حروب ليبيا والاستثمار الروسي والخطر المتزايد للتقسيم

الثلاثاء 18 أبريل 2017 09:04 ص

في 15 مارس/آذار، نجح الجيش الليبي الذي يقوده «خليفة حفتر» في السيطرة على الموانئ النفطية الحيوية في سدرة ورأس لانوف من سرايا الدفاع عن بنغازي، التي كانت قد استولت عليها في 3 مارس/آذار. وعلى الرغم من هذا، لا تزال حالة الموانئ النفطية الرئيسية غير مستقرة. ولا تزال سرايا الدفاع عن بنغازي تحافظ على قواعد لها في ودان في الصحراء الشرقية، ويمكنها استئناف جهودها لاستعادة المراكز الرئيسية لتصدير النفط، خاصةً إذا كان بوسعها التوصل إلى اتفاقٍ مع ميليشيات مصراتة المدربة تدريبًا جيدًا، والتي نجحت مؤخرًا في طرد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) خارج سرت، بدعم جوي أمريكي كبير.

وفي أوائل أبريل/نيسان، اضطر حقل شرارة الكبير للنفط إلى وقف الإنتاج مرتين بسبب القتال بين القوات العسكرية المتنافسة التابعة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس ومجلس النواب في طبرق. وركزت معركة السيطرة على قاعدة تمنهنت الجوية بالقرب من أكبر مدينة في المنطقة، سبها، على السيطرة على خط الأنابيب الذي ينقل النفط من حقل شرارة إلى ميناء ومصفاة الزاوية. وفي 9 أبريل/نيسان، للمرة الثانية خلال الشهر، توقف تدفق النفط عبر خط أنابيب شرارة-الزاوية، خوفًا من الأضرار الناجمة عن القتال العنيف.

وفي استجابة للخطر المتزايد على خط الأنابيب، اعتمدت المؤسسة الوطنية الليبية للنفط على «العذر القهري»، محذرةً المشترين الأجانب من أنّ تعاقدات النفط الليبية المتعاقد عليها قد تتعثر. ومن خلال التحجج بـ «العذر القهري»، قامت المؤسسة الوطنية للنفط بتجنب العقوبات القانونية المحتملة إذا لم يتم الوفاء بالعقود السارية بالفعل.

وتنتج حقول شرارة 200 ألف برميل يوميًا، من مجموع إجمالي الإنتاج الليبي الأخير البالغ 700 ألف برميل. ويدار هذا الحقل من خلال مشروع مشترك بين المؤسسة الوطنية للنفط وشركة إسبانيا ريبسول. وكانت شركة النفط الوطنية الليبية قد قررت تسليم 4.83 مليون برميل في سبع شحنات منفصلة لشهر مايو/أيار عام 2017.

وتعتبر صادرات النفط أكثر حيوية للاقتصاد الليبي من أي وقتٍ مضى، حيث تقلصت احتياطيات النقد الأجنبي إلى 44 مليار دولار نزولًا من أكثر من 100 مليار دولار في عام 2013. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، توقع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط «مصطفى صنع الله» أن يبلغ إنتاج النفط 800 ألف برميل يوميًا في المتوسط خلال عام 2017، وتوليد إيرادات تبلغ 15.84 مليار دولار. وتوقع «صنع الله» أن تحتاج المؤسسة الوطنية للنفط إلى 2.5 مليار دولار من استثمارات رأس المال في عام 2017 من أجل إصلاح وتوسيع خطوط الأنابيب والمصفاة والبنية التحتية للموانئ لتلبية أهداف الإنتاج المؤقتة.

وفي 22 فبراير/شباط عام 2017، اجتمع «صنع الله» ورئيس روسنفت الروسية «إيغور سيتشين» في لندن لتوقيع اتفاقية استكشاف واستخراج مشترك، وهي أول صفقة استثمار أجنبي جديدة منذ الثورة والحرب الأهلية التي بدأت عام 2011. وبناءً على هذه الصفقة الروسية، عدل «صنع الله» تقديراته لإنتاج النفط لتصل إلى 1.25 مليون برميل يوميًا بحلول نهاية العام.

