مثقفون مصريون بمناسبة مرور شهر على تولي «ترامب»: لحظات كونية قلقة

الاثنين 20 فبراير 2017 12:02 م

بعد حلول شهر واحد على دخول الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» البيت الأبيض رسميًا؛ بدت هذه الفترة القصيرة موضع اهتمام بالغ من المثقفين المصريين الذين وضعوا «ترامب» تحت مجهرهم، وتجلى ذلك في أراء وأطروحات ثقافية نقلتها الصحف ووسائل الإعلام.

«وهبة» وعالم أفضل

بداية اعتبر المفكر المصري الدكتور «مراد وهبة» أن يوم العشرين من يناير الماضي الذي جرى فيه تنصيب «ترامب» رئيسًا للولايات المتحدة هو اليوم ذاته الذي شهد ما وصفه بـ«موت وضع قائم مأزوم»؛ أسسته إدارة الرئيس السابق «باراك أوباما»، كما أنه اليوم الذي ولد فيه وضع قادم، بحسب موقع «البلاغ» المصري.

ومن سمات الوضع القادم؛ كما رأى الدكتور «وهبة» أن «الجماهير وليست الأحزاب هى التي تأتي في الصدارة لأنها السمة المميزة للثورة العلمية والتكنولوجية التي أفرزت عدة مصطلحات تنتهي بالجماهيرية».

ويعبر الدكتور «وهبة» عن تيار من المثقفين المصريين والعرب يرى أن وصول «ترامب» إلى منصب رئاسة الولايات المتحدة يعزز الحرب على (الإرهاب) ويخدم الأمن والسلام الدوليين؛ ومن ثم يفضي إلى عالم أفضل .

وأضاف «وهبة» تؤكد توجهات «ترامب المعلنة رفض تفتيت الدول وتُناويء ما عُرِفَ بنظرية الفوضى الخلاقة التي تشجع ظهور كيانات جديدة على حساب المفاهيم المستقرة للدولة الوطنية، كما ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

انتهاء السنوات العجاف

ومن جانبه نوه الكاتب الدكتور «أسامة الغزالي حرب» بتوجهات «ترامب» الداعمة لمصر في محاربة (الإرهاب)، كما لفت إلى ما يمكن أن تتضمنه العلاقات الجيدة بين إدارة «ترامب» وروسيا بزعامة «فلاديمير بوتين» من إمكانية التأثير على الصراع في سوريا وشكل التسوية المحتملة هناك.

وفيما يُبدي «الغزالي حرب» اهتمامًا بمواقف إدارة «ترامب حيال (إسرائيل) وإيران، فكثير من رؤى المثقفين المصريين تركز على مواقف هذه الإدارة حيال القضايا الهامة في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط مع التسليم بضرورة التعامل مع إدارة «ترامب» التي تحظى بأغلبية من الحزب الجمهوري في مجلسي النواب والشيوخ بما يحقق أكبر قدر ممكن من المصالح الوطنية والقومية.

ورحب الكاتب والمحافظ الأسبق للأقصر الدكتور «سمير فرج» بوصول «ترامب» لمقعد الرئاسة في الولايات المتحدة، معربا عن تفاؤوله بمستقبل العلاقات المصرية-الأمريكية في ظل إدارة «ترامب» وانتهاء الأثر السلبي لسنوات إدارة الرئيس السابق «أوباما» والتي وصفها بـ«السنوات الثماني العجاف».

وبرؤية استراتيجية؛ يتوقع الدكتور «فرج»، الذي شغل من قبل عدة مناصب بعضها ذات صبغة ثقافية كرئاسة دار الأوبرا المصرية، «شكلاً جديدًا من العلاقات الثنائية بين مصر وأمريكا يقوم على التعاون والتكامل في كل المجالات بهدف تحقيق الأمن والاستقرار لمصر بصفتها حجر الزاوية في المنطقة بأكملها والحليف الاستراتيجي الأهم للولايات المتحدة» .

توافق وتحريض

ورغم توترات ظاهرة في العلاقة بين «ترامب» وبعض مؤسسات الدولة الأمريكية حتى إنه لا يمكن وصف الشهر الأول لـ«ترامب» في البيت الأبيض بـ«شهر العسل بينه وبين هذه المؤسسات»، فإن هناك من المحللين من أشار إلى وجود تيار قوي في تلك المؤسسات يؤيد الرئيس الجديد في سعيه لتعظيم عوامل القوة الأمريكية وضمان تفوق الولايات المتحدة في بيئة دولية حافلة بالمتغيرات.

