استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الإسـلاموفوبيا: من التصريحـات إلى الممارسـة

الأربعاء 22 مارس 2017 09:03 ص

من الضرورة بمكان ان لا يحصر المراقب نظرته للغرب وحقيقة مواقفه بمفردات الاوضاع السياسية، بل عليه ان ينظر للخيط الذي يجمعها لكي يتعرف على شكل المسبحة كاملة. فثمة مفردات جديدة لا يمكن تفسر الحقيقة الغربية الا بها مجتمعة:

أولا: صعود ذوي التوجهات المتطرفة وفي مقدمتها دونالد ترامب واحزاب اليمن المتطرف، وبداية تصدع الاتحاد الاوروبي نتيجة ذلك.

ثانيها: ظاهرة الهجرة التي كانت في بؤرة الاهتمام والسجال العام الماضي وما تزال كذلك،

ثالثها: الموقف الغربي من الإسلام بعمومه، خصوصا في ضوء قرار المحكمة الاوروبية حول ارتداء الحجاب الإسلامي في مكان العمل.

رابعها: التحالفات الجديدة ـ القديمة مع بعض اصحاب القرار في العالم العربي،

خامسا: منطلقات تراجع المشروع الغربي في مجالاته الاخلاقية والسياسية.

ولكل من هذه المفردات ظروفها ومعطياتها ومتضمناتها. ومن المؤكد ان النظر لكل منها بشكل مفصل والاستغراق في تحليلها بعيدا عن علاقتها بالاخريات، مع عدم البحث عن الخيط الجامع لها لن يظهر الصورة كاملة.

في البداية لا بد من الاعتراف بان عدم منح خيرت فيلدرز، مرشح اليمين المتطرف في هولندا يؤكد ان الشعوب الغربية ما تزال تحتفظ بقدر من التوازن في مواقفها وترفض التطرف، ايا كان شكله. فهي لا تقبل بالتطرف في الجانب الإسلامي كما ترفض التطرف في اوساطها. فقد كانت اوروبا على موعد مع انطلاق تلك الظاهرة التي لن ينحصر ضررها بالمسلمين المستهدفين مباشرة من قبلها، بل على التحالف الاوروبي المتمثل بالاتحاد الاوروبي.

فمجموعات التطرف اليميني لديها نزعات «شعبوية» تتناقض مع الرغبة في التوحد او الانصهار في البوتقة الاوروبية. وهذه ظاهرة مشتركة مع الرئيس الامريكي الذي لا يخفي رفضه اوروبا الموحدة، وسروره بخروج بريطانيا من الاتحاد، وتشجيعه الدول الاخرى على الانسحاب منه. كما ان الاحزاب اليمينية هي الاخرى لا ترغب في البقاء ضمن اوروبا الموحدة.

في بريطانيا يمثل حزب «الاستقلال» الذي أسسه نايجيل فرج، تجسيدا لنزعة الانفصال بدوافع منها الوطنية ومنها التعصب وغياب الوعي بمزايا الوحدة. والاحزاب الاخرى في فرنسا وهولندا والمانيا هي الاخرى تدفع باتجاه الانسحاب من الوحدة الاوروبية. والمسألة الاخرى ان من يسعى لفك الترابط الاوروبي يحرص كذلك على نزعة المفاصلة مع العالم الخارجي، فهو انفصالي، منطو على الذات، يشعر بالعظمة الذاتية وتملأه مشاعر الاستعلاء والتكبر، وكراهية الغير والرغبة في استئصال الآخرين.

هذه الطبيعة غريبة عن الفطرة الانسانية، يرفضها الاوروبي كما يرفضها الشرقي، ولا يتشبث بها الا من لا يقف على ارضية صلبة من الاخلاق والمشاعر الانسانية. ويمكن افتراض ان فشل اليمين المتطرف بالفوز في الانتخابات الهولندية مؤشر لرفض ذلك التطرف من قبل الشعوب الاوروبية.

