الرئيس والسلطان: هل يسير «أردوغان» على خطى أشهر سلاطين الدولة العثمانية؟

الاثنين 13 مارس 2017 08:03 ص

سيصوّت الأتراك في 16 أبريل/نيسان على استفتاءٍ وطني، إذا نجح سيعطي الرئيس «رجب طيب أردوغان» سلطات كبيرة فوق البرلمان والقضاء وأجزاء أخرى من البيروقراطية المدنية. ستتوحّد سلطات رئيس الحكومة ورئيس الدولة في شخص «أردوغان»، وستبدأ السّاعة في العدّ من جديد لفترته الرئاسية، حيث سيمكنه البقاء في الرئاسة حتى عام 2029.

بالنّسبة للكثير من المراقبين الغربيين، ستكون تلك هي الخطوة الأخيرة في العودة إلى نوعٍ من السّلطوية يشبه العديد من الدّول في الشّرق الأوسط. وبالتّالي ستنضمّ تركيا إلى قافلة الابتعاد شيئًا فشيء عن النّسق الديمقراطي التي تسري في كثير من أجزاء العالم، من روسيا «بوتين» إلى أمريكا «ترامب».

من «أتاتورك» إلى «عبد الحميد»

وما يحدث في تركيا يدل على تأثّرها بمرحلة السّلطوية الإسلامية من تاريخ البلاد. وبعد فترة من الحكم الموالي للغرب في بداية حقبة «أردوغان»، فإنّ تحوّل «أردوغان» الأخير تجاه الحكم الإسلامي، يبتعد كثيرًا عن المنهج الذي أسّسه مؤسّس الجمهورية التركية في القرن العشرين، العلماني القومي «مصطفى كمال أتاتورك»، وكذلك الابتعاد عن دعوات الكثيرين من الليبراليين في البلاد. علاوةً على ذلك، فإنّه يأخذ الإلهام من أواخر عهد الإمبراطورية العثمانية تحت حكم السّلطان «عبد الحميد الثاني» الذي حكم الإمبراطورية العثمانية لثلاثين عامًا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

وصُوِّرَ السّلطان «عبد الحميد الثاني» كشخصية تتّسم بالاستبداد والفشل في مواجهة القوى الأخرى، من قبل نظام «أتاتورك»، الذي أنشأ الجمهورية التركية على أنقاض الدولة العثمانية التي هزمت في ساحة المعركة، وتم رفض الإرث الإمبراطوري الإسلامي. لكنّ الحركة الإسلامية لـ«أردوغان» قد عملت بثبات على تقويض شرعية الإرث الكمالي (نسبةً إلى كمال أتاتورك) منذ أتت إلى السلطة عام 2002، وأحيت كبرياء ومجد الإمبراطورية التي سبقت الجمهورية.

في السّنوات الأخيرة، كان «عبد الحميد الثاني» هو المستفيد الأكبر من هذا التيّار الجديد. يتحدّث عنه وزراء الحكومة بإعجاب، ويشيرون إليه بـ «الإمبراطور العظيم». وعلى عكس أتاتورك من جديد، الذي عمل على حذف الكلمات العربية من اللغة التركية اليومية، فإنّهم يستخدمون أوصافًا عربيّة.وعلى عكس الصمت العدائي الذي كان يحيط بالحاكم العثماني، فإنّه يذكر في بعض الأحداث في الـ15 عامًا الأخيرة، وتمّ إطلاق اسمه مؤخّرًا على مستشفى بإسطنبول.

وفي يوم 24 فبراير/شباط، بدأ التلفزيون التركي المملوك للدولة في بث الحلقة الأولى من مسلسل جديد يروي الـ13 عامًا الأخيرة من حكم السّلطان، والتي تظهره كحاكم شريف واجه التآمرات من قبل القوى الأجنبية، ورغبات «تيودور هرتزل» في إنشاء وطن لليهود في فلسطين العثمانية. وقد سمح للعديد من الأتراك من أبناء وأحفاد السّلطان «عبد الحميد»، والذين تمّ نفيهم من تركيا حين أعلن «أتاتورك» نهاية حكم سلالته عام 1923، بالعودة إلى تراب الوطن، والتعبير عن الحنين الذي يشعرون به تجاه تركيا. وتقول «نيلهان عثمان أوغلو»، واحدة من حفيدات السّلطان: «عندما ننظر إلى الارتباك الحادث في الشرق الأوسط، نرى كيف أدار العثمانيون جيّدًا هذا الجزء من العالم».

فصل جديد في السياسة التركية

ويبدو أنّ تركيا على أبواب فصل جديد تنتقل فيه تركيا من عصرٍ كانت شؤونها الداخلية لها بعدٌ دولي، وهذا بسبّب التغيّرات الكبيرة على مدار الأعوام. في البداية كانت إمبراطورية مع حيازات غربية، ثمّ حليفًا للغرب في الحرب الباردة، ثمّ في خضمّ سباق على عضوية الاتّحاد الأوروبي. لكن مع استمرار تجاهل الغرب لرغبة تركيا في الانضمام للاتّحاد الأوروبي، فقد الغرب الكثير من نفوذه على البلاد، وتحوّلت تفضيلات «أردوغان» إلى تحسين العلاقات مع زعماء يبقون أنوفهم خارج الشؤون التركية. وتبقى تركيا عضوًا في الناتو، لكنّ العلاقات الدافئة لتركيا مؤخّرًا مع روسيا تعطي انطباعًا أنّ البلاد في خلاف مع الغرب.