ورأى الكاتب والمحلل الدكتور «محمد السعيد إدريس» أنه رغم مظاهر الصدام المبكر بين الرئيس «ترامب» ومؤسسات في الدولة الأمريكية، فإن هذا لا يعني عجزه هو ومؤسسات الحكم عن وضع إطار «للتكيف المتبادل» لإدارة الدولة وإعادة هندسة إدارة السياسة الأمريكية.

وإذ تستمر ظاهرة الهجمات المتبادلة بين الرئيس الأمريكي ووسائل الإعلام في بلاده، فإن بعض المعلقين المصريين لاحظوا أن وسائل الإعلام الأمريكية تمارس نوعًا من التحريض ضد الرئيس الجديد رغم أنه انتخب ديمقراطيًا.

وكان «ترامب» وصف في تغريدات على «تويتر» قنوات تلفزيونية شهيرة في بلاده والعالم، فضلا عن جريدة «نيويورك تايمز» بأنها «عدوة للأمريكيين»، معتبرا أنها «بلغت مستوى من عدم النزاهة لا يمكن السيطرة عليه».

سلاح التغريدات

وذهب الكاتب والدبلوماسي السابق «جميل مطر» إلى أن «ترامب» فاجأ الصحافة ووسائل الإعلام الأمريكية بسلاح لم تكن مستعدة للتعامل معه، وهو سلاح التغريدات التي تنطلق من قلمه بسرعة وكفاءة بندقية سريعة الطلقات، فيما أعرب عن اعتقاده بأن «المعركة لن تحسم قريبا لصالح أحد الطرفين».
وإذا كان بعض المثقفين سواء في مصر أو غيرها من دول العالم قد اعتبروا أن على الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الاهتمام «بضبط المصطلحات» التي يستخدمها خاصة في قضايا تتعلق بدول وشعوب أخرى، فقد لاحظ مراقبون أن «ترامب» بدأ يتخلى تدريجيًا عن لغته الخشنة حيال دول كالصين واليابان ويستخدم مفردات وتعبيرات تجنح نحو الاعتدال مثل «العمل لخلق علاقات اقتصادية عادلة ومربحة لكل الأطراف.

ولإن العلاقات الدولية متطورة دوما في بيئة تسعى فيها كل دولة لتحقيق مصالحها، فإن الصين تبدو مستعدة لغض الطرف في راهن المرحلة عن تحرشات ومفردات خشنة في لغة إدارة «ترامب» فيما تعرب عن استعدادها للعمل وتعميق التعاون مع هذه الإدارة «وفقا لمباديء عدم المواجهة والاحترام المتبادل» حسب ما نقلته وسائل إعلام عن وزير الخارجية الصيني «وانغ» يي خلال لقاء عقده مؤخرًا في مدينة ميونيخ الألمانية مع نظيره الأمريكي «ريكس تيلرسون».

وينتقد نقيب الصحفيين المصريين الأسبق «مكرم محمد أحمد» توجهات «ترامب» حيال قضايا التغير المناخي والاحتباس الحراري بعد أن أنكر الرئيس الأمريكي ظاهرة التغير المناخي ووصفها بأنها «مجرد وهم» غير أن وزير الخارجية في إدارة «ترامب» عاد ليؤكد ضرورة تعاون المجتمع الدولي للحد من الانبعاثات الكربونية.

قلق ونظرة شعوبيّة

وإذ أظهر الكثير من المثقفين المصريين قلقا حيال قرار «ترامب» بمنع دخول مواطني سبع دول تنتمي للعالمين العربي والإسلامي إلى الولايات المتحدة فان الدكتور «فوزي فهمي»، الذي شغل من قبل منصب رئيس أكاديمية الفنون، يعتبر أن إدارة الرئيس السابق «أوباما» تورطت في تحالف سري مخز مع الإرهاب بما في ذلك تأسيس تنظيم (داعش)، مستشهدًا في ذلك بأراء للجنرال المتقاعد «مايكل فلين الذي اختاره الرئيس «ترامب»، كمستشار للأمن القومي ثم قدم استقالته من هذا المنصب.

