حملة «السيسي» الإعلامية ضد الفلسطينيين

الجمعة 17 مارس 2017 12:03 م

في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتحت ضغط من الرئيس الأمريكي المنتخب «دونالد ترامب» و(إسرائيل)، سحبت مصر مشروع قرار بمجلس الأمن بالأمم المتّحدة يدين التوسّع في بناء المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبالرّغم من أنّ مشروع القانون قد تمّ عرضه من جديد وإقراره، إلّا أنّ رضوخ الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» في قراره لـ«ترامب» كان أمرًا مثيرًا للاهتمام.

ويعكس انحياز «السيسي» إلى جانب «ترامب» تدهور العلاقات بين مصر والفلسطينيين. ويقترن هذا مع الخطاب المعادي للفلسطينيين من جانب نظام «السيسي»، والذي ظهر على نطاقٍ واسع من خلال وسائل الإعلام المصرية.

ويشير هذا إلى أنّ التعاون المستقبلي بين «السيسي» و«ترامب» ليس مجرّد احتمال، بل وسيأتي على حساب الفلسطينيين، لاسيّما هؤلاء داخل مصر.

العداء التاريخي

ومقارنةً بالدّول العربية الأخرى، فإنّ حجم المجتمع الفلسطيني في مصر صغير نسبيًا. وحاليًا، يتواجد فقط نحو 80 ألف فلسطيني يقيمون في مصر. وخلافًا لما في لبنان والأردن وسوريا، فإنّ اللاجئين الفلسطينيين في مصر لا يحظون برعاية وكالة الأمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا). وأيضًا، مع بعض الاستثناءات القليلة، هم لا يعيشون معًا في مجتمعات مغلقة، وبالتّالي فهم أقلّ وضوحًا.

وتوتّرت العلاقة بين مصر والفلسطينيين بشكلٍ تدريجي خلال الخمسين عامًا الأخيرة. وبعد عصر ذهبي من العلاقات تحت حكم الرئيس «جمال عبد النّاصر»، تدهورت العلاقة في ظلّ حكم الرئيس «أنور السادات»، الذي أصبح رئيسًا لمصر عام 1970. وعلى عكس «عبد الناصر»، الذي اتّخذ نهجًا عدائيًا تجاه (إسرائيل) ومنح المزيد من الحقوق للفلسطينيين في البلاد، سعى السادات للتقارب مع (إسرائيل)، ووقّع في النهاية معاهدة السلام بين مصر و(إسرائيل) عام 1979.

تفاقمت العلاقة بين مصر والفلسطينيين. واغتالت مجموعة من الفلسطينيين المعارضين لمعاهدة السلام، وزير الثقافة المصري «يوسف السباعي». وفي جنازة «السباعي»، أعلن رئيس وزراء مصر «مصطفى رياض»: «لا فلسطين بعد اليوم!».

وألغى «السادات» امتيازات المعاملة للفلسطينيين كالمصريّين، والتي كان قد وضعها «عبد الناصر»، وخلق ذلك الكثير من الصّعوبات أمام الفلسطينيين الذين حاولوا الحصول على التعليم أو العمل أو السفر إلى الخارج. وجاء «حسني مبارك» ليسير على نهج «السادات»، وأصبحت مصر في عهده هي حليف (إسرائيل) الأقرب في المنطقة.

وأثناء ثورة عام 2011، ارتفعت المشاعر الإيجابية تجاه الفلسطينيين، وكان هناك استياء بين الثوّار من العلاقة الدافئة بين «حسني مبارك» و(إسرائيل)، وأطاحت به الثورة في النهاية. وبعدها ظلّت المشاعر الدافئة تجاه الفلسطينيين بارزة، ووقعت احتجاجات ضخمة ضد السفارة الإسرائيلية في القاهرة. ثمّ جاء الرئيس «محمّد مرسي»، والذي اتّخذ نهجًا أكثر ودّية مع الفلسطينيين.

