فيلم البائع..«خلطة فرهادي» التي نالت «الأوسكار» للمرة الثانية وأرضت إيران و(إسرائيل)!

الاثنين 3 أبريل 2017 11:04 ص

حصل المؤلف والمخرج والمُنتج الإيراني، «أصغر فرهادي» على جائزة «أوسكار» لأفضل فيلم أجنبي عن فيلمين في سابقة أولى، الأول فيلم «انفصال» عام 2012، والثاني فيلم «البائع» عن الدورة الـ89 للجائزة في 26 من فبراير/شباط الماضي.

وفيلم «البائع» يُمثل إشكاليات عدة في مضمونه أو محتواه البالغ السوء في حق مجتمع ينتسب إلى الإسلام، وفي تقنيات السينما المُعبرة عن المضمون وتناول القصة، من مونتاج وصورة وماكيير وقد جاءت، جميعها، بشكل بالغ الجودة غالباً، وقبل أن نصل إلى هذه الإشكالية المهمة في فيلم اليوم.

 ومن الضروري أن نؤكد أن النظام الرسمي الإيراني أُعجب بموقف «فرهادي» المُعارض لاستلام جائزة «أوسكار» الأخيرة أو حتى مجرد الحضور قبل الإعلان عن الجائزة، وبالتالي رفض أبطال الفيلم الذهاب، ومع هذا نال «فرهادي» «أوسكار»؛ للمرة الثانية، بل عُرِضَ فيلمه في ساحة «الطرف الأغر» في وسط لندن مجانًا لِمَنْ يريد، في سابقة غريبة تجاه فيلم إيراني.

وفي نفس السياق كشف الفيلم، الذي طُرِحَ على موعد مع الجائزة، أو قبلها بقليل زمنيًا في سياق مُتعارف عليه لنيل الجائزة، مثله مثل فيلم «ضوء القمر»؛ الفائز بها، و«لا لا لاند»، التالي من حيث الجوائز؛ كشف سياق الفيلم المالي عن نيله إيرادات غير مسبوقة 

في دور العرض السينمائية العالمية لا الإيرانية فحسب، فبعد أسابيع قليلة من عرضه حصل على أكثر من 1.1 مليون دولار في أمريكا، التي قاطع صاحب الفيلم «فرهادي الذهاب إليها بسبب قرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» حظر الهجرة إلى بلاده لعدة دول عربية بالإضافة إلى إيران.

 كما نال الفيلم أكثر من 2 مليون دولار في فرنسا، أما البرتغال فنال فيها 23.5 ملايين دولار أمريكي، بالإضافة إلى 160 مليار ريال إيراني، وقبل أن نتساءل عن سر «الخلطة» التي جعلت  الغرب كُلَّهُ، تقريباً، عبر دور العرض المختلفة يرحب به، ويهبه هذه الملايين؛ بالإضافة إلى إيران يجب أن نتوقف عند (إسرائيل) التي سمحت للمرة الأولى في تاريخها بعرض فيلم إيراني في دور العرض الخاصة بها بداية من 16 من مارس/أذار الماضي، وليقبل «فرهادي»، الرافض لاستلام «أوسكار» بسبب «ترامب» بالأمر ويحتج موقع «دانشجو» التابع لتنظيم «الباسيج» الطلابي التابع للحرس الثوري الإيراني، دون أن يستجيب النظام!

كل علامات الاستفهام هذه وغيرها ..يحاول هذا التقرير النقدي الفني التحليلي الإجابة عنها.

(الصورة لأفيش الفيلم الدعائي في إسرائيل بعلم فرهادي ومباركته).

جملة محورية وخلطة سرية

السينما إحدى مفردات الصناعة السياسية لكل بلد، بخاصة في العالم الثالث، لكنها صناعة كاشفة عن التوجهات السرية؛ عبر التعليمات السيادية للأنظمة الحاكمة للمُخرجين المجتهدين فنياً، وهو ما لا يستطيع ناقد فني مُنصف إنكاره على «فرهادي»، الذي صار عبر هذا الفيلم متملكًا لأدواته الفنية بزيادة؛ ولكن يبقى المضمون مشكلته ومشكلة النظام الإيراني، وهما «فرهادي» والنظام متصالحان إلى أبعد مدىً مع الغرب و(إسرائيل) عبر الفيلم وغيره من أعمال «فرهادي»، وما سيناريو عدم استلام جائزة «أوسكار» الركيك بشيء في مقابل مضمون «البائع»؟!

