في الذكرى الـ21 لرحيله: الشيخ «الغزالي» فارس حمى دينه لآخر أنفاسه (1ـ2) (فيديو)

الخميس 9 مارس 2017 03:03 ص

تحل بالأمة العربية الإسلامية اليوم الذكرى الحادية والعشرين لرحيل فارس الدعاة (في الرياض السبت 20 من شوال 1416، المُوافق 9 من مارس/أذار 1996م)، وأحد مجدديّ الفكر الإسلامي في القرن العشرين، رجل نذره أبوه للدفاع عن الإسلام، فعاش عمره مُحباً مخلصاً لراية 

الحق، ومات هو يردد: «نريد أن نحقق في الأرض لا إله إلا الله»!

إننا إذ نتناول طرفاً من سيرة رجل، نسأل الله له الرحمة، ولا نُزكيه على خالقه، نأسى لأمة نصحها الشيخ «محمد الغزالي» فلم يبخل عليها، وتجاوزت كتبه الخمسين مؤلفاً كل

ها تدور تحت عنوان كتابه: «الطريق من هنا»، طريق العودة إلى السيادة والحضارة لا يسير إلا عبر كلمات الله وهدي رسوله، وإن بدت الكلمات معروفة، منتشرة شائعة إلا أن الموت في سبيلها هو ما يهبها الحياة!

وفاة فريدة ورضىً إلهي

كان عمره يخطو بثقة نحو الثمانين، فقد وُلِدَ في قرية (تكلا العنب) التابعة إلى مدينة إيتاي البارود، التابعة اليوم إلى محافظة البحيرة، (مديرية الغربية آنذاك) في 5 

من شوال 1335هـ، وحرص الراحل على حفظ تاريخ ميلاده بالتقويم الهجري ضمن معالم محبته غير المحدودة لدينه، وانحيازه غير المُنتهي لكل ذكرى تخص الرسول، صلى الله عليه وسلم، ووافق ميلاده 22 من سبتمبر/أيلول 1917م، ليسميه والده باسم صاحب كتاب «إحياء علوم الدين الشيخ «أبوحامد الغزالي»، لمسحة صوفية عُرِفَ الأب بها، وفي أُخريات حياته كان «الغزالي الصغير»، كما كان يحلو للمُقربين منه أن ينادوه فيطرب، رحمه الله، للكلمات، كان يقول، بل يُردد:

ـ «اللهم ارزقني الوفاة في بلد حبيبك ومصطفاك، صلى الله عليه وسلم»، (شاهد الفيديو).

ويقول الدكتور «مُحمد سليم العوا»، أحد محبيّ الشيخ ومرافقيه حتى في لحظات الوفاة إن أهل بيت الشيخ، الذي كان يتنقل بصعوبة من مكان إلى آخر، وتلاميذه كانوا يتعجبون من دعائه، لسببين:

الأول: ما عُرِفَ الشيخ به من استجابة الدعاء حتى أنه كثيراً ما قال إنه يخشى أن يدعو على المُخالفين له، ممن يتجاوزون في حقه، فيستجيب الله له، فينالهم سوء بسببه، وهو ما لا يحبه لهم!

والثاني: كيف يمكن لرجل في مثل عمره أن ينتقل إلى السعودية ويبقى هناك حتى موعد وفاته، والأخير غير معلوم.

ولكن الله استجاب للشيخ، وكانت وفاته تفوق الخيال بمراحل وتدل على شدة في الإخلاص من قبل الشيخ، رحمه الله.

دُعيَ الراحل إلى مهرجان «الجنادرية» في الرياض بالمملكة في دورة عام 1996م، وهو في مثل وهن الشيخوخة انتظر البعض أن يرفض الدعوة، بخاصة مع تحذير الأطباء له من السفر والانفعال، ولكن رؤية عالم الدين المُجدد الإسلامي وجدتها فرصة للدفاع عن دين الله، بخاصة ما ما عُرفَ عنه المهرجان آنذاك من وجود علمانيين كانوا 

يتعرضون لتعاليم الدين الحنيف إما بالقول بالإنكار، أو عدم مناسبتها لوقتنا الحالي.

 

لحظات النهاية

وفي إحدى الندوات فاجأ أحد المحسوبين على الفكر العربي الحضور بالتصدي منكراً لشىء من الشريعة الغراء، وكان الشيخ «الغزالي» حاضراً، فكبر عليه أن يُقال ذلك في حضوره، وأن يُتعرضَ إلى هدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، متعرض في مكان هو فيه، وطلب الشيخ الكلمة، ورفع يده مُلحاً عليها.

ويقول الدكتور «العوا» إن خاصة الشيخ والمُقربين منه كانوا يعلمون أنه لا يصبر على الاطروحات التي ظاهرها الصحة، من عادة دس السُّم في العسل، على عادة مثل هؤلاء القوم من تقديم ما يبدو على أنه موافق للعقل والمنطق، وهو فاسد يحتاج إلى قليل من التفكير لإظهار زيفه.

