الخطأ في نظرة الغرب إلى الصراع السعودي الإيراني

الخميس 2 مارس 2017 10:03 ص

يعزو الغرب غالبًا العلاقات المتأزّمة بين إيران والسعودية إلى نزاعاتٍ طائفية بين الوهابيين والمتشدّدين الشيعة، لكنّ التنافس بينهما أكثر تعقيدًا.

تحتاج هذه النظرة التبسيطية إلى تعديل، وخصوصًا عند النّظر إلى الوراء إلى العلاقات طويلة الأمد بين الدولة السعودية الحديثة وإيران. وحيث أنّهما قد تشكّلا في العشرينات من القرن الماضي، ركّز حاكماها «ابن سعود» والشاه «رضا بهلوي» على تحديث الدولتين. واجه الشاه معارضة من رجال الدين الإيرانيين، وواجه ابن سعود المقاومة من رجال الدين السعوديين. واجه كلا الزعيمين مشاكل داخلية متشابه، وتغلّبا عليها. وفي عام 1929، وقّع البلدان اتّفاقية صداقة. وأصبحت العلاقة أوثق بعد ذلك بحوالي 10 أعوام حين وصل «محمد رضا بهلوي» إلى منصب الشاه عام 1941.

وبمساعدة واشنطن، واصلت إيران والسعودية السعي نحو هدف احتواء القومية الاشتراكية العربية والنّفوذ الشيوعي للاتّحاد السوفييتي في المنطقة.

«الخميني» والملك «فهد».. علاقة متأزّمة

في عام 1979، تمّت الإطاحة بشاه إيران وتم إنشاء الجمهورية الإسلامية، التي اعترفت بها السعودية فورًا. لكنّ آمال الرياض في الحفاظ على العلاقات الطّيبة مع طهران لم تكن صائبة. فلم يكن هناك مكان للملكية السعودية المحافظة في رؤية «آية الله الخميني» للثورة الإسلامية العالمية. بل رأى السعوديّون عائقًا أمام الثورة. وقد حاول «الخميني» التأثير على الأقلية الشيعية في المملكة. ومع ذلك، لم يتطرّق إلى الصراع القديم بين السنّة والشيعة. لكنّه بدلًا من ذلك، استخدم شعار «تحرير المظلومين».

وبهذه الطريقة، اعتقدت إيران أنّها ستفوز على الإسلاميين في العالم السّني كذلك. وبالرّغم من الصراع الشيعي السني، كانت لحظة للوحدة. سار الأمر على ما يرام، حتّى عندما طالب «الخميني» أن يكون له دورٌ أكبر في إدارة الحج إلى مكّة، حيث قام الحجّاج الإيرانيّون في ذلك الوقت بافتعال المشاكل والقيام بتظاهرات أثناء الشعائر. ودفع هذا الملك فهد لاعتماد لقب «خادم الحرمين الشريفين» عام 1986. وفي العام التالي، عندما فتحت الشرطة السعودية النار على الحجاج الإيرانيين، بدا واضحًا أنّ الرياض لن تبقى متسامحة مع تدخّلات طهران.

ردًّا على ذلك، قطعت إيران جميع العلاقات الدبلوماسية. وهي العلاقات التي كانت قد تضرّرت بالفعل بعد دعم السعودية للعراق في حربها ضدّ إيران التي بدأت عام 1980. ودعم السّعوديّون الديكتاتور «صدّام حسين» تعبيرًا عن موقف الوحدة العربية بعيدًا عن الاقتناع بالموقف. ومع ذلك، تغيّر المناخ السياسي في بداية التسعينات. أثبت «صدّام» أكثر فأكثر أنّ أفعاله لا يمكن التنبؤ بها، لاسيّما بعد غزوه للكويت عام 1990، ولم تعد تخشاه إيران فقط، بل والأسرة المالكة في السعودية أيضًا. وعلى هذه الخلفية، وبسبب موت «الخميني» أيضًا عام 1989، أزالت الرياض وطهران الحاجز وأعادوا تعيين السفراء بينهما. وكان الرئيس «أكبر رفسنجاني» وقتها هو من قاد هذا التقارب مع السعودية، وكان نتاج خيبة أمل سياسية داخل طهران من الثورة الإسلامية وتركيزها على السياسة الخارجية في المنطقة.

التقارب السعودي السوري

ومع ذلك، لم تسهم هذه التحوّلات فقط في تحسين العلاقات الثنائية، لكنّها جلبت المشاكل أيضًا للسعودية. توصّلت الدولتان إلى اتّفاق أمني عام 2001، لكنّ استمرار طهران في تزويد حزب الله في لبنان بالأسلحة أقلق الرياض، والتي بدأت دعم المعسكر السنّي والمسيحي المنافس لحزب الله ردًّا على ذلك. وكان السعوديون قلقون أيضًا حول البرنامج النووي الإيراني. لكن حتّى في هذا التوقيت، لم يكن الطرفان على خلاف يستند للصراع الديني الطائفي القديم. ومع غزو أمريكا للعراق عام 2003، رأت إيران أنّ ذلك كان تدخّلًا في منطقة نفوذها. وعندما انسحبت القوّات الأمريكية من العراق، بدأت إيران التداخل مع المصالح العراقية. وردّت السعودية بمحاولة كسب ودّ حليف إيران، الرئيس السوري «بشّار الأسد».

لكنّ التقارب السريع بين السعودية وسوريا عام 2010، انتهى سريعًا بعد اندلاع ثورات الربيع العربي. وفي الحرب السورية، التي دعمت فيها السعودية وإيران معسكرين مختلفين، أصبحت تفسّر كحربٍ طائفية. ومع ذلك، ليست هذه هي الحقيقة. لم يكن التحالف بين إيران ونخبة الحكم في النّظام العلوي مبنيًا بشكلٍ محض على الاتّصال الديني. بل نتج أساسًا من العداء المشترك مع (إسرائيل) و»صدّام حسين». والسنّة يقاتلون بعضهم البعض اليوم في سوريا أيضًا. وترى السعودية وكذلك إيران أن الجماعات المتطرّفة هي التهديد الأكبر في المنطقة. وكلا النظامين يبذلان قصارى جهدهما لتجنّب استخدام الخطاب الديني في وجهات النظر اللفظية، وخاصةً مع مواجهتهما ضغوطًا متزايدة للتكيّف مع العلمنة. ونجد أنّ الاتّهامات الشائعة المتبادلة هي الإرهاب ودعم الإرهاب والرغبة في التوسّع. وعلى أيّ حال، لا تناسب هذه الاتّهامات ما يستخدمه الغرب من تصوير للأمر في صورة عداءٍ ديني بين إيران والسعودية.

وفي المؤتمر الأمني الأخير في ميونيخ، ألمح وزير الخارجية السعودي، «عادل الجبير»، إلى أنّ إيران قد ضمّت قوّات بشكلٍ سرّي إلى الدولة الإسلامية التي تقاتل الشيعة. وفي الوقت نفسه في عيون الحرس الثوري الإيراني، فإنّ الدولة الإسلامية أتباع (إسرائيل)، وجزء من المؤامرة الصهيوأمريكية، والتي قد تشمل الرياض بكلّ سرور إذا كانت الأجندة تتطلّب ذلك.

المصدر | دويتش فيلله

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران الخميني ابن سعود