وأدى القتال الذي اندلع بالقرب من حقل شرارة، حول الموانئ النفطية للسدرة ورأس لانوف، وفي حوض سرت، إلى تعطيل إنتاج شركة الواحة للنفط، وهو مشروع مشترك منذ فترة طويلة بين شركة النفط الوطنية وشركة «كونوكو فيليبس» وشركة هيس وشركة ماراثون أويل. ولم تتأثر الحقول التي تملكها ألمانيا في وينترشال حتى الآن.

ودعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليبيا «مارتن كوبلر» إلى تشكيل لجنة مشتركة تضم 30 شخصًا من ممثلين عن حكومة الوفاق الوطني التي أنشأتها الأمم المتحدة وتتخذ من طرابلس مقرًا لها ومجلس النواب في طبرق، لإنشاء حكومة وحدة جديدة. ومثل هذا الطرح موضوعًا هامًا في اجتماع وزراء خارجية مجموعة الدول السبع الذي استضافته إيطاليا في 10 و11 أبريل/نيسان الجاري، وهو مطروح في محادثات موسكو بين وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون» ووزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف». وبصفته الرئيس التنفيذي السابق لشركة إكسون موبيل، فإنّ «تيلرسون» على دراية تامة بالدور الحيوي لقطاع البترول في الاقتصاد الليبي.

لكن في 6 أبريل/نيسان 2017، نشر مركز الأبحاث البريطاني المؤثر، تشاتام هاوس (المعهد الملكي للشؤون الدولية) تقييمًا لحكومة الوفاق الوطني، وخلص إلى أنّها «لا تملك سوى القليل من السلطة والشرعية المحدودة في نظر الكثير من الليبيين، معتمدين على مجموعة من ميليشيات طرابلس من أجل حمايتها». وفي 17 مارس/آذار، سار المتظاهرون في شوارع طرابلس مطالبين بإقامة حكومة قوية وإنهاء حكم الميليشيات على العاصمة. وتتولى الميليشيات الخاصة الأمن في 150 فرع بنك محلي في جميع أنحاء العاصمة، وينتشر بشكل كبير نظام الإتاوات على الأعمال المحلية وخطف السكان المحليين الأغنياء للحصول على فدية. وأفاد فريق خبراء تابع للأمم المتحدة مؤخرًا في ليبيا أنّ أحد قادة الميليشيات الإجرامية هو «هيثم التاجوري»، الذي أصبح غنيًا من خلال تلك العمليات الإجرامية، ولكنه لا يزال يعتبر أحد الداعمين الرئيسيين لحكومة الوفاق الوطني. وقد طردت قواته مؤخرًا حكومة الإنقاذ الوطني المنافسة من مقراتها في طرابلس.

الدور المتزايد لروسيا

وتلعب، إضافةً إلى صفقة روسنفت مع المؤسسة الوطنية للنفط، دورًا متزايدًا في ليبيا وفي حين أنها تدعم الجيش الذي يقوده «حفتر»، فإنها تغازل أيضًا رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني «فايز السراج»، الذي زار موسكو مؤخرًا.

وفي الخامس من أبريل/نيسان عام 2017، كان «السراج» في شتوتغارت بألمانيا، حيث اجتمع مع الجنرال «توماس فالدهاوزر»، رئيس القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، حيث حصل على رسالة مختلفة جدًا. وهي: تمسك بالغرب ولا تعطِ روسيا موطئ قدمٍ آخر في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وكانت مجموعة صغيرة من قوات العمليات الخاصة الروسية قد وصلت مؤخرًا إلى قاعدة في غرب مصر بالقرب من الحدود الليبية، وفي وقتٍ سابق، كانت القوات الروسية متمركزة حتى فبراير/شباط عام 2017 في مدينة مرسى مطروح الساحلية على بعد 50 ميلًا من الحدود الليبية.