في جملة الفيلم المُحورية يجد البطل «عماد اعتصامي» (شهاب حسيني) زوجته «رنا» (ترانة عيلدوستي) مُغتصبة في شقتها، لا تستطيع مواجهة نفسها ولا المُجتمع تهرب من الداخل إلى الخارج فيقول في جدية:

ـ هذه المدينة تستحق أن تُهدم ويُعادُ بناؤوها من جديد!

فيرد عليه صوت «باباك» (باباك كريمي)، واسم المُمثل في الفيلم هو اسمه في الحقيقة لشهرته الغربية كمُمثل ومخرج ومصور ومونتير، ولخلط «فرهادي» بين الواقعي 

والخيالي الذي سنقف عليه بعد قليل:

ـ هُدمتْ (المدينة) وأعيد بناؤوه بالفعل!

والمعنى أنه لا فائدة في مدينة طهران عاصمة ومُجسدة حال المجتمع الإيراني كله.

هذه الجملة هي سر الفيلم، ولا نكون مُبالغين إذا قلنا، وسر نجاحه داخليًا وخارجيًا.

السُّم في قلب العسل

في قطع متوازٍ يسير مع إعداد بطليّ الفيلم (حسيني وعليدوستي) أو (عماد ورنا) لمسرحية من تمثيلهما عن دراما الأمريكي «آرثر ميللر» (17 من أكتوبر/تشرين الثاني 1915ـ 10 من فبراير/شباط 2005) «وفاة بائع متجول»، وهما ينقلان السرير الخاص بنومهما تحت اسم «كازينو» في المسرحية، (في إشارة واضحة إلى انعدام الخصوصية في علاقتهما في أدق تفاصيلها الزوجية)، وقبل رفع الستار عن العرض يُفاجأ البطلان بأن البناية التي يُقيمان فيها مُعرضة للانهيار، وأن أعلى سرير نومهما أصابه التشقق الشديد ليُكسر زجاج الغرفة، الزجاج الوحيد في الشقة الذي تحطم، (في إشارة أخرى غير خافية على فشلهما في التواصل الزوجي الدقيق، والمجتمع الإيراني وبالتالي السينما متحفظان جدًا في التعبير عن جوهر الأمر يُشيران إليه من بعيد كالعادة).

و«عماد»، بطل الفيلم الإنسان، يرفض الانسحاب قبل حمل جاره المُعاق مع أمه.

(الصورة بأعلى للمؤلف الأمريكي المسرحي الراحل آرثر ميللر الذي ينتصر الفيلم لاسمه مستلهمًا رؤويته لتبرير سقوط المجتمع الإيراني عبر الرمز الدال لا الإفصاح الواضح).

ثم هو لا يجد مكاناً يسكن فيه، لعلو إيجارات السكن في طهران، وغلاء المُقدم الفاحش، وفي تمارين المسرحية يهدد «عماد» بالسكنى في المسرح ذاته.

هنا لابد من وقفة فمسرحية «ميللر» التي يقوم «عماد» و«رنا» بتمثيلها داخل الفيلم (ويلي وليندا في المسرحية)، لا تتشابه مع حياة البطلين في شيء ذي قيمة يستدعي استحضار

 المسرحية، كما يدعي نقاد الغرب ومحللوه الفنيون، ربما لقرائتهم على عجالة، والقاسم المشترك الوحيد أن «ميللر» ألف المسرحية «اليونانية الحبكة» عقب فترة الكساد الأمريكي التجاري في الثلاثينيات من القرن الماضي، وعاب فيها على التغلغل المادي والغلاء في مجتمعه، وانسحاق الفرد داخله ومتطلبات الحياة، وهو تمامًا بتمام ما أراد «فرهادي» قوله حول إيران وعناه بدقة لما قال المُمثل الأول في الفيلم والمسرحية التي بداخله أنه سينام في المسرح!

ويلجأ «عماد» المدرس المسرحي والمُمثل إلى «باباك» زميله السمسار ليُوفر له سكناً سريعاً، دون أن يدري قصة ذلك السكن، وبعد الانتقال إليه يُفاجىء بأن الساكنة السابقة لا تريد نقل أغراضها كلها، بالإضافة إلى دراجة طفلها.

(الصورة بأعلى لفرهادي الذي لم يكتف بالتأليف والسيناريو والإنتاج للفيلم فأخذ كاميرا المُصور أيضًا).

