«الوافد»..النسخة الجديدة من أفلام «حرب النجوم» المنطلقة نحو «الأوسكار» بالانتصار للأسرة!

الخميس 23 فبراير 2017 09:02 ص

ما الذي يجمع بين سفر التكوين في العهد القديم أو التوراة مع مشكلات التواصل اللغوي في عالم اليوم؟

وكيف يمكن للحرب العالمية الثالثة ألّا تكون نووية في عالم يُنفق على السلاح أكثر مما يحاول احتواء المجاعات والكوارث التي يتسبب فيها صُنّاع القرار به؟

ولماذا يتفوق الإنسان الأمريكي ويسود الأرض وينجح في الدفاع عن الكون ..فيما يتخبط «العالم الثالث» في الجنون؟

قديماً قالوا أن الإبداع، في أحد تعريفاته: خلط عدد من المُكونات المعروفة على نحو يبدو مبتكراً، بحيث يجعل المُشاهد مقتنعاً بأنه لم يرَ في مثل ابتكار العمل الفني، سواء أكان لوحة تشكيلية أو صورة فوتغرافية أو فيلماً سينمائياً.

وأقدم من ذلك التعريف ما قاله الشاعر العربي البدوي المُحير، إذ إنه الوحيد بين الشعراء العرب والفرسان القدامى من العاشقين الذي تزوج محبوبته، قال «عنترة»، على الأرجح، قبل 150 عاماً من التقويم الهجري تقريباً: «ما أرانا نقول إلا مُكرراً».

«الوافد» والاستنصار بالتوراة:

تُفلس هوليود في البحث عن مضمون جديد لأفلامها، بعد طرحها مئات الأفلام المُتعددة، ولكنها خلال رحلة بحثها عن الجديد لتقديمه سنوياً ليُرشح إلى جائزة «الأوسكار»، تجيد أحياناً خلط مكونات إبداعية معروفة لخلق مكون يساوي قصة جديدة، وتفشل احياناً غير قليلة، والمُشاهد لـ« لا لا لاند La La Land» يدرك الأمر جيداً، مع أنه أكثر الأفلام الأمريكية قرباً من الجائزة  التي ستعلن في يوم الأحد المُقبل في لوس أنجلوس، نظراً لفوزه بأكبر عدد من الجوائز المؤدية إلى النسخة الـ89 من الجائزة، فيما يبدو فيلم «ضوء القمر Moonlight» عبثياً حل على الجائزة لأسباب تخص الانحياز الأمريكي للون البشرة، وسيادة العالم، وهو الأمر الذي لم يخل منه فيلم «الوافد  Arrival»، أو الفيلم الأخير الذي نتعرض إليه قبل إعلان جوائز «الأوسكار» مؤكدين أنه، رغم اخطائه السطحية الباهتة، وتكرار تيمته حتى صار  أقرب إلى المُستهلك المعهود المعروف، أقرب إلى الجوائز من حيث عناصر فنية اجتمعت له ولم تجتمع حتى لفيلم «أسد Lion»، الذي تناولناه الخميس الماضي، إذ إن العمل الفني الذي يُشبع ويُنعش ذاكرة الإنسان بتفاصيله، ولو اعترض على أكثر من بعضها، يبقى لديه شاهداً على الإبداع وإن لم يتفق كُلياً معه، وهل تفتقر«الأوسكار» إلى  الاهتمام وجائزة أو أكثر بمثل هذا الفيلم؟ لن يعيننا الانتظار لقرابة 48 ساعة حتى تأتينا الإجابة التي نكاد نعرف إيجابيتها.

في سفر التكوين تروي التوراة أن الله لما أراد خلق برج (بابل الشهير) بلبل الناس، فجعلهم يفقدون القدرة على البناء وينتشرون في الأرض، ومن هنا بدأت المشكلات ما بينهم وما تزال إلى الآن، وهي القصة البسيطة التي انطلق منها الفيلم بعد آلاف السنوات من وجود نسخ التوراة، وحديث «القرآن الكريم» عن أصل آخر لانتشار الإنسان على الأرض!

