6 سنوات على «عريضة الإصلاح».. هكذا عصفت قبضة الأمن برموز العمل المدني في الإمارات

السبت 4 مارس 2017 05:03 ص

درجت الإمارات على مدى العقود السابقة، منذ التأسيس، على توفير الخدمات الاجتماعية ودعم المواد الاستهلاكية والوظائف الحكومية، مقابل مشاركة ضئيلة، أو عدم المشاركة على الإطلاق، من جانب المواطنين في اتخاذ القرار، بما معناه عقود اجتماعية تقوم على أساس المساومات السلطوية.

ومع تراجع الاقتصاد فقدت السلطة توفير الخدمات إضافة إلى زيادة الوعي الجماهيري بالحقوق والحريات والتي مثلت ركيزةً أساسية في اجتذاب نماذج الإصلاح السياسي والاقتصادي للمشاركة في حماية مستقبل الدولة في ظل حالة من الانحدار السكاني والإنساني والاقتصادي المتزايد منذ عام 2009.

«انتخاب أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، وتعديل المواد الدستورية ذات الصلة بالمجلس».. كان هاذان مطالبين لـ133 إماراتيا، قبل 6 سنوات فيما عرفت باسم «عريضة الإصلاح الإماراتية»، غير أن مصيرهم كان الاعتقال والسجن وسحب الجنسية.

وما إن نشر الإصلاحيون، العريضة، حتى طالتهم إجراءات عقابية من جانب الحكومة، حيث حلت الحكومة جمعية «الإصلاح» وجمعية «الحقوقيين» وجردت موقعين على العريضة من جنسياتهم، واتهمت الإصلاحيين بتلقي الدعم من الخارج وقامت بمحاكمة العشرات منهم.

«عريضة الإصلاح» وقع عليها لفيف من ألوان الطيف الفكري والسياسي في الإمارات بينهم رجال ونساء من أساتذة الجامعات وأعضاء سابقين في البرلمان ومسؤولين حكوميين سابقين ونشطاء حقوقيين وأعضاء في جمعيات المجتمع المدني وكتاب.

ولا يجد النشاط السياسي في الإمارات، تسامحا من جانب الحكومة، ويمكن أن يقتاد إلى إجراءات عقابية، وهذا يتضمن الإصلاحيين والمستقلين وحتى المقيمين الأجانب من أفراد أو مؤسسات، وبالفعل فقد تم طرد عدد من المنظمات الحقوقية الأمريكية والألمانية العاملة في الإمارات عام 2012، وقد طلب من أجانب مغادرة البلاد كما منع آخرون من دخولها، في عام 2016.

وبعد 6 سنوات من إطلاق العريضة في 3 مارس/ آذار 2011، تزامنا مع ثورات الربيع العربي، لم تتغير الإمارات، لكن تحولت إلى الأسوء، تحت وقع الهواجس الأمنية للحفاظ على نظام استبدادي الطابع، رفض أن يتجاوب مع أي حد أدنى من متطلبات الإصلاح الإقليمية، رافضًا دفع أي فاتورة إصلاحية متمسكًا بأجندته ومحاولًا فرضها على الصعيد الإقليمي بشتى الطرق.

مقطع الفيديو، الذي نشره موقع «الإمارات 71»، يكشف أحداث 6 سنوات من القمع الإماراتي للإصلاحيين.

والمجلس الوطني الاتحادي، لا يتمتع بأية صلاحيات تشريعية أو رقابية، وإنما يعد هيئة استشارية حسب الدستور الإماراتي، ولا يزال 25% من الإماراتيين ينتخبون نصف أعضاء المجلس، فيما يتم تعيين البقية من قبل السلطات.

يتكون المجلس من أربعين عضواً، (8) مقاعد لإمارة أبوظبي، (8) مقاعد لإمارة دبي، (6) مقاعد لإمارة الشارقة، (6) مقاعد لإمارة رأس الخيمة، (4) مقاعد لإمارة عجمان، (4) مقاعد لإمارة الفجيرة، (4) مقاعد لإمارة أم القيوين.

البداية

في 3 مارس/ آذار 2011، رفع 133 مواطناً من أبناء دولة الإمارات، عريضة لرئيس الدولة الشيخ «خليفة بن زايد آل نهيان» وأعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات السبع المكونة للاتحاد، يطالبونهم فيها بالتجاوب مع المتغيرات الدولية والإقليمية وتبني نهج ديمقراطي نيابي كما نص على ذلك دستور الدولة الصادر في 1971، وعرفت بـ«عريضة الإصلاح».

