«واشنطن بوست»: إعلان الطوارئ في مصر رسالة داخلية لإخضاع أجهزة الدولة

الثلاثاء 18 أبريل 2017 08:04 ص

بعد حادثتي تفجير وقعتا أحد الشعانين وأوقعتا حوالي أربعين قتيلًا من رواد الكنيسة في مدينتين مصريتين، أعلن الرئيس «عبد الفتاح السيسي» والحكومة المصرية فرض حالة الطوارئ على مستوى البلاد، ووافق عليها البرلمان سريعًا. وعلى الرغم من أنها تمنح الحكام مجموعة أوسع من السلطات، فإن التدبير لا يتعلق بالدرجة الأولى بالقانون، فالسلطات تقوم بالفعل بما تريد.

بدلًا من ذلك، من المرجح أن يكون إعلان حالة الطوارئ لتوصيل رسالة إلى المجتمع المصري، من أجل الخضوع والاستسلام للنظام الجديد. وقد وجهت للمحاكم المصرية، على وجه الخصوص، رسالة ضمنية صارمة، ألا يسمح القضاة للطابع القانوني الصارم بعرقلة دورهم الأكثر أهمية في مكافحة الإرهاب.

تاريخ مصر الطويل مع قانون الطوارئ

عندما ذهب البريطانيون إلى الحرب ضد الإمبراطورية العثمانية عام 1914، أعلنوا الأحكام العرفية، والتي سمحت للقائد البريطاني في مصر بأن يكون «حاكمًا عسكريًا»، مخولًا بإصدار مراسيم بقوة القانون. وكان بوسع بريطانيا أن تراقب البلاد وتحشد مواردها، دون قيود سياسية أو رقابة قضائية أو دبلوماسية دولية. وفي عام 1939، عندما ذهبت بريطانيا للحرب ضد قوى المحور، دعت مصر إلى دعم مجهودها الحربي، وامتثلت مصر على النحو الواجب بالأحكام العرفية المعلنة.

وقد أيدت الثورة المصرية عام 1952 هذا القانون. وباستثناء فترات وجيزة من الزمن، ظل البلد كله خاضعًا للقانون العرفي حتى عام 2012. وعلى مدى سبعة عقود، تم توسيع التشريع الذي يحكم الأحكام العرفية بشكل مطرد. وفي بعض الأحيان، فرضت قرارات المحاكم تغييرات سلبية، وأحيانًا أخرى، أثبتت المحاكم الخاصة أنها أدوات جديدة مفيدة لدعم الأحكام العرفية. وفي عام 1958، تم تغيير مسمى «الأحكام العرفية» إلى «حالة الطوارئ»، على الأرجح لأنّ الصلاحيات الخاصة لم تعد تدبيرًا في زمن الحرب ولكن حالة حكم مستمر.

وخارج قانون الطوارئ نفسه، مُنِحت الأدوات القمعية دعمًا قانونيًا واسعًا، الأمر الذي سمح للنظام بمراقبة الصحافة، وإغلاق المنظمات غير الحكومية، ورمي المعارضين في السجن. ويمتلئ النظام القانوني ببصماتٍ سلطوية. غير أنّ هذا النظام السلطوي قد تعرض لهجومٍ كامل في الثورة المصرية عام 2011.

ثلاثة إصلاحات قيدت قانون الطوارئ بعد ثورة 2011

أولًا، تم إنهاء حالة الطوارئ في مصر أخيرًا عام 2012. وكانت هناك إعلانات عن حالات للطوارئ منذ ذلك الحين، لكنها كانت محدودة في الوقت والنطاق الجغرافي.

ثانيًا، في يونيو/حزيران عام 2013، خفضت المحكمة الدستورية العليا في البلاد قدرة قانون الطوارئ على التمكين من الاعتقالات. وبما أنّه لم تكن هناك حالة طوارئ سارية المفعول آنذاك، لم يكن للحكم تأثير مباشر يذكر، لكنّه أظهر أنّ المحكمة كانت على استعداد للنظر في الأمور التي كانت قد تخلت عنها في الماضي. وربما نبعت هذه الجرأة حقيقةً من أنّ الرئاسة كانت في ذلك الوقت في أيدٍ إسلامية.

ثالثًا، أدرجت أحكام دستورية لعرقلة فرض قانون الطوارئ لفتراتٍ لا نهاية لها، والتي ميزت البلاد منذ عقودٍ عديدة. وقد أظهر دستور عام 2012 (المكتوب تحت إشرافٍ إسلامي) ودستور عام 2014 (المكتوب بموجب النظام السلطوي المستجد) جهودًا في هذا الصدد. وتحدد المادة 214 من دستور عام 2014، حالة الطوارئ بمدة ثلاثة أشهر، وتقتضي موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب على الإعلان.