وينطلق مثقفون مصريون مثل الدكتور «وحيد عبد المجيد» من نظرة ترى أن الكثير من الناخبين تأثروا «بنزعة الشعبوية التي تجتاح العالم» وهى نظرة يطبقها «عبد المجيد» على الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة .. معتبرًا أن فرصة «بونوا هامون الذي تصدر الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي ضعيفة في الفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أسابيع.

وبرؤية محكومة بخلفيته الفكرية يقول «عبد المجيد» إن المنافسة ستحتدم في الانتخابات الرئاسية الفرنسية بين المرشحة القومية المتطرفة «مارين لوبن» والمرشح المحافظ «فرانسوا فيون» وكلاهما يعتمد على «خطاب شعبوي» يثير نزعات التعصب ويعطل العقل، ويوهم فئات اجتماعية مظلومة بأن الانفتاح والعولمة هما سبب بؤسها وليست النيوليبرالية التي يعيدان إنتاجها في صورة أسوأ.

غير أن الكثير من المثقفين ومن بينهم الدكتور «عبد المجيد» يتفقون على أن العولمة بوضعيتها الراهنة تنطوي على كثير من الجوانب غير العادلة ومن ثم فإن فوز «ترامب» في الانتخابات الرئاسية الأمريكية كان له وقع الصاعقة على النخب المتحمسة للعولمة بجوانبها غير العادلة والمعروفة «بنخب دافوس» نسبة لمنتدى دافوس الاقتصادي العالمي.

العولمة والاتحاد الأوروبي

وقد يفضي ذلك لتساؤل حول سبب الإمعان في كيل الانتقادات المريرة للرئيس «ترامب» الذي يناويء العولمة بوضعيتها الراهنة من جانب مثقفين يناوئون بدورهم تلك العولمة التي أدت لتوسيع نطاق التفاوت الاجتماعي وازدياد الفقر والتهميش لقطاعات كبيرة من سكان العالم بينما انتقد «ترامب» علانية، «هؤلاء الذين استغلوا الطبقات الفقيرة والمهمشة».

ورأى الكاتب والمحلل الدكتور «حسن أبوطالب» أن على العالم أن يستعد «لعولمة من نوع جديد» غير أن المرحلة الجديدة من العولمة المنتظرة في عهد «ترامب» لا تعني بالضرورة إصلاح كل موبقات المرحلة السابقة كما لا تعني أنها ستؤدي لإعلاء المطالب العادلة التي رفعتها مرارا وتكرارا الدول النامية ولم تجد إلا استجابة محدودة للغاية.

وكان رفض العولمة بصورتها الراهنة أحد أسباب انتصار التيار المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو ما عرف بـ«البريكسيت» الذي حظى بتأييد معلن من جانب «ترامب» كما انتصر التيار الرافض لهذه العولمة في الاستفتاء الذي أجرى في نهاية العام الماضي بإيطاليا حول «الإصلاح الدستوري” فيما يتوقع محللون انتصار هذا التيار مجددًا في الانتخابات العامة المقبلة بدول أوروبية كفرنسا وهولندا وألمانيا».

ويتوقع الدكتور «أبوطالب» أنه إذا تكرر نموذج «البريكسيت» في دولتين أوروبيتين أو أكثر فسوف تتعرض تجربة الاتحاد الأوروبي لصدمة كبرى «قد تنهي مسيرة هذا التجمع الإقليمي الذي طالما نظر إليه العالم باعتباره أحد أنجح تجارب الاندماج الإقليمي وأحد أهم عناصر تكريس العولمة».

وحتى في حالة بقاء الاتحاد الأوروبي بعد خروج أكثر من بلد على النمط البريطاني فسوف تقل قيمة وتأثير المنظومة الإقليمية الأوروبية كما أن قدرتها على التأثير في السياسات العالمية ستتضاءل كثيرا كما ذهب الدكتور «أبوطالب».

وفيما تتفق طروحات عدة لمثقفين مصريين على أن وصول «ترامب» للبيت الأبيض حدث له تأثيره على شتى مناطق العالم فإن معطيات المرحلة الراهنة، والتي لا تخلو من غموض تستدعي تفعيل ثقافة الاصطفاف العربي وهى الرؤية التي تبنتها مصر من منطلق قومي في لحظات كونية قلقة.

المصدر | البلاغ المصري

  كلمات مفتاحية

مثقفون مصريون شهر ترامب كون قلق