ومع ذلك، منذ صعود «السيسي» للسّلطة، ساءت ظروف التمييز ضدّ اللاجئين الفلسطينيين في مصر. وبعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بـ«مرسي» عام 2013، بدأ الجيش ما يشبه عمليات مطاردة الساحرات ضدّ أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الحزب الذي ينتمي له «مرسي». ولدى حماس، التي تحكم قطاع غزّة، صلة بجماعة الإخوان المسلمين. ونظرًا للارتباط الوثيق الذي تظهره وسائل الإعلام المصرية بين حماس والفلسطينيين، انحدر الرأي العام تجاه الفلسطينيين، الأمر الذي أثّر بشكلٍ خطير على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في البلاد.

سياسات «السيسي» توافق خطابه

ويتجلّى خطاب «السيسي» الذي ينتقص من قدر الفلسطينيين في سياساته. وقد سعى، على سبيل المثال، إلى علاقات أقوى مع (إسرائيل) أكثر من أي ممّن سبقوه، معلنًا: «سوف نصل إلى صفحة جديدة من التعاون، لن تكون أقل، إن لم تكن أفضل، من اتّفاق السلام بين مصر و(إسرائيل) عام 1979».

وهو يعمل أيضًا على إغلاق معبر رفح، وقد خلق منطقة عازلة بين سيناء وقطاع غزة. وقد عزّزت تلك الإجراءات من حصار (إسرائيل) على قطاع غزّة منذ بدأ منتصف عام 2007.

ومنذ يوليو/تموز عام 2013، فتحت مصر معبر رفح مرّات قليلة لأيّام متتالية، وغالبًا ما يكون لعدد من الساعات فقط خلال اليوم مع فرض قيودٍ شديدة. وقد أدّت هذه الإجراءات إلى استياء مبعوث الأمم المتّحدة في الشرق الأوسط، والذي انتقد مصر للعمل على زيادة معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة.

ووفقًا لنظام «السيسي»، فقد أغلق المعبر لدواعٍ أمنية. ومع ذلك، فمن المعروف للجميع أنّ القرار له دوافع سياسية، وهي الحقيقة التي أكّدها المتحدّث باسم القوّات المسلّحة المصرية، والذي أخبر صحيفة مدى مصر الإلكترونية أنّه «لا يوجد خطر على الحدود بين مصر وغزة».

وفي عام 2014، اتّخذت الحكومة المصرية إجراءاتٍ أكثر عدائية تجاه غزة، حيث خلقت منطقة عازلة بين قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، كما تورّطت بإغراق الأنفاق القادمة من غزة، ودمّرت المئات من المنازل على الحدود مع غزة. وتبع تلك الإجراءات سلسلة من الهجمات استهدفت القوّات الأمنية المصرية شمال سيناء. وقد أعلنت جماعة تعمل في سيناء مسؤوليتها عن الهجوم الذي أودى بحياة أكثر من 30 من الجنود المصريين. ومع ذلك، استغلّت السلطات المصرية الموقف لصالحها، وحمّلت حماس وشبكة أنفاق التهريب بين القطاع وسيناء، المسؤولية.

وقد ذهبت هجمات نظام «السيسي» السياسية ضدّ الفلسطينيين إلى أبعد من المعبر الحدودي مع غزة. وبموجب حكم محكمة في مارس/آذار عام 2014، حظرت مصر جميع أنشطة حماس وأغلقت كل مكاتبها في مصر. وفي فبراير/شباط عام 2015، أعلنت محكمة مصرية أخرى حركة حماس منظمّةً إرهابية.

وانتقد لفيف من القيادات رفيعة المستوى في حماس حكم المحكمة الذي وصف حماس بالمنظّمة الإرهابية، واصفين الحكم بأنّه «الخطأ الأكبر ضدّ المقاومة الفلسطينية» كما جاء في جريدة الأهرام المصرية المملوكة للدولة، وأنّه «انحراف عن موقف مصر المستقر منذ فترةٍ طويلة بدعم القضية الفلسطينية» كما جاء في مرصد الشرق الأوسط.

