«بلومبيرغ»: في مصر.. تجار الأسهم يربحون.. وتجار الفاكهة مهددون بالإفلاس

السبت 25 مارس 2017 07:03 ص

منذ خفضّت مصر قيمة عملتها، أصبح من السهل عليك بيع الأسهم عن العيش في القاهرة، ويكون الأمر أصعب لو كنت تبيع الفاكهة.

ويقول «مصطفى نجاتي» من شركة أرقام كابيتال أنّه كان قد بدأ القلق حول أنّ «هذه المهنة تحتضر». وقد غادر المستثمرون مصر منذ ثورة عام 2011، وساعدت القواعد الصارمة حول سعر الصرف على إبقائهم بعيدًا. ثم، قبل أربعة أشهر، سمح البنك المركزي بتعويم الجنيه. ويقول «نجاتي»: «الآن أصبحت أتواصل مع جميع أنواع العملاء. إنّه من الرائع كيف أنّ الأمور قد تغيّرت».

وعبر النيل، والذي تراه من خلال نافذة مكتب «نجاتي»، يوجد حي إمبابة، حي الطبقة العاملة، حيث يملك «جميل حسن » كشك بقالة. الأمور قد تغيّرت عنده أيضًا، وليس بطريقةٍ جيّدة. فبعد أن فقد الجنيه نصف قيمته، اشتعل التضخّم ليصل إلى 30%. وقال حسن: «لم يعد الناس يشترون 3 أو 5 كيلوغرامات من الفاكهة مرّة أخرى، إنّهم يشترون فقط حاجتهم ليومٍ واحد. لقد اعتدت على ارتفاع الأسعار، لكن ما يحدث الآن جنون».

ويوجد نحو 92 مليون مصري. وبالكاد يهتم بعضهم بأسعار الأسهم. لكنّ غالبيتهم يهتمون كثيرًا لأسعار الغذاء. لذا فإنّ الإصلاح الاقتصادي القائمة على تخفيض العملة يعدّ مخاطرة سياسية. وتقول الحكومة أنّه دواء مرّ لازم لعلاج الاقتصاد المعتل. لكن هل سيبقى الشّعب صابرًا حتّى ينطلق؟

يدعوهم الرئيس «عبد الفتاح السيسي» للنظر إلى المدى البعيد. ويقول إنّ الدولة قد نفدت منها الخيارات. وحتّى الآن، يبدو أنّ أمور الجنرال السابق بالجيش تسير على ما يرام، فالشّارع هادئ، والبرلمان مستأنس، ووسائل الإعلام تعبّر فقط عن الانتقادات السّطحية لحفظ ماء الوجه، إن وجدت.

إنّه لتناقض صارخ مع التعامل الذي تمّ مع محاولات الإصلاح السّابقة. وحين أراد الرئيس الراحل «أنور السّادات» تقليص دعم الغذاء عام 1977، اندلعت الاحتجاجات التي أجبرته على التراجع بعد يومين.

ومع استمرار الاضطرابات لسنوات بعد الإطاحة بـ«حسني مبارك» عام 2011، كانت الحكومات المتعاقبة، على الرغم من معاناتها من الضائقة المالية، تتحاشى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، خشية أن تكون مضطرة لاتّخاذ تدابير لا تحظى بالشعبية. وانتهت تلك المقاومة حين وقّعت مصر اتّفاقًا مع الصندوق في نوفمبر/ تشرين الثاني بقيمة 12 مليار دولار، بعد أسبوعٍ واحد من تعويم الجنيه وزيادة أسعار الوقود، والتي اعتبرت شروطًا مسبقة.

وقال «ياسر الشيمي»، الزميل الزائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أنّ الإرهاق والقمع يبقيان المصريين في هدوء حتّى الآن. وقد عانى الشعب من «الاضطرابات الاجتماعية والسياسية لأعوام»، في حين تخلي حكومة «السيسي» السّاحة من العمل السياسي، وقد زجّت بآلاف النّشطاء السياسيين في السّجن، وتمّ حظر جماعات المعارضة ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين.

وقال «الشيمي» أنّ هذه ليست صيغة للتغيير الدائم. وأضاف أنّ الأمر يشبه \حلّة الضّغط. ولعلّ الحكومة سترفع الغطاء قليلًا لكن بعد فوات الأوان. لكن حتّى الآن، فإنّ الخطة هي إبقاء هذا الغطاء مغلقًا بإحكام.

