تقرير: تحول استراتيجي في موقف «السراج» باختيار المواجهة العسكرية مع «حفتر»

الثلاثاء 18 أبريل 2017 06:04 ص

أطلقت حكومة «الوفاق الوطني» التابعة للمجلس الرئاسي في ليبيا عملية عسكرية في الجنوب ضد قوات الجنرال «خليفة حفتر»، ما اعتبره مراقبون تحولا استراتيجيا لموقف رئيس المجلس الرئاسي الليبي «فائز السراج»، تجاه الصراع المسلح في ليبيا، والذي طالما أعلن أنه لن يكون طرفا في قتال بين الليبيين.

وبدأت وزارة الدفاع التابعة لحكومة «الوفاق الوطني» التي يقودها «السراج»، عملية عسكرية في 9 أبريل/نيسان الجاري، لتحرير قاعدة براك الشاطئ (700 كلم جنوب طرابلس)، من اللواء 12 التابع لـ«حفتر»، الذي سيطر عليها منذ ديسمبر/كانون الأول 2016، وأيضا فك الحصار على قاعدة تمنهنت الجوية، شمال شرق مدينة سبها (750 كلم جنوب طرابلس)، التي حاصرتها قوات موالية لـ«حفتر».

وتزامنت العملية العسكرية لحكومة «الوفاق»، مع عملية عسكرية أطلقها «حفتر» للسيطرة على الجنوب الليبي، في نهاية مارس/آذار الماضي، تحت اسم «الرمال المتحركة».

وبحسب مراقبين، فإنه من الغريب أن هجوم «حفتر» على الجنوب الليبي، لم يستهدف قاعدة الجفرة الجوية (وسط) كما توعد قادته بذلك بعد استعادتهم السيطرة على منطقة الهلال النفطي في 14 مارس/آذار الماضي، وسعيهم لمطاردة سرايا الدفاع عن بنغازي (قوات من شرق ليبيا مناوئة لحفتر)، في معاقلهم الخلفية في قاعدة الجفرة.

ووفقا لتقرير صحفي نشرته وكالة «الأناضول»، فإن هجوم «حفتر»، هذه المرة استهدف قاعدة تمنهت الجوية، (30 كلم شمال شرق سبها)، كبرى مدن الجنوب الليبي، انطلاقا من قاعدة براك الشاطئ (نحو 50 كلم شمال سبها)، خاصة وأن السيطرة على سبها وقاعدتها الجوية يعني عمليا بسط نفوذه على معظم بلدات ومدن إقليم فزان (الجنوب الغربي).

كما أن القبائل الموالية للنظام السابق منتشرة في سبها (القذاذفة) وبراك الشاطئ (المقارحة التي ينحدر منها رئيس مخابرات القذافي، عبد الله السنوسي)، بالإضافة إلى قبائل التبو (متقلبة الولاءات).

وتمكنت قوات اللواء 12 بقيادة «محمد بن نائل» (أحد الضباط الموالين لنظام القذافي والذي استطاع حفتر استمالته لصفه)، من محاصرة قاعدة تمنهت الجوية، التي تتمركز بها القوة الثالثة التابعة لكتائب مصراتة الداعمة لحكومة «الوفاق» (مكلفة بحماية الجنوب)، كما قام طيران «حفتر»، بقصف قاعدة تمنهت لكن دون التمكن من دخولها.

لكن وصول قوات دعم كبيرة من قاعدة الجفرة الجوية، أدى إلى تراجع قوات «بن نائل»، بعد انهزامها في مواجهات مسلحة في بلدتي سمنو (40 كلم شمال شرق سبها) والزيغن (شمال سمنو)، رغم قيام طيران «حفتر» بقصف قوات الدعم القادمة من الجفرة (نحو 270 كلم جنوب غرب سبها)، ورد طيران حكومة «الوفاق» بقصف قاعدة براك الشاطئ.

«كتائب طرابلس» تغير بوصلة «السراج»

وبحسب التقرير: قد يتصور البعض أن «السراج»، نظريا، أقرب إلى معسكر «حفتر» من معسكر كتائب الغرب الليبي وعلى رأسها مصراته، خاصة وأنه أحد نواب برلمان طبرق (شرق) بالرغم من انحداره من العاصمة طرابلس، لكن خلافه الرئيسي مع «حفتر» رفض الأخير الخضوع (فعليا) لقيادة مدنية (رغم نفيه ذلك في حوار مع وكالة سبوتنيك الروسية).

وتحدثت وسائل إعلام محلية ودولية عن استعداد «السراج» لقبول «حفتر» وزير دفاع في حكومة «الوفاق»، وهو ما يرفضه الأخير لحد الآن.

غير أن ما استفز كتائب الغرب الليبي الداعمة لحكومة «الوفاق الوطني»، إصدار المجلس الرئاسي إطلاق النار في الهواء لتفريق متظاهرين رددوا شعارات موالية لـ«حفتر»، في ميدان الشهداء في قلب طرابلس، مما دفع كتيبة البوني (تسيطر على منطقة معيتيقة التي يتواجد فيها مطار معيتيقة) إلى اقتحام مقر المجلس الرئاسي في قاعدة بوستة البحرية.

