دعم واسع للأزهر ضد هجوم أذرع «السيسي».. و«الطيب» يواصل صمته

الثلاثاء 18 أبريل 2017 10:04 ص

حالة من الدعم الواسع، تشهدها مؤسسة الأزهر الشريف، ضد الهجمة الشرسة التي تعرضت لها عبر المؤسسات الإعلامية الموالية للسلطة، خلال الأسبوع الماضي، بعد تفجير كنيستين مصريتين بطنطا والإسكندرية.

الهجوم الذي استمر لأسبوع، ضد الأزهر، محملا إياه بالمسؤولية عن «تفريخ الإرهابيين»، لعدم «تجديد الخطاب الديني»، وعدم تكفير الإرهابيين، تبعه على مدار اليومين الماضيين، حملة تضامن واسعة مع مؤسسة الأزهر.

وبين الهجوم والدفاع، بقى شيخ الأزهر «أحمد الطيب»، منعزلا صامتا، إلا من بيان اليوم، حمل توقيع «هيئة كبار العلماء»، التي يترأسها «الطيب»، استنكرت الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الأزهر.

وقال البيان إن «التجاوزات التي طالت الأزهر، حملت تجريجا في ثوابت الإسلام، والطعن في التراث الفكري والحضاري الذي جعل من أمتنا العالم الأول على ظهر هذه الأرض لأكثر من عشرة قرون، والذي استلهمته أوربا في بناء نهضتها الحديثة».

قوة لمصر

وكان اليوميان الماضيان شهدا، عودة للتضامن مع الأزهر، بعد هجوم استمر أسبوعا، فوجه «أحمد السيد النجار» رئيس تحرير صحيفة «الأهرام»، كبرى الصحف الحكومية، حديثا لمهاجمي الأزهر بالقول: «احترموا قيمة وقامة الأزهر وشيخه الكريم، فتسفيه الكبار يفضي لفوضى أخلاقية، كما أن الأزهر كمركز للعالم الإسلامي بطبيعته المصرية الأكثر تحضرًا هو جزء من قوة مصر المعنوية في العالم رغم أنف السلفيين الوهابيين الذين خرجت من عباءتهم كل صنوف العنف والإرهاب».

 وتابع: «إذا كنا نطالب بعدم تدخل رجال الدين في السياسة والاقتصاد حتى لا نفسدهما ونحول الدين لتجارة رخيصة وانتهازية، فإن أول تطبيق لذلك هو ألا نطالب شيخ الأزهر الجليل أن يكفر هذا أو ذاك فذلك له قواعد فقهية تختلف عن القوانين الوضعية، وبما أن الدولة يحكمها القانون فلنطبق القوانين بشأن الإرهابيين بكل الحزم دون حاجة لإفتاءات من أي رمز ديني مسلم أو مسيحي».

كما ونشرت الصحيفة، اليوم مقالا للكاتب الصحفي «فتحي محمود»، قال فيه إنه «ليس من المعقول أن يقوم بعض الإعلاميين بهجوم عنيف على الأزهر وشيخه، واتهامات بدعم الإرهاب، قبل أيام قليلة من زيارة تاريخية يقوم بها البابا فرانسيس بابا الفاتيكان للقاهرة يلتقى خلالها شيخ الأزهر، ويشاركان معا فى مؤتمر عالمى للسلام».

وأضاف: «لا يستطيع أحد أن يزايد على العلاقة بين الدكتور الطيب والبابا تواضروس، والعلاقة بين الأزهر والكنيسة اللذين يشتركان معا فى بيت العائلة المصرية».

بينما تساءل الكاتب الصحفي «أكرم القصاص»، في مقال له بصحيفة «اليوم السابع» المعروفة بقربها من السلطات: «هل يمكن توجيه اللوم للأزهر والإمام الأكبر، لأنهم رفضوا إصدار فتوى بتكفير (داعش) وغيرها من الإرهابيين؟، ولماذا يتصور البعض أن مشكلات الإرهاب سوف تنتهى لمجرد أن تصدر فتاوى بتكفير جماعات التكفير؟».

وأضاف: «البعض يأخذ على الأزهر أنه رفض إصدار فتاوى بتكفير (داعش)، بينما الأزمة الأساسية فى التطرف والإرهاب هو التوسع في تكفير الآخر المختلف في الرأى والمذهب، بل والدين، وهناك مسافة بين الفتاوى وبين تحول الفرد إلى قنبلة تنفجر فيمن لا يعرفهم، ويقتنع بأنهم كفار لا يستحقون الحياة».

