من الماضي نحو المستقبل.. ما الذي يتغير حقا في السعودية؟

السبت 25 فبراير 2017 12:02 م

بالنّسبة للغربيين، فإن السعودية هي مزيج غريب من التقاليد القديمة والطموحات المستقبلية. ترغب قيادتها في تبنّي التكنولوجيا والاقتصاد الحديثين، مع الحفاظ في نفس الوقت على الكثير من التراث الديني والثقافي. وقد ذكر أولئك الذين زاروا المملكة خلال العقود القليلة الماضية تغيّراتٍ ملحوظة.

يحكم السعودية عائلة ملكية، والطابع الديني في البلاد هو الوهابية، وهي عبارة عن تفسير «متشدّد» من الإسلام السنّي. ولا يسمح بالكنائس أو المعابد في المملكة.

لهذه الأسباب ولأسبابٍ أخرى، وضعت لجنة الحريات الدينية الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية السعودية على قائمة الدول «التي تثير قلقًا خاصًا»، وهي تضمّ أسوأ الدول انتهاكًا للحريّة الدينية.

وتعدّ الحرية الدينية قلقًا خاصًا لأكثر من 10 إلى 12 مليون عاملٍ أجنبي يقيمون في البلاد. ولا يتعرّض المهنيون الغربيون الذين يعيشون في المجمّعات الأجنبية للمضايقات، لكنّ العمّال من آسيا وأفريقيا يتعرّضون للكثير من الصعوبات.

وفي حين تمنع قوانين السعودية ممارسة الشعائر الدينية علنًا بالنّسبة لغير المسلمين، فإنّها تسمح بممارسة العبادة في خصوصية. فالأسرة التي تتعبّد معًا في منزلها آمنة، لكن ماذا في حالة دعت جيرانها أو أصدقاءها للانضمام لها؟ كم عدد المسموح لهم بالتجمّع في بيت واحد في مساء الأحد مثلًا؟ لا يوجد قاعدة مكتوبة تخبر الناس عن المسموح به، وهو ما يسبب القلق بين المتعبدين. ويبدو أنّ السلطات السعودية تتبع نهج «لا تسأل، لا تخبر» مع التجمّعات الصغيرة، لكن قد يختلف التطبيق تبعًا لأهواء المسؤولين المحلّيين.

ويجعل عدم اليقين المسيحيين متوتّرين أثناء التجمّعات خوفًا من القبض عليهم والطرد من المملكة. ويكونون حذرون أيضًا حين يحضرون ضمن بضعة مئات للخدمة الدينية في السفارات والقنصليات. وعندما يسأل السعوديون عن سبب تجمّعهم، يقولون أنّهم يتحدّثون عن الرياضة والترفيه. يعلم المسؤولون السعوديّون ما يجري، لكنّهم فقط لا يريدون أن يتم الاعتراف بذلك علنًا.

أنشأ الكاثوليك المبادئ التوجيهية للخدمات الخاصّة بهم، محافظين على التجمّعات في أعداد تقارب 30 شخصًا للتجمّع الواحد. وإذا نما المجتمع إلى 50 مصلّيا، ينقسم إلى مجموعتين.

وعلى الرغم من أنّها قد شهدت مداهمات في الماضي، فقد تركت وشأنها في العامين الأخيرين. ومن جهةٍ أخرى، وقعت مجموعة بروتستانتية في مشكلة العام الماضي عندما جذبت الانتباه لها بأصوات الموسيقى العالية، الأمر الذي جعل أحد الجيران يقدّم شكوى.

أوضاع أفضل

وما ساعد على تحسين أوضاع المسيحيين في السعودية بشكلٍ كبير هي الشرطة الدينية، التي يتأذّى السعوديّون أنفسهم من تدخّلاتها. وفي الماضي، كان لهذه الشرطة وأفرادها السلطة في مداهمة المنازل واعتقال الأشخاص لانتهاك الممارسات والعادات الدينية. وكانوا معروفين بالقبض على النساء، سعوديات وأجنبيات، اللاتي لا يلبسن لباسًا ملائمًا. وكانوا يطاردون أيضًا التجمّعات المسيحية.

وبسبب الشكاوى التي أثارها المتعلّمون السعوديّون، سلب الملك الشرطة الدينية سلطتها في اعتقال الأشخاص أو مداهمة المنازل دون إذن مسبق. ويجب عليهم الآن أن يلبسوا بطاقات هويّة، ولابد أن يصحبوا الشرطة النظامية للقيام بالقبض على الأشخاص. وفي حين أنّ هذا الإصلاح هو في الأساس استجابة لمطالب المواطنين السعوديين، إلاّ أنّه قد خفّف أيضًا من عبء العمّال الأجانب الذين تعرّضوا لمضايقات الشرطة الدينية.

