«عزمي بشارة»: اتفقت مع سوريا في المقاومة وعارضت قمعها للثورة.. و«بشار» طاغية ذكي

الاثنين 27 فبراير 2017 09:02 ص

قال المفكر العربي «عزمي بشارة»، إن مناصرته للمقاومة في بلده فلطسين جعلته جزءا من الشعب السوري، الذي اتفق مع قيادته السياسية في موقفها من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان، رغم اعترافه بديكتاتوريتها في السياسة الداخلية مع المعارضين.

ولفت «بشارة» في كتابه الجديد «في نفي المنفي.. حوار مع عزمي بشارة»، المقرر صدوره قريبا، إلى أن خلافا كبيرا بين الرئيس «حافظ الأسد» ونجله «بشار» رغم كونهما طغاه، فالأول كان مهتما بالتاريخ ومعرفة ما يدور حوله، بينما الثاني غير مثقف، ولا يهتم بهم بقدر اهتمامه بالتقنيين.

وأشار المفكر العربي في كتابه، إلى إن «حافظ الأسد» كان «دكتاتور قاسٍ جدًا في التعامل مع أي معارض»، أما نجله «بشار» فتحول من «ديكتاتور مستبد»، إلى «طاغيةً سفاح».

«العربي الجديد»، نشر اليوم، بعضا مما تحدّث عنه «بشارة» بخصوص صلته الشخصية والسياسية بسوريا، منذ زياراته لها، ولقاءاته بالرئيسين «حافظ الأسد» و«بشار الأسد»، وصولا إلى «وقوفه مع الشعب السوري في ثورته ضد الطغيان».

لقاء «حافظ الأسد»

وعن لقائه الأول بالرئيس السوري الراحل «حافظ الأسد»، قال «بشارة»: «استحوذ على معظم اللقاء (2 كانون الأول/ ديسمبر 1998) الحديث عن التفاوض وحق العودة، وهل تريد (إسرائيل) السلام، وكانوا يعرفون موقفي النقدي من مقاربتهم الإيجابية لانتخاب إيهود باراك، والمدى الذي قد تصل إليه (إسرائيل) في التفاوض... إلخ».

وأضاف: «كانت الأسئلة التي وجهها حافظ الأسد إليّ تتعلق بتقديري لرغبة (إسرائيل) في السلام مع سوريا، وقلت إن (إسرائيل) تريد سلامًا بشروطها، والأمر يحتاج إلى ضغطٍ كي تتراجع عن موقفها».

وأشار «بشارة» إلى أن «الأسد» كان متمسّكًا باسترجاع الجولان حتى آخر شبر، و«كنت تعرفت إلى بشار الأسد في عهد والده، ورأيته مرتين في تلك الأثناء، جلست إلى حافظ الأسد أكثر من ثلاث ساعات، وشرح لي أسباب التدخل السوري في لبنان، وكان من الواضح أنه مهتمٌ بالتاريخ، وبشرح مواقف سوريا السياسية لي، حتى التي لم أسأل عنها».

وتابع: «حينذاك، كان موقفي يعتبر راديكاليًا في مسألة الإصرار على حق المقاومة، وكانت سورية تدعم المقاومة، وبهذا المعنى، كنّا حلفاء، وهذا بالضبط ما أزعج (إسرائيل) التي لم يكن لديها مشكلة في من يزور سوريا، بل كانت تعتبر أن أي عضو كنيست إذا زار سوريا يساهم في تمهيد الطريق للتطبيع معها، لكن ما أغضبها في زياراتي أنها جاءت خارج هذا السياق تمامًا، بل ضده، ومن دون إذنها؛ ولأن النائب الذي سافر في هذه الحالة من دون إذن، مستغلًا حصانته، لم يتحدّث عن السلام، بل دافع عن المقاومة ودعا إليها».

ولفت إلى أن مدير وزارة الخارجية الإسرائيلية قابلني في إحدى المرات في المطار عند سفري، وكان «آرئيل شارون» وزيرا للخارجية آنذاك، وقال لي حرفيًا: «المشكلة ليست في السفر، بل في مواقفك وما تقول. ليس عندنا مانع أن يسافر نوابٌ إلى سوريا، بل المشكلة في الموقف السياسي».