ولكن المشاكل تتسارع فزوجته التي تنتظره ليلة أول عرض مسرحي تسمع صوت الباب الخارجي فتفتحه، تاركة باب شقتها على مصرعيه، دون تيقن من أنه هو ليصعد مجهول ويقتحم عليها الحمام، ويخرج بعد أن يصيبها في رأسها ويتركها بلا ملابس (الفيلم يقفز فوق تصوير التفاصيل الخاصة بالمرأة وجسدها، ويعالجها بحكي الأبطال عنها) وينزل اللص مصابًا في قدمه ينزف ناسيًا مفاتيح سيارته وهاتفه المحمول، ولكنه يتعمد ترك مبلغ مالي كبير في مكان ظاهر في إهانة متعمدة للمرأة التي اغتصبها بعد أن أفقدها الوعي.

كبت وفساد مجتمعي

يحاول الفيلم الانتصار للمرأة الضحية برأي «فرهادي» صانعه في المجتمع الإيراني، رغم أنها ترتدي الجينز وتُمثل على المسرح ويراها الرجال وتراهم، إذ إن «رنا المُغتصبة ترفض إبلاغ الشرطة، فيما الجارة التي سمعت صراخها قبل فقدها الوعي تحكي للسكان وبالتالي أفراد الفرقة ما حدث للأولى من اغتصاب، أما أصل القصة فهو أن المرأة التي سكنت قبلها، في نفس الشقة، (الأم لطفل) كانت «عاهرة».. ودفعت «رنا الثمن عبر أحد طلاب المتعة المحرمة الذي قصد الأولى ظاناً أنها في مكانها.

وعبر  رقم السيارة التي نسيها صاحبها يصل «عماد» إلى «عبد الحافظ» الجاني، ملتفاً على القانون عبر أحد الطلاب الذين كان يعمل أبوهم في شرطة المرور.

وفي مفاجأة من العيار الثقيل يتضح أن الجاني رجل تجاوز الستين من عمره، قضى منها خمسة وثلاثين عاماً مع زوجته «عصمت»، وأنجب شابة على وشك الزواج، والأنكى أنه مصاب بالقلب (وطبياً لا يحتمل المُصاب بالأزمة القلبية معاشرة فتاة تصغره بنصف عمره بالإكراه، فضلاً عن عدم منطقية اغتصابه لها بعد صراخها لمجىء الجيران الفوري، مع هربه مجروحاً وتركه مالاً ونسيان أغراضه الخاصة)

(الصورة بأعلى لبطلة الفيلم تدخل دورة المياه قبل اغتصابها محتفظة بهندامها والحجاب ومُهينة لزي كل مسلمة عبر دلالة ما ترتب على الحدث الرئيسي في الفيلم).

وفي المواجهة يقرر البطل عدم الغفران، وهو المُكون الغربي الثاني الذي يتلاعب الفيلم به، بعد حق المرأة في بيع جسدها الذي مثلته العاهرة (الغائبة بجسدها الحاضرة بمأساتها) الداعرة التي كانت مُقيمة في الشقة قبل وصول البطلين، ويريد «عماد» الانتقام بطريقته بإحضار أهل الجاني، بخاصة زوجته وابنته وخطيبها، وحكي القصة لهم في حضوره.

لكن «رنا» المُغتصبة تهدد بالانفصال إن فعلها «عماد» زوجها، فيكتفي بصفع الجاني «عبد الحافظ» ورد النقود وأغراضه إليه، كل هذا في الشقة القديمة الآيلة للسقوط، ليُصاب الأخير بأزمة قلبية تقضي عليه على السلم، ولا يؤكد الفيلم ذلك، وليدق «عماد» آخر مسمار في نعش علاقته بـ«رنا»، ويجلسان، بعدها، مستسلمان للماكيير قبل عرض مسرحي جديد، مع أن الماكيير إذ يُعدل من ملامحهما مخفيًا تفاصيل الشجار مع «عبد الحافظ» ومحاولة الأخير ضربه لهما ..يخفي الماكيير الآثار ليبدوان تعيسينِ في دورهما في المسرحية.

السينما الخداعة

يُسمي الغرب هذا النوع من الأفلام بالسينما «الواقعية الجديدة»، ليخفي أنها سينما تُمعن في خداع المُشاهد إذ تقدم له موسيقى 

تصويرية جذابة، وصورة براقة،

 وتقنيات تنتصر لتفاصيل إنسانية صغيرة، لكنها تنتقم من المجتمع وتجرده من جميع القيم والمبادىء ومن قبل الدين.

«عبد الحافظ» الكبير السن وزوجته «عصمت» مُجرمان (ملاحظة دلالة الاسم في الدين الإسلامي واجبة هنا) لا تغني الزوجة المسنة زوجها جسديًا فيذهب الأخير إلى بيت متعة، وهذا ليس مُعاباً على لسان البطل ولا الجيران بقدر عيبهم أن يغتصب «عبد الحافظ» زوجة «عماد»، ففساد المجتمع لا يخص أفراده إلا لمّا يجبروا عليه، ولكن قانون تناقل الفساد والإفساد لا يخصهم.

