مصر تواجه اختبارا صعبا مع استمرار نزوح الأقباط من سيناء

الجمعة 3 مارس 2017 09:03 ص

«طبعا مش هنرجع العريش تانى.. هنرجع نموت هناك؟».. هكذا عبر «منير» عن حال الأقباط النازحين من مدينة «العريش» بمحافظة شمال سيناء، شمال شرق البلاد، خشية تهديدات «تنظيم الدولة» الذى تنامى نفوذه في البلاد.

وقال «منير منير»، إن «الأمن والجيش معملوش أى حاجة.. هما مش قادرين يحموا نفسهم أصلا. لو واحد اضرب قدامى وبلغت الساعة ثمانية ما يجوش غير تانى يوم الساعة ثمانية.. يخافوا.. مفيش أمن».

وارتفعت أعداد الأسر المسيحية النازحة عن محافظة «شمال سيناء»، شمال شرق البلاد، إلى 155 أسرة، بإجمالي 546 فردا.

وعندما بدأ متشددو «تنظيم الدولة» يوزعون منشورات بأسماء مسيحيين خيرهم التنظيم بين مغادرة مدينة العريش المصرية التي يقيمون بها أو القتل، عاد الموظف العمومي «عادل» والد «منير» إلى منزله ومعه منشور بقائمة اغتيالات تتضمن اسمه الذي كان الثاني على القائمة.

وقتل الشخص الأول على القائمة «وائل يوسف» الذي كان يملك متجرا في 30 من يناير/كانون ثان الماضي.

وروى «منير»، ما حدث قائلا: «إنهم تحصنوا داخل منزلهم مثل الفئران قاعدين فى الجحور مش قادرين نطلع ولا نتحرك»، على حد تعبيره.

وخلال شهر واحد قتل أربعة مسيحيين آخرين في المدينة رميا بالرصاص وقُطع رأس آخر وقتل سادس حرقا. وبعد مقتل السابع فرت أسرة «منير»، لكن والدهم أصر على البقاء، بحسب «رويترز».

تأجيج الصراع الطائفي

وربما يمثل التغير في أساليب «تنظيم الدولة» من مهاجمة جنود الجيش والشرطة إلى استهداف المدنيين المسيحيين نقطة تحول في بلد يسعى لمنع تحول العنف في محافظة شمال سيناء إلى صراع طائفي أوسع.

ونشر فرع التنظيم في مصر-الذي ينفذ منذ سنوات هجمات تركزت في الغالب على قوات الأمن في شمال سيناء- رسالة جديدة تحرض على مهاجمة المسيحيين في أرجاء مصر.

ويقول محللون إن هدف المتشددين هو إضعاف الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» بنشر الفوضى الطائفية على غرار ما أذكى الصراعات الطويلة في العراق وسوريا.

وخلال موجة القتل على مدى الشهر الماضي فرت نحو 145 أسرة من شمال سيناء إلى مدينة الإسماعيلية المطلة على قناة السويس والتي تشكل الحدود الغربية لسيناء، كما انتقلت نحو 30 أسرة إلى القاهرة. ويقول مسؤولون بكنائس وجماعات مدافعة عن حقوق الإنسان إن آخرين لاذوا بمحافظات أخرى.

وقالت عدة عائلات، إن «جيرانا مسلمين لا صلة لهم بتنظيم الدولة زادوا من الاعتداءات عليهم حيث شجعهم على ذلك العنف الذي ضرب المحافظة وقتل فيه مئات من جنود الجيش والشرطة في السنوات الأخيرة».

وتجمعت الأسر القبطية النازحة في الكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية حول أكياس اكتظت بما تمكنوا من إحضاره معهم من ملابس قبل فرارهم. وانتحبت النساء على منازلهن التي هجرنها بينما جرى الأطفال هنا وهناك غير مدركين لما حدث وأحضر متطوعون أغطية وأجروا اتصالات هاتفية سعيا لتدبير أماكن إيواء.

رسالة للدولة

وقال «إسحاق إبراهيم» الباحث لدى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن أعمال العنف تلك تختلف عن الهجمات الطائفية السابقة التي وقعت بمصر إذ لم تعد هناك أي ذريعة سوى مجرد قتل المسيحيين لأنهم مسيحيون.

وأضاف «العنف اللي كان بيحصل قبل كده كان بيبقى في عنف ضد الأقباط لسبب سواء كان السبب ده بناء كنيسة أو ولد مسيحي ماشي مع واحدة مسلمة.. كان بيبقى فيه سبب. هنا في الحالة دي عايز يموِت الناس علشان هم مسيحيين».

وتابع: «رسالة للدولة إنها مش قادرة تحمي الأقباط في المنطقة حماية كاملة. التنظيم نجح في تفريغ المنطقة وخلق تكوين ديموجرافي مختلف»، محذرا من أن «النمط ده لو اتكرر وانتقل لمناطق تانية زي الصعيد هيبقى نمط سيء جدا وقدرة الدولة على التعامل معاه هيبقى صعب».

ووقعت أولى الهجمات في ديسمبر/كانون أول الماضي، عندما فجر مقاتل من التنظيم الكنيسة البطرسية الملحقة بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في القاهرة في هجوم انتحاري أودى بحياة 28 شخصا.

ويمثل نزوح الأسر المسيحية من شمال سيناء تحديا لـ«السيسي» الذي تعهد باستعادة الأمن في بلد حليف للولايات المتحدة وينظر إليه باعتباره حصنا في مواجهة التطرف.

وكان العنف في سيناء قد تصاعد بعدما عزل «السيسي» عندما كان قائدا للجيش، الرئيس «محمد مرسي» أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد في 2013.

وأمر «السيسي» الحكومة بالمساعدة في إعادة تسكين النازحين المسيحيين واجتمع مع مسؤولين كبار في الدولة لبحث كيفية التعامل مع الموقف.

وقالت وزارة الداخلية المصرية، في بيان، إن «الدولة المصرية تمتلك كافة المقومات والقدرة والإرادة التى تكفل لها حماية مواطنيها والدفاع عن مكتسباتهم الوطنية».

لكن من فروا من ديارهم لا يعتقدون أن الدولة قادرة على حمايتهم.

وتنشط في شبه جزيرة سيناء عدة تنظيمات مسلحة، أبرزها «أنصار بيت المقدس» الذي أعلن في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 مبايعة «تنظيم الدولة»، وغير اسمه لاحقا إلى «ولاية سيناء»، وكذلك تنظيم «أجناد مصر».

وقبل أيام، بث «تنظيم الدولة» تسجيلا مصورا نسبه إلى مفجر الكنيسة البطرسية شرقي القاهرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، يتوعد فيه أقباط مصر، كما يهاجم جماعات وحركات إسلامية منها الأزهر و«الإخوان المسلمين».

وليس هناك إحصاء رسمي عن أعداد المسيحيين في شمال سيناء، غير أن تصريحات كنيسة رسمية تقدر تعداد مسيحيي مصر بنحو 15 مليونا من بين سكان البلاد البالغ عددهم 92 مليون نسمة.

المصدر | الخليج الجديد + رويترز

  كلمات مفتاحية

الأقباط العريش شمال سيناء تنظيم الدولة عبدالفتاح السيسى البابا تواضروس الثاني