حرب «النجوم الجديد»

لم يعد الأمريكي يبحث عن سيادة العالم بل الكون، ولذلك اخترع أفلاماً تناقش التغلب على المحتل القادم من خارج الأرض، من مثل: «حرب العالم The war of the world »عام 1953 وحتى «أوديسا الفضاء» للأمريكي «ستانلي كيوبرك» عام 2001م، والمجال يقصر هنا دون استعراض كل هذه الأفلام بخاصة بعد دخول الاتحاد السوفيتي على الخط.

أما «الوافد» فقد استطاع مؤلفه في النهاية معالجة الفكرة الأقرب إلى الطفولية، والبسيطة التي تقول أن الأمريكي يّهزم حتى أصحاب «الهيتانود القادمين من الحضارة اليونانية القديمة بعد تطويرها وغزوها الفضاء بنجاح بها.

 عالج المخرج الكندي «دنيس فيلنوف  Denis Villeneuve» قصة الفيلم المكررة والتوراتية بنجاح، عبر استلهام روح الأطفال وتشبيه العالم في سيبريا، كما الصين، كما اليابان، سيراليون والسودان، فينزيولا، وباكستان .. الجميع أطفال أمام بطلة الفيلم الخارقة حتى لقدرات وزارة الدفاع ورئاسة الجمهورية الأمريكية إذ إن« لويز بانكسي» أو الممثلة «إيمي آدمز»، (قد تم ترشيحها بالخطأ عن فئة أفضل ممثل رئيسي في موقع الأوسكار الإلكتروني في 24 من يناير/كانون الثاني الماضي)، عالمة في اللغات العالمية، ومترجمة عن الفارسية والصينية، مع تفوقها في إمكانية فهم أي لغة، ولو كانت لغة الكونغر المكتشفة في أستراليا عام 1770م، ومن مهارتها ما هو أكثر وسيبدو بعد حين!

شاركها البطولة الممثل «جيرمي رينر» أو «دوينلي ويبر»، وللوهلة الأولى يبدو فريق وزارة الدفاع «البنتاغون» الأمريكي برئاسة كولونيل يرأسه وزير الدفاع وإمكانات ضخمة يكفي أبسطها لرفع بطليّ الفيلم لنصف ميل في الهواء، مع قياسات للضغط، واحتراز من الأمراض، وعقاقير مضادة للتلوث، وفريق عمل في 12 منطقة من مناطق العالم، حيث هبطت كائنات فضائية بـ8 أقدام عملاقة تشبه الأخطبوط  فيها (منهم 2 بأمريكا لأهميتها) يبدو كل هذا، كما في الأفلام المُشابهه، كنوع من التوابل للحدث المعروف: قصة حب ضخمة عملاقة تؤدي للزواج ببن البطل والبطلة اللذين سيديران معارك العالم لصالح قصة حبهما!

العلم والنجوم والأسلحة واللغة يتبخرون

أما علم اللغات الذي يجعل الإنسان يفكر وفق لغته، (وفق ما عرّفه العلماء بلغة التفكير قبل الفيلم بعقود، وهي اللغة التي يفكر بها كل إنسان، وقد ينطق بغيرها، او اللغة الحميمية الأولى التي نلجأ إليها وقت البوح في الشدائد أو الفرح الشديد المفاجىء)، أو فريق «ألفا» الذي قادته «د.لويز» أمام فريق النسر الذي قاده «د.ويبر»، ولكل اسم دلالة، والفريقان يُختصران في القائدين اللذين لايُشاهدان إلا معاً، وفي الخلفية تعالج دول العالم الأزمة بتفكك شديد، فالسيراليون يرون الأمريكيين حمقى لا يعترفون بالسلاح ويفاوضون أعداء العالم، والقائد الأعلى للجيش الصيني «شانغ» يقنع روسيا والسودان بالحرب ضد الـ12 مركبة فضاء بيضاوية، فيما تقتل الولايات المتحدة عبر جندي أحمق أحد كائنين فضائيينِ على أرضها، ويصيب البطل والبطلة بارتجاج في المخ يزول بمفرده، وسط معجم قدرة الأمريكي على حل كل مشكلاته.

كما تحل «لويز» مشكلة اللغة فجأة، وتتحدث مع الفضائيين دون سترة، بل تقتحم عليهم المركبة بمفردها، لكن العالم بدأ في الحرب الاعلمية الثالثة فكيف توقفها «لويز»؟

تتصل بـ«شانغ» على هاتفه المحمول الخاص لتُوقف الحرب، وهو سيوقف التدخل الروسي والسوداني فوراً، بأن تقول له آخر كلمات نطقت بها والدته!

