استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أسطورة «الرسوخ الديمقراطي» غـربا

السبت 25 فبراير 2017 02:02 ص

الأجدى لنا، نحن الباحثين العرب، ألا نهتم كثيرا بمسألة غياب الديمقراطية، بقدر ما يجب أن نهتم بتفسير ديمومة الاستبداد وتجذره في بيئتنا وثقافتنا ومجتمعاتنا العربية. وقد يبدو الأمر كأننا نتحدث عن وجهين لعملة واحدة، غياب الديمقراطية مقابل ديمومة الاستبداد.

لو أن المفكر الفرنسي، أليكس دي توكفيل، لا يزال حيا، لربما أعاد النظر في كتابه الشهير "الديمقراطية في أمريكا" الذي يعتبره بعض علماء السياسة "سفر" الديمقراطية العظيم. وربما من حسن حظ دي توكفيل الذي اعتبر، في الجزء الأول من كتابه، أن الديمقراطية "هبة من الله رزقها لعباده المؤمنين الذين فروا بدينهم من الاضطهاد السياسي في أوروبا قبل ثلاثة قرون"، أنه لا يعيش في زمن دونالد ترامب الذي يرى الديمقراطية وقيمها ومؤسساتها "خطرا" على أمريكا، وتقف حائلا دون أن تصبح دولة عظيمة.

عندما يدرس طلاب العلوم السياسية مسائل الانتقال الديمقراطي يتعرضون لمسألة الرسوخ الديمقراطي، وهي المرحلة التي تصبح فيها الديمقراطية "اللعبة الوحيدة في المدينة"، حسب تعبير عالمي السياسة، جاليرمو أودنيل وفيليب شميتر. 

وهي المرحلة الأخيرة في سلسلة مراحل الانتقال الديمقراطي، تسبقها مرحلتا انهيار النظام، وبناء نظام ومؤسسات جديدة. ويختلف علماء التحول الديمقراطي حول المدى الزمني لمسألة الرسوخ، فبينما يحددها بعضهم بدورتين انتخابيتين ثابتتين في غضون ما بين 10 إلى 12 عاما، كما يقول عالم السياسة الأمريكي، صمويل هنتنغتون، يراها آخرون مفتوحة زمنيا، والعبرة بثبات النظام الجديد، ورسوخ مؤسساته وقيمه.

اللافت أن معظم نظريات الرسوخ الديمقراطي، وحقل الانتقال الديمقراطي بوجه عام، لم تنشأ إلا قبل أربعين عاما، وتحديدا منذ منتصف السبعينيات، مع ظهور ما باتت تعرف بـ"الموجة الثالثة للديمقراطية" التي بدأت في جنوب المتوسط (إسبانيا والبرتغال واليونان)، وانتقلت بعد ذلك إلى دول أمريكا اللاتينية (البرازيل، الأرجنتين، تشيلي، إلخ) طوال الثمانينيات، وصولا إلى تحول دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أوائل التسعينيات. 

أي أن الدول الغربية التي شهدت الموجة الأولى للديمقراطية، مثل بريطانيا وأمريكا وفرنسا، في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ثم الموجة الثانية منتصف القرن التاسع عشر، قد وصلت إلي الرسوخ الديمقراطي قبل ثلاثة قرون على الأقل. 

ورغم من ذلك، ما نشهده الآن من ارتدادات وارتكاسات مثل صعود اليمين المتطرف، وازدهار الشعبوية السياسية، وفشل قيم التسامح والاندماج، في بلدان الموجتين الأولى والثانية، يثير أسئلة كثيرة حول مسألة الرسوخ الديمقراطي التي يبدو أنها تحولت إلى “أسطورة” سياسية وأكاديمية.

قمت، خلال السنوات القليلة الماضية، بتدريس مقرر "نظريات التحول الديمقراطي" للطلاب، وكانت معظم القراءات التي يتناولها هذا المقرر أقرب إلى القوالب الجامدة التي تتعاطى مع المجتمعات والثقافات والقيم وكأنها متشابهة، وأن ما يسري على مجتمع ما لا بد أن يسري على غيره، من دون اعتبار لخصوصية أو اختلاف. وكانت النتيجة التي أصل إليها، في نهاية كل مرة أدرس فيها هذا المقرر، هي صعوبة نقله بمفاهيمه ومراحله ونظرياته، ليس فقط إلى الحالة العربية، وإنما إلى حالات أخرى في بلدان العالم الثالث. 