هذه الشعوب تؤمن بان وحدة اوروبا مفيد لها جميعا على الصعدان السياسية والاقتصادية والامنية. وثمة توقع بعدم فوز مرشحة اليمين المتطرف الفرنسي، وان السيدة جين ماري لوبان، لن تنجح في نهاية الانتخابات حتى لو حققت فوزا في الجولة الاولى منها.

المسألة الاخرى ذات الاهمية في السجال تتمثل بظاهرة اللجوء، التي يمكن اعتبارها نقطة البداية في الاضطراب السياسي والايديولوجي الذي يجتاح القارة الاوروبية. وهنا يسعى الساسة الغربيون لتجاوز الحديث عن اسبابها. فهي لم تأت من فراغ، بل من اوضاع سياسية ساهم الغربيون في اذكائها. وليس من قبيل الصدفة ان تنتعش الظاهرة في مرحلة ما بعد الربيع العربي.

وهنا يجب التأكيد على الدور الغربي في وأد الثورات العربية ومنع التغيير. فبدلا من التزام الغرب بعموديه الاساسيين في السياسة الخارجية، كما يفترض، وهما حقوق الانسان والديمقراطية، فشلت امريكا واوروبا في دعم تلك التوجهات، ولم تكتف بذلك بل ساهم بعضها في دعم الانظمة لقمع الثورات مع استمرار دعم الاحتلال الاسرائيلي.

وازداد الامر سوءا بالتدخلات العسكرية خصوصا مع غياب سياسات لما بعد التغيير، وبذلك انتشر العنف والإرهاب والتطرف، وانعدم الامن وساد الخوف، الامر الذي دفع الكثيرين للهرب من ذلك الجحيم الذي لا يطاق. وتوجه اغلب هؤلاء إلى اوروبا الامر الذي ادى إلى تدفق اللاجئين باعداد كبيرة في العامين الماضيين. هذه الظاهرة وفرت الوقود لذوي الاتجاهات اليمينية المتطرفة في الغرب، حتى آلت الاوضاع إلى ما هي عليه الآن. 

وساهم صعود دونالد ترامب للرئاسة الامريكية في تشجيع هذه الاتجاهات، بل اضاف للنار وقودا عندما اصدر قراره بمنع مواطني سبع دول مسلمة من دخول الولايات المتحدة الامريكية. وهناك اعتراضات عديدة على ذلك القرار حيث ان المحاكم في عدد من الولايات الامريكية رفضت تطبيق ذلك القرار حتى بعد ان استثنى العراق من الحظر وحصره بست دول فحسب.

مع ذلك كان لذلك المنع اصداء تناغمت مع تفكير ذوي التوجهات المتطرفة في اوروبا. وبدلا من ممارسة الولايات المتحدة دورا قياديا بنشر السلام والامن في ربوع العالم جاء صعود ترامب وتصريحاته وقراراته وتوجهاته كارثة على الامن الانساني وعلى محاولات تعميق الحوار والثقة بين الاعراق والاجناس والاديان والحضارات.

البعد الثالث للازمة الحضارية التي يعيشها العالم يتمثل بتطور العداء للإسلام خلال ثلث القرن الاخير. قبل ذلك كان استهداف الإسلام مؤسسا على الشعور بالاستعلاء والقوة لدى الغربيين الذين كانوا انتقائيين في ما يستهدفونه من مبادئ الإسلام وقيمه واحكامه.

بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران وتصاعد نفوذ الحركات الإسلامية التي تروج ما يسميه الغرب «الإسلام السياسي» استهدف الغربيون المشروع الإسلامي بما هو منافس فكري وايديولوجي وسياسي للمشروع الغربي. يومها انشغل الغربيون بمواجهة القوات السوفياتية التي اجتاحت افغانستان، وكان من نتيجة ذلك سقوط المشروع الشيوعي ونهاية الحرب الباردة.