فشل سلطة

أما الإعلامي «وائل الإبراشي»، فقال إن «هناك جهات بعينها تسعى إلى إلقاء المسئولية الكاملة على مؤسسة الأزهر بسبب فشلها».

وأوضح «الإبراشي»، أن البعض هاجم مؤسسة الأزهر، وكأن شيخ الأزهر هو من أعطى أوامر بتنفيذ العمليات الإرهابية، مشيرا إلى أن «شيخ الأزهر رأيه مستنير ومعتدل ويواجه الطائفية بخطاب متوازن يصل إلى كل الدول التي تعاني من الطائفية، رغم كل الانتقادات التي يواجهها في المؤسسة».

الدفاع عن الأزهر، خرج من حيز السياسيين، وانضم إليه فنانون، حين غرد أمس الفنان «خالد أبو النجا»، مدافعا عن الأزهر، ومهاجما الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي».

وقال: «الأدعى أن نطالب بتنحي السيسي، مش شيخ الأزهر، السيسي فشل».

النيل من استقلاله

أما «السيد البدوي» رئيس حزب «الوفد» (ليبرالي)، فقال إن الأزهر يتعرض لما وصفها بـ«هجمة شرسة تأميم الأزهر»، مؤكدًا أن الحزب «لن يسمح بالمساس باستقلال الأزهر».

وأضاف «البدوي» في تصريحات نقلتها «سي إن إن عربية»: «العالم كله يحترم شيخ الأزهر.. محاربة الإرهاب ليست مسؤولية الأزهر وحده، وإنما مسؤولية مشتركة بين الأزهر والأوقاف والثقافة والإعلام والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني" داعيا الحكومة بالمقابل للقيام بدورها لجهة "تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية، وتوفير فرص العمل لتجفيف منابع الإرهاب».

فيما طالب حزب النور (سلفي) في تغريدة له: «ارفعوا أيديكم عن الأزهر، أخرجوا الأزهر من الصراعات السياسية والمكايدات الرخيصة.. تشعلوها نارا فتحرق الجميع!».

فيما قالت «الجماعة الإسلامية» في بيانٍ لها: «الهجوم على الأزهر بفتح أبواب الفتن التي يحاول المخلصون من أبناء هذا الوطن وأدها وغلق أبوابها، وذلك في تزامن مريب تتفق فيه ألسنة دعاة الفتنة في الداخل مع هجمة غربية شرسة على ديننا الحنيف تكشف عن وجوه قبيحة لا همّ لها إلا تشويه صورة الإسلام والطعن في ثوابته العظيمة ناسية أو متناسية فضل الإسلام وعلمائه على الدنيا بأسرها طيلة قرون طوال».

وأضافت أن «ما يدعو إليه البعض من تدخل سافر في شئون الأزهر والعبث باستقلاليته ما هو إلا ضرب من اللعب بالنار الذي لا يصب إلا في خانة أعداء الوطن المتربصين به».

كما أن الفقيه الدستوري المستشار «طارق البشري»، اعتبر أن حملة الهجوم على الأزهر «تهدف إلى النيل من استقلاله».

ولفت إلى رغبة السلطات لخدش استقلالية الأزهر التي يحصنها الدستور، وإخضاع المؤسسة العريقة، مضيفا: «هناك رغبة من قبل بعض الجهات ﻷن يتحول الأزهر لمؤسسة خاضعة تنفذ ما يملى عليها، دون تدخل منها حتى في شؤونها الداخلية».

دفاع دولي

الدفاع عن الأزهر، لم يقف بين السياسيين المصريين، بل تخطاه لمسؤولين غربيين، فقال «نبيل حجلاوي» قنصل عام فرنسا بالإسكندرية، إن «بلاده تتعاون مع الأزهر الشريف في نشر الدين الإسلامي الوسطي والاستفادة من خبرات أئمته».

بينما قال الدكتور «عبد المنعم فؤاد» عميد كلية الوافدين بجامعة الأزهر، أن أكثر من 112 دولة تتعاون مع مؤسسات الأزهر، ويرسلون أبناءهم للتعلم فيه، ويستقبلون مبعوثي الأزهر لتعليم الجاليات الإسلامية حول العالم مفاهيم الدين الحنيف.

صفحة «دار الإفتاء» على «فيسبوك»، تولت هي الأخرى، الدفاع عن الأزهر، من خلال نشر عدد من التدوينات، وقالت: «الأزهر لا يحتكر لنفسه حق تأويل النص أو يقصر المعرفة على نفسه دون غيره، بل الأمر راجع إلى منهج علمى رصين حافظ الأزهر عليه ونشره وعلمه وأودعه في الكتب، وجعله متاحًا بل قد قامت على هذا المنهج مدارس أصيلة».

