نتنياهو» لم يتلاعب بالألفاظ عندما وقف جانب «ترامب»، بل قال إن «إسرائيل يجب أن تحتفظ بالسيطرة الأمنية الشاملة غرب نهر الأردن» في أي اتفاقية سلام، وقد ذكر أنه سوف يسمح للفلسطينيين بـ«دولة ناقصة»، معظم المستوطنات الإسرائيلية يجب أن تبقى في سلام، وأن كل القدس تعود لـ(إسرائيل) وحدها، وأن (إسرائيل) يجب أن تستبقي 60% من الضفة الغربية، بما فيها وادي نهر الأردن الخصيب.

من غير المهم أن نعرف المسمى الذي أطلق على هذه المهزلة، سواء كان «حل الدولة الواحدة»، أو «حل الدولتين».

المؤتمر الصحفي لـ«نتنياهو» و«ترامب»، وجلسات استماع مجلس الشيوخ لـ«ديفيد فريدمان»، السفير المكلف بالذهاب إلى (إسرائيل)، أعطتنا صورة واضحة جداً عن مدى التغير في العلاقات بين الولايات المتحدة منذ 20 يناير/كانون الثاني 2017.

المواقف الهشة للرؤساء السابقين هشمها «ترامب»

الرؤساء الأمريكيون بعد «كلينتون»، أصروا على دولة فلسطينية، وأدانوا التوسع الاستيطاني، كما حاولوا كبح جماح أفظع التجاوزات من الحكومة الإسرائيلية، في الحين الذي مولوا فيه الأمم المتحدة في نشاطاتها التي تمت معارضتها، لكن هذه المواقف الهشة تتآكل الآن.

بعد إلقائه بالشك على حل الدولتين، وقف «ترامب» مسروراً إلى جانب «نتنياهو» وهو يضع الشروط التي عدت كاسرة للصفقة مع الفلسطينيين، فإلى جانب حديثه عن تحكم الإسرائيليين بـ«دولتهم»، طلب الاعتراف بـ(إسرائيل) كدولة يهودية، وهو الشيء الذي لم تتبناه (إسرائيل) نفسها رسمياً.

وبالمثل، عندما طلب «ترامب» من (إسرائيل) أن «تكبح النشاط الاستيطاني قليلاً»، إلا إن إدارته لم تبد ردة فعل على التوسع الاستيطاني الضخم الذي أعلنته الحكومة الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة.

في جلسة استماع «فريدمان»، انحاز بشكل واضح للادعاءات الكاذبة التي قالها «نتنياهو» في اليوم الذي سبقه: «أن الفلسطينيين رفضوا الاعتراف بإسرائيل، أو نبذ الإرهاب، وأنهم يدفعون لقتلة الإسرائيليين». في الحقيقة، منظمة التحرير الفلسطينية اعترفت بإسرائيل، ونبذت العنف منذ عقود ماضية.

ومع إن عائلات 35 ألف فلسطيني قتلتهم (إسرائيل) منذ 1967 تتلقى التعويضات، بما فيهم بعض الذين شاركوا في العنف ضد (إسرائيل) واحتلالها العسكري، لكن هذا الإجمالي أضخم بكثير من عدد الجنود الإسرائيليين والمستوطنين والمدنيين المقتولين، وهذا يشرح لنا العنف.

هذه هي تكلفة الاحتلال التي ينكر «نتينياهو» و«فريدمان» وجودها.

انحياز للحكومة الأكثر تطرفاً

وكما قال «نتنياهو» عندما كان واقفاً إلى جانب «ترامب»: «يطلق على اليهود يهوداً لأنهم جاؤوا من يهودا، هذه الأرض هي وطن أجدادنا، اليهود ليسوا مستعمرين أجانب في يهودا»، هذا يتماشى تماماً مع وجهات نظر «فريدمان»، الذي جمع ملايين الدولارات في تبرعات معفية من الضرائب للمستوطنات المبنية على أراضي مسروقة تعود للفلسطينيين، ومن الواضح أن إدارة «ترامب»، تلاعبت بخط الهدف أمام الفلسطينيين، منحازة نحو الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفاً في تاريخ (إسرائيل).

في هذه المعطيات الجديدة، أصبح على الفلسطينيين أن يتغلبوا على الانقسامات الداخلية التي تشل حركتهم، ويرفضوا الضغط الممارس من قبل القوى الخارجية التي ساعدت في إبقاء حركتهم الوطنية متشظية، وأن يكونوا استراتيجية واضحة لمستقبل فيه تساوٍ كامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وعلى أي حال، فإن القطيعة الكاملة مع الاستراتيجيات الفاشلة للقيادات الهشة في رام الله وغزة، توفر بديلاً حقيقياً لمستقبل سيء من الحرمان الأبدي والظلم الذي يتصورهم «ترامب» و«نتنياهو» فيه.

  كلمات مفتاحية

نتنياهو ترامب الضفة الغربية حل الدولتين