«إيكونوميست»: روسيا تؤكد قوتها في الشرق الأوسط بدعم المستبدين

الخميس 23 مارس 2017 11:03 ص

بدت قبعات الفرو الأسود غير متناسبة مع أمراء الحرب في ليبيا. ولكنها أمر ضروري في فصل الشتاء في موسكو، التي أصبحت محطة رئيسية لقادة الشرق الأوسط مثل «خليفة حفتر» الذي زار موسكو مرتين في عام 2016، ومنافسه، «فايز السراج»، رئيس الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، الذي عايش نفس الشعور عندما زار موسكو. وكل من القادة التالية أسماؤهم مثل العاهل الأردني الملك «عبد الله» والرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» ورئيس الوزراء «بنيامين نيتنياهو» قد تواجدوا في الكرملين مع «فلاديمير بوتين» هذا العام.

إن وجود هؤلاء الزوار هو علامة على نشاط روسيا المتنامي في الشرق الأوسط. وكما يقول «أندريه كورتنوف» الذي يعمل في مجلس الشؤون الدولية الروسي، وهو مؤسسة فكرية: «السياسة الروسية أوسع من سوريا»، وتشمل مصالح روسيا في المنطقة المصالح الأمنية، ومبيعات الأسلحة والنفط ولكن الأكثر أهمية هو أن الشرق الأوسط يوفر منصة لتعزيز مكانة روسيا كقوة عالمية. ويقول «فيودور لوكيانوف» من مجلس الدفاع والسياسة الخارجية، وهي هيئة استشارية حكومية:«هؤلاء الذين لديهم مواقف قوية في الشرق الأوسط سيكون لهم مواقف قوية في العالم».

لقد كان وجود روسيا بمثابة متحكم في ميزان القوى في سوريا عاملا مساعدا على بناء العلاقات روسيا في المنطقة. وقد أعلن «ميخائيل بوغدانوف» الذي يقود دبلوماسية روسيا في الشرق الأوسط أن «التعاون بين روسيا والعالم العربي آخذ في الارتفاع». إن روسيا تعمل أيضا في سد الفجوات بين السنة والشيعة وبين العرب و(إسرائيل). ففي الوقت الذي تقاتل في روسيا إلى جانب إيران، ساعد «بوتين» في التوسط في اتفاق النفط مع السعودية. وقد بنت موسكو أيضا علاقة مع «عبد الفتاح السيسي»، وقامت بإصلاح العلاقات مع تركيا بعد إسقاط طائرة روسية فوق سوريا، وما زالت محافظة على علاقات ودية مع «نتنياهو» في (إسرائيل)، بل إنها تتحين الفرصة للقيام بدور أكثر نشاطا في التوسط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما يقول «مارك كاتز» من جامعة «جورج ميسون»: «إنهم يخرجون من طريقهم للتحدث مع الجميع وهي الطريقة لا يقوم بها الأمريكيون».

بل إن روسيا نجحت في تحقيق إنجازات طفيفة مع الحلفاء التقليديين لأمريكا. حيث قامت مؤخرا بإقامة قاعدة لتدريب ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردية، وهي جماعة مدعومة من الولايات المتحدة في سوريا. وتعهدت بجذب الاستثمار القطري في روسيا العام الماضي عبر روسنفت، عملاقة النفط المملوكة للدولة. وقامت دولة الإمارات بشراء دفعة من مقاتلات سوخوي. ويقول دبلوماسي غربي «شئنا أم أبينا، لا يمكن الآن الاستغناء عن روسيا في الشرق الأوسط».

وبينما تشعر الحكومات الغربية بقلق خاص إزاء ليبيا، تساعد روسيا «حفتر» وهو رجل قوي علماني يحظى بإعجاب «بوتين». ويقول مسؤولون أميركيون أنه تم رصد القوات الخاصة الروسية بالقرب من «سيدي براني» في مصر، على مقربة من الحدود الليبية، فيما نفى مسؤولون روس ذلك. ووقعت شركة روسنفت مذكرة تعاون مع المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا.