وفي محاولة الانقلاب العام الماضي، والتي نفّذها أتباع الإسلامي المنفي «عبد الله كولن»، واحتوتها الحكومة، كان الجميع ينتظر ردّ الدول الغربية، لكن بدلّا من ذلك، كان «فلاديمير بوتين» هو الذي أعلن دعمه المباشر والصريح لـ«أردوغان». ومع انتهاء الأزمة، خرج «بوتين» وقد اكتسب مكانةً لدى الأتراك.

وتعود البداية التاريخية للمشاركة في السياسة الداخلية والشؤون الخارجية إلى ديسمبر/كانون الأول من عام 1876، عندما أسّس «عبد الحميد» الدستور الأول، أو القانون الأساسي، (وعقد البرلمان العثماني الأول في الربيع التالي). وكانت الإمبراطورية تعيش أوّل ديمقراطيّة لها في نفس التوقيت التي تواجه فيه تهديدًا وجوديًّا من قبل القوّات الأوروبية التي تقضم أطرافها. بالإضافة إلى الاضطرابات الداخلية التي أثارها الليبراليون والرجعيون المعمّمون والأقليّات التي تطالب بالحكم الذاتي مثل اليونان والأرمن.

وكان الرجل الذي أظهر قدرته على أن يكون سيّد هذا المزيج القابل للاشتعال، هو السّلطان نفسه. وكان «عبد الحميد» قد رفع على العرش بشكلٍ مفاجئ قبل أشهرٍ قليلة، وقد أكّد للسياسيين الليبراليين أنّه سيتدخّل سياسيًّا فقط بناءً على نصائحهم. لكنّ السّلطان قد عرقل جهود هؤلاء الليبراليين في محاولة لإعطاء القانون الأساسي شخصية أكثر ديمقراطية، وكان مقتنعًا بالحقّ الذي منحه الله إياه في الحكم. وكان يجاهر باحترام حقوق الإنسان واستقلال القضاء واللامركزية. وكان مؤيّدًا أيضًا لعصمة السيادة، بحيث لا قانون يصبح قانونًا دون أن يصدّق عليه، ولا ينشأ قانون إلّا من خلال الحكومة التي يعيّنها. وحين حاد البرلمان عن رغباته وبدأ باستدعاء الوزراء، قام السّلطان بحلّ البرلمان، وعاشت الإمبراطورية لثلاثة عقود في صورة إمبراطورية يحكمها حاكمٌ مطلق.

ولكن حتّى في ظلّ الدستور الجديد الذي هو موضوع الاستفتاء في أبريل/نيسان، لن يكون «أردوغان» قادرًا على إزالة الديمقراطية على غرار ما فعله الإمبراطور. ولن يحتاج لذلك أيضًا. فبوضعه كزعيم لا تردّ له كلمة في حزب الحريّة والعدالة الحاكم، سيتمتّع بالتّأثير على البرلمان أكثر ممّا فعل سلفه العثماني.

ومع كل إعجاب الرئيس بالسّلطان، نجد أنّ تعليق «عبد الحميد» للبرلمان لم يصل به على المدى الطويل إلى النتائج المرجوّة. ولم يكن عبد الحميد قادرًا أيضًا على منع فقدان الكثير من الأراضي لصالح حركات الاستقلال المدعومة أوروبيًا في البلقان، بينما كان يتعرّض المعارضون لسياسته العقابية. وذلك حتّى عام 1908 عندما أجبر الضّغط الشّعبي السّلطان على استدعاء البرلمان من جديد، لكنّ داعميه تحالفوا عليه فيما بعد، حتّى تمّت الإطاحة به في النهاية عام 1909، على يد القوّات العلمانية التي استولت على تركيا خلال الحرب العالمية الأولى.

الدساتير هي مرايا القيم، وتظهر مراجعات القانون الأساسي التركي، الذي سيصوّت عليه في أبريل/نيسان، الإيمان بالرّجال الأقوياء والتّوق إلى الحقائق البسيطة. وبعد تجربة مؤلمة ومضنية من التودّد للاتّحاد الأوروبي، والإدراك الموجع أنّ حقوق الأقلّيات قد استخدمت كذريعة لتفتيت الدولة العثمانية، فإنّ عددًا كبيرًا من الأتراك بأغلبية ضئيلة، يبدو أنّهم مستعدّون للوثوق بوضع مصيرهم كاملًا مرّة أخرى في يد حاكمٍ مطلق. تركيا «عبد الحميد» تصعد من جديد، لكنّ الرئيس الحديث، الذي يطلق عليه منتقدوه بمرارة لقب «السلطان» يجب أن يعي أنّ الديمقراطيين والأقلّيات قد تغّلبوا على سلفه في النّهاية.

  كلمات مفتاحية

أردوغان السلطان عبد الحميد الدستور التركي العلاقات التركية الأوروبية

تركيا تستعد لعرض 9 آلاف فيلم عن «الدولة العثمانية»