«سايمون هندرسون»: «بن سلمان» سعى لتقديم أوراق اعتماده إلى الإدارة الأمريكية.. و«ترامب» قابله بكثير من الفتور

الخميس 23 مارس 2017 06:03 ص

كانت وسائل الإعلام الأمريكية صامتة نوعا ما خلال الزيارة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» إلى واشنطن الأسبوع الماضي، ولم يبد أنها تأثرت كثيرا بالعصارة المثيرة التي أوردها البيان الرسمي الذي قال إن «محمد بن سلمان» أخبر الرئيس «ترامب» أن المخابرات السعودية أكدت أن هناك مؤامرة ضد الولايات المتحدة كان يجري التخطيط لها في الدول الست التي تم منع مواطنيها من دخول البلاد. كما لم يغرهم نقل تصريحات مسؤول سعودي كبير «مجهول الهوية» والذي أشاد باجتماع المكتب البيضاوي وحفل العشاء مع «ترامب» باعتباره «نجاحا كبيرا» و «نقطة تحول تاريخية» في مسار العلاقات، إضافة إلى ثنائه على «الفهم الكبير للرئيس ترامب لأهمية العلاقات بين البلدين»، و«رؤيته الواضحة لمشاكل المنطقة».

ولكن ليس من قبيل المصادفة أن الكثير من التغطية الإعلامية العربية رددت هذا الخط. وكان الجانب السعودي يعتزم توظيف الزيارة لإعادة ضبط العلاقات مع واشنطن بعد سنوات «أوباما»، فضلا عن تعريف الإدارة الجديدة بالشاب الذي يبدو أنه من المقرر أن يكون الملك القادم للمملكة العربية السعودية.

حضور باهت

نجحت مهمة إعادة الضبط بالفعل، لكن ينبغي تأجيل الحكم بشأن المكاسب الشخصية لـ«محمد بن سلمان». لا يزال «بن سلمان»، الشاب البالغ من العمر 31 عاما، غير مرتاح إلى حقيقة أن ابن عمه الأكبر سنا، «محمد بن نايف»، لا يزال هو ولي العهد، وهو لا يزال غير راغب في السماح لـ«محمد بن سلمان» بالقفز فوقه. سوف يتعين على إدارة «ترامب» التعامل مع البديلين المحتملين للقيادة في السعودية، وربما يكون من السابق لأوانه أن تقرر من تفضله.

التنافس بين الرجلين هو حقيقة واقعة وليس راجعا إلى خيالات الأجانب. في الأسبوع الماضي، عاد المدون السعودي المجهول «مجتهد» الذي يكتب على تويتر، والذي يظهر أنه مطلع بشكل جيد على شؤون العائلة المالكة إلى التغريد من جديد. وأفاد «مجتهد» أن «المحمدين» يحاولان تجنب إظهار أي خلافات بينهما إلى العلن، ولكن كل منهما حريص على كسب القبول، ليس فقط داخل أسرة آل سعود، ولكن في الولايات المتحدة أيضا.

على مستوى سباق النقاط، قد يكون «محمد بن نايف» هو من يضحك الآن على رحلة «محمد بن سلمان». على الرغم من الصور الملتقطة وحرس الشرف، جاءت مغادرة «محمد بن سلمان للولايات المتحدة منخفضة المستوى بشكل ملحوظ. لا وجود لحشود المعجبين، ولكن مجرد طائرة أقلعت في الثانية والنصف صباحا بعد  يوم واحد من الاجتماع مع وزير الدفاع «جيمس ماتيس» ورئيس هيئة الأركان المشتركة «جوزيف دانفورد»، بدلا من التوجه إلى نيويورك لعقد اجتماعات عمل كما كان متوقعا. ماذا حدث؟ كان الملك «سلمان»، والد «محمد بن سلمان»، في طريقه للعودة إلى المملكة بعد أن قضى رحلة آسيوية استمرت شهرا واحدا، وكان الأمير الشاب بحاجة للعودة إلى البلاد من أجل استقباله.