تصر روسيا على أن مشاركتها مع السيد «حفتر» هي من أجل الحوار والسلام في نهاية المطاف. وكما يقول «أندري باكلانوف»، نائب المدير التنفيذي لجمعية الدبلوماسيين الروس: «إن قوات حفتر لديها إمكانيات كبيرة للتأثير في الأحداث، ومع ذلك لا يزال العديد من المسؤولين الغربيين قلقين».

روسيا الواقعية

ويقول «دانيال كورتزر»، السفير الأميركي السابق لدى كل من (إسرائيل) ومصر: «إن قدرة روسيا على التجول في المنطقة ينبع إلى حد كبير من انحسار النفوذ الأميركي. هذه هي المنطقة التي يجب أن تعرف القوى الكبرى كيف تلعب مع بعضها البعض». ويقول «فيتالي نعومي» من معهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم أن الأهداف الروسية محدودة وقد لا يوجد «لا رغبة ولا موارد» لتصبح قوة مهيمنة جديدة في المنطقة.

 وكما يقول سفير روسي سابق،«نحن واقعيون، يمكن مقارنة الأرقام». اقتصاد روسيا هو واحد على عشرة من حجم اقتصاد أمريكا. الإنفاق على الدفاع يقارب 11% من إنفاق أميركا من حيث القيمة الدولارية. وعلى النقيض من العهد السوفيتي، روسيا اليوم لا تشجع أنظمة بديلة للحكم. بدلا من ذلك، هي تدعو إلى الاستقرار. «الموقف الروسي هو ما يلي: الحفاظ على ما هو موجود هو السبيل الوحيد لتجنب الفوضى»، وكما يقول« لوكيانوف» حتى لو كان القادة الموجودين هناك من «أكلة لحوم البشر والقتلة أو المستبدين».

يقول «دميتري ترينين»، مدير مركز كارنيجي أن موقف موسكو بالعمل على الاستقرار ينبع جزئيا من تهديد الإرهاب الذي تتعرض له روسيا نفسها. «ترى روسيا أن المسافة بينها وبين الشرق الأوسط أقرب من المسافة بين باريس وبرلين علما أن المسافة بين حلب وبرلين أقرب من المسافة بين برلين وباريس حوالي 850 كيلومترا». ويقول مسؤولون أن 9000 مقاتل غادروا روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة إلى تنظيم الدولة الإسلامية.

لكن روسيا لا تملك الكثير لوقفهم وهذا ما يدعو روسيا للوقوف أمام سياسة تغيير النظام. وعندما بدأ الحكام المستبدون السقوط خلال الربيع العربي، فإن ذلك أيقظ مصلحة روسيا في المنطقة من هدوء طويل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. ينظر المسؤولون الروس إلى الاحتجاجات في العالم العربي، و«الثورات الملونة» في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق والمظاهرات في موسكو خلال 2011-2012 على أنها وصلات أميركية الصنع في نفس السلسلة. وقد كان قرار «بوتين» بالتدخل لدعم نظام «بشار الأسد» في عام 2015 يهدف في جزء منه إلى «وقف انتشار فيروس الربيع العربي». وأيضا العودة إلى علاقات متكافئة مع الولايات المتحدة بعد عزل الغرب لروسيا بشأن الأزمة في أوكرانيا.

ويقول «أليكساندر شوميلين» من المعهد الروسي للدراسات أن حملة القصف الوحشية في سوريا ساعدت في تحقيق ذلك. ولكنها عمقت مشاركة روسيا، وصاعدت التحديات. وعلى الرغم من النجاحات على أرض المعركة في سوريا، فإن الخروج من هناك لا يزال غير واضح. وقد أصبحت (إسرائيل) تشعر بقلق متزايد بشأن الوجود الإيراني طويل الأمد في سوريا كما ان استمرار المفاوضات حول مستقبل سوريا السياسي يتعثر، ومشروع قانون إعادة الإعمار الضخم ينتظر حتى انتهاء الأعمال العدائية. وكما يقول الأمريكيون، فإن تأمين السلام غالبا ما يكون أصعب من كسب الحرب.

المصدر | إيكونوميست

  كلمات مفتاحية

روسيا حفتر السيسي بشار الأسد بوتين الشرق الأوسط