ولإن الشيخ «الغزالي» لم يكن ليصبر بقلبه الرقيق، وحبه الدفين لدينه، وكان تلاميذه بما فيهم «العوا» يُسارعون إلى إعطائه الكلمة متى طلبها، حرصاً على سلامة الشيخ وتقديراً لمساهمته وجهده، ولكن القائمين على الندوة تجاهلوا يد الشيخ «الغزالي» المرفوعة، وكأنها ليست كذلك.

وكان الراحل مهذباً فاضلاً حتى في لفتة الموت، إذ لم يقم مقاطعاً ومحتداً ومنفعلاً، كما يحلو للبعض في كثير من الندوات، وإنما حاول التحامل وعدم الكلام فلم يستطع، ولم يستطع مقاطعة المُتحدثين، ولم تعجبه كلماتهم، فكانت المفاجأة أن داهمته أزمة قلبية حادة، لم ينج، رحمه الله منها، ولم تفلح الجهود الطبية، ولا سرعة نقله إلى مستشفى في إنقاذه ليلقى الله وهو يقول:

ـ «نريد أن نحقق في الأرض لا إله إلا الله»!

وكأنه يقول من طرف خفي أن مثل هذه الكلمات لم يكن ينبغي أن يتم ترديدها في السعودية، ومنها انطلقت مشاعل الرسالة الخاتمة، وعلى أرضها وُلِدَ الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومن المفترض ان تنقل نور الوحي الذي أُنِزلَ عليه إلى العالم لا أن تحتفي بمثل هذه الكلمات وتمنعه من الرد عليها.

الوصية

وفي جيب الشيخ وجدوا الشاهد على محبة الله له في الدنيا، رحمه الله وغفر له، إذ إن الشيخ «الغزالي» كتب:

ـ «إن مت هاهنا فلا تعيدوني إلى مصر وادفنوني في البقيع»!

وبكى تلاميذ الشيخ لمعرفتهم بدعائه من قبل أن يدفن في مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهاهو يموت فيها رغم أن عقولهم لم تكن تتخيل أن يحدث الأمر على هذا النحو ليموت هذه الميتة المشرفة، وهو يعد وصيته لذلك، وكان قلبه الرقيق كان يستشعر هذه النهاية.

المقربون من الشيخ كانوا يعرفون أنه كان دائماً البكاء في وقت الأذان، وكان رحمه الله يقول إذا جاء المؤذن إلى الشهادة، وهو لا يستطيع أن يمسك دموعه، رغم كبر سنه:

ـ أشهد أن محمداً رسول الله، العالم كُلُّهُ يحارب هذا الرجل، صلى الله عليه وسلم!

وكم أُوذيَ الغزالي في سبيل الدفاع عن دينه في مصر والسعودية، حتى إنه اضطر إلى هجرتهما والتدريس في جامعة «قسنطينة» الجزائرية، لتخرج جريدة «الأهالي»، لسان حال حزب «التجمع اليساري» المصري، في منتصف التسعينيات قائلة في عنوان ثانٍ في صفحتها الأولى الأسبوعية: هل يعود الشيخ «الغزالي إلى قسنطينة؟».

وكانت الجريدة تصطاد في الماء العكر بالطبع بمقارنة اهتمام الدولة، آنذاك، بالراحل الشيخ «الشعراوي» على حساب «الغزالي»، رحمهما الله، فلم تقل أن «الشعراوي» يستحق ويجب الاعتناء بـ«الغزالي»، أيضاً، وإنما لمزت الأخير، وحاشا لها!

وأُعِلمَ ولي العهد الراحل «عبد الله بن عبد العزيز» برغبة الشيخ «الغزالي» عند موته، بل ووصيته، وكان الملك آنذاك الراحل «فهد بن عبد العزيز»، بتوصية من مفتي المملكة آنذاك الشيخ «عبد العزيز بن باز» بالاستجابة إلى طلب الراحل.

وتم اتصال سريع بأسرة الشيخ في مصر: هل توافق على دفنه في البقيع، وبالطبع وافقوا بين دموعهم، وقامت طائرة ملكية باصطحابهم إلى المملكة في صباح اليوم التالي ليلقوا نظرة الوداع على جسده..

شهادة حق

يقول الدكتور «زغلول النجار»، وقد حضر الوفاة والدفن في البقيع: «لما حضر جثمان الشيخ للمدينة فوجئنا أن هناك طائرات خاصة أتت من جميع أنحاء العالم تق

ل ناسا كثيرين أتوا للصلاة على الشيخ الغزالي في المسجد النبوي وازدحم المسجد عن آخره وخرجنا بالجثمان إلى البقيع وكنا ندفنه وما زال الناس بالمسجد من كثرتهم».

أما الرجل الذي كان يتولى دفن الأموات في البقيع فقال عن ميتة الشيخ «الغزالي: «إن صاحبكم هذا أمره غريب كلما شرعت في حفر حفرة أجد الأرض لا تلين معي حتى جئت هنا ولانت معي الأرض بين قبري (نافع مولى عبد الله بن عمر و(مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي»، رحمهم الله جميعاً.

 

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

الشيخ الغزالي دفاع عن الحق آخر أنفاسه ذكرى رحيله