ورغم أن ادعاء الديوان الملكي أن أجازة الملك «سلمان» في جزر المالديف تم إلغاؤها بسبب تفشى أنفلونزا الخنازير بدا عذرا ملائما من الناحية الدبلوماسية، إلا أنه لا يمكن تصديقه تماما. وقالت صحيفة «فاينانشيال تايمز» إن السياسيين المعارضين في البلاد خلقوا ضجة واسعة بسبب الترتيبات المفترضة للتنازل عن مجموعة من الجزر لصالح السعودية. ووجد أعضاء الوفد المرافق للملك الذين كانوا يأملون في الاستجمام في اثنين من المنتجعات وغمس أقدامهم في المحيط الهندي أنفسهم في الرياض في وقت مبكر بما يعني أن مهمة «محمد بن سلمان» في واشنطن، أيا ما كانت، قد انتهت في وقت مبكر. وعلى الرغم من الحديث حول إعادة ضبط العلاقات، فإن الصور ومقاطع الفيديو في واشنطن أظهرت برودة في تعامل واشنطن مع «محمد بن سلمان». ربما كان الرئيس الأمريكي غاضبا من أن الشاب السعودي لم يظهر ما يكفي من الإذعان.

تباينات.. ومصالح مشتركة

في نهاية المطاف بالطبع، فإن الاختلافات في السياسات، وليس الاختلافات الشخصية، ستكون أكثر أهمية. الجميع في القيادة السعودية يتقاسمون مع إدارة «ترامب» وجهة نظر مشتركة حول المخاطر التي تشكلها إيران. ولكن هناك فجوة في مواقف كل منهما بشأن الحرب في اليمن، وكيف يمكن للمملكة أن تخرج منها على أفضل وجه. وقد حقق السعوديون تقدما ضئيلا في القتال ضد الحوثيين المدعومين من إيران، وربما تكون واشنطن تشعر بالأسف اليوم لتقديمها الدعم الأولي للحرب، وهو امتياز قدمته واشنطن إلى الرياض لتهدئة مخاوفها بشأن الاتفاق النووي مع إيران. في حين يستمر الجيش السعودي في إثبات أنه، على حد تعبير مسؤول في البنتاغون في إدارة «أوباما»، نمر من ورق.

وبينما كانت طائرة «محمد بن سلمان» في طريقها إلى الوطن، قامت مروحية يشك أنها تابعة للتحالف الذي تقوده السعودية بإطلاق النار على زورق للاجئين، يحمل صوماليين هربوا من الحرب الأهلية اليمنية. وقد أودى الحادث بحياة 42 شخصا، ولكن من وجهة نظر واشنطن كان الأمر الأسوأ هو التقرير الذي أشار أن مروحية أباتشي أمريكية الصنع هي التي تم استخدامها في القصف. وهذا يعني أن المتسبب في الحادث إما السعودية أو الإمارات العربية المتحدة. ولكن الإمارات العربية المتحدة أصدرت نفيا رسميا. (الشكوك حول الدور السعودي تقوم على الحكم بأن طياريها كانوا غير قادرين على القيام بالهجوم، ليلا وفي عرض البحر). وكانت الولايات المتحدة بالفعل في مأزق حول استئناف إمدادات القنابل إلى القوات الجوية السعودية في العام الماضي بعد تقارير متزايدة حول سقوط قتلى من المدنيين. وستؤدي صور اللاجئين الميتين الذين تم انتشالهم إلى زيادة تعقيد هذا التحول في السياسة.

وبينما تظل اليمن شوكة في خاصرة العلاقات السعودية الأمريكية، يبدو أن البلدين يجدان أرضية مشتركة في العلاقات الاقتصادية. وقال البيان السعودي إن تغييرات «ترامب» في السياسة الأمريكية تتزامن مع التغيير الجاري في المملكة العربية السعودية من خلال «رؤية 2030»، وهو مخطط «محمد بن سلمان» للتحول الاقتصادي في المملكة. تحدثت قراءات البيت الأبيض الرسمية عن «التعاون الاقتصادي الموسع الذي يمكن أن يخلق ما يصل إلى مليون وظيفة أميركية مباشرة في غضون السنوات الأربع المقبلة، إضافة إلى الملايين من الوظائف الأمريكية غير المباشرة، فضلا عن فرص العمل في المملكة العربية السعودية». كما تحدث عن صفقات بقيمة 200 مليار دولار تتراوح بين الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة خلال السنوات الأربع المقبلة.