وتابعت: ««الأزهر احترمْ تراث المسلمين وانطلقْ منه وأَضِف إليه وانتفع بما فيه من مناهج دون الوقوف عند المسائل المعينة، التي أفرزها زمانهم وتجاوزها زماننا، لكنهم عالجوها ونظروا فيها، وقاموا معها بالتصوير والتكييف والتعليل والتدليل، وفق منهج سديد من النظر فخرجت النتيجة محققة لمقاصد الشرع في زمانهم».

«الطيب» صامت

وأمام الهجوم والدفاع، بقي «الطيب» صامتا، يعمل دون إصدار أي تصريح، سواء إيجابا أو سلبا.

كما أن «الطيب» لم يعُد يظهر بشكل مُكثَّف في وسائل الإعلام لعرض وجهة نظره في القضايا المختلفة على الساحة، وهو ما اعتبره مراقبون إما استسلام للواقع ورفع للراية البيضاء أمام الهجمات المكثفة، وإما استغلال لقوته الناعمة في الحفاظ على منصبه، وهو ما كان يتم خلال العامين الماضيين، من خلافات متتالية مع مؤسسة الرئاسة، وهي الخلافات التي انتصر فيها مسبقا مع أزمة «الطلاق الشفوي» و«الخطبة المكتوبة».

هجوم متواصل

وكان هجوم واسع، شهده الأسبوع الماضي، استهدف الأزهر الشريف، بدعوى فشله في تجديد الخطاب الديني ومواجهة الإرهاب، بل إن بعض الإعلاميين ذهب أبعد من ذلك، ليقول إن المؤسسة، التي يتجاوزها عمرها الألف عام، ماتت.

واتهم بعضهم الآخر المرجعية الكبرى للمسلمين السنة بأنها «مفرخة لتخريج الإرهابيين»، لتتعالى المطالبات بضرورة إصلاح مناهج الأزهر.

وتصاعد الهجوم بشكل كبير، عقب تفجيري كنيستي طنطا والإسكندرية، بدعوى تجاهل «الأزهر» لتجديد الخطاب الديني، وعدم تكفير الجماعات الإرهابية، وهي الاتهامات التي تتكرر كل فترة، مع اي حادث إرهابي. (طالع المزيد)

وعلى الرغم من أن الأمن المصري لم يعلن تورط أزهريين في الأعمال الإرهابية الأخيرة، إذ لم تضم القائمة التي أعلنتها وزارة الداخلية للمتهمين أي أزهري، إلا أن الإعلام يصر على توجيه الاتهامات للأزهر.

بيد أن «السيسي» ربط مسألة التفجيرات بقضية عدم تجديد الخطاب الديني المُوكلة للأزهر؛ وبالتالي فقد شرعت كافة وسائل الإعلام المُؤيّدة للسلطة في الهجوم على «الطيب»، حتى خرج الكاتب والصحفي «حمدي رزق» ليقول إن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الأزهر الشريف وشيخه، جعلت «الطيب» يفكر بالاعتزال، في ظل تصاعد الحديث عن خلافة «أسامة الأزهري» مستشار «السيسي» له. (طالع المزيد)

وشهدت الفترة الأخيرة، وصف من إعلاميين لكتب التراث الإسلامي، التي قامت على خدمة الكتاب والسُّنَّة، بأنها «كتب النفايات البشرية التي مثلت لعنة حلَّت على الأمة، والتي يجب حرقها ودفنها.. فكل التراث مبني على النفاق والكذب والتدليس»، بحسب ما ذكره بيان «كبار العلماء».

وأضافت الهيئة: «كما تصف هذه الفضائيات ثمرات قرون صدر الإسلام، القرون الثلاثة الأولى، بلعنة الإرهاب والقتل والدموية والترويع، والكارثة الكبرى التي حلت بحياتنا، وتصف الدين، الذي هو وحي وتنزيل إلهي ووضع إلهي ثابت، بأنه منتج بشـري، لا يصح أن يكون علمًا، وتصف علوم الحديث النبوي بالتافهة.. وتحكم بأن كل التخلف والعته والسفه في المجتمعات الإسلامية منذ ألف سنة سببه الفكر الإسلامي والمذاهب الفقهية الأربعة، وأئمة هذه المذاهب الذين تقول عليهم هذه الفضائيات إنهم أئمة الشيطان، الذين يتعلم منهم الشيطان»!.

واستنكرت الهيئة، اتهام مجلات وضحف لأئمة الإسلام بأنهم «أئمة الثقافة التكفيرية»، واتهام المذهب الأشعري، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، الممثل لفكر 90% من الأمة بالمسئولية عن الإفقار الكامل لكل من الطبيعة والسياسة والعقل.