وشملت مطالب المجموعة الإصلاحية، ضرورة إجراء إصلاحات شاملة للنظام البرلماني المتمثل في المجلس الوطني الإتحادي، من خلال الانتخاب الحر والكامل لجميع أعضاء المجلس من قبل كافة المواطنين، وإصلاح التشريعات المنظمة لعمله، بحيث تصبح له سلطة تشريعية ورقابية كاملتين مع إجراء التعديلات الدستورية الضامنة لذلك.

مثلت العريضة رقياً كبيرا في مطالبها التي تمثل قطاعات واسعة من الشعب الإماراتي، خاصة أنها لم تحتوي على مطالبات شخصية وفئوية، ووضعت في الاعتبار مطالب مثلت روح الاتحاد وطموح الآباء المؤسسين، بما في ذلك برنامج التمكين السياسي الذي أعلن عنه رئيس الدولة في 2006م.

رد الفعل

وكانت الإجابة سريعة، من قبل الحكومة الإماراتية، حينما وضع جهاز الأمن العريضة جانباً، مع كم كبير من التحريض والتشويه في وسائل الإعلام، وبدأ حملات قمع منظمة بدأت بـ6 من الإماراتيين عام 2011، ولم تنتهي إلى اليوم، مع وصول المعتقلين لأكثر من 200 شخصاً بينهم نساء.

واتهمت الإمارات، جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف خلف هذه المطالب، وضغطت السلطات على بعض الشخصيات الموقعة على العريضة لتكذيب توقيعهم، واتهام العريضة بالتزوير.

كما أطلقت الآلة القمعية في الإمارات، العنان للأجهزة الأمنية لمحاولة تفسير هذا التجرأ على المطالبة بالإصلاح وقت ثورات تجتاح المنطقة العربية، إلا أنها لم تنجح في تفسير حتمية التغيير سوى باصطناع عدو وهمي لمحاربته وربما لإقناع رأس النظام بفعالية عمل تلك الأجهزة.

وفي 2013، هيأ النائب العام الاتحادي، الرأي العام، إلى مضبحة كبيرة بحق الموقعين، حين أعلن أن هناك تنظيماً إرهابياً يسعى إلى قلب نظام الحكم، قبل أن يطاح في يوليو/ تموز من العام ذاته، بحقوق المواطنة في الإمارات، عندما زج بالعشرات في أكبر محاكمة سياسية تشهدها الدولة منذ تأسيسها، وسط انتهاكات وخروقات لحقوق الإنسان، بحسب تقارير حقوقية دولية.

الحملة شملت 94 إماراتياً من بينهم 13 امرأة إماراتية، استخدمت الإمارات كل أدواتها السياسية والإعلامية والأمنية لتشوية صورتهم، رغم عدم استطاعة جهة الادعاء، رغم أنهم انتهكت كل حقوقهم الإنسانية والدستورية، أن تثبت أي جريمة تستحق ما تعرضوا له من عقوبة وانتهاكات، سوى شهادات منسقة لمجموعة من ضباط الأمن.

نشطاء الرأي من أعضاء جميعة «دعوة الإصلاح»، صدرت بحقهم أحكام تصل إلى 500 عام، ليتضح في النهاية أن التنظيم الذي قال عنه النائب العام الاتحادي أنه يهدف إلى قلب نظام الحكم، لا يوجد من بين أفراده أي عسكري، بل جميعهم أستاذة قانون ومعلمون وقضاة وخبراء إدارة ورجال أعمال ونساء مسالمات معظمهن يحملن شهادات عليا.

أعقب ذلك، توالي الإعلانات عن سقوط خلايا مشابهة، اعتقل فيها العشرات بينهم نساء أيضا.

وبحسب شهادات نقلها موةقع «نون بوست»، فقد أجمع الجميع على أن انتزاع الاعترافات من هؤلاء الإصلاحيين، تم تحت سياط التعذيب، بعد اختفاء قسري دام لأشهر وسنوات في الإمارات، ومن ثم ظهور في محاكمة هزلية تصدر فيها الأحكام دون دفاع.

