«جورج فريدمان»: الولايات المتحدة تتلمس علاقات أفضل مع تركيا في عهد «ترامب»

الخميس 23 فبراير 2017 04:02 ص

مؤتمر الأمن في ميونيخ هو مكان يلقي فيه الزعماء البارزون الخطب ويعقدون الاجتماعات مع بعضهم البعض. وأحياناً، تكون تلك الاجتماعات شكلية وأحياناً تكون عملية، وليس من السهل دائماً أن نعرف حقيقتها. وقد عقد الاجتماع هذا العام الأسبوع الماضي وكان التركيز على وفد الولايات المتّحدة. وترأّس الوفد نائب الرئيس «مايك بنس» ووزير الدفاع «جيمس ماتيس»، ورافقهما بعض المساعدين والشخصيات الأقل درجة. وكان التركيز على هذا الوفد منطقياً. فالعالم يرغب في معرفة أي شكلٍ ستؤول له السياسة الخارجية الأمريكية.

وفي نهاية المطاف، عبّر كل من «بنس» و«ماتيس» عن الاستمرارية. وكان لهذا وقعاً طيّباً على الدبلوماسيين، لسببٍ ما قد غاب عنّي. ومهما بدا الأمر غير متماسك، فإنّ الوعد بالاستمرارية يجعلك رجل دولة. وقد لعب «بنس» و«ماتيس» الدور جيداً، ومنحا المزيد من الوقت لإدارة الرئيس ترامب لتحديد السياسة الخارجية للولايات المتّحدة.

خرجت الاجتماعات بشيءٍ واحد خلال الأيّام القليلة الماضية وهو التحوّل الظاهر في السياسة التركية تجاه الولايات المتّحدة. وتقابل «ماتيس» مع وزير الدفاع التركي «فكري إشيق» في بروكسل يوم 12 فبراير/شباط خلال مؤتمر وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأكّد له على دعم الولايات المتّحدة كشريك استراتيجي في الحملة ضدّ الدولة الإسلامية في سوريا.

وفي 18 فبراير/شباط، تقابل «بنس» مع رئيس الوزراء التركي «بن علي يلدرم» ورئيس جهاز المخابرات التركية «هاكان فيدان». وبعد يومٍ من الاجتماعات، قال وزير الخارجية التركي في ميونيخ أنّ تركيا قد طالبت بالمزيد من القوّات الخاصّة الأمريكية في سوريا. وأضاف أنّ رئيس هيئة الأركان المشتركة بالولايات المتّحدة، الجنرال «جوزيف دانفورد»، كان في أنقرة الأسبوع الأخير وناقش «أموراً فنّية» تتعلّق بانتشارٍ عسكريٍ محتمل.

لم تكن العلاقة على ما يرام بين الولايات المتّحدة وتركيا منذ محاولة الانقلاب في تركيا. وقد ألقت الحكومة التركية باللوم في محاولة الانقلاب على «فتح الله كولن»، رجل الدين التركي الذي يعيش في ولاية بنسلفانيا والأب الروحي لحركة تركية إسلامية سياسية واجتماعية قال الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» أنّها مسؤولة عن محاولة الإطاحة بالحكومة. وقد رفضت حكومة الولايات المتّحدة تسليم «كولن» لتركيا قبل المرور بالعملية القانونية الأمريكية، وبهذا اتّهم الأتراك الولايات المتّحدة بالمسؤولية عن محاولة الانقلاب. وتراجعت العلاقات مع الولايات المتّحدة كما تراجعت في الخطاب العام.

لعبة ثلاثية الأطراف

ويشارك الأتراك في لعبة من ثلاثة أطراف في المنطقة. ويشمل ذلك الولايات المتّحدة، حليف تركيا القديم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والتي تحافظ من خلال الناتو على قاعدة عسكرية جوية كبيرة ومهمة لها في أنجرليك بتركيا. وهذه القاعدة مهمة وضرورية لاستمرار العمليات الجوية في العراق وسوريا، ومراقبة إيران، والعمل في البحر الأسود والقوقاز للتعامل مع العمليات الروسية المحتملة. وهي واحدة من القواعد العسكرية ذات الأهمية الاستراتيجية للولايات المتّحدة.

وروسيا، اللاعب الآخر في المنطقة، خصمٌ تاريخي لتركيا. وخلال كل من الحقبة القيصرية والسوفييتية، كان للروس اهتمام خاص بتركيا. فمضيق البوسفور الذي يصل بين البحر الأسود والبحر المتوسط له أهمية حيوية لدى الروس. وإذا كان لهم أن يتحكّموا فيه، لكان لهم دخول حر وغير مقيّد للبحر المتوسّط، الذي يعدّ ضرورة استراتيجية لدى الروس.