ويسعد بذلك أيضًا السعوديات المثقّفات، حيث لن تتعرّض الآن للتوقيف لأنّها تخرج بدون «محرم» أو أنّها لا تلبس لباسًا ملائمًا. لا تزال النساء تلبس الفساتين الطويلة ونوعًا ما من الحجاب في الأماكن العامة، ولا يسمح لهن حتّى الآن بقيادة السيّارة. لكنّ الجميع يقولون أنّ وضع المرأة في السعودية يتحسّن يومًا بعد يوم.

ويؤكّد بعض النّساء حتّى أنّ المرأة لا تتعرّض للتمييز في السعودية، ويقلن أنّهنّ يشعرنَ بالأمان في شوارع السعودية من التحرّش الجنسي أكثر من شوارع نيويورك. وذكرن أيضًا أنّ 55% من خريجي الجامعات الآن في السعودية من النّساء.

والنّساء الأصغر سنًّا يقلن أنّ الأمور تحسّنت لكنّهنّ ينتظرنَ المزيد من التقدّم. ويشرن بشكلٍ خاص إلى قانون الوصاية، والذي لا يسمح لهنّ باتّخاذ القرارات دون الرجوع إلى ولي الأمر. وقد يمنع ولي الأمر المرأة من السفر أو التعليم أو الزواج. وتميل النّساء اللاتي يعشن في المدن ولهنّ آباء متعلّمون إلى المعاناة بشكلٍ أقلّ من قانون الوصاية، لكن في المناطق الريفية، قد يكون النظام قمعيًا.

والتعليم، وخاصةً التعليم في الخارج، هو تحرير للمرأة السعودية، والدولة تستجيب ببطء. وفي العام الماضي فقط، أصدرت وزارة العدل السعودية لأول مرة التصاريح للمحاميات. وقد أنشأت إحداهنّ تطبيقًا باسم «اعرفي حقوقك»، لتعريف السعوديات بحقوقهنّ في القانون السعودي.

إلى مواقع التواصل

وتأخذ سعوديات أخريات مشاكلهنّ إلى موقع تويتر. وعلى سبيل المثال، عندما لا توافق وكالة سيّارات على بيع سيّارة لامرأة دون توقيع وليّها، ترشدها النساء الأخريات عن طريق تويتر من خلال القانون حتّى لا تتعرّض لمشكلة مع وكيل السيّارات التالي. ومؤخّرًا، أصبحت تحتاج إلى توقيع وليّها عند تسجيل سيّارتها الجديدة في إدارة المرور.

وفي بعض الأحيان تكون القوانين السعودية متضاربة. فعلى سبيل المثال، كان لدى السعودية طبيبات لأعوام يسمح لهنّ بالكشف على المرضى الذكور. ولكن نفس هذه الطبيبة قد تحتاج إلى إذن وليّها قبل الخضوع لعملية جراحية.

وبينما يلقي الإعلام الغربي الكثير من الضوء حول عدم السماح بقيادة المرأة في السعودية، تتطلّع السعوديات بشكلٍ أكبر لإصلاح نظام الوصاية، خاصةً فيما يتعلّق بالتعليم والسفر والرعاية الصحية.

ويؤكّد المدافعون عن نظام الوصاية واجبات ولي الأمر. وعلى سبيل المثال، فإنّ كل امرأة (عزباء أو متزوّجة أو مطلّقة أو أرملة) لديها وليّ مسؤول عن رفاهيتها المالية. ويمكنها مقاضاته في حالة لم يوفّر لها ذلك. ويزعمون كذلك أنّها يمكنها مقاضاته لسوء استخدام ولايته بمنعها مثلًا من الزواج برجلٍ جيّد أو الحصول على التعليم. لكنّ الدعاوى الناجحة تتطلّب محامين مهرة وأن توقعك القرعة مع قضاة لديهم مرونة عالية في تفسير القانون.

التطلع إلى المستقبل

تتطلّع السعودية للمستقبل الذي لن تستطيع فيه دعم النمو السكّاني المتزايد من احتياطيات النفط. وتوفّر الحكومة رعاية صحّية وتعليما مجانيين، بما في ذلك دفع مصاريف التعليم بالخارج. كما أنّها تدعم الكثير من الخدمات وينتظر منها توفير الوظائف للرجال.

والإصلاح التعليمي هو مفتاح إعداد السكّان السعوديين لبيئة عمل مختلفة مع ضغطٍ أكبر في وظائف القطاع الخاص. ويجري تكييف الأحدث في تكنولوجيا التعليم والطرق التعليمية مع الثقافة السعودية على أمل خلق قوى عاملة لديها المهارة في التعامل مع التكنولوجيا وريادة الأعمال.