تبعات تعسفية

لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل قامت الدولة بعدد من الانتهاكات بحق المواطنين، لنشر الرعب والفزع في مختلف أنحاء البلاد، وبات كل إنسان معرضاً للاعتقال، وبيته مستباحاً بدون أمر قبض، وتفتيش قانوني، وإخفاء قسري لجميع المعتقلين في أماكن غير معلومة للشعب، باستثناء من قاموا باعتقالهم، بحسب «شؤون إماراتية».

ولم يكتف ضباط جهاز الأمن الإماراتي باعتقال العشرات، بل قاموا بتعذيبهم لمدة تقارب العام، حتى طلب أحدهم في أول جلسة تعقد أمام المحكمة الاتحادية بأبوظبي حمايته وحماية أسرته، لأنه يخشى على حياته وحياة أسرته، ورويت حينها قصص التعذيب التي لم تلتفت لها محكمة أمن الدولة، ولم تحقق فيما ورد بها، بل كانت المفاجأة أن بعض المتهمين لم يعرفوا أنهم على قائمة المتهمين إلا قبل أيام من جلسة المحاكمة، بل وتدينهم المحكمة دون أن يكون لهم أي أقوال، بل وبدون أدلة أو أسباب توردها المحكمة كدليل على هذه الإدانة.

ونظرا لأن الحبكة الأمنية بتلفيق قضية للإصلاحيين الإماراتيين لم تفلح في إقناع الرأي العام الداخلي والخارجي، اصطنع جهاز الأمن حيلة جديدة تمثلت في إلقاء القبض على العشرات من المصريين المؤيدين للثورة المصرية من الأكاديميين والأطباء والمهندسين والمعلمين والصحفيين المقيمين منذ أكثر من عشرين عاما بالدولة بحجة أنهم وراء تقليب المزاج الوطني ليتناغم مع رياح الثورة المصرية وما يعرف حينها بالربيع العربي، فقام جهاز الأمن بتلفيق قضية لهم تحت عنوان «الخلية المصرية السرية»، وعندما لم يجدها ملبية لأهداف الإقناع الداخلي ضم إليها عددا من دعاة الإصلاح المعتقلين ليصبح عنوان القضية «الخلية الاخوانية المصرية الإماراتية».

واقع مؤلم

وبعيدا عن الجانب الحقوقي، وبحسب موقع «الإمارات 71»، استمرت السلطة التنفيذية في سياسة تجاهل المجلس الوطني وتهميشه، وأخذت توجه المجلس نحو قضايا ثانوية، فيما يسمى «الدبلوماسية البرلمانية» في حين ظلت مشكلات الناس تتفاقم بلا حلول.

والمرحلة الأحدث في مسار احتواء المجلس الوطني، كان إقرار المجلس الأعلى للاتحاد قرار رقم (1) لسنة 2016 اللائحة الداخلية للمجلس الوطني.

وقد أسندت اللائحة دور التشريع ومناقشة القوانين إلى لجنة واحدة في المجلس بصورة رئيسية، ما  يعني نزع صلاحية التشريع من 40 عضوا إلى بضع أعضاء فقط.

أما في الرقابة ومناقشة الموضوعات العامة، فقد شهدت هذه الصلاحية قيدا جديدا، يتضمن شرط موافقة المجلس على طلب مناقشة أي موضوع يطلبه 5 أعضاء من المجلس فأكثر. وموافقة المجلس ليست مضمونة دائما.

 
وفي مجال طرح الأسئلة، فقد اشترطت اللائحة ألا "يضر بالمصلحة العليا بالبلاد"، دون أن تفسر معنى المصلحة العليا، ويحق لمكتب المجلس الوطني استبعاد السؤال إذا لم يتوفر فيه الشرط السابق.

وحال القضاء ليس أفضل حالا من المجلس الوطني، إذ أكدت المقرر الأممية «غابرييلا كنول»، أن القضاء في الإمارات عرضة لتدخل السلطة التفيذية وجهاز الأمن، وقد أكدت المنظمات الحقوقية على هذا الجانب من خلال انتقاداتها المستمرة لقضايا تصفها بـ«محاكمات جائرة ذات دوافع سياسية» وهي تصف محاكمة الإصلاحيين.

ومؤخرا ناقش المجلس الوطني سياسة وزارة العدل، متجاهلا مقتضيات استتقلال القضاء، مكتفيا بمناقشة الرواتب والحوافز، في أحدث صورة للعوار الذي أصاب المجلس الوطني والقضاء معا.