وشكل هذا الاقتحام الذي وقع في 15 مارس/آذار الماضي، أول ردة فعل عنيفة من الكتائب الداعمة لحكومة الوفاق من المجلس الرئاسي الذي يقوده «السراج».

وأعلنت مجموعة من الكتائب الداعمة لحكومة الوفاق في طرابلس رفضها لدخول قوات «حفتر» إلى العاصمة بالقوة، ووصفته بـ«أسير الحرب».

وتحت هذا الضغط القوي، أصدر المجلس الرئاسي بيانا في 19 مارس/آذار الماضي، أدان فيه (لأول مرة) تهديدات «حفتر» بدخول طرابلس بقوة السلاح، وشكل هذا البيان منعطفا في موقف المجلس الرئاسي الذي نادرا ما يتفق أعضاؤه التسعة حول قضايا معينة (ثلث أعضائه يقاطعون اجتماعاته).

وأوضح التقرير أن حكومة «الوفاق» لم تتبن أي عملية عسكرية ضد «حفتر» منذ دخولها إلى طرابلس، بحرا، في 30 مارس/آذار 2016، باستثناء «عملية البنيان المرصوص»، الدعومة أمريكيا ودوليا، ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في مدينة سرت وضواحيها (مايو/أيار-ديسمبر/كانون الأول 2016)، بالإضافة إلى قيام كتائب موالية لحكومة الوفاق بطرابلس بهجوم على مناطق خاضعة لسيطرة كتائب موالية لحكومة الإنقاذ بقيادة «خليفة الغويل».

غير أن «السراج»، لم يرفض صراحة قيام قوات موالية لـ«حفتر»، بالسيطرة على مدينة أجدابيا والموانئ النفطية، وطرد حرس المنشآت النفطية بقيادة «إبراهيم الجضران» المؤيد لحكومة «الوفاق»، في سبتمبر/أيلول 2016، وهذا ما أثار حفيظة عدة أطراف في الغرب الليبي، خاصة بعد أن عارض «السراج» تشكيل غرفة عملية لتحرير الموانئ النفطية.

نقطة التحول؟

وفي خطوة أثارت اهتمام وسائل الإعلام، التقى «السراج»، في 5 أبريل/نيسان الماضي، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، الجنرال «توماس والدهاوسر»، بمقر القيادة بمدينة شتوتغارت الألمانية، وطلب منه مساعدات أمريكية لتطوير القدرات العسكرية الدفاعية للقوات الليبية، في مجالات بناء القدرات العسكرية والتدريب وتبادل المعلومات.

ولم ترشح نتائج هذا الاجتماع، خصوصا رد قيادة «الأفريكوم» على طلبات «السراج»، لكن اللقاء اعتبر دعما ضمنيا لحكومة «الوفاق» على حساب «حفتر»، خصوصا وأن «الأفريكوم» تسعى ليكون لها موطئ قدم في أفريقيا، خاصة في ظل تعزيز روسيا لعلاقاتها مع «حفتر»، مما أثار قلق دول غربية من التمدد الروسي في المنطقة الرخوة من جنوب البحر الأبيض المتوسط.

وبعد 4 أيام فقط من اجتماع السراج بقيادة «الآفريكوم» الأمريكية، أعلنت وزارة الدفاع التابعة لحكومة «الوفاق» إطلاق عملية «الأمل الموعود»، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع العميد «محمد الغصري»، أن العملية العسكرية انطلقت بهدف محاربة مجموعة من مسلحي «الدولة الإسلامية»، وقوات اللواء 12 التابعة لـ«حفتر» بقيادة «محمد بن نائل».

واللافت أن وزارة الدفاع بقيادة «مهدي البرغثي»، أدرجت حربها ضد اللواء 12 ضمن قتالها لمسلحي «الدولة الإسلامية»، مما يوحي رغبتها في جلب الدعم الدولي بشكل خاص، ضمن الحرب الكونية التي تخوضها أمريكا ضد «الإرهاب»، وهو الشعار الذي يرفعه «حفتر» لنفس الأسباب.

ولكن «السراج»، لم يعلن بشكل رسمي تبنيه لعملية «الأمل الموعود» التي أطلقتها وزارة دفاعه، بل نشر بيانا على صفحته الرسمية في «فيسبوك»، في 15 أبريل/نيسان الجاري، دعا فيها المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لوقف التصعيد العسكري في جنوب ليبيا محذرا من «حرب أهلية».

ويوحي آخر بيان لـ«السراج»، وكأنه يقف على الحياد في المعارك الجارية في الجنوب، وأنه لا يدعم العملية العسكرية التي أطلقها وزير دفاعه «البرغثي»، في الجنوب، مما يعكس الانقسام الجاري داخل حكومة «الوفاق» ومجلسها الرئاسي المقسم أصلا، وهو ما يدفع للتساؤل مدى قدرة «السراج» في إعادة توحيد البلاد في ظل تواصل حالة التشظي في المشهد الليبي.

وتشهد ليبيا حالة انقسام سياسي وفوضى أمنية منذ الإطاحة بنظام الراحل «معمر القذافي»، ما يجعل العديد من مناطق البلاد تشهد بين الحين والآخر أعمالا قتالية بين القوى المتصارعة على السلطة، لا سيما في العاصمة طرابلس ومحيطها غربا، وبنغازي وجوارها شرقا.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

ليبيا حكومة الوفاق السراج حفتر