الأجانب مستفيدون

ولا تشعر الأسواق المالية بنفس الضغط. ويستفيد الأجانب من الجنيه الضعيف للاستثمار في الدين المصري، الذي تصل فائدته إلى 20%. وقد انتعشت البورصة إلى مستوىً قياسي في يناير/كانون الثاني، وإن كان ذلك فقط بالعملة المحلية. فقد كان المستثمرون من أوروبا والولايات المتّحدة ودول الخليج العربي يتدفّقون من جديد على القاهرة، لمقابلة المسؤولين والمصرفيين المحلّيين.وأقرّ

 نائب رئيس الوزراء السّابق، «زياد بهاء الدين»، في عمودٍ له بإحدى الصحف، بعد اجتماع إحدى المجموعات معه، بأنّ هذا تطورٌ مرحبٌ به، لكنّه لم يخبر بالقصّة كاملة. وقد كتب: «المشكلة أنّ الواقع الاقتصادي الذي يشهده الشّعب في حياته اليومية مختلف تمامًا. ومن الخطير أن تتسع الفجوة إلى هذا الحدّ».

هل يمكن عكس العملية؟

يقول الاقتصاديّون أنّ تعويم الجنيه ودعم صندوق النقد سيعمل في الوقت المناسب على زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وزيادة فرص العمل والصادرات. ويقول «نجاتي»، متداول الأسهم، أنّ سوق الأوراق المالية أيضًا لا يزال في مرحلة اختبار. وقال أنّه لديه عملاء الآن يفكّرون في ضخّ مبالغ أكبر، وهو الأمر الذي قد يبقي العمل في تزايد. لكنّه يقول، أنّ هؤلاء النّاس قلقون حول السياسة أيضًا.

وغالبًا ما يتناول« السيسي» هذا القلق في خطاباته. وفي ديسمبر/كانون الأول، ناشد الشّعب أن ينتظر فقط 6 أشهر، وسيشهد بعدها «تحسّن الأمور إلى الأفضل». وفي يناير/كانون الثاني، وعد المصريّين أنّه لن يتركهم «رهائن» لدى السّوق الحرّ، وأنّ الجنيه سيتعافى ليصل إلى قيمته العادلة، وهذا أيضًا في 6 أشهر. وفي الحقيقة، لم يكد يمر فبراير/شباط، وبقيت العملة بالقرب من أدنى مستوياتها بعد قرار التعويم. وكان يتداول عند 18.3 جنيه مقابل الدولار يوم الخميس.

وكانت حملة الرئيس على المعارضة السياسية لا هوادة فيها، لكن عندما يأتي الأمر للخطط الاقتصادية، فإنّه يكون مستعدًا لتغيير المسار إذا واجه معارضة. وفي وقتٍ سابق من هذا الشّهر، تمّ التراجع سريعًا عن اقتراح بتخفيض دعم الخبز بعد احتجاجاتٍ شعبية حول أفران الخبز، على الرّغم من أنّ الإجراء كان سيطال أقلية صغيرة من المصريّين.

لا تجرؤ

قال المسؤولون أنّ التضخّم سيصل إلى ذروته قريبًا. ولتخفيف الألم، تخطّط وزارة المالية لرفع شرائح الضرائب وتقديم خصومات للأفراد ذوي الدخل المنخفض، وكذلك توسيع برنامج الدّعم النقدي الذي يستهدف الـ 20% الأكثر فقرًا بين السّكان.

بالطّبع لا توجد ضمانات أنّ قرض صندوق النقد الدولي سينعش الاقتصاد المصري على المدى الطويل، أو حتّى إن فعل ذلك، سيترتّب الاستقرار على ذلك أم لا. وكتب «بهاء الدين» في عموده: «لقد حاولنا في الأعوام التي تلت ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011، للاعتماد على النمو الاقتصادي السريع في غياب السياسة الاجتماعية والمناخ السياسي المفتوح. هل سنفعل هذا الخطأ مرة أخرى؟».

وبين المتسوّقين في كشك بقالة حسن، قد لا تؤخذ وعود «السيسي» على محمل الجدّ، لكن يبدو أنّ دعمه يرتفع. وقد سأل حسن واحدة الزبائن، والتي كانت تملأ شنطة بلاستيكية بالماندارين، حول الرئيس. وردّت بابتهاج: «لا تجرؤ على الحديث عن الرئيس عبد الفتّاح السيسي».

ثمّ اكتشفت كم عليها أن تدفع لأجل الفاكهة. هبطت حماستها قليلًا. وقالت: «حسنًا، الأشياء باهظة الثمن. لكن لا يزال السيسي حبيبي».

المصدر | بلومبيرغ

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي الاقتصاد المصري سعر الصرف