وجاء اغتيال النائب العام المصري «هشام بركات» في يوم 29 يونيو/حزيران عام 2015 ليزيد من ضعف العلاقات بين نظام «السيسي» وحماس. وألقى وزير الداخلية المصري «مجدي عبد الغفّار» بمسؤولية الهجوم على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المقيمين في تركيا. كما زعم أيضًا أنّ حماس «قد وفّرت التدريبات للمجموعة المنفذة وشاركت في التخطيط أيضًا». وقد زاد هذا التصريح من الضّغط على العلاقات المتدهورة في الأساس بين مصر وحماس.

تواطؤ وسائل الإعلام في حملة التشويه

وساهمت وسائل الإعلام المصرية في نشر صورة سلبية عن الفلسطينيين. حتّى وسائل الإعلام التي من المفترض أن تكون مستقلة فقد تبنّت رواية النّظام حول القضية. وهذا نتيجة استخدام النظام «السيسي» للقبضة الأمنية لتكميم الأفواه والحدّ من حريّة الصحافة وسجن الصحفيين. وقد حدّت هذه الإجراءات من وجود تغطيات صحفية مستقلة وأخرست الأصوات الناقدة، بما في ذلك من خلال الرقابة الذاتية.

وكانت التغطية الإعلامية المصرية للهجوم الإسرائيلي على غزة عام 2014 خير مثال على النهج السلبي تجاه الفلسطينيين. وألقت معظم التغطيات باللوم على حماس بدلًا من (إسرائيل)، في الصراع المشتعل في غزة. وقال الإعلامي «أحمد موسى»، موجهًا الكلام للفلسطينيين: «لديكم احتلالان، الاحتلال الإسرائيلي واحتلال حماس. وحماس هي سبب كل ما يحدث لكم الآن».

وذهبت المضيفة التلفزيونية «أماني الخياط» إلى أبعد من ذلك، حيث أكّدت أنّ حماس تسبّبت عمدًا في الصراع. وزعمت أنّ حماس في حاجة إلى انتصارٍ سياسي للتغطية على مشاكلها المالية الواسعة وكوسيلة ضغط في تنافسها مع السلطة الفلسطينية.

كما أثارت العديد من وسائل الإعلام شائعة حول اتّفاق حماس وجماعة الإخوان المسلمين على إقامة دولةٍ فلسطينية في شبه جزيرة سيناء. وزعمت هذه الوسائل أيضًا أنّ حماس قد نفّذت عدّة هجمات على السّجون المصرية في الأعوام الأخيرة لتحرير سجناء من جماعة الإخوان المسلمين.

مستقبل التعاون المحتمل بين «السيسي» و«ترامب»

ونتيجةً لهذا العداء المتزايد بين النظام المصري وحماس، والصورة السلبية للفلسطينيين التي يروج لها الإعلام، أصبحت الحياة في مصر أكثر صعوبة للاجئين الفلسطينيين. وقد أدّى التوتّر في العلاقة إلى حوادثٍ أكثر عنفًا، وإلقاء القبض على الفلسطينيين، والخوف المتزايد من الاضطهاد بين أعضاء المجتمع الفلسطيني داخل مصر.

وحقيقة أنّ «السيسي» سحب مشروع القرار من مجلس الأمن بالأمم المتّحدة لأنّ «ترامب» طلب منه ذلك، يأتي دليلًا فعليًا على اتّجاه العداء تجاه فلسطين والفلسطينيين في مصر. وفي المستقبل، قد يصبح هذا العداء حجةً لتعاون أوثق بين «ترامب» و«السيسي» و(إسرائيل). وعلى هذا النحو، فلن يتحقّق أيّ تحسنٍ في ظروف الفلسطينيين المقيمين بمصر في أيّ وقتٍ قريب.

المصدر | مفتاح

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي القضية الفلسطينية معبر رفح حصار غزة