«واشنطن بوست»: إخلاء سبيل «مبارك» .. ماذا يخبرنا عن مصر؟

الأربعاء 29 مارس 2017 07:03 ص

بعد ستة أعوامٍ من المناورات الإجرائية والقانونية، أصبح الرئيس المصري الأسبق «حسني مبارك» حرًّا. وقد برّأته محكمة الاستئناف المصرية العليا من التورّط في قتل المتظاهرين خلال الثورة الشعبية عام 2011. وتأتي الحرّية المتوقعة لـ«مبارك» في ظلّ وجود العديد من قادة تلك الثورة في السجون المصرية. وكذلك تمّ الإفراج عن أعضاء نظام مبارك الآخرين الذين تمّت محاكمتهم في عام 2011. كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟

وفي الأسابيع والأشهر التالية للإطاحة بالرئيس المصري الأسبق عام 2011، تحوّلت الدعوات إلى تحقيق العدالة في ميدان التحرير في القاهرة إلى مطالب موحّدة بملاحقة «مبارك» وغيره من المسؤولين المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الاقتصادية. وبحلول شهر أغسطس/آب عام 2011، كان «مبارك» وأبناؤه وعددٌ من كبار مسؤوليه محاكمين، وقد تمّ اتهامهم بالفساد وإصدار الأوامر لقوّات الأمن باستخدام القوة المميتة ضدّ المتظاهرين أثناء الثورة. وقد أصبحت رؤية «مبارك» في قفص المحكمة صورة مميزة للربيع العربي. وأدهشت المحاكمة المصريين، الذين شكك الكثير منهم حتّى اللحظة الأخيرة، في أن يقدّم زعيمهم المستبدّ إلى العدالة.

ولم تكن مصر حالة فريدة من نوعها. ويتعين على المعارضة في جميع أنحاء العالم أن توازن بين الرّغبة في العدالة والقيود السياسية الكامنة في غياب ثورة شاملة. وكثيرًا ما يستعاض عن التدابير القسرية بسياسات أكثر تساهلًا. وتتحدّد إمكانيات المساءلة بتوزيع السّلطة بين الجهات الفاعلة الرئيسية السائدة في المرحلة الانتقالية. وكلّما ازدادت قوّة النّخب القديمة في مواجهة النخب الجديدة، قلّ احتمال نجاح المحاكمات الجنائية وغيرها من أشكال العدالة التقليدية.

وبدأت محاكمة «مبارك» في المقام الأول في سياق لحظة ثورية كانت فيها قوّة الشارع في ذروتها، وواجه المجلس العسكري الحاكم آنذاك ضغطًا شعبيًا شديدًا لمقاضاة «مبارك» وكبار المسؤولين في حكومته. ومع ذلك، حتّى عندما كان المنطق الثوري في ذروته، كان على المتظاهرين أن يتعاملوا مع إصرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة على استخدام صلاحياته لحماية امتيازاته وتحريك البلاد نحوَ الانتخابات بشروطه الخاصّة.

وكانت محاكمة «مبارك» واحدة من التّنازلات التي قدمها المجلس العسكري في محاولة الحصول على الشّرعية. وبعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني 2011-2012، ذهبت الشرعية الانتخابية لحزب الحريّة والعدالة المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وسعى الحزب إلى التّفاوض بشأن شروط التسليم اللاحق للسّلطة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحسبًا للدور المركزي الذي أمل أن يلعبه في إدارة البلاد. ومع ذلك، سمح الجيش للمحاكمة بالمضي قدمًا، وحتّى بعد عام 2013، لم يظهر الرئيس «عبد الفتاح السيسي» متعجّلًا لتحرير «مبارك». لكن لماذا؟