قبضة أمنية

وبعد مرور 6 سنوات من القمع، قال مركز الإمارات للدراسات والإعلام «إيماسك» (غير حكومي)، إن الدخول في سنة سابعة من أجل المطالبة بالإصلاحات، هو تأكيد على ثبات الإماراتيين على حقوقهم ومطالبهم كحق وطني ودستوري، وإنقاذ لمستقبل الإمارات السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مع هذا الكم المرعب من ملاحقة الرأي الآخر الممثل لصوت الشعب والحق.

وأضاف: «شواهد الأحداث وتقارير الحكومة والضرائب والانعدام التدريجي للأمن المعيشي للمواطن وتسليط وكالات القمع العالمية والدولية للعمل من أجل مراقبة كل تحركات الإماراتيين تؤكد مراراً وتكراراً أن المطلَبيّن لعريضة الإصلاحات كانا رؤية حكيمة تمثل الطيف الواسع من الشعب الإماراتي، وهما لا يخرجان عن كونِهما ضرورة وطنية وحقٌ لا يقبل النقض أو المراوغة».

وتابع: «الحقيقة الواضحة أن رفض المطلبين من جهاز أمن الدولة، هو استئثار بالقرار لنفسه ولا يريد من الإماراتيين مناقشته أو إعلاء المصلحة العليا للدولة على حساب مصالح أفراد تمددوا بداخله وتشعبت جذورهم».

ولفت المركز الحقوقي، إلى أن ما يكشفه جهاز أمن الدولة، المتحكم بقرار الدولة العابث بشؤونها، أنه يُحصن دفاعات بقاء القيادات الأمنية الفاسدة الهاربة من أوطانها بتهم تصل لـ«الخيانة العظمى» على حساب هدم دفاعات وحصون الوطن، «في ثنائية التناقضات بتقدم المصلحة الشخصية للفاسدين الهاربين على المصلحة الوطنية العليا، وينهار المستقبل المأمول للإماراتيين، مع كل هدم يمارسه الغرباء الأشرار لحصون ودفاعات الإمارات».

وأشار إلى أنه «أدّى تركيز قوة وهيمنة الدولة بيد جهاز أمن الدولة مدعوماً بوسائل الاجتذاب القسرية إلى خلق منهجية التبعية وتحويل المواطنة من حق إلى أزمة».

مستقبل مجهول

الوضع الحقوقي في الإمارات، على مدار السنوات الست الماضية، أصبح في غاية السوء، وهو الأمر الذي وثقته عشرات المراكز الحقوقية في مقدمتها المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، ومنظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية، ومنظمة «العفو الدولية»، بالإضافة إلى وثائق آليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان والمقررين الدوليين، والتي تعج كلها بحالات انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات.

وعلى الرغم من محاولات الإمارات تجميل هذا الوجه القبيح بالتسويق لمنجزات شكلية داخلية، والحرص على البقاء ضمن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

ولا يزال الواقع الحقوقي في الدولة يعاني قمعا مستمرا، بحسب التقارير الحقوقية والتي كان أحدثها تقرير «المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان 2017».

يشار إلى أنه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، خلصت دراسة لمعهد «تشاتام هاوس» إلى أن استمرار دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات، بالانحدار بعيداً عن الإصلاحات السياسية سيعزز التوترات المتعلقة بتعريف العقد الاجتماعي الجديد، بين الحكام والمواطنين.

وكشف واقع القضاء والمجلس الوطني مدى صواب رؤية الموقعين على العريضة، كون إصلاح هاتين السلطتين فيه إصلاح للسلطة التنفيذية وأجهزتها كافة، بما فيها يد الأمن الباطشة، على حد وصف ناشطين.

وإذا كان بعض الإماراتيين قد استغرب عام 2011 من العريضة ومطالبها، فإن سلوك السلطة التنفيذية وأجهزتها المختلفة وواقع المجلس الوطني والقضاء، بعد 6 سنوات من توقيع العريضة، يعطي جوابا كافيا وكاملا لجميع المتسائلين، وتكسب مع كل يوم يقضيه الناشطون في السجون أرضا جديدة من التأييد، والموقعين.

وبات الإماراتيون يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع كوسيلة سياسية بهدف التأثير على خطط  الحكومة.

 

  كلمات مفتاحية

الإمارات عريضة الإصلاح الإخوان اعتقالات سجون تعذيب اختفاء قسري