وستلعب النساء دورًا رئيسيًا في قوّة العمل. فهنّ يتفوّقن بالفعل الآن على الرجال أكاديميًا، وتفضّل الشركات السعودية والأجنبية تعيين السعوديات عن الرجال السعوديين. تعمل النساء بجد لإثبات أنفسهنّ، في حين يشعر الكثير من الرجال السعوديين بالاستحقاق بعد عقودٍ من الانتفاع بالثروات النفطية.

لا يوجد شك في أنّ الحكومة السعودية تعمل على الإصلاحات لأنّها ترغب في تحسين صورتها في المجتمع الدولي. وهي تفعل ذلك أيضًا لأنّها تعرف أنّها يجب أن تتغير لتبقى على قيد الحياة اقتصاديًا في المستقبل. لكن كشعب متدين، يجب عليهم إيجاد تفسيرات دينية تبرّر تلك الإصلاحات.

وكانت الكنيسة الكاثوليكية قد برّرت التغييرات في الفاتيكان باستخدام فكرة العودة إلى الأفكار والممارسات الكنسية في العصور الأولى للكنيسة. وقد رأت الكنيسة أنّها بذلك تعود للماضي الأنقى دون المساس بالإيمان.

يتبع المسلمون نفس النهج. على سبيل المثال، ينظرون إلى تاريخهم في صدر الإسلام ليكتشفوا أنّ النساء وغير المسلمين كانوا يعاملون بشكلٍ أفضل في عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلّم) عن اليوم. لم تكن النساء يلبسن النقاب، وكانت زوجة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) سيّدة أعمال. وكان يسمح للمسيحيين واليهود ممارسة عباداتهم بحريّة.

وتمهّد النقاشات الأكاديمية أيضًا الطريق إلى الإصلاح. فعلى سبيل المثال، يؤكّد معظم الأكاديميين السعوديين أنّ حث القرآن على الجهاد يأتي في الحالة الدفاعية فقط وليست الهجومية. وأنّ القرآن قد حثّ على طاعة ولي الأمر في البلد التي يقيم بها المسلمون. وتعد هذه الآراء الدينية تمهيدًا لمواجهة تنظيم الدولة، والإرهاب وإيران.

وكما في الكنيسة، يوجد الكثير من مقاومة التغيير في الإسلام. وعلى الرغم من أنّ الملك يقترب أن يكون ملكًا مطلقًا، إلّا أنّه يجب أن يوازن بين الآراء المتعارضة داخل أسرته وفي المؤسسة الدينية وفي المجتمع السعودي. ويسير التغيير ببطء بعد الكثير من النقاشات في وسائل الإعلام السعودية.

وعلى سبيل المثال، يوجد الآن نقاش حول إنشاء صناعة ترفيه بالمملكة. ويتذكّر السعوديّون كبار السنّ وقتًا كانت دور السينما موجودة في المملكة، لكنّ المؤسّسة الدينية كانت قد نجحت في حظر السينما والحفلات الموسيقية. ويقلق الزعماء الدينيون المحافظون من اختلاط الجنسين في الفعاليات العامة. وحتّى اليوم، يسمح للرجال فقط بالحضور إلى استادات كرة القدم.

ونتيجةً لهذه القيود، ينفق السعوديون الكثير من الأموال على الترفيه خارج البلاد في أماكن مثل دبي. ويفضّل المسؤولون السعوديّون إنفاق هذه الأموال داخل البلاد لتخلق المزيد من العمل والوظائف. ومؤخرًّا فقط، أقيم الحفل الموسيقي الأول للجمهور في السعودية.

وتأتي إصلاحات أخرى استجابةً للتشدّد و«الإرهاب». أصبحت الحكومة حريصة أكثر تجاه تمويل المنظّمات الإسلامية الأجنبية. ويتم العمل على إزالة النصوص العدائية والضارّة من الكتب المدرسية. ولم يعد الزعماء الدينيين المتشدّدين يحصلون على التمويل اللازم لرحلاتهم خارج البلاد. وأصبحت الحكومة حتّى تراقب ما يقال على المنابر في المساجد السعودية. التقدم بطيء ولا يكتمل دائمًا، لكنّه يحدث.

تتقدّم السعودية في عملها. ويشعر مواطنوها بالأمل في المستقبل. ولا يزالون أصدقاء لأمريكا، التي لم تحاول استعمارهم، عكس أوروبا. ويعجبهم موقف «ترامب »السلبي تجاه إيران، لكنّهم مرتبكون حول مواقفه مثل الجميع. تحتاج الولايات المتّحدة أن تشجّع وتدعم الإصلاحات التي تحدث في السعودية، لكنّ الخطاب المعادي فضلًا عن الإجراءات المعادية للمسلمين ستضرّ كلًّا من السعودية والولايات المتّحدة.

المصدر | ناشيونال كاثوليك ريفيو

  كلمات مفتاحية

السعودية الأقليات الإصلاخ الاقتصادي الشرطة الدينية