يستمر منطق هذا الوضع منذ الحرب العالمية الثانية بوجود تركيا في صف الولايات المتّحدة ضدّ روسيا، وبالتّالي عرقلة طموحاتها. لكن هذه الأيّام، روسيا ضعيفة للغاية كي تستطيع الاستيلاء على البوسفور. ومع ذلك، لدى الروس خيارات أخرى لإزعاج الأتراك. واحدة منها كان إرسال القوّة الجوّية لحماية نظام «بشّار الأسد». أراد الأتراك سقوط «الأسد» بسبب فظائع النظام، لكنّ الروس تصرّفوا لإنقاذه. وفي سياق هذا التدخّل، أسقط الأتراك طائرة روسية اخترقت مجال تركيا الجوّي. وقد أدّى ذلك بعلاقة روسية تركية قريبة من حالة الحرب. ثمّ حدثت محاولة الانقلاب، وألقى الأتراك باللوم على «كولن» وبشكلٍ غير مباشر على الأمريكان، وتحسّنت العلاقات التركية الروسية بشكلٍ مفاجئ.

وكان الأتراك يناورون بأنفسهم في موقف لا يحسدون عليه، مستخدمين عداءهم تجاه كل من روسيا والولايات المتّحدة. وكانت تركيا مهمّة لكليهما. كانت الولايات المتّحدة في حاجة لقاعدة أنجرليك الجوية وكذلك في حاجة لمساعدة تركيا في إدارة العالم العربي. وكان الروس في حاجة لتركيا لتعزيز قوّتهم في تحجيم الطموحات الأمريكية في أوكرانيا والمناطق ذات الصّلة، وبرزت تركيا باعتبارها رصيداً قيّماً. ومن شأن تركيا وروسيا معاً أن يشكّلا تحدّياً أمام الولايات المتّحدة.

كانت تركيا هنا في وضعٍ جيّد لتلقّي التودّد من كلا البلدين اللتان احتقرتهما في الخطاب الرسمي، وكانت تأمل في الحصول على التنازلات الممكنة من كلا البلدين مقابل إبقاء نفسها بعيداً عن أي من المعسكرين. لقد كانت لعبة مغرية للغاية، وعلى العكس من التغطية الإعلامية التي صوّرت «أردوغان» كرجل غير عقلاني، كان في الحقيقة قادراً على الموازنة بين روسيا والولايات المتّحدة ضدّ بعضهما البعض.

ميل تجاه الولايات المتحدة

وفجأة، أشارت الدلائل على أنّ الأتراك، برغم أو بسبب نجاح الروس في سوريا، يميلون تجاه الولايات المتّحدة. وأشارت التقارير إلى أنّ الولايات المتّحدة لا تنظر فقط في إرسال قوّات خاصة بل أيضاً قوّات نظامية ومارينز للمشاركة في القضاء على «الدولة الإسلامية». ولقد عبّر الأتراك مراراً عن أملهم في أن تفعل الولايات المتّحدة ذلك. ولم يتدخّلوا في أيّ لحظة في عمليات الولايات المتّحدة في قاعدة أنجرليك. وقد كانوا يطالبون بإنهاء الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا، لكنّهم لم يعلنوا بعد ماذا ينوون إذا تدخّلت الولايات المتّحدة. لكن الشعور العام هو أنّ النقاش حول سوريا قد وصل إلى مرحلةٍ حرجة، وأنّ الأتراك الآن حريصون على التدخّل وأنّ هذه الاتّفاقية، مع بعض التنازلات من قبل الولايات المتّحدة، ستعيد العلاقات الثنائية إلى ما كانت عليه قبل محاولة الانقلاب.

وواحد من الأسباب المرجّحة لهذا أنّ الأتراك، في اللعبة مع الروس، قد أدركوا القيمة المحدودة لروسيا كحليف. وفي النهاية، فالقدرة العسكرية الروسية محدودة، واقتصادها يعاني من الأزمات. وبنفس القدر من الأهمية، فإنّ جنوب تركيا في وضعٍ خطير، وتخشى تركيا كثيراً من الإيرانيين. يتشارك الأتراك المصالح مع الولايات المتّحدة، والولايات المتّحدة قادرة أكثر على الوفاء بوعودها. والولايات المتّحدة من جانبها، إذا قرّرت التورّط مع «الدولة الإسلامية»، فإنّها ستحتاج إلى الحلفاء، وتركيا حتّى الآن هي الدولة الأكثر أهمّية في المنطقة.

ويبقى أن نلاحظ أنّ تركيا الآن تلعب في مستوىً مختلف عمّا كانت عليه قبل 20 أو حتّى قبل 10 سنوات. فهي تتعامل مع روسيا على قدم المساواة، ومع الولايات المتّحدة كلاعبٍ أقوى ولكن يعتمد على تركيا. وتطوّر تركيا إلى الوضع الذي أصبحت عليه كقوّة عظمى، أو القوّة العظمى، في المنطقة، شيء جدير بالإشارة. لكن بغض النظر عن القوّة التي أصبحت عليها تركيا، هي في حاجة إلى الحلفاء، ويبدو لنا أنّ الإرهاصات تشير إلى تسوية مع الولايات المتّحدة.

  كلمات مفتاحية

تركيا الولايات المتحدة أردوغان ترامب روسيا