وقد ازدادت قناعتي بأن الأجدى لنا، نحن الباحثين العرب، هو ألا نهتم كثيرا بمسألة غياب الديمقراطية، بقدر ما يجب أن نهتم بتفسير ديمومة الاستبداد وتجذره في بيئتنا وثقافتنا ومجتمعاتنا العربية. وقد يبدو الأمر لوهلة وكأننا نتحدث عن وجهين لعملة واحدة (غياب الديمقراطية مقابل ديمومة الاستبداد)، وهو لربما صحيح جزئيا، لكن ما أقصده هنا هو أن البحث في الاستبداد يجب أن يكون لذاته أكثر من كونه بحثا عن الديمقراطية التي أصبحت هي ذاتها محل شك.

والآن، تتأكد هذه القناعة، ليس فقط في منطقتنا العربية، وإنما، ويا للمفارقة، في الغرب مهد الديمقراطية ونظرياتها وقيمها. فما يفعله الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، الآن يقلب مسألة الديمقراطية الليبرالية، أيقونة الإنتاج الفكري الحداثي الغربي، رأسا علي عقب. ويشجع سلوكه الموتور على إعادة النظر في الديمقراطية الأمريكية التي يراها بعضهم نموذجا راسخا يجب اتباعه. 

فالرجل يشن حربا ضارية على كل ما يرمز لهذه الديمقراطية وقيمها، سواء حرية التعبير، أو حرية التجمع والتظاهر، أو الفصل بين السلطات، أو احترام التعددية الثقافية والدينية، أو التسامح مع الأقليات…إلخ. بل يتنبى عكس كل هذه المظاهر والقيم، ولا يجد حرجا في التصريح بذلك. بل يرى نفسه كما لو كان في مهمة وطنية من أجل الوقوف ضدها وتغييرها، لكي تصبح “أمريكا عظيمة مجددا”، حسبما يردد دوما. 

بيد أن الأمر ليس بهذه البساطة، فالرجل، بأفكاره وخطابه وقيمه، هو ابن الديمقراطية الليبرالية وأحد منتجاتها، حيث جاء إلى السلطة، من خلال أحد أهم اشتراطاتها، وهو الانتخابات الحرة والنزيهة. تماما مثلما جاء زعماء آخرون، سلطويون وفاشيون، إلى السلطة من خلال الانتخابات، سواء كما هي الحال مع هتلر، أو مع حكام مستبدين حاليين كثيرين. ولكنه يريد تغيير قواعد اللعبة، مستغلا أخطاء النخب السياسية، من أجل التشكيك في جدوى الديمقراطية، مثلما يفعل كثيرون في بلدان العالم الثالث.

قد لا يعني ما سبق أن أمريكا سوف تصبح بلدا سلطويا على غرار السلطويات السائدة شرقا وغربا، حيث لا يزال المجتمع نابضا، ويدافع عن نفسه وحريته بكل قوة، سواء من خلال مؤسسات المجتمع المدني، أو من خلال الحركات الاحتجاجية التي تظهر كل يوم. 

كما أن السلطة القضائية لا تزال عفية، وقادرة على إيقاف ترامب وتحجيمه، كما حدث في مسألة تعليق حظر المسلمين من دخول أمريكا، والذي أصاب ترامب وأنصاره المتعصبين بالجنون. 

بيد أن ما يحدث الآن، سواء في أمريكا، أو في بعض الديمقراطيات “الراسخة”، مثل فرنسا وألمانيا وهولندا وإيطاليا، يعني أنه لا يوجد بلد محصن ضد العقليات السلطوية، مهما كان تاريخه وثقافته.

* د. خليل العناني - أستاذ العلوم السياسية بجامعة جونزهوبكنز الأمريكية

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

دونالد ترامب الغرب الديمقراطية اليمين المتطرف الفاشية الاستبداد الحركات العنصرية الشعبوبة السياسية