كان دائمًا نهج الجيش مدفوعًا بالاهتمام بضمان الاستقرار وبناء شرعيته وحماية امتيازاته الاقتصادية والسّياسية الواسعة. وقد حاولت شخصيات عسكرية رئيسية، من بينهم «السيسي»، أن تستدعي روح الثورة، والتي كانت شعبية على نطاقٍ واسع، لأغراضها الخاصّة. وعلى سبيل المثال، قام الجيش باحتجاز المتظاهرين الثوريين الشباب وقمعهم، في نفس الوقت الذي بذل فيه جهودًا كبيرة في للاستحواذ على الثّورة والثوّار، حتّى أنّه أقدم على إعطاء ميدالياتٍ خاصّة للشّهداء الذين لقوا حتفهم خلال أحداث الثّورة. وكان قرار الجيش السّماح للمحاكمة بالمضيّ قدمًا جزءًا من أهداف أوسع نطاقًا، وليس فقط لمجرّد تحقيق الاستقرار وتهدئة المحتجين. وفي الواقع، سعى الجيش إلى شرعية طويلة الأمد يستمدّها من الشّارع من خلال اختيار الثورة وشراء الدّعم لخطّة الانتقال المبكّر. وعلى هذا النحو، اعترف الجيش إلى حدٍّ كبيرٍ بمطالب العدالة بطريقة ردّ الفّعل، مثل السّماح بمحاكمة «مبارك» بعد أيامٍ من المظاهرات الكبيرة.

وكان قرار محاكمة «مبارك» وشركائه استجابةً واضحةً للضّغط العام المتزايد، كما خلق تصوّرًا دائمًا للمحاكمة كمشهدٍ سياسي. وبرز هذا التصور السياسي في كيفية إعداد المحاكمة على عجل. ولم يتّضح حتى اللّحظة الأخيرة إن كانت المحاكمة ستمضي قدمًا بالفعل. وكان الضّغط العام محوريًا في محاكمة «مبارك» في المقام الأول، وأثار ذلك تساؤلات حول ما إذا كان أيّ قاضٍ سيكون قادرًا على إصدار حكمٍ دون الالتفات إلى الرأي العام. وكان القضاة يدركون تمامًا أنّ أيّ حكمٍ أقلّ من الإدانة سيؤدّي إلى مظاهراتٍ واسعة النّطاق في الشوارع. وعلى الرغم من هذا الضّغط العام باتّجاه الإدّانة، فقد منَع مسؤولو الدولة فعليًا النائب العام من جمع أدلّةٍ كافيةٍ لإثبات الدور المزعوم لـ«مبارك» في إصدار أمر القتل.

ولمّا بدأت القوّة الرمزية الأوّلية للمحاكمة في التلاشي، لم يمرّ ذلك مرور الكرام على أولئك الذين دفعوا أعلى ثمنٍ لها. وقالت أمٌ لأحدِ الضّحايا: «لم نطلب منهم الحصول على تعويض مالي أو معاشات. إنّهم يفعلون ذلك فقط لتهدئة غضب الناس. كل ما نريده هو محاكماتٍ عادلة». وبعيدًا عن الغضب الشعبي إزاء أوجه القصور في محاكمة «مبارك»، ظلّت المخاوف تتزايد بشأن الإصلاحات بعيدة المدى.

وقد تدفع أوجه القصور في محاكمة «مبارك» وتبرئته في نهاية المطاف، المرء إلى القول بأنّ آفاق العدالة الانتقالية كانت محدودة في حدّ ذاتها في أعقاب ثورةٍ سياسيةٍ شعبية، لن الثورة لم تكتمل. والحقيقة هي أنّ محاكمة «مبارك» كانت ممكنة على وجه التّحديد لأنّ نشأتها كانت مرتبطة مع الوقت الذي حكم فيه المنطق الثوري في المرحلة الانتقالية المصرية. ومع تراجع الثورة، تقلّصت احتمالات العدالة الانتقالية إلى حدٍّ كبير. لقد كانت رؤية «مبارك» داخل إلى قفص الاتّهام لمحاكمته على جرائمه رمزًا قويًا لما تمثله ثورة عام 2011 للمصريين وباقي العرب.

ولم يسبق أبدًا أن خضع زعيمٌ عربيّ للمساءلة علنًا. ومع ذلك، فإنّ حقيقة أنّ المحاكمة كانت سطحية وتحوّل أسهم الإدانة إلى الاتّجاه المضادّ في نهاية المطاف، يعدّ مؤشرًا قويًا على مدى عجز الثورة عن تحقيق أهداف العدالة.

  كلمات مفتاحية

مصر مبارك الثورة المصرية براءة مبارك

«إيكونوميست»: قمع «السيسي» أسوأ من «مبارك»

الحكم في قضية مبارك مؤشر على عودة النظام القديم

«الديب»: مسؤول خليجي طلب خروج «مبارك» من السجن بأي مقابل