واستطرد: «كان التواصل مع سوريا، في هذه الحالة، يمثل نموذجًا مختلفًا للتواصل الفلسطيني مع العرب، وهو يعني مواجهةً للتطبيع وتجاوزًا له، بل سيرًا معاكسًا له، بمعنى أن العلاقة بالعالم العربي، خصوصًا سوريا، لا تمر من خلال السلام الإسرائيلي، بل من خلال العلاقة المباشرة بين عربي وعربي، ومن دون استئذان (إسرائيل)، وإلا لكنا مررنا إلى دمشق من خلال معبر الجولان، وهذا أسهل، لكننا اخترنا تنظيم السفر من طريق الأردن».

ولفت إلى أنه في هذه الفترة، واجهته المحاكم الإسرائيلية بأنه رفض استئذان السلطات الإسرائيلية، وكثيرًا ما ردد أنه لا أحتاج إذنًا إسرائيليًا كي يرى الفلسطيني أخاه، والقضية مبدئية بالنسبة إليّ.

وأشار «بشارة» إلى أن محاكمته جرّاء تلك الزيارات كانت بتهمة تنظيم زيارات إلى «بلد معاد وفي حالة حرب»، من دون استئذان السلطات المختصة، مضيفا: «استطعنا أن نجعل القضية إنسانية (وهي فعلًا كذلك)، فصعّبنا الأمر على الحكومة الإسرائيلية، حيث أرادت التأكيد أن العلاقات بين العرب لن تكون إلا من خلالها هي، وكنا نريد أن نكسر هذا الاحتكار، ونبني جسورًا بين العرب، بغض النظر عن سياساتهم ومواقفهم من البلدان العربية».

العلاقة بسوريا

وتابع: «بالتدريج والتواتر، صارت لي صداقاتٌ لا حصر لها في سوريا، وتعرفت إلى كثير من المثقفين المؤيدين والمعارضين الذين كانوا يحضرون إلى الفندق لمقابلتي، أو إلى الندوات لسماع المحاضرات، وفوجئوا عندما وجدوا أنني مطّلعٌ على ما يجري في سوريا بالتفصيل».

وأوضح «بشارة» إلى أن اعتباراته كانت مختلفةً بصفته من فلسطين، «ولا أستطيع التدخل في الشأن السوري مباشرة، لكن هذا لم يمنعني من التعاطف معهم، خصوصًا المعارضين السوريين الذين خرجوا من السجون، وبعض الكتاب المعارضين».

وأضاف: «لم أكن آتي إلى سورية كما يأتي عملاء النظام، وكانت العلاقة على أعلى المستويات. وأعتقد أنني أفدت السوريين بالمشورة، وهم أرادوا أيضًا علاقةً مع مثقف ومناضل يحظى بصدقيةٍ، وتشغله أمور أخرى، فكرية وفلسفية، لا علاقة لهم بها».

وتابع: «في الحقيقة، لم يقصر السوريون معي، وكانوا لطفاء جدًا وتعاملوا معي ضيفًا مرغوبًا فيه، وكانت الأبواب كلها مفتوحة أمامي، بشكل ندر أن حصل مع أي صديقٍ لسوريا، بمن في ذلك قادة الفصائل الفلسطينية وغيرهم، ولم أشكُ من شيء في هذا المجال».

وأشار «بشارة»، إلى أنه «لا علاقة لموقفي اللاحق من الثورة السورية، بكيفية تعاملهم معي إطلاقًا، ولو كانت الأمور مرتبطةً بالبعد الشخصي والعلاقات الشخصية، لاتخذت موقفًا مؤيدًا للنظام، لكن وقوفي إلى جانب الثورة السورية قضية مبدئية تمامًا، ولو لم أكن مبدئيًا لتمسّكت بهذه العلاقات الشخصية التي تضمنت تمجيدًا لي في التلفزيون والصحف السورية».

وأضاف: «بطبيعة الحال، فإن مواقفهم الجديدة تكون نقيض أفكارهم ومبادئهم، المهزلة الأكبر هي عندما يبرّرون عدم اتخاذهم مواقف بحكم المودّة بينهم وبين السلطة، وبعضهم كان يبحث باستمرار عن فرصةٍ للتقرب من هذه السلطات».