كما انتقدت الهيئة، اتهام الأزهر ومناهجه وعلماءه بالإرهاب، «متوسلين إلى ذلك بالتفسير المادي للدين، وطيّ صفحة الإيمان الديني، وفتح الأبواب أمام المادية الجدلية والتاريخية والزندقة والإلحاد، والبنوية والتفكيكية والحداثة وما بعد الحداثة»، بحسب البيان.

وعقب وقوع أحداث تفجيرات الكنيستين، قرر «السيسي» تشكيل «مجلس أعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف»، ومنحه صلاحيات لضبط الموقف على كل المناحي في مصر، وذلك خلال اجتماعه بمجلس الدفاع الوطني، وهو ما وصفه بعض الإعلاميين بأنه تحجيم لدور الأزهر.

حيث من المتوقع، أن يتم إسناد مهام ما يسمى بـ«تجديد الخطاب الديني»، إلى المجلس الجديد، بصلاحيات تتجاوز المؤسسة الدينية في مصر، وعلى رأسها الأزهر الشريف، في ظل خلافات بين مؤسسة الرئاسة، و«الطيب».

الهجمة الإعلامية التى شُنت على الأزهر ومشايخه، فسرها سياسيون بأنها امتداد للأزمة المعروفة إعلاميا بـ«الطلاق الشفوى» التي وقعت في فبراير/ شباط الماضي، وذهب بعضهم إلى وصف الحملة بأنها تدل على الرغبة في السيطرة على مرافق الأزهر من قبل السلطة السياسية.

وكانت أصوات تعالت الفترة الماضية تطالب بتعديل قانون الأزهر، وتتهمه بأنه عائق أمام حركة تجديد الخطاب الديني، وتعتبر مناهجه سببا في انتشار التطرف والإرهاب في مصر.

وظل الهجوم على الأزهر وقيادته أمراً نادراً في مصر، إلا من أصوات مفكرين قليلين يجاهرون بانتقادات لنهجه، لكن لوحظ في الآونة الأخيرة زيادة حدة الانتقادات الموجهة للمؤسسة، والنبش في مناهجه وانتقاء نصوص منها، وتحميلها جزءاً من مسؤولية انتشار الفكر المتطرف.

إلا أن تصاعدت حدة الخلاف بين الأزهر ومؤسسة الرئاسة، تصاعد منذ بداية العام الجاري، في ظل استغلال الأذرع الإعلامية المحسوبة على الدولة، للهجوم على المؤسسة الدينية الأولى في مصر. (طالع المزيد)

وبدا أن «السيسي»، غير راضٍ عن جهود الأزهر في هذا الصدد، إذ مازح شيخ الأزهر في خطاب، اقترح فيه تقييد مسألة الطلاق الشفوي، قائلاً: «تعّبتني يا فضيلة الإمام».

وسارع البرلمان المصري، فور إطلاق «السيسي» دعوته، إلى الإعلان عن إعداد مشروع قانون يحظر الطلاق الشفوي، بل يرتب عقوبات على الأزواج الممتنعين عن دفع حقوق زوجاتهم، فيما لاقت الدعوة ترحيبا من منظمات نسوية، لكن الملف أثار جدلا بين الفقهاء، وأعلن الأزهر رفضه صراحة المقترح الرئاسي.

وعلى الرغم من أن «الطيب» كان أحد أبرز الداعمين للانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، وشارك في البيان الذي ألقاه «السيسي» حينما كان وزيرا للدفاع آنذاك للإعلان عن خارطة الطريق، في مرحلة ما بعد «محمد مرسي»، أول رئيس مدني منتخب في البلاد، فإن حملات الهجوم الإعلامي تتواصل ضده، وسط إشارات رئاسية تؤكد عدم الرضا عن أدائه، بل وتلمح إلى تهميشه، وربما التخطيط في إقصائه من المشهد، وذلك عقب تشريعات برلمانية. (طالع المزيد) (طالع أيضا)

ووفقا لقانون الأزهر الذي تم إقراره في يناير/كانون ثان من العام 2012 -ونص على انتخاب شيخ الأزهر وانتهاء خدمته ببلوغه سن الثمانين- يكتسب شيخ الأزهر حصانة في منصبه تجعله غير قابل للعزل، إضافة إلى أن تقاعده لن يكون قبل 9 سنوات حين يتعدى 80 عامًا، وفقًا للقانون.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأزهر السيسي مصر تجديد الخطاب الديني خلافات ازمات هجوم دفاع هيئة كبار العلماء