وكتب الدكتور «مارك كاتز» مؤخرًا ورقة لمجلس الأطلسي، وهو مؤسسة بحثية في واشنطن، تحذر من أنّ الروس يمكنهم بناء نفوذهم السياسي في إيطاليا ودول أوروبية أخرى من خلال الحد من تدفق اللاجئين من شمال أفريقيا. ونقل «كاتز» عن الأدميرال «ميشيل هوارد» من الأسطول السادس الأمريكي، أنّ البحرية الروسية أكثر نشاطًا اليوم في منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​مما كانت عليه في ذروة الحرب الباردة.

وفي حين باركت إدارة «باراك أوباما» جهود الأمم المتحدة لإنشاء حكومة الوفاق الوطني، ونشرت الدعم الجوي للإطاحة بتنظيم الدولة الإسلامية من سرت، فإنّ إدارة «دونالد ترامب» الجديدة لم تضع بعد استراتيجية تخص ليبيا. ويدرس الرئيس «ترامب» ثلاثة أشخاص لاختيار أحدهم لمنصب المبعوث الرئاسي الخاص لليبيا. وكان «سيباستيان غوركا»، وهو نائب مساعد خاص للرئيس لمكافحة الإرهاب، الأقرب للحصول على المنصب. لكنّه دعا علنًا ​​إلى تقسيم ليبيا إلى ثلاث ولايات منفصلة كما كانت موجودة في ظل الإمبراطورية العثمانية: برقة في الشرق، وطرابلس في الغرب وفزان في الجنوب. أما المرشحان الآخران للمنصب فهما «بيتر هوكسترا»، الرئيس السابق للجنة استخبارات مجلس النواب، و «فيليب إسكارا فاج»، ضابط المخابرات الأمريكي السابق المتخصص في شؤون ليبيا. وفي عام 2015، كتب «هوكسترا» كتابًا بعنوان: «مهندسو الكارثة - تدمير ليبيا»، والذي هاجم من خلاله إدارة «أوباما» بسبب الإطاحة بالقذافي.

تقسيم ليبيا؟

وفي حين انتُقِد «غوركا» بشدة من قبل «ماتيا توالدو» الخبير بالشؤون الليبية في برنامج المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في لندن، والذي وصف مخطط غوركا لتقسيم ليبيا بالـ «جاهل»، تحذر أصواتٌ أخرى من احتمال تقسيم الدولة الليبية. وفي 28 مارس/آذار عام 2017، نشر معهد الشرق الأوسط، وهو مركزٌ بحثيٌ آخر في واشنطن، ورقة كتبها «عماد الدين منتصر» و«محمد فؤاد»، دعت إلى استعادة الدستور الليبي لعام 1963، الذي وضع استقلالية كبيرة للمنطقتين التاريخيتين الأكثر اكتظاظًا بالسكان في البلاد . وخلصوا إلى أنّ «الفشل في إيجاد صيغة تجمع بين الشرق والغرب، مثل دستور عام 1963، يمكن أن يؤدي إلى تقسيم البلد إلى قسمين. وقد يكون خيار الانفصال بين برقة وطرابلس، حيث تكون كل منها قادرةً على حكم شعبها بطريقة فعالة، خيارًا أكثر عدلًا للشعب الليبي من استمرار الخلاف والفوضى». وفي أفضل الأحوال، كما ذكر الكاتبان، يمكن للانقسام أن يشابه تفكك تشيكوسلوفاكيا إلى جمهورية التشيك وجارتها سلوفاكيا. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن ينتقل الوضع إلى حربٍ أو فوضى أكبر، كما حدث بعد انفصال جنوب السودان. وبالنظر إلى الدور المحوري للنفط في اقتصاد ليبيا، فإن حالة السودان، للأسف، تصبح هي الأقرب بشدة، مع الوضع في الاعتبار أنّ معظم الليبيين يعارضون تقسيم بلادهم.

المصدر | ميدل إيست بريفينغ

  كلمات مفتاحية

ليبيا حفتر روسيا بوتين موانيء النفط حكومة الوفاق