«بشار» طاغية ذكي

وعن رأيه في «بشار الأسد»، قال «بشارة»: «كنت أتحدّث معه عن الاقتصاد وقضايا الحريات، لكنه قلما استجاب لملاحظاتي، وأحيانًا كان يستجيب لي في قضايا فردية. وفي بعض الحالات، كان يستجيب للنصائح التي لا علاقة لها مباشرة بالحقوق السياسية والحريات، مثل تخلّف الإعلام السوري، وتوجه السوريين إلى الإعلام اللبناني، وخطر ذلك في تعميق الطائفية في المجتمع السوري، وطريقة شرح الموقف السوري من القضايا الخارجية».

وأضاف: «من الواضح أنه كان متمسّكًا بطريقة الحكم السلطوية الفردية، ومستعدًا للانفتاح اقتصاديًا مع الإبقاء على سلطويةٍ سياسيةٍ من النمط التونسي في زمن زين العابدين بن علي، وهذا ما اكتشفته في أثناء لقاءاتي الكثيرة معه».

وتابع: «أعتقد أنه ذكي، خلافًا لما يقال عنه، وهذا ليس حكمًا معياريًا بل حقيقة في رأيي، وشديد التهذيب في التعامل الشخصي، أما الحكم المعياري فهو أن هذا الشخص المهذب كان ديكتاتورًا مستبدًا، وأصبح طاغيةً سفاحًا».

وواصل «بشارة»، حديثه عن «بشار الأسد»، قائلا: «بشار الأسد على المستوى الشخصي ذكي، لكنه غير مثقّف، وهو يعترف بذلك، ثم إنه لا يهتم بالمثقفين، بل يهتم أكثر بالتقنيين، ويعتبر المثقفين ثرثارين ولا يساوون شيئًا، حتى أولئك الذين يصنّفون أنفسهم رجال النظام».

وأضاف: «عمومًا إذا لم ترتبط بمعلوماتٍ تقنية لا تساوي شيئًا، ويرى في المثقفين مجرد وجع رأس. لذلك لا يحبهم، ولا يقرأ الكتب، ويصرّح بذلك، ويقرأ تقارير الأجهزة وتقديرات للمواقف السياسية. وهو بذلك لا يختلف عن الكثير من السياسيين وقادة الدول. وقد قال لي بنفسه، غير مرة، إنه لا يقرأ كتبًا، ولا أعتقد أنه يختلف في ذلك عن كثير من قادة الدول».

وعرض «بشارة» مقارنة بين «الأسد»، الأب والابن، فقال عن الاب إنه «لم تكن لي علاقة ثابتة به. ولقاؤنا لم يكفِ لتشكيل انطباعٍ، أو كي يسمى علاقة. كان مهتمًا بالتاريخ، وكان صوته هادئًا وعميقًا، ذكّرني بكبار السن، أو الجدود في بلادنا، كان يريد أن يفهم ما يجري في (إسرائيل)، ويريد أن يفهم كيف أرى العالم العربي، وكيف أرى مصر من (إسرائيل)، وكيف أقوّم الأردن، وإلى أين تتجه أميركا. وأعتقد أن أهم ما ميزه هو واقعيته السياسية».

وأضاف: «لم يغب لحظة واحدة عن ذهني أني أمام دكتاتور قاسٍ جدًا في التعامل مع أي معارض».

أما عن «بشار»، فقال إنه مختلف تمامًا عنه كما يلوح له، «فإنه شاب في نهاية المطاف مقارنة بأبيه، لكن حكمه لا يلائم عصره».

وأضاف: «كنت أعتقد أن سوريا تجاوزت الطائفة والطائفية، وفوجئت حين اكتشفت العكس عند فئاتٍ سكانية واسعة غير مسيّسة، فالانصهار الوطني لم يكن عميقًا».

يشار إلى أنه من المقرر أن يصدر الكتاب، قريبا عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» في بيروت، ويرصد سيرةٍ فكريةٍ وسياسيةٍ وافيةٍ، تحيط بمختلف مضامين هذه السيرة وانعطافاتها، وبكل ما اشتملت عليه من أطروحاتٍ واجتهاداتٍ ومساجلاتٍ في أسئلة الراهن العربي، وما يتصل بذلك من قضايا العلمانية والقومية والليبرالية، والصراع مع (إسرائيل)، وكذا الثورات العربية.

الكتاب يضم إجابات لـ«بشارة»، على أسئلةٍ متنوعة الموضوعات، يطرحها عليه الكاتب «صقر أبو فخر».

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

عزمي بشارة المنفى سوريا بشار الأسد حافظ الأسد لاجئين إسرائيل