فيلم «الانتقام»..الأمريكي المرتزق ودع «عاصفة الصحراء» ليواصل القتل بـ«اسم الرب»!

الخميس 6 أبريل 2017 07:04 ص

استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية في حرب الخليج الثانية، أو حرب تحرير الكويت (من 17 من يناير/كانون الثاني حتى 28 من فبراير 1991م) جنودًا من المُرتزقة تم إيهامهم أن الأرض المُقدسة الحقيقية تقبع هناك في الشرق أو (القلب الإريغواني) بحسب الفيلم.

لكن الحقيقة أن حرب عاصفة الصحراء الخليجية الثانية، واستخدام أمريكيين بلا هوية أو انتماء حقيقي لا للنظام الأمريكي، نفسه، أو حتى لمعتقد ديني حقيقي يعرف الرحمة أو التسامح أو حتى مجرد التفاهم، ويكفي ما ارتكبه أمثال هؤلاء من مجازر بشعة في العراق على امتداد سنوات قبيل الحرب المذكورة وبعدها!

«نيكولاس كيج» على الخط

المُمثل والمخرج الأمريكي صاحب أدوار البطولة المُطلقة يُعاني، بعد عشرات الأفلام، من مراحلة انعدام التوازن فنيًا وشخصيًا، بخاصة تغير معادلات السوق والنجوم، فيما يبحر العمر به إلى مرحلة الشيخوخة، «كيج» من مواليد 7 من يناير/كانون الثاني 1964م، ولحل المُشكلة عمد «كيج» إلى مواصلة إنتاج أفلامه بنفسه، باحثًا عن معادلة لا تجعله يقفز كالأبله أمام المُشاهد طوال الوقت كما يفعل «عادل إمام» وعشرات غيره حتى اليوم!

من هنا جاءت معادلة الفيلم الأمريكي «الانتقام» إلى جوار عنوان فرعي هو «قصة حب، جاء فيلم المُخرج «جوني مارتن» عملاً مضطربًا فنيًا في الشكل من عناصر الإضاءة التي حاول صُنّاع الفيلم التلاعب بها، مستغلين أوقات النهار، والألوان المتاخلة للمصابيح في الحانات وعلب الليل، وأيضًا جمال شلالات نياجرا الواقعة بين نيويورك ومقاطعة أونتاريو الكندية؛ بالإضافة إلى المكياج، والموسيقى التصويرية المُتداخلة مع الغناء الشجي المحبب للمُشاهد بخاصة عند مشاهد الانتقام من الجُناة.

مضمون مضطرب

عاد المرتزق «جون ترومر» من «عاصفة الصحراء» بعد سنوات قضاها خلف قنص واقع هلامي أغرته به كلمات «جورج بوش» الابن به، ليجد نفسه جنديًا في دوريات الشرطة في نيويورك يُلاحق المُجرمين بلا نتيجة، فصديقه «فارديت» يموت في مطاردة في أول مشاهد الفيلم بلا نتيجة سوى قتل «جون» لقاتله..وعدم توصله إلى بقية العصابة.

وفي المقابل فإن الأرملة العابثة «مارتينا ماغواير» «آنا هتشيسون» تلتقيه في الحانة ثملة مخمورة مصممة على القرب منه بملابسها الخليعة، وفي طريق العودة بعد سهرة ماجنة في بداية يوليو/تموز الحار يغتصبها تحت عينيّ ابنتها «بيتي» الصغيرة «تاليثا باتمان» 5 من جيرانها الشباب المخمورين ويكادون يقتلونها لولا إسراع الصغيرة إلى الاستنجاد بـ«جون».

ومن ناحية أخرى يقوم أهل الجناة باللجوء إلى رجل الدين المُتحدث باسم الرب في المنطقة، فيحيلهم إلى المحامي الأشهر في إحالة القضايا إلى الفاتيكان «جاك كيبرتك» 

«دون جونسون»، والأخير يخبرهم أن الأمر يحتاج مالاً وفيرًا ليعدل من مصير الأبناء فلا يغتصبهم أحد مثلما اغتصبوا «ماغواير»، مؤكدًا أن الحقيقة شيء وقص حكاية مُقنعة إلى القاضي وهيئة المُحلفين شيء آخر.

وتجد المُغتصبة نفسها أمام الشلالات الأشهر مُنتحرة بعد أن تم تدمير شرفها وشرف ابنتها بالعلاقة المفروضة عليها، ثم بتعقب الجناة وأهلهم لها ولابنتها لولا تدخل الشرطي «جون» في الثانية الأخيرة.

أما الشرطي المُرتزق فإنه بعد انعدام آماله في العدالة يقرر أن ينفذها وفق لمشيئة الرب التي تعلمها من «جورج بوش» الابن، وبهدوء قاتل يقوم باستدارج الجناة وقتلهم، وترديد المقولة المعروفة عند سؤاله عن سبب إطلاقه النار على أحدهم «وجدت ربًا هناك فاخترت تنفيذ العدالة».