لكن الغزاة يطلبون سلاحاً من أهل الأرض ..تحول «لويز» الأمر لمجرد طلب هدية لأنهم يتوقعون مشكلة لديهم بعد 3000 عام، مثلما أوجد وجودهم مشكلة على الأرض بعد نص العهد القديم من سفر التكوين قبل مدة مُقاربة، ليرحلوا في أمان ولتتزوج هي «د.ويبر»، كعادة الأفلام المماثلة، والعربية القديمة.

إنسانية وفوضى

ورغم فوضى التفاصيل السابقة، وعدم نجاح الفيلم في إقناع المشاهد أنه ينقل تفاصيلاً من أكثر من 10 دول في العالم، إذ ظهر المونتاج ركيكاً، وبدا البطل الصيني لا يعرف الصينية، والسودانيون لا يعرفون لا العربية ولا الإنجليزية، وبدأ الفيلم باتهام الإيرانيون بالهجوم على الولايات المتحدة، ثم الصين وروسيا، واخيراً اليونان للانتقام لأهل أمريكا الأصليين (المُسمين بالهنود الحُمر ظلماً) الذين قارب إبادتهم الجنس المعدل (أمريكا وأوروبا)..رغم فوضى كل هذه التفاصيل ووجوب اقتناع المشاهدين بأن البطلة دخلت المركبة الفضائية بدون قدرات «البنتاغون» ووكالة «ناسا»، التي لم يتم ذكرها في الفيلم بالمناسبة على الإطلاق، وانها التقت الزعيم الصيني للجيش وحدثته عن سر موت وآخر كلمات أمه..إلا ان الإنسانية المعبرة التي زاوجت بين قصة حياة وفشل «لويز» الأسري ووفاة ابنتها «آنا» بمرض السرطان في سن بداية الشباب إثر تخلي أبيها عنها، والقطع المزدوج الناجح بين مفاصل حياة «لويز، وتفاصيل صدامها مع الهجوم الفضائي لعدم رغبتها في إنهاء حياتها العملية كما الشخصية بالفشل، وترك الفضائيين لها قبل الرحيل هدية كانوا يودون تركها للعالم بتعليمها التنبؤ بالمستقبل، وبالتالي قدرتها على استعادة حياتها من جديد مع «ويبر، شريك التجربة الفضائية، وكأنه زوجها الأول، مع مزج الأمر بالموسيقى التصويرية، والألوان الخلابة لرحلة التذكر، وسؤالها «ويبر» في جملة الفيلم المحورية:

ـ لو علمت المستقبل .. ماذا كنت تفعل؟

والإجابة الرائقة:

ـ لعشت الواقع بشعور أفضل.

مثل هذه الجمل المأخوذة عن رواية «قصة حياتك» لـ«تيد تشيانغ» أضفت كماً من التمايز للفيلم هائل، وقدرة على إضفاء إنسانية لنص طفولي كان وجود «آنا» الطفلة الصغيرة المفقودة خلال أحداثه تعبير عن التمسك الأسري بداخل البطلة لما فقدت كل شىء وتكاد تفقد الوطن أيضاً.

نجح الفيلم في المعنى المراوغ للأسرة بمقدار فشله في الإجابة عن سبب مجىء الفضائيين إلى الأرض ثم رحيلهم، وسبب اقتناع العالم الغبي أمام الأمريكيين الأذكياء بعدم خوض حرب عالمية وكونية معاً، نجح الفيلم في عدم الإجابة على كل هذه الأمور، ولا الإلمام بتفاصيل المحاربين الغزاة ولا الذين يتم غزوهم من أهل الأرض، لكنه أجاب عن معنى إنساني بالاحتواء الأسري للبطلة وبالتالي حماية العالم بنجاح.

تكلف الفيلم 47 مليون دولار وجمع في المقابل 174 مليون، وتم عرضه في مهرجان البندقية للمرة الأولى في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي، وفي الولايات المتحدة في 11 من نوفمبر/تشرين الأول، استعداداً للترشح إلى «الأوسكار»!

  كلمات مفتاحية

الوافد حرب النجوم الأوسكار الانتصار للأسرة

صناع الأفلام الأجنبية المرشحة لـ«الأوسكار» يستنكرون مناخ التعصب في أمريكا