(الصورة لبطل الفيلم المأزوم المهزوم اجتماعيًا يحاول الانتقام لنفسه في سرية من وراء ظهر المجتمع الذي يراه تجاريًا فاسدًا في تكثيف لرؤوية ميللر الأمريكية المسرحية).

وزوجة الجاني التي تسدل إسدالها عند لقاء الغرباء هي ..هي التي لا تعرف مراهقات زوجها العجوز، والأول يدعي الطيبة وفي المنتتصف يحتفظ بقفل الباب

 الحديدي الضخم الذي حبسه «عماد» فيه ليقتله عند الضرورة، و«عماد» هربًا من المسؤولية الجنائية يصفع «عبد الحافظ» بعيداً عن أهله وعن الزوجة «رنا»، وهي الصفعة الجبانة مثل اغتصاب «عبد الحافظ» الجبان لـ«زوجة عماد»، ولا مجرى للقانون ولا علاقة له بالأمر، بل إن الجميع يأتي بحقه بنفسه.

أما الزوجة المُغتصبة فهي الوحيدة، مع إنها مجني عليها المتسامحة في كامل حقها (كما يحب الغرب ويُريد)..

قتل المستقبل

في فيلم «انفصام» كما في «البائع» لا مكان للمستقبل في حياة الإيرانيين، فمنذ البداية ترفض «رنا» الإنجاب لـ«عماد»، ولما تشتد الأزمة بها عقب اغتصابها تأخذ «سادر» الطفل ابن زميلتها «سنام»، التي تُمثل دور «بغي» في المسرحية، و«سنام» مُنفصلة عن زوجها، و«سادر» الصغير مُمزق بينهما، ولما يذهب إلى بيت «رنا» يُكمل رسمًا بدأه «ابن العاهرة» المُقيمة سابقاً في الشقة، فالأطفال تنجبهم إما العاهرات في الفيلم أو اللواتي يقمن بأدورهن!

مغازلة «فرهادي» الغرب

وفي الخفاء غازل «فرهادي» الغرب جيداً لما كشف عاهات مجتمعه الجنسية وتمادى في التعبير عنها، دون تجسيدها على الشاشة في ذاتها، وما فائدة عدم التجسيد إذا كان المُخرج والمُؤلف والمُنتج للفيلم، و«فرهادي» قام بدورهم جميعًا، يقر بفساد المجتمع الجنسي؟!

كما أنه ما قيمة عدم الذهاب لنيل «الأوسكار الثانية» إذا كان «فرهادي»، صانع الفيلم الأوحد الذي كان ينقصه التمثيل فيه فحسب، انتصر حتى لـ«سبونش بوب، الشخصية الكرتونية الغربية لـ«أسادر» الطفل، فضلًا عن نظام الحياة الغربي الذي يرى «الدعارة المتنقلة حلاً لـ«لاغتصاب» في المجتمعات العربية؟

وما قيمة معارضة «ترامب» إذا كان «فرهادي» أبدع في الفيلم في تسخير مكونات الديكور والإضاءة في داخل المسرحية المُقحمة عليه لتمام الانتصار للمنتج الغربي، مثل «سبونش بوب» وغيره ..وكل هذا من أجل إبراز المُحجبات على أنهن مقهورات يتمنين اداء دور العاهرات (سنام) في المسرحية، او يرضين به في الواقع (رنا في الفيلم)؟

وما قيمة ادعاء «فرهادي» الباطل أنه ينتصر للمرأة الشرقية ضد القهر والكبت وهو يسمح للفيلم بالعرض في (إسرائيل) التي تقهر أمة، من المُفترض انه ينتسب إليها ولو كان شيعيًا، ومن المُفترض أن فرهادي ونظامه الإيراني يحاربناها، و(إسرائيل) تضطهد وتقتل الملايين من رجال نفس الأمة التي ينتمي فرهادي إليها لا النساء فقط؟

من أجل ذلك كله أُعجب الغرب بفيلم «فرهادي» واخترع الأخير مع النظام الإيراني مسرحية عدم تسلم الجائزة الثانية الممنوحة لـ«فرهادي» خلال ست سنوات فقط، كما اخترع «فرهادي» مسرحية «ميللر» داخل الفيلم لبيان تمام الانسحاق لنيل الرضا الغربي السامي عن الفيلم الذي انفق عليه وألفه وأخرجه خصيصاً لمباركة النظام الإيراني والغربي وبالتالي (إسرائيل)!

 

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

فيلم البائع أوسكار إيران إسرائيل الغرب