وسعى الغربيون لمواجهة «الإسلام السياسي» في كافة المواقع، ابتداء من إيران وصولا إلى العالم العربي الذي شهد استهدافا كاسحا للحركات الإسلامية المعتدلة. وتعرضت الحركات الإسلامية المعروفة لقمع رهيب في الثمانينات، فاستهدف الاخوان المسلمون في مصر منذ بداية حكم حسني مبارك بعد اغتيال السادات في 1981، وقمعت حركة النهضة في تونس، وحوكم رموزها وفي مقدمتهم الشيخ راشد الغنوشي، واستهدف الإسلاميون في الجزائر والمغرب والاردن وسوريا والعراق والبحرين.

هذا في الوقت الذي كان الاحتلال الاسرائيلي ينكل بالفلسطينيين خصوصا بعد الانتفاضة الاولى في 1987. كان الاستهداف موجها للمشروع السياسي الإسلامي، وتم تجميد استهداف الدين كعقيدة وممارسة.

الفصل الحالي من المواجهة يختلف في طبيعته واهدافه عن الفصول السابقة. فبعد استهداف الحركات الإسلامية المعتدلة، وتشجيع التطرف وبث الطائفية والمذهبية، اصبح الطريق معبدا لاستهداف الإسلام كدين خصوصا في مظاهره المألوفة واهمها الحجاب الإسلامي. بدأت المواجهة باستهداف ظاهرة النقاب التي انتشرت في بلدان عربية وإسلامية قبل ان تصل إلى العواصم الغربية.

في الفترة الاخيرة اصبح لدى الغربيين قناعة مختلفة. فقد استهدف الإسلام كدين، وتحدث العديد من المفكرين بان مشكلة العنف انما هي نتيجة عملية للنصوص القرآنية، وان الإسلام كدين وعقيدة يدعو للعنف ويشجع عليه. ساهم ذلك في تعميق الشعور بضرورة التصدي للإسلام كدين، واضعاف الظاهرة الدينية ما امكن. 

وفي الشهور الاخيرة تصاعدت ظاهرة الإسلاموفوبيا بوتيرة مقلقة، واستهدفت المساجد والمؤسسات الإسلامية تارة بالحرق واخرى بالتشويه الإعلامي وثالثة بالتشكيك في مدى التزامها بالقانون. بعد استهداف النقاب اصبح المجال مفتوحا لاستهداف الحجاب ايضا، أي التصدي للظاهرة الدينية بعيدا عن مدى ارتباطها بالإسلام السياسي.

وفي الاسبوع الماضي صدر قرار عن محكمة العدل الاوروبية يسمح للشركات وارباب العمل بـ «منع الموظفين من ارتداء اي رمز او لباس له دلالة سياسية او فلسفية او دينية». وكانت هذه القضية قد وصلت إلى المحكمة، بعد دعوى رفعتها عاملة استقبال مسلمة ترتدي الحجاب بعد طردها من عملها، في فرع شركة (جي فور إس) الأمنية في بلجيكا، وقد أحالت محكمة الاستئناف البلجيكية القضية إلى محكمة الأوروبية للاستيضاح فأصدرت قرارا لم يكن بالحسبان.

فقد كان الانطباع السائد ان المجتمع الغربي اصبح يقبل الحجاب وان كان متحسسا ازاء النقاب. وهنا تضارب كبير بين الضوابط الادارية للشركة المعنية ومباديء حقوق الانسان. فالاجدر ان تعطى قيم حقوق الانسان حاكمية على ضوابط الشركات، فاذا تضاربت هذه الضوابط مع حقوق الانسان، فلا يجوز الاخذ بها.

لكن الذي حدث هو العكس، فقد تم تطويع حقوق الانسان التي تمنح المرأة حق ارتداء ما تريد، لضوابط الشركة المذكورة، وهو انتقاص من القيمة المعنوية لحقوق الانسان، وعودة إلى ما قبل التوافق بشأنها، اي العودة لظروف الحرب العالمية الثانية التي افتقرت للقيم والمبادئ.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الإسلاموفوبيا صعود اليمين العنصري الشعبوية الغرب الهجرة الإسلام السياسي الحجاب الاتحاد الأوروبي