كل شيء يأتي بثمن

قد تكون هذه الصفقة محببة إلى «ترامب»، ولكن، كما هو الحال دائما، فإن كل شيء يأتي بثمن. وكما قال وزير النفط السعودي «خالد الفالح» لصحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، الصادر في عام 2016 أثار التوتر في العلاقات الأميركية السعودية، ويهدد بتقليص الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة. وأكد «الفالح» أن القانون سيكون أحد الاعتبارات التي ستحكم قرار المملكة إدراج أسهم شركة أرامكو النفطية السعودية المملوكة للدولة، المقرر أن يكون الاكتتاب الأكبر في التاريخ، في البورصات الأمريكية.

وجاء القانون، المعروف باسم جاستا، نتيجة للعدد الكبير من السعوديين الذين شاركوا في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، وهو يسمح لضحايا الإرهاب الأمريكيين بتقديم دعاوى مدنية في المحكمة الفدرالية ضد المملكة التي تحميها الحصانة السيادية. كان «ترامب» مؤيدا بشدة لهذا التدبير، ويريد السعوديون على الأقل أن يقوموا بتعديل القانون، ولكنهم عملوا على هذه القضية دون جدوى، على الرغم من أنشطة الضغط التي تكلفت عدة ملايين من الدولارات.

هذه التعقيدات المتداخلة تجعل حسابات التفاضل والتكامل في واشنطن أكثر تحديا. ومن الواضح أن هناك اتفاقا على العمل معا، ولكن اليمن مشكلة فورية، مما يفسر تركز النقاش حول كيفية التصدي للتهديد الأوسع الذي تشكله إيران، وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى. ومع ذلك، فإن المصالحة العامة بين السعودية والإمارات مع (إسرائيل) على أرضية الخوف من إيران لا تزال بعيدة المنال. واتهم البيان السعودي إيران بعرقلة التوصل الى اتفاق «لتسوية القضية الفلسطينية»، لكنه تجنب أي إشارة إلى (إسرائيل).

سوف تقع على عاتق مستشاري «ترامب» مهمة التصدي لهذه الصعوبات. وكان كبير مستشاريه الاستراتيجيين «ستيفن بانون» وكذلك مستشاره المقرب وزوج ابنته «جاريد كوشنر» حاضرين في اجتماعات البنتاغون وكذلك غداء البيت الأبيض. وفى الوقت نفسه، كان محامي «ترامب» ومستشاره للشؤون الإسرائيلية «جيسون جرينبلات» فى القدس ورام الله يتحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» والرئيس الفلسطينى «محمود عباس».

في بعض الأحيان تبدو الأحداث العالمية ساخرة وتحمل في قلبها نبوءات ذاتية. ختمت زيارة الملك «سلمان» لآسيا الأسبوع الماضي بزيارة رفيعة المستوى للصين حيث تم استقباله هو ووفده من قادة الأعمال السعوديين من قبل القيادة العليا في البلاد، وتم إبرام صفقات بقيمة 65 مليار دولار. وفى 19 مارس/أذار، كان الزعيم الأجنبي الآخر الذي حط رحاله في بكين هو رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو».

تبدو الخطوط العامة واضحة. سوف تكون المصالح هي مفتاح التحالفات السياسية الأعمق. هناك الكثير من مساحات التلاقي بين المملكة العربية السعودية و(إسرائيل) بشكل أكبر مما يعترف به آل سعود. فهل نحن في انتظار صفقة كبيرة؟

المصدر | سايمون هندرسون- فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

السعودية الولايات المتحدة ترامب حرب اليمن محمد بن سلمان العلاقات السعودية الأمريكية