لماذا يسمح الجيش بتلك التغييرات الكبيرة؟

من المرجح أن تكون الأجهزة العسكرية وأجهزة الأمن الداخلي في مصر كانت على استعداد لتقديم هذه التنازلات لأن أحكامًا أخرى قد رسخت سلطتها. ومثلًا، فإنّ محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية تحميها مادة دستورية مختلفة. وأمر موافقة البرلمان آمن ومضمون، لأنّ الرئيس والأجهزة الأمنية لديهم الأدوات التي يحتاجونها للسيطرة على المجلس. وبالفعل، قام البرلمان بالموافقة سريعًا على إعلان الطوارئ الرسمي هذا الأسبوع، وعاكس بعض أحكام المحكمة العليا الدستورية لعام 2013 بناءً على طلب النظام في نفس الوقت. وطوال ذلك، أصدر النظام سلسلة من القوانين التي تجعل السلطوية نمطًا للعيش في مصر.

وتسمح حالة الطوارئ المعلنة حديثًا للحكومة المصرية بمزيدٍ من السلطات الأمنية والرقابية. وتسمح بإنشاء محاكمٍ خاصة، ويمكّن السلطات من اتخاذ تدابير خاصة لتأمين النظام العام ويسمح «للحاكم العسكري» بإحالة القضايا إلى المحاكم العسكرية. فهل يبدو ذلك مألوفًا؟

وعلى مدى سنوات، قام النظام باحتجاز الآلاف، والسماح بالمحاكمات العسكرية، وبناء دوائرٍ إرهابيةٍ خاصة من المحاكم العادية، وقام بدوريات مراقبة للمساجد، وعمل على تطهير المناصب من المعارضين، وحظر المظاهرات، وحل المنظمات غير الحكومية، وعرّض منتقديه للمضايقات، وراقب المحادثات الخاصة ووسائل التواصل الاجتماعي، وكل ذلك بدون الاستفادة من حالة الطوارئ.

إذًا لماذا يطلق العنان لقوات الأمن التي لم تكن مقيدة أبدًا في المقام الأول؟

إنّ المستهدف الحقيقي من إعلان حالة الطوارئ في مصر هو مؤسسات الدولة. وكانت المحاكم، على وجه الخصوص، حلفاء لا يمكن الاعتماد عليهم. وقد عرقلت المحاكم الإدارية اتفاق الحدود مع المملكة العربية السعودية. وقامت المحكمة الدستورية العليا بإلغاء جزء من قانون التظاهر، وأمامها سلسلة من القضايا الأخرى المعروضة عليها. وحكمت محكمة النقض، وهي أعلى محكمة استئناف في معظم القضايا المدنية والجنائية، بإلغاء العديد من الأحكام الصادرة عن دوائر الإرهاب.

وتتضح محاولات تأديب القضاء في بعض جوانب العملية التشريعية. فعلى سبيل المثال، كان هناك مشروع قانون يسير في طريقه ليصبح واقعًا من خلال البرلمان لتعزيز تولية الرئيس للمناصب القضائية العليا. وقد احتجت الهيئات القضائية بصراحة ولكنها تبدو الآن وكأنّها تشعر بالضغط. وبعد إعلان قانون الطوارئ، تحدث رئيس المحكمة الدستورية العليا بشكلٍ مباشر في مقابلة تلفزيونية عن تأييده لبعض خطواته، وقال أنّ القوانين المصرية عفا عليها الزمن وتحتاج إلى تحديث. وأشار إلى أنّه ينبغي استشارة السلطة القضائية بشأن أية تغييرات، بل إنّها ستشارك في الأمر بدلًا من عرقلة عملية تكييف قوانين مصر مع التهديدات الحالية.

وفي هذه الحالة، وعلى الرغم من أنّ حالة الطوارئ قد تكون قصيرة الأجل، إلا أنّ آثارها المقصودة قد تكون طويلة الأمد. وترسل الدولة المصرية رسالة داخلية عالية الصوت. ودائمًا ما كان حكام مصر يقومون بما يريدون دون حاجة إلى قوانين. لكنّ حالة الطوارئ هذه المرة قد أعلنت خصيصًا للحصول على تعاون الآخرين.

المصدر | واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي قانون الطوارئ