 ثم هو يُجبر آخر الجناة على كتابة جملة: «سامحني يالله فقد فعلت ما اعتقد أنه صحيحًا».

وحينما يلتقي «بيتي» وأمها في آخر مشاهد الفيلم يكون استبدل سلاحه بمدفع قناص أخذه من قسم الشرطة، وواجه المحامي الفاسد الذي أخبره بأنه يعرف بكونه ينفذ العدالة 

بنظرة بعيدة من وراء ظهر «الدستور الأمريكي» ..فيما يقول للابنة الصغيرة «بيتي أنها البطلة لا هو، ويوافق على رحيل الأم والابنة إلى كاليفورنيا المُشرقة، وهي مكان ميلاد «كيج» المُمثل الفعلي!

«كيج» البطل العاقل لفيلم مجنون

منظومة الأمريكي الذي يخترق القوانين في العالم كله لا في بلده فحسب لكي يُحقق العدالة «منظومة هوليودية» معروفة منتشرة في مئات النسخ في أفلام لا حصر لها من حرب الكواكب والأكشن بل حتى القصص الرومانسية، لكن الجديد هنا هو نجاح «كيج» المُخرج في اختيار قصة تدخل فيها بجدارة ليظل في مركز الفيلم محكيًا عنه، أو حاضرًا في الغياب، عوضًا عن غياب الحضور الذي يعانيه ممثلينا العرب وغيرهم من نجوم السينما العالمية.

لا يأنف «كيج» من ذلك، ولا من أن يقول صديقه المقتول «فارديت» في أول مشاهد الفيلم أنه يشتري ماسة جديدة لزوجته «كيج»!

ويستمر حضور «كيج» في معالجة جراح البطلة المغتصبة، وترك أكبر مساحة في الفيلم لها ولابنتها، طالما أن أفعاله هي التي تحرك الفيلم كله، ثم هو في حكمة شديدة ينتصر للمجتمع الأمريكي الذي أهانه بقسوة بانتقاد ملابس السيدات المطابقة للعاهرات، ورضا رجل الدين عنها وعنهن، وعن الفساد وظلم واغتصاب بعضهن طالما أنه يتقاضى مالاً، قفز «كيج» فوق كل هذا بالقول لـ«بيتي» ذات الـ12 في آخر مشاهد الفيلم:

ـ «أنت البطلة الحقيقة في هذه القصة»!

فإذا قارنا هذه المقولة بما يفعله المُخرج الإيراني «أصغر فرهادي» في أفلامه من مثل «البائع» و«انفصام» علمنا إلى أي حد يظلم صُنّاع السينما لدينا قضايانا لأجل الغرب المُحافظ على رونق نفسه وقضاياه.

أنانية

مسحة الأنانية غلبت على الفيلم بداية من استثار «كيج» بالذكر طواله، في منظومة انتقامية سادت حتى وصلت إلى السينما المصرية في الأربعينيات في فيلم «أمير الانتقام لـ«أنور وجدي، وأمير الدهاء لـ«فريد شوقي»، وحتى «دائرة الانتقام» لـ«نور الشريف» في السبعينيات، وهي نوعية من الأفلام تنفث عن عنف وضيق المُشاهد بمجتمعه دون أن تحاسب الأبطال على أنانيتهم في تحدي القوانين، وتصوير أعدائهم 
 
على أنهم أشرار بالفطرة لآباء وأمهات بل أخوات صغيرات كذلك، وفي المنتصف لا بأس من خداعنا بزرع الصليب في أنحاء البيوت، وتصوير التبرئة المسيحية لكل جانٍ مهما فعل، بل وجعل الأخيرين أقرب إلى ملابس وحركات متطرفي اليهود..تمامًا مع الإقرار بعجز الآباء المؤسسين لأمريكا عن إقرار كلمة الحق عبر تاريخها، وهذه الخلطة الدينية الصادقة ليست اكثر من كلمة حق أُريد بها باطل وهو إعلاء شأن «كيج» المرتزق الحاكم المطلق باسم الرب بالمسدس ثم بالمدفع، وهو يُهدي إنجازه «الجورج بوشي» الأول إلى أطفال ومُراهقي بلاده!

تبقى موسيقى «فريدرك وايتمان» أفضل ما في الفيلم في مقابل فشل كاميرا «ديفيد ستراغميستر والماكيير في معالجة كبر سن وترهل وجه وملامح «كيج» والأبطال، ولو عبر  تقنية الضوء والظل أو حتى استغلال جمال الشلالات الأجمل!

 

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

فيلم الأمريكي المرتزق